ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
نبـي
الـرحمة الرسـالة
والإنسـان (11) تأليف
: محمد مسعد ياقوت الفصل
السابع رحمتهr
للضعفاء المبحث
الأول : رحمته للفقراء المبحث الثاني :
رحمته للعبيد والخدم المبحث الثالث :
رحمته لذوي الاحتياجات الخاصة المبحث الرابع :
رحمته للمسنين المبحث الخامس :
رحمته للأموات المبحث
الأول رحمته
للفقراء وفي رعاية محمد r
للفقراء والمحتاجين مظهر من
مظاهر الرحمة في شخصيته r،
وخصوصاً تلك الجهود المشكورة
التي بذلها في مكافحة الفقر
والبطالة .. فبعدما عاشت
الجزيرة العربية حياة الطبقية ..
الغني يأكل الفقير، والقوي
يبتذ الضعيف، ظهر سيدنا محمد r
بدعوته التي حققت العدالة
الاجتماعية متمثلة في دولة
المدينة المنورة من ناحية، وفي
منهج الإسلام في مكافحة الفقر
والمرض والجهل من ناحية أخرى .. المطلب الأول :
فضل محمدr
على الفقراء : كان النبي r
رحمة حقيقة للفقراء .. رحمة لهم كمشّرع،
رحمة لهم كحاكم، ورحمة لهم كغني
، ورحمة لهم كنبي قبل كل شيء! يقول المستشرق
الإسباني جان ليك: " وقد برهن [r]
بنفسه على أن لديه أعظم الرحمات
لكل ضعيف ، ولكل محتاج إلى
المساعدة ، كان محمد [r]
رحمة حقيقة لليتامى والفقراء
وابن السبيل والمنكوبين
والضعفاء والعمال وأصحاب الكد
والعناء"[1]. وكان - كما تقول
كوبولد -: "كريمًا بارًا كأنه
الريح السارية، لا يقصده فقير
أو بائس إلا تفضل عليه بما لديه،
وما لديه كان في أكثر الأحايين
قليلاً لا يكاد يكفيه"[2]. "ومن يجهل أنه [r]
لم يعدل، إلى آخر عمره، عما
يفرضه فقر البادية على سكانها
من طراز حياة وشظف عيش؟ وهو لم
ينتحل أوضاع الأمراء قط مع ما
ناله من غنى وجاه عريض.. وكان [r]
حليمًا معتدلاً، وكان يأتي
بالفقراء إلى بيته ليقاسمهم
طعامه"[3]. وذات مرة " أوحى
الله تعالى إلى النبي [r]
وحيًا شديد المؤاخذة لأنه أدار
وجهه عن رجل فقير أعمى ليخاطب
رجلاً غنيًا من ذوي النفوذ"[4]
. ويلخص
واشنجتون إيرفنج السلوك
المالي للنبي r
بقوله : "كان
الرسول [r] ينفق ما يحصل من جزية أو ما يقع
في يديه من غنائم في سبيل انتصار
الإسلام، وفي معاونة فقراء
المسلمين، وكثيرًا ما كان ينفق
في سبيل ذلك آخر درهم في بيت
المال.. وهو لم يخلف وراءه
دينارًا أو درهمًا أو رقيقًا..
وقد خيره الله بين مفاتيح كنوز
الأرض في الدنيا وبين الآخرة
فاختار الآخرة !"[5]. وفي
يوم ازدحمت عليه الأعراب يطلبون
المال حتى اضطروه إلى شجرة،
فانتزعت رداءه فقال : "أيها
الناس، ردوا علي ردائي ! فو الذي
نفسي بيده لو كان عندي عدد شجر
تهامة نعماً لقسمته عليكم، ثم
ما ألفيتموني بخيلاً ولا جباناً
ولا كذاباً "[6].
ورد
على هوازن سباياهم وكانت ستة
آلاف، وأعطى العباس من الذهب ما
لم يطق حمله! وحُملت
إليه تسعون ألف درهم فوضعت على
حصير !! فقام إليها يقسمها،
فمارد سائلاً حتى فرغ منها[7]
!.
وأعطى
صفوان بن أمية غنماً ملأت
وادياً بين جبلين فقال صفوان:
أرى محمداً r
يعطى عطاء من لا يخشى الفقر ! وفي
ذلك؛ نرى في شخص رسول الله r نموذج الحاكم المسلم العفيف،
الذي يتعفف عن المغانم والأموال
في سبيل سد أبواب الفقر في
المجتمع الإسلامي، كما أنه r بهذا المسلك يكون قدوة وأسوة
للأغنياء، فيكون محفزاً لهم على
البذل والإنفاق فوق الزكاة
المفروضة.. المطلب الثاني :
نظام الزكاة – نموذجًا: وفي نظام الزكاة
رحمة عملية للفقراء .. فالحكومة
الإسلامية تحّصل زكاة المال من
الأغنياء لتردها إلى فقراء
الشعب.. فلما
بَعث النبيُ r
معاذَ بن جبل إلى اليمن ، أوصاه
الرسول r
قائلاً : " أعلمهم أن الله
افترض عليهم صدقة تؤخذ من
أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن
هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم
أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه
ليس بينها وبين الله حجاب"[8]
.. وتعرف الزكاة
بأنها الجزء المخصص للفقير
والمحتاج من أموال الغنى . وتحسب
الزكاة كنسبة 2.5%
من المدخرات السنوية إذا تعدت
قيمة معينة تعرف بالنصاب . والزكاة مشتقة في
اللغة العربية من زكا والتى
تعنى النماء والطهارة والبركة.
فإخراج الزكاة طهرة لأموال
المسلم وقربة إلى الله تعالى
يزداد بها ومجتمعه بركة وصلاحًا
. إذ
ينظر الإسلام إلى مال المسلم
الغني كأمانة استأمنه الله
عليها ينبغي عليه أن يؤدى حقها
ويستعملها فيما يرضى الله تعالى
. والزكاة
في الإسلام هى أول نظام عرفته
البشرية لتحقيق الرعاية
للمحتاجين والعدالة الاجتماعية
بين أفراد المجتمع حيث يعاد
توزيع جزء من ثروات الأغنياء
على الطبقات الفقيرة
والمحتاجين . وخول
"الفقراء حق أخذها إذا امتنع
الأغنياء من دفعها طوعاً"،
كما بين "ليورودتن"[9]
. وتؤدى
الزكاة إلى زيادة تماسك المجتمع
وتكافل أفراده والقضاء على
الفقر وما يرتبط به من مشاكل
اجتماعية واقتصادية وأخلاقية
إذا أحسن استغلال أموال الزكاة
وصرفها لمستحقيها . وفي الزكاة يقول
"ول ديورانت" : "..
لسنا نجد في التاريخ كله مصلحًا
فرض على الأغنياء من (الضرائب)[10]
ما فرضه عليهم محمد [r]
لإعانة الفقراء.."[11]. ويفصِّل "جاك
ريسلر" القول في فضائل الزكاة
فيقول : "كانت
الزكاة قبل كل شيء عملاً
تعاونيًا حرًا وإداريًا ينظر
إليه على أنه فضيلة كبرى. "وفي
تنظيم جماعة (المدينة) اعتد
النبي [r]
هذا العمل الخير كضريبة شرعية
إجبارية لصالح الفقراء
والمعوزين. وسيتحول فيما بعد
هذا النظام وسيتولد عنه هيئة من
موظفين وبيت مال.. لكن إذا كانت
الدولة قد صنعت هذا العمل
الخيّر مصدرًا لمواردها، فإن
مبدأ الزكاة ظل – بفضل القرآن –
فضيلة مارسها المسلمون
تلقائيًا بوصفه واجبًا دينيًا.
وينبغي أن نزجي الثناء لمحمد [r]
فقد كان أول من شرع ضريبة تجبى
من الأغنياء للفقراء، هكذا أوجد
القرآن الرحمة الإجبارية !" [12]
. وما أجمل ما قاله
بنكمرت[13]
في وصفه لنظام الزكاة، حين قال :
"لم أجد دينًا وضع للزكاة
تشريعًا شاملاً كالإسلام.
والمجتمع الإسلامي الذي يحرص
على إخراج الزكاة يخلو من الفقر
والحرمان والتشرد.. إنني أتصور
لو أن العالم كله اهتدى إلى
الإسلام لما بقي على ظهر الأرض
جائع أو محروم ! ! والمجتمع
المسلم الذي يلتزم بأحكام
الإسلام وآدابه مجتمع نظيف سعيد
تنعدم فيه الجرائم بكافة
ألوانها."[14] من ناحية أخرى ،
فقد حذر سيدنا محمد rمن
مغبة منع الزكاة وتوعد مانع
الزكاة بالعذاب الشنيع يوم
القيامة، فقال r "من آتاه الله
مالا فلم يؤد زكاته مثل له يوم
القيامة شجاعا أقرع [ نوع من
الثعابين ] له زبيبتان يطوقه يوم
القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه ( يعني
شدقيه ) ثم يقول : أنا مالك أنا
كنزك ".. ثم تلا النبي [r]]
ولا يحسبن الذين يبخلون بما
آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم
بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا
به يوم القيامة [ [آل
عمران : الآية 180]
"[15].
وقال مرغبلاً في
فريضة الزكاة
:"من أدى زكاة ماله فقد
ذهب عنه شره"[16]. وقال r
"ثلاث من فعلهن فقد طعم طعم
الإيمان : من عبد الله وحده،
وعلم أن لا إله إلا الله، وأعطى
زكاة ماله طيبة بها نفسه رافدة
عليه كل عام ولم يعط الهرمة ولا
الدرنة ولا المريضة ولا الشرط
اللئيمة ولكن من وسط أموالكم
فإن الله لم يسألكم خيره ولم
يأمركم بشره"[17]. وقالr:
"من أعطاها مؤتجرا فله أجرها
، ومن منعها فأنا آخذها وشطر
ماله غرمة من غرمات ربنا . لايحل
لآل محمد منها شيء"[18]. المطلب
الثالث: دوره r في مكافحة
البطالة
: أولاً
: ترسيخ قيم العمل والانتاج
: لقد رسخ سيدنا
محمد r
في المجتمع
بتعاليمه الغزيرة قيمًا
اجتماعية وتنموية جليلة
كالانتاجية والعمل. فكرس في نفوس
المسلمين بغض العطلة، وحب
التكسب من عرق الجبين.. فكان
رسول الله r
يمقت أن يرى الرجل لا شغل له،
وقد فضل r
ثواب العامل من أجل لقمة العيش
على العابد العاكف في المسجد،
بل عد الساعي على إطعام بطنه
وبطون أهله من الحلال كالخارج
في سبيل الله . ونراه في أكثر من
موضع يحبذ لكل مسلم فقير أن يحفظ
ماء وجهه من سؤال الناس والأفضل
له أن يخرج يتكسب من أي وسيلة
مشروعة، ولو في جمع الحطب .. فقال
r
- مشجعاً على العمل منفرًا من
البطالة ـ :"لأن يأخذ أحدكم
أحبله، فيأتي بحزمة من حطب على
ظهره؛ فيبيعها فيكف بها وجهه؛
خير له من أن يسأل الناس أعطوه
أم منعوه"[19].
قال
العلامة القرضاوي : "فبين
الحديث
أن مهنة الاحتطاب على ما فيها من
مشقة، وما يحوطها من نظرات
الازدراء، وما يرجى منها من ربح
ضئيل، خير من البطالة وتكفف
الناس"[20]
. ثانيًا : قضاء
حوائج العاطلين : تجده
r
يفكر ويخطط لشاب فقير بحيث يوفر
لهr
فرصة عمل يتكسب منها .. فعن
أنس بن مالك: أن رجلاً من
الأنصار أتى النبي rيسأله
(الصدقة)، فقال " أما في بيتك
شىء ؟ " قال: بلى ، حلس نلبس
بعضه ونبسط بعضه ، وقعب نشرب فيه
من الماء . قال " ائتني بهما
" قال: فأتاه
بهما، فأخذهما رسول الله r
بيده وقال " من يشتري هذين "
؟ قال: رجل
أنا آخذهما بدرهم.
قال :" من يزيد على درهم ؟
" مرتين
أو ثلاثا . قال رجل :" أنا
آخذهما بدرهمين ".
فأعطاهما إياه ، وأخذ
الدرهمين فأعطاهما الأنصاري.
وقال " اشتر بأحدهما
طعامًا فانبذه إلى أهلك ، واشتر
بالآخر قدوما فأتني به "
فأتاه به. فشد
فيه رسول الله rعودًا
بيده ثم قال له:
"اذهب فاحتطب وبع ولا
أرينك خمسة عشر يومًا " .
فذهب الرجل يحتطب ويبيع،
فجاء وقد أصاب عشرة دراهم،
فاشترى ببعضها ثوبًا،
وببعضها طعامًا . فقال رسول الله
r:
" هذا خير لك من أن تجيء
المسألة نكتة في وجهك يوم
القيامة . إن المسألة لا تصلح
إلا لثلاثة لذي فقر مدقع [ الفقر
الشديد ] أو لذي غرم مفظع،
أو لذي دم موجع "[21]. فانظر
كيف خطط النبي rلهذا
الشاب ، بحيث يوفر له النبي rفرصة
عمل يتكسب منها. ثالثًا:
تحريمهr
البطالة : هذا،
ولقد حارب سيدنا محمد r كل مظاهر البطالة، والإخفاق عن
التكسب، بشتى الطرق، ليسد كل
باب أمام انتشار الفقر في
المجتمع .. فقلد حرم النبي r
البطالة مع
القدرة على العمل، والحاجة إلى
الكسب لقوته وقوت من يعوله، وفي
هذا يقول النبي r : "إن الله يكره الرجل البطال"،
" والبطالة تقسي القلب"[22]
. رابعًا:
ترغيبهr
في الزراعة : ونراه
يرغب في الزراعة
في أحاديث مباركة ، مثل قوله
: "مَا
مِنْ مُسْلِمٍ يَزْرَعُ
زَرْعًا أَوْ يَغْرِسُ
غَرْسًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ
طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ
بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ
بِهِ صَدَقَةٌ"[23].
خامسًا:
ترغيبهr
في الصناعة : ويرغب
في الصناعة، فيقول: "
مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَامًا
قَطُّ خَيْرًا مِنْ أَنْ
يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ
وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ
دَاوُدَ- عَلَيْهِ السَّلَام -كَانَ
يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ"[24].
سادسًا:
ترغيبه rفي
التجارة : ويرغب
في التجارة، قائلاً: "
التَّاجِرُ الصَّدُوقُ
الْأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ
وَالصِّدِّيقِينَ
وَالشُّهَدَاءِ"[25].
وقد
صنف الإمام البخاري باباً، تحت
عنوان : بَاب الْخُرُوجِ فِي
التِّجَارَةِ وَقَوْلِ اللَّهِ
تَعَالَى" فَانْتَشِرُوا فِي
الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ
فَضْلِ اللَّهِ " . المبحث الثاني رحمته للعبيد والخدم تتمثل رحمتهr
للعبيد في عدة جوانب، أهمها أنه
ساهم بشكل كبير تحرير العبيد،
فضيق rمصادر
الاسترقاق ووسع منافذ التحرير،
كما جعل للعبيد حقوقًا وواجبات
وأمر بالرفق بهم وبالخدم، فهم
على أقل الأحوال إخوننا في
الإنسانية .
المطلب
الأول : تحرير العبيد لقد
كانت دعوة النبي r دعوة لحرية الإنسان ،
والقضاء على العبودية ، فقرر
الحرية الإنسانية وجعلها من
دلائل تكريم الخالق للإنسان،
ولذا رأيناهr يول عناية خاصة لتحرير
الأرقاء ، عن طريق إلغاء مصادر
الرق أولاً ، و تشجيع المسلمين
على تحرير عبيدهم، انطلاقاً من
قاعدة أن من أعتق عبداً أعتق
الله له بكل عضو عضواً من أعضائه
من عذاب النار[26].
ومن
ثم نظم الإسلام أحكام الرق،
بحيث تضيق في أسباب حدوث الرق،
وتوسع في أساليب العتق، ولذلك
- كما يقول إميل درمنغم : -
"عُدّ فك الرقاب من الحسنات
ومكفرًا لبعض السيئات"[27]
. ويذكر
آدم متز[28] أهم أساليب العتق في الإسلام – مبيناً أن
العتق يعد مبدأ من مبادىء
الإسلام - ، فيقول : "كان في
الإسلام مبدأ في مصلحة الرقيق،
وذلك أن الواحد منهم كان يستطيع
أن يشتري حريته بدفع قدر من
المال، وقد كان للعبد أو
الجارية الحق في أن يشتغل
مستقلاً بالعمل الذي يريده..
وكذلك كان من البر والعادات
المحمودة أن يوصي الإنسان قبل
مماته بعتق بعض العبيد الذين
يملكهم"[29]
. وكان
الرسول في مجتمعه الإسلامي
إماماً في إقرار مبدأ تحرير
العبيد ، حتى أن أسرى الحرب لم
يعتبرهم عبيدًا ، وسمح لهم بدفع
الفدية أو تعليم أبناء المسلمين
لفك أسرهم[30]. فلم يبق [r] أيما
عبد على عبوديته . فما إن يؤول
إليه عبد رقيق، حتى يسارع إلى
إعتاقه[31]. بل
رفع r
من شأن العبيد حتى جعل
النبيr -كما يقول نظمي لوقا[32]
- "العبدان والأحابيش سواسية
وملوك قريش !"[33]
. ومن هنا
وقفت قيادات قريش الأرستقراطية
في وجه الدعوة التي ترنو إلى
تحرير العبيد وتنادي بالمساواة
التامة بينهم وبين السادة، ولقد
كانت قيادات مكة تساوم قائد
الدعوة على طرد هؤلاء العبيد
مقابل إقرار قيادات مكة
بالإسلام، ومن ثَم نزل القرآن
الكريم محذرًا رسول الله أن
يترك العبيد أو أن يطردهم، وهم
الذي بذلوا الغالي والنفيس في
سبيل الدعوة، ويدعون ربهم
الواحد الأحد صباحًا ومساءً،
يريدون ببذلهم وجه الله تعالى،
لا يبتغون منصبًا أو جاهًا كما
يبتغي غالبية السادة.. فقال الله
تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ
مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ
رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ
وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ
وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ
عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ
زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا
قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا
وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ
أَمْرُهُ فُرُطاً} [الكهف: 28]، إن
هؤلاء العبيد -في الشرع
الإسلامي السمح- هم أعظم قيمة
وأكثر بركة وأرق أفئدة وأطهر
نفسًا، من هؤلاء السادة الذين
يستعبدون الناس، ويتجبرون في
الأرض بغير الحق.. هؤلاء العبيد
نزل من أجلهم الأمر من السماء
إلى رائد الدعوة rبأن يضعهم في عينيه! بل نزل التحذير من
الله لرسولهr من أن يلتفت عن
العبيد إلى زينة الكبراء، أو أن
يتلهى عن العبد ويطيع السيد
المارق. أما
العبيد فقد وجدوا الكرامة
والحرية، في تعاليم الإسلام
الإصلاحية، وفك رقابهم من طوق
الفقر والذل، وخلصهم من عبادة
الحجارة وسياط السادة. بل جعل
منهم سادات المسلمين، حتى أُثر
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
تعليقًا على حادثة شراء أبو بكر
لبلال بن رباح رضي الله عنهما
ليعتقه من الرق فقال: "سيدنا
وأعتق سيدنا!". المطلب
الثاني : فرية سن الإسترقاق: ورغم
جهود محمد r في تحرير العبيد إلا أن
بعض الحاقدين زعموا أن محمداً r
سن
الاسترقاق!
ونحن
نترك العلامة" لايتنر" يرد
على هذه الفرية، فيقول: "..
إنا نرى الأغبياء من النصارى
يؤاخذون دين الإسلام كأنه هو
الذي قد سنّ الاسترقاق، مع أن
محمدًا [r] قد حضّ على عتق الرقاب،
وهذه أسمى واسطة لإبطاله حقيقة"[34]
.. كذلك
يتحدث
الكاتب الفرنسي "فانسان مونتييه"[35]،
مستنكراً هذه الشبيهة على
أصحابها، فيقول: "
إنهم يتهمون الإسلام بظاهرة
الرَقّ التي وُجِدَتْ قبل
الإسلام وليس بعده، بل حين
انتشر الإسلام وطُبقت تعاليمه
كان يسعى لإلغاء الرّق، بل إن
كثيراً من الكفَّارات للذنوب
التي يقدم عليها المرء هو تحرير
الرقاب الذي عَدَّه الإسلام
تقرباً وطاعة لله"[36]..
ويتحدث
كويليام[37]
عن هذه الرويات التي اختلقها
الحاقدون، وزعموا أن محمداًr، سن الإسترقاق والخناسة
.. فيقول : "إن
روايات كهذه مجردة بالمرة عن
الحقيقة، لا يمكن تصديقها وتصور
وقوعها"[38]
.. ويدلل على حقيقة أن محمداً r له الفضل في القضاء على
النخاسة في الجزيرة العربية،
فيضرب مثالاً بمناطق شرق ووسط
أفريقيا، التي تفشت فيها مظاهر
النخاسة والاسترقاق، ويبين أن
السبب في تفشي هذه المظاهر في
هذه المناطق هو "لأن الإسلام
لم يدخل فيها ! ! وبرهان ذلك أن
الإسلام من خصائصه إبطال
النخاسة إبطالاً دائمًاً"[39]
.. رغم أن
تجار النخاسة والرق – كما يقول
ادوار بروي – كانوا "من
الأوربيين"[40] .. ومن ثم.. "توقفت حركة
التطور في البلدان [الأفريقية]
على أثر العبث الذريع الذي
أحدثه في تلك الأرجاء تجار
النخاسة والرق من الأوربيين "[41].
وإذا قيل:
إن الإسلام لم يلغِ الرق
والاتجار بالبشر إلغاءً كاملاً
رغم عظم مجهودات نبي الإنسانية r في مكافحة الاسترقاق.. فجواب ذلك أن
الدولة الإسلامية وحدها لا
تستطيع أن تقضي تمامًا على عادة
الاسترقاق والاتجار بالبشر،
وذلك لعدة أساب وجيهة ومنطقية.. السبب
الأول: أن مظاهر الاسترقاق
والاتجار بالبشر كانت متأصلة
ومنتشرة في المجتمعات
الإنسانية، العربية وغير
العربية، منذ قديم الزمن، فكان
على الشرع الإسلامي -كعادته- أن
يستخدم التدرج في القضاء على
المنكرات والأعراف الفاسدة،
فضيّق منافذ الاسترقاق ووسع
أبواب العتق. السبب
الثاني: أن هذه العادات كانت قبل
ظهور الإسلام بمثابة الأعراف
الدولية، فقد كانت جميع الدول
والإمبراطوريات -دون استثناء-
تمارس الاسترقاق والاتجار
بالبشر، ومن ثَم فإن القضاء على
الرق يحتاج إلى اتفاق دولي عام،
يلزم الجميع بمنع الاسترقاق أو
الاتجار بالبشر.. ومعلوم أن
الدولة الإسلامية أيام النبي r لم تكن من القوة
والانتشار بالقدر الذي يسمح لها
بمنع هذه العادات. السبب
الثالث: أن الناس كانوا حديثي
عهد بالإسلام، وإذا أصدرت
الدولة قرارًا بمنع الرق؛ فسوف
يقع حرج شديد على هؤلاء الناس
الذين أصبحت تجاراتهم وأعمالهم
تقوم على كاهل هؤلاء العبيد..
فكان على النظام الإسلامي أن
يأخذ بمبدأ التدرج في منع
الاسترقاق والاتجار بالبشر. السبب
الرابع: أن الدولة الإسلامية لم
تكن تمتلك من الإمكانيات
الاقتصادية والمالية بحيث
تتمكن من كفالة هؤلاء العبيد
بعد تحريرهم، أو حتى توفير فرص
عمل لهم جميعًا، فمن المعروف أن
العبيد كانوا في كفالة أسيادهم،
يطعمون من مال السادة، ويحترفون
لهم في مهنهم.. المطلب
الثالث : نماذج رحمته للعبيد : إن المتأمل
في التوجيهات النبوية يجدها تشي
بالجهد الجهيد الذي بذله نبي
الإنسانية في سبيل تحسين أوضاع
العبيد والإماء ويعرف بحق كيف
كانت مكرمة العبيد في الإسلام.
وهذه بعض التوجيهات النبوية
التي نذكر بعضًا منها على سبيل
المثال لا الحصر. أولاً :
وصيته r بالعبيد
والإماء : كان آخر
كلمات النبي r
وهو يجود بروحه الشريفة، وقد
حضره الموت، الوصية بالعبيد
والإماء.. فعن عليّ بن أبي طالب
رضي الله عنه قال: كان آخر كلام
رسول الله r:
"الصلاة الصلاة، اتقوا الله
فيما ملكت أيمانكم"[42]
! إنه يوصي
بالعبيد، وهو في سكرات الموت!
فهو الذي احتضنهم حيًّا، وأوصى
بهم بعد مماته خيرًا، فكان خير
معلم لهم وخير أب وخير محرر . ثانيًا:
تحذيره r من
إيذاء العبيد والإماء: فكان
يغضب أشد الغضب من ضرب العبيد أو
إيذائهم، فعن أبي مسعود
الأنصاري رضي الله عنه، قال: كنت
أضرب غلامًا لي؛ فسمعتُ مِنْ
خَلْفِي صوتًا: "اعْلَمْ
أَبَا مَسْعُودٍ.. لَلَّهُ
أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ
عَلَيْهِ"! فالتفتُ فإذا هو
النبي! فقلت: يا رسول الله، هو حر
لوجه الله تعالى. قَالَ: "أَمَا
إِنَّكَ لَوْ لَمْ تَفْعَلْ
لَلَفَعَتْكَ النَّارُ
أَوْلَمَسَّتْكَ النَّارُ"[43]
. كذا
كان رسول الله يربي تلاميذه،
ويفقه شعبه، على احترام آدمية
الناس، وخاصة الضعفاء منهم
والعبيد والخدم والأجراء. ويمتد
هذا النداء الأبوي إلى حكام
المسلمين في كل زمان ومكان؛
فيلزمهم بحماية العبيد من
التعذيب أو الاضطهاد، فضلاً عن
السعي الجاد لتحريرهم. ثالثًا: أمره r
بالإحسان إلى العبيد وكان رسول
الله صلى الله عليه وسلم ألطف
الناس بالعبيد، وأرفق الناس
بالإماء، فعن أنس رضي الله عنه
قال: كان رسول الله من أشد الناس
لطفًا! والله ما كان يمتنع في
غداة باردة من عبد ولا من أمة
ولا صبي أن يأتيه بالماء فيغسل
وجهه وذراعيه!! وما سأله سائل قط
إلا أصغى إليه أذنه فلم ينصرف
حتى يكون هو الذي ينصرف عنه، وما
تناول أحد بيده إلا ناوله إياها
فلم ينزع حتى يكون هو الذي
ينزعها منه[44]
. وعن
المعرور قال : لقيت أبا ذر
بالربدة، وعليه حلة وعلى غلامه
حله [يعني من نفس الثوب ]فسألته
عن ذلك . فقال : إني ساببت رجلاً،
فعيرته بأمه[قال لبلال : يابن
السوداء ]فقال لي النبي r:
"يا أبا ذر ! أعيرته بأمه ! ؟
إنك امروء فيك جاهلية ! إخوانكم
خولكم [العبيد والإماء والخدم
والأسرى هم إخوانكم في الدين
والإنسانية]، جعلهم الله تحت
أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده:
فليطعمه مما يأكل،
وليلبسه مما يلبس، ولا
تكلفوهم ما يغلبهم، فإن
كلفتموهم فأعينوهم "[45]
. فحرم
السخرية من العبيد أو الاستهزاء
بألوانهم أو أنسابهم، كما حرم
إجهاد العبد في الخدمة، وأوجب
مساعدته إذا كُلّف ما يغلبه..
وحذر الفقهاء من استعمال العبيد
على الدوام ليل نهار، فقالوا:
إذا استعمل السيدُ العبدَ
نهارًا أراحه ليلاً، وكذا
بالعكس، وقالوا: يريحه بالصّيف
في وقت القيلولة، ويمنحه قسطه
من النّوم، وفرصة للصّلاة
المفروضة. وإذا سافر به يجب عليه
أن يحمله معه على الدابة أو
يتعاقبان على البعير ونحوه. بل
قالوا: "إن كان العبد ذمّيًّا
فقد ذكر بعض الفقهاء أنه لا يمنع
من إتيان الكنيسة، أو شرب
الخمر، أو أكل لحم الخنزير؛ لأن
ذلك دينه، نقله البنانيّ عن قول
مالكٍ في المدوّنة"[46] وتأمل
معي قول النبي صلى الله عليه
وسلم لمن عيّر العبد: "إنك
امرؤ فيك جاهلية".. دلالة على
أن صفة من يهينون العبيد
ويؤذونهم بالقول أو الفعل،
فوصفهم بالجهل، وربطهم بعصور
الجاهلية، وعهود التخلف. رابعًا:
التعاون في تحرير العبيد : شغل الرقُ
سلمانَ الفارسي حينًا من الزمن
.. فقد
كان مولى عند أحد الوجهاء، حتي
فات سلمان عدد من المشاهد مع
الرسول الكريم r، منها بدر وأحد. فذهب إلى النبي r فأشار عليه
النبي r
أن يكاتب سيده، فكاتبه علي
ثلاثمائة نخلة يغرسها له
وأربعين أوقية من ذهب. وشارك
المسلمون في أداء هذا الدين عن
سلمان، فأحضروا له النخل وحفروا
معه أماكنها وقدم رسول الله r
ووضعه بيده الشريفة وعُتق سلمان. وكانت أول
مشاهده غزوة الأحزاب، وكان هو
صاحب فكرة إنشاء خندق عظيم حول
المدينة لتحصينها من الغزاة
.. ولما نجحت الفكرة، زاد
تقدير الناس لسلمان نظرًا
لرجاحة عقله، وجهده في خدمة
دولة الإسلام بفكرة الخندق،
فقال الأنصار : سلمان منا ! وقال
المهاجرون: سلمان منا ! فقال النبي r : "سلمان منا أهل البيت
!!"[47].
وهكذا ارتفع شأن العبيد في
دولة الإسلام بجهدهم وخدمتهم
للمجتمع، ولم تكن عبوديتهم أيما
يوم من الأيام تشينهم بين
إخوانهم المسلمين.وفي ذلك أيضًا
النموذج العملي الذي حشد فيه
النبي r
جهود شعبه من أجل تحرير عبد. وهو
بذلك يلزم المجتمع بضرورة تضافر
الجهود الشعبية لفك الإنسان من
الرق . خامسًا: سن
قاعدة : "كفارة ضرب العبد عتقه": شرع
الإسلام منفذًا لتحرير العبيد
عن طريق سن قاعدة "كفارة ضرب
العبد عتقه" والذي لم يكن
موجودًا أيام الجاهلية، فمنح حق
الحرية للعبد إذا ضربه سيده. فعن
أبي صالح ذَكْوَانَ عن زَاذَانَ
قال: أتيتُ ابن عمر، وقد أعتق
مملوكًا له، فأخذ من الأرض
عودًا أو شيئًا، فقال: مالي فيه
من الأجر مَا يَسْوَى هذا..
سمعتُ رسول الله r
يقول: "مَنْ لَطَمَ
مَمْلُوكَهُ أو ضَرَبَهُ
فَكَفَّارَتُهُ أَنْ
يُعْتِقَهُ"[48]. سادسًا: كفالة
الدولة الإسلامية للعبد المعاق
أو المريض: فلقد كان لِزِنْبَاعٍ أبو روح
رضي الله عنه -أحد الصحابة-
عَبْدٌ يُسَمَّى سَنْدَرَ بْنَ
سَنْدَرٍ، فوجده يقبل جارية له،
فقطع ذَكَرَهُ وَجَدَعَ
أَنْفَهُ، فأَتَى الْعَبْدُ
النبي r
فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ. فقال
النبي صلى الله عليه وسلم
لزنباع: "مَا حَمَلَك عَلَى
مَا فَعَلْت؟" قَالَ: فَعَلَ
كَذَا وَكَذَا. فذكر له ما فعل
بالجارية!. فقال النبي صلى الله عليه وسلم
للعبد: "اذْهَبْ فَأَنْتَ
حُرٌّ" فقال العبد: يا رسول
الله فمولى من أنا؟ فقال: "مولى
الله ورسوله".. فأوصى به
المسلمين؛ فلما قُبض جاء العبد
إلى أبي بكر رضي الله عنه فقال:
وصية رسول الله r
، فقال: نعم، تجري عليك النفقة
وعلى عيالك، فأجراها عليه حتى
قبض.. فلما استخلف عمر رضي الله
عنه جاءه فقال: وصية رسول الله r
قال: نعم، أين تريد؟ قال: مصر،
قال: فكتب عمر إلى صاحب مصر أن
يعطيه أرضًا يأكل منها"[49]
. فالدولة -في الشرع
الإسلامي- تكفل أصحاب الإعاقات
من العبيد، -كما رأيت-
كالمواطنين الأحرار، وقرر لهم
الراتب المالي الدوري الذي
يغنيهم عن التسول أو سؤال الناس. المطلب
الرابع: تحريم الاتجار بالبشر ومن دلائل مكافحة
الاسترقاق في الشرع الإسلامي،
تحريمه لكافة صور ومظاهر
الاتجار بالبشر، وخاصة النساء
والأطفال الأحرار.. فعن أبي
هريرة رضي الله عنه عن النبي r
قال: "قَالَ اللَّهُ:
ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ
يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ
أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ،
وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا
فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ
اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا
فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ
يُعْطِ أَجْرَهُ"[50]
فجعل الاتجار
بالبشر من أبواب الخيانة والغدر
والظلم، والله عز وجل خصم لجميع
الغادرين إلا أنه أراد التشديد
على هذه الأصناف الثلاثة، فقد
ارتكبوا جرمًا شنيعًا يتعلق
بحقوق الإنسان، فأحدهم غدر
بأخيه الإنسان، فعاهده عهدًا
وحلف عليه بالله ثم نقضه،
والثاني باع أخاه الإنسان الحر،
والثالث أكل مال أخيه الإنسان
الأجير، وهو داخل في إثم
المتاجرة بالبشر كالثاني؛ لأنه
استخدمه بغير حق، وخالف الأمر
النبوي: "أَعْطِ الْأَجِيرَ
أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ
عَرَقُهُ"[51] وجريمة الاتجار
بالبشر -التي حرمها الشرع
الإسلامي الفضيل- تتسربل بصور
عديدة مارستها المجتمعات
الجاهلية في القديم والحديث..
فمارستها قبائل العرب ودول
الفرس والرومان قبل بعثة النبي
الأعظم صلى الله عليه وسلم،
فكانوا يقطعون الطرق على
الأحرار، فيسرقون أموالهم
ويبيعونهم في أسواق النخاسة على
أنهم عبيد.. وفي العصر الحديث
مارس الأمريكان هذا السلوك
الجاهلي مع الزنوج، فخصصوا
الهيئات التي تبيع وتشتري فيهم،
وهم أحرار، ومارسوا أبشع صور
التمييز العنصري في حقهم. إضافة
إلى ظهور جماعات المتاجرة
بالأطفال والنساء؛ لغرض
الاستغلال الجنسي التجاري،
ناهيك عن استغلال هذه الجماعات
للكوارث الطبيعية والحروب
لممارسة نشاطها، وخير شاهد ما
حدث في كارثة تسونامي وما
أعلنته الصحف عن أرقام مفزعة
للنساء والأطفال الذين تم
الاتجار بهم في ظل هذه الكارثية
الإنسانية، الأمر نفسه حدث مع
ضحايا الشعب المسلم في البوسنة
والهرسك بعد ما أعمل فيه الجيش
الصربي الذبح، فتم بيع آلاف
الفتيات والأطفال على مرأى
ومسمع من العالم (المتحضر)..
وتحولت البلدان الأوروبية
والولايات المتحدة الأمريكية
إلى مراكز كبرى للاتجار بالبشر
من جانب العصابات المنظمة التي
تحصد سنويًّا ما بين 8 و10
مليارات دولار من الاتجار
بالأطفال والنساء، وذلك وفقًا
لإحصائيات وزارة العدل
الأمريكية... بيد أن الشرع
الإسلامي الكريم حرّم بيع
الأحرار، وناهض تجارة البشر
بالبشر، وحرم إكراه الفتيات على
ممارسة البغاء فقال الشارع
الحكيم: "وَلَا تُكْرِهُوا
فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاء
إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً
لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [النور:
33]. إلى جانب أن جريمة
الاتجار بالبشر تنتهك حق
الإنسان في الحرية، وتنتهك حقوق
الأطفال والنساء في العيش في
بيئة آمنة صالحة، فهي تنزعهم من
أسرهم ومن بين آبائهم وأمهاتهم
إلى جحيم الاستغلال الجنسي
والسخرة والتعذيب النفسي
والجسدي.. وكلها مظاهر حرمها
الإسلام وحاربها نبي الإسلام
صلى الله عليه وسلم. هكذا كان المنهج
النبوي في التعامل مع مظاهر
الاسترقاق والاتجار بالبشر؛
ليسجل أمام الله تعالى ثم
التاريخ أن النظام الإسلامي هو
أول نظام في تاريخ البشرية ناهض
الاسترقاق وحارب المتاجرة
بالبشر المطلب
الخامس – رفقه وعطفه على الخدم أولاً:
سلوكه r مع
خادمه : خادمه أنس t
يحدثنا عن رحمته وشفقته r
بالخدم.. وإن شهادة
الخادم عن سيده لصادقة، وخاصة
من رجل كأنس الذي خدمه تسع سنين،
ونقل عنه إلى الأُمة آلاف
الأحاديث، وكان معه كظله.. فعَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ. قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللّهِ rأَحْسَنَ
النّاسِ خُلُقاً.
فَأَرْسَلَنِي يَوْماً
لِحَاجَةٍ. فَقُلْتُ:
وَاللّهِ لاَ أَذْهَبُ، وَفِي
نَفْسِي أَنْ أَذْهَبَ لِمَا
أَمَرَنِي بِهِ نَبِيّ اللّهِ r،
فَخَرَجْتُ حَتّىَ أَمُرّ
عَلَىَ صِبْيَانٍ وَهُمْ
يَلْعَبُونَ فِي السّوقِ،
فَإِذَا رَسُولُ اللّهِ r قَدْ قَبَضَ بِقَفَايَ مِنْ
وَرَائِي، قَالَ: فَنَظَرْتُ
إِلَيْهِ وَهُوَ يَضْحَكُ،
فَقَالَ:" يَا أُنَيْسُ
أَذَهَبْتَ حَيْثُ أَمَرْتُكَ؟"
قُلْتُ: نَعَمْ ! أَنَا أَذْهَب
يَا رَسُولَ اللّهِ. قَالَ
أَنَسٌ: وَاللّهِ لَقَدْ
خَدَمْتُهُ تِسْعَ سِنِينَ،
مَا عَلِمْتُهُ قَالَ لِشَيْءٍ
صَنَعْتُهُ: لِمَ فَعَلْتَ
كَذَا وَكَذَا؟ أَوْ لِشَيْءٍ
تَرَكْتُهُ: هَلاّ فَعَلْتَ
كَذَا وَكَذَا [52].. وإذا لام
أحدٌ الخادم لتقصيره في خدمة
سيدنا محمدr ، قال r
: "دعوه
! فلو قُدر أن يكون كان!"[53]. ثانيًا:
حثه على العفو عن الخادم : كان سيدنا
محمد r
يوصي أصحابه بالعفو عن الخدم ..فعن
عبد الله بن عمر قال: جاء رجل إلى
النبي rفقال:
يا رسول الله كم نعفو عن الخادم؟
فصمت، ثم أعاد عليه الكلام فصمت.
فلما كان في الثالثة قال: "اعفوا
عنه في كلِّ يومٍ سبعين مرَّةً
"[54].
ثالثًا:
توبيخه مَنْ ضرب الخادم: كان لدى
بني مقرّن خادمة، فلطمها أحدهم،
فجاءت تشتكي إلى رسول الله rباكية،
فاستدعى الرسول rمالكها
قائلاً له: "أَعتِقوها"،
فقالوا: ليس لهم خادم غيرها. قال:
"فليستخدموها، فإذا استغنوا
عنها، فليخلّوا سبيلها[55]
. وعن عائشة
قالت : ما ضرب رسول الله صلى الله
عليه وسلم خادما ولا امرأة قط[56] رابعًا: ترغيبه rفي
إطعام الخادم : فعَنِ
الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي
كَرِبَ قَالَ قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ r:
" مَا أَطْعَمْتَ نَفْسَكَ
فَهُوَ لَكَ صَدَقَةٌ، وَمَا
أَطْعَمْتَ وَلَدَكَ فَهُوَ
لَكَ صَدَقَةٌ، وَمَا
أَطْعَمْتَ زَوْجَكَ فَهُوَ
لَكَ صَدَقَةٌ، وَمَا
أَطْعَمْتَ خَادِمَكَ فَهُوَ
لَكَ صَدَقَةٌ"[57].
خامسًا:
نهيه عن الدعاء على الخادم : فعَنْ
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ r:
"لَا تَدْعُوا عَلَى
أَنْفُسِكُمْ ، وَلَا تَدْعُوا
عَلَى أَوْلَادِكُمْ، وَلَا
تَدْعُوا عَلَى خَدَمِكُمْ،
وَلَا تَدْعُوا عَلَى
أَمْوَالِكُمْ، لَا
تُوَافِقُوا مِنْ اللَّهِ
تَبَارَكَ وَتَعَالَى سَاعَةَ
نَيْلٍ فِيهَا عَطَاءٌ
فَيَسْتَجِيبَ لَكُمْ"[58].
المبحث
الثالث رحمته
بذوي الاحتياجات الخاصة أخيرًا
ًًالتفت العالم المتحضر في هذا
القرن إلى ذوي الاحتياجات
الخاصة !! بعدما نحى جانبًا
نظريات عنصرية، فاسدة، تدعو إلى
إهمالهم ، بزعم أن هؤلاء –
أمثال الصم والبكم والعمي
والمعاقين ذهنيًا– لا فائدة
منهم ترتجى للمجتمع .. ولقد قدرت
منظمة العمل الدولية في تقرير
لها عام (2000م ) عدد ذوي
الاحتياجات الخاصة بأكثر من (610)
مليون نسمة ، منهم (400) مليون
نسمة في الدول النامية، وفي
تقرير للبنك الدولي، تمثل هذه
الفئة 15
% تقريبًا من نسبة السكان في كل
دولة من دول العالم . المطلب
الأول : الفئات الخاصة في
المجتمعات الجاهلية: وإذا
نظرنا – سريعًا- إلى تاريخ
الغرب مع ذوي الاحتياجات
الخاصة، نجد مجتمعات أوربا
القديمة، كروما وإسبرطا شهدت
إهمالاً وإضهادًا صارخًا لهذه
الفئة من البشر، فلقد كانت هذه
المجتمعات – حكامًا وشعوبًا –
تقضي بإهمال أصحاب الإعاقات،
وإعدام الأطفال المعاقين عقب
ولادتهم، أو تركهم في الصحراء
طعاماً للسباع والطيور.. وكانت
المعتقدات الخاطئة والخرافات
هي السبب الرئيسي في هذه
الانتكاسة، فكانوا يعتقدون أن
المعاقين عقليًّا هم أفراد
تقمصتهم الشياطين والأرواح
الشــريرة. وتبنّى الفلاسفة
والعلماء الغربيون هذه
الخرافات، فكانت قوانين (ليكورجوس)
الإسبرطي و(سولون) الأثيني تسمح
بالتخلص ممن بهم إعاقة تمنعه عن
العمل والحرب، وجاء الفيلسوف
الشهير (أفلاطون) وأعلن أن ذوي
الاحتياجات الخاصة فئة خبيثة
وتشكل عبئًا على المجتمع، وتضر
بفكرة الجمهورية.. أما (هيربرت
سبنسر) فقد طالب المجتمع بمنع
شتى صور المساعدة لذوي
الاحتياجات الخاصة، بزعم أن هذه
الفئة تثقل كاهل المجتمع بكثير
من الأعباء دون فائدة. بيد
أن العرب -وإن كانوا يقتلون
البنات خشية العار- كانوا أخف
وطأة وأكثر شفقة على أهل البلوى
والزمنى، وإن كانوا يتعففون عن
مؤاكلة ذوي الاحتياجات الخاصة
أو الجلوس معهم على مائدة طعام. وفي
الوقت الذي تخبط فيه العالم بين
نظريات نادت بإعدام المتخلفين
عقليًّا وأخرى نادت باستعمالهم
في أعمال السخرة اهتدى الشرق
والغرب أخيرًا إلى "فكرة"
الرعاية المتكاملة لذوي
الاحتياجات الخاصة.. في ظل هذا
كله نرى رسولنا المربي المعلم
صلى الله عليه وسلم كيف كانت
رحمته لهذه الفئة من بني البشر،
وهذا غيض من فيض رسول الله صلى
الله عليه وسلم نحو رعاية ذوي
الاحتياجات الخاصة. المطلب
الثاني : رعاية النبي r لذوي الاحتياجات الخاصة: فعن
أنس أن امرأة كان في عقلها شيىء
، فقالت : يا رسول الله إن لي
إليك حاجة ! فَقَالَ: فَقَالَ:
" يَا أُمّ فُلاَنٍ! انظري
أَيّ السّكَكِ شِئْتِ، حَتّىَ
أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ "
فَخَلاَ مَعَهَا فِي بَعْضِ
الطّرُقِ، حَتّىَ فَرَغَتْ
مِنْ حَاجَتِهَا[59]. وهذا
من حلمه وتواضعه r وصبره على قضاء حوائج ذوي الاحتياجات
الخاصة
.. وفي
هذا أيضاً : " بيان بروزه r للناس وقربه منهم ليصل أهل الحقوق إلى
حقوقهم ويرشد مسترشدهم
ليشاهدوا أفعاله وحركاته
فيقتدي بها وهكذا ينبغي لولاة
الأمور وفيها صبره r على المشقة في نفسه لمصلحة المسلمين
واجابته من سأله حاجة"[60]. وفي
هذا دلالة شرعية على وجوب تكفل
الحاكم برعاية ذوي الاحتياجات
الخاصة، صحيًا واجتماعيًا،
واقتصاديًا، ونفسيًا، والعمل
على قضاء حوائجهم، وسد
احتياجاتهم . ومن
صور هذه الرعاية لذوي
الاحتياجات الخاصة : -توفير
الحياة الكريمة لهم
-
العلاج والكشف الدوري لهم -
تأهيلهم وتعليمهم بالقدر الذي
تسمح به قدراتهم ومستوياتهم -
توظيف مَن يقوم على رعايتهم
وخدمتهم . ولقد
استجاب الخليفة الراشد عمر بن
عبدالعزيز – رضي الله عنه – ،
لهذا المنهج النبوي السمح،
فأصدر قرارًا إلى الولايات: "أن
ارفعوا إلىَّ كُلَّ أعمى في
الديوان أو مُقعَد أو مَن به
فالج أو مَن به زمانة تحول
بينه وبين القيام إلى الصلاة.
فرفعوا إليه " وأمر لكل كفيف
بموظف يقوده ويرعاه ، وأمر لكل اثنين من
الزمنى – من ذوي الاحتياجات –
بخادمٍ يخدمه ويرعاه[61] . وعلى
نفس الدرب سار الخليفة الأموي
الوليد بن عبدالملك – رحمه
الله تعالى -، فهو صاحب فكرة
إنشاء معاهد أو مراكز رعاية –
لذوي الاحتياجات الخاصة ، فأنشأ
[عام 707م-
88 هـ]مؤسسة متخصصة في
رعايتهم، وظّف فيها الأطباء
والخدام وأجرى لهم الرواتب،
ومنح راتبًا دوريًا لذوي
الاحتياجات الخاصة ، وقال لهم :
" لا تسألوا الناس " ، وبذلك
أغناهم عن سؤال الناس ، وعين
موظفًا لخدمة كل مقعد أو كسيح أو
ضرير[62].
المطلب
الثالث: الأولوية لهم في
الرعاية وقضاء احتياجاتهم: وإذا
كان الإسلام قد قرر الرعاية
الكاملة لذوي الاحتياجات
الخاصة، والعمل على قضاء
حوائجهم، فقد قرر أيضًا أولوية
هذه الفئة في التمتع بكافة هذه
الحقوق، فقضاء حوائجهم مقدم على
قضاء حوائج الأصحاء، ورعايتهم
مقدمة على رعاية الإكفاء ، ففي
حادثة مشهورة أن سيدنا
محمد r
عبس في وجه رجل أعمى – هو
الصحابي الفاضل
عبد الله ابن أم مكتوم
- جاءه يسأله عن أمرٍ من أمور
الشرع، وكان يجلس إلى رجالٍ من
الوجهاء وعلية القوم، يستميلهم
إلى الإسلام، و رغم أن الأعمى لم
ير عبوسه، ولم يفطن إليه، إلا أن
المولى تبارك وتعالى أبى إلا أن
يضع الأمور في نصابها،
والأولويات في محلها، فأنزل -
سبحانه آيات بينات تعاتب النبي
الرحيم عتاباً
شديداً: ]عَبَسَ
وَتَوَلَّى * أَن جَاءهُ
الْأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ
لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ
يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ
الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ
اسْتَغْنَى * فَأَنتَ لَهُ
تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ
أَلَّا يَزَّكَّى * وَأَمَّا
مَن جَاءكَ يَسْعَى * وَهُوَ
يَخْشَى * فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى
* كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ *
فَمَن شَاء ذَكَرَهُ] [عبس:
الآيات 1-12] يقول
الباحث الإنجليزي "لايتنر
" معلقًا على هذا الحادث : "..
مرة، أوحى الله تعالى إلى النبي
[r]
وحيًا شديد المؤاخذة لأنه أدار
وجهه عن رجل فقير أعمى ليخاطب
رجلاً غنيًا من ذوي النفوذ، وقد
نشر ذاك الوحي، فلو كان [r]
كما يقول أغبياء النصارى بحقه [r]
لما كان لذاك الوحي من وجود !"[63]. وقد
كان النبي r يقابل هذا الرجل الأعمى، فيهش له
ويبش، ويبسط له الفراش، ويقول
له: "
مرحبًا بمن عاتبني فيه ربي "[64]
! ففي
هذه القصة، نرى علة المعاتبة،
لكونهr انشغل
بدعوة الوجهاء عن قضاء حاجة هذا
الكفيف، وكان الأولى أن
تُقضى حاجته، وتقدم على
حاجات من سواه من الناس . وفي
هذه القصة دلالة شرعية على
تقديم حاجات ذوي الاحتياجات
الخاصة على حاجات من سواهم. المطلب
الرابع: عفوه
r عن
سفهائهم وجهلائهم : وتجلت
رحمة الحبيب r
بذوي الاحتياجات الخاصة، في
عفوه عن جاهلهم، وحلمه على
سفيههم ، ففي معركة أحد[
شوال 3هـ- أبريل624 م]، لما
توجه الرسول r
بجيشه صوب
أحد، وعزم على المرور بمزرعة
لرجل منافق ضرير، أخذ هذا
الأخير يسب النبيr
وينال منه ، وأخذ في يده حفنة من
تراب وقال – في وقاحة - للنبيr:
والله لو أعلم أنى لا أصيب بها
غيرك لرميتك بها ! حَتَّى هم
أصحاب النبي بقتل هذا الأعمى
المجرم، فأبي عليهم -نبي الرحمة-
وقال: "
دعوه ! فهذا الأعمى أعمى القلب،
أعمى البصر "[65]. ولم
ينتهز رسول الله r
ضعف هذا
الضرير، فلم يأمر بقتله أو حتى
بأذيته، رغم أن الجيش الإسلامي
في طريقه لقتال، والوضع متأزم،
والأعصاب متوترة، ومع ذلك لما
وقف هذا الضرير المنافق في طريق
الجيش، وقال ما قال، وفعل وما
فعل، أبى رسول الله إلا العفو
عنه، والصفح له، فليس من شيم
المقاتلين المسلمين الاعتداء
على أصحاب العاهات أو النيل من
أصحاب الإعاقات، بل كانت سنته
معهم؛ الرفق بهم، والاتعاظ
بحالهم، وسؤال الله أن يشفيهم
ويعافينا مما ابتلاهم . المطلب
الخامس : تكريمه وموساته r
لهم
: فعن
عائشة أنها قالت : سمعت رسول
الله r
يقول
: " إن الله عز وجل أوحى إلى
أنه من سلك مسلكا في طلب العلم
سهلت له طريق الجنة ومن سلبت
كريمتيه أثبته عليهما الجنة...
"[66]
. وعن
العرباض بن سارية ، عن النبي r ، عن رب العزة - قال : " إذا سلبت من
عبدي كريمتيه وهو بهما ضنين ، لم
أرض له ثوابًا دون الجنة، إذا
حمدني عليهما"[67] ويقول النبيr لكل أصحاب الإصابات والإعاقات : "
مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُشَاكُ
شَوْكَةً فَمَا فَوْقَهَا
إِلَّا كُتِبَتْ لَهُ بِهَا
دَرَجَةٌ وَمُحِيَتْ عَنْهُ
بِهَا خَطِيئَةٌ"[68] ففي
مثل هذه النصوص النبوية
والأحاديث القدسية، مواساة
وبشارة لكل صاحب إعائقة؛ أن إذا
صبر على مصيبته، راضيًا لله
ببلوته، واحتسب على الله
إعاقته، فلا جزاء له عند الله
إلا الجنة . وقد
كان النبي r يقول عن عمرو بن الجموح ، تكريمًا
وتشريفًا له: " سيدكم الأبيض
الجعد عمرو بن الجموح "وكان
أعرج ، وقد قال له النبي r ذات يوم: " كأني أنظر إليك تمشي
برجلك هذه صحيحة في الجنة "،
وكان – رضي الله عنه -
يولم على رسول الله r
إذا تزوج[69]
. و
عن أنس بن مالك : أن رسول الله r استخلف بن أم
مكتوم على المدينة مرتين يصلي
بهم وهو أعمى[70]
. وعن
عائشة أن ابن أم مكتوم كان مؤذنا
لرسول الله r وهو
أعمى[71]
. وروى
الزهري عن سعيد بن المسيب أن
المسلمين كانوا إذا غزوا خلفوا
زمناهم، وكانوا يسلمون إليهم
مفاتيح أبوابهم، ويقولون لهم:
قد أحللنا لكم أن تأكلوا مما
في بيوتنا[72]
. وعن الحسن بن محمد قال: دخلت على أبي
زيد الأنصاري فأذن وأقام وهو
جالس قال: وتقدم رجل فصلى بنا،
وكان أعرج أصيب رجله في سبيل
الله تعالى[73]. وهكذا
كان المجتمع النبوي، يتضافر في
مواساة ذوي الاحتياجات الخاصة،
ويتعاون في تكريمهم، ويتحد في
تشريفهم، وكل ذلك اقتضاءً بمنهج
نبي الرحمة r مع ذوي الاحتياجات الخاصة . . المطلب
السادس : زيارتهr لهم وشرع
الإسلام عيادة المرضى عامة،
وأصحاب الإعاقات خاصة، وذلك
للتخفيف من معاناتهم .. فالشخص
المعاق أقرب إلى الإنطواء
والعزلة والنظرة التشائمية،
وأقرب من الأمراض النفسية
مقارنة بالصحيح، ومن الخطأ
إهمال المعاقين في المناسابات
الاجتماعية، كالزيارات والزواج
.. وقد
كان رسول الله r يعود
المرضى، فيدعو لهم ، ويطيب
خاطرهم، ويبث في نفوسهم الثقة،
وينشر على قلوبهم الفرح، ويرسم
على وجوهه البهجة، وتجده ذات
مرة يذهب إلى أحدهم في أطراف
المدينة، خصيصًا، ليقضي له حاجة
بسيطة، أو أن يصلي ركعات في بيت
المتبتلى تلبية لرغبته .. فهذا
عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ- وكان
رجلاً كفيفًا من الأنصار- يقول
للنبي r: إنها تكون الظلمة والسيل وأنا رجل
ضرير البصر، وأنا أصلي لقومي
فإذا كانت الأمطار سال الوادي
الذي بيني وبينهم؛ لم أستطع أن
آتي مسجدهم فأصلي بهم، ووددتُ
يا رسول الله أنك تأتيني فتصلي
في بيتي فأتخذه مصلى. فوعده
r
بزيارة وصلاة في بيته
قائًلا : "سَأَفْعَلُ إِنْ
شَاءَ اللَّهُ" .. قال
عتبان فغدا رسول الله r وأبو بكر حين ارتفع النهار فاستأذن
رسول الله r فأذنتُ له فلم يجلس حتى دخل البيت ، ثم
قال : "أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ
أُصَلِّيَ مِنْ بَيْتِكَ"،
فأشرتُ له إلى ناحية من البيت
فقام رسول الله r ،فكبر فقمنا، فصفنا، فصلى ركعتين، ثم
سلم [74]. المطلب
السابع: الدعاء لهم
: وتتجلى
– أيضًا - رحمة نبي الإسلام r بالفئات الخاصة - من ذوي الاحتياجات-
عندما شرع الدعاء لهم، تثبيتًا
لهم، وتحميسًا لهم على تحمل
البلاء .. ليصنع الإرادة في
نفوسهم، ويبني العزم في وجدانهم
.. فذات مرة ، جاء رجل ضرير
البصرِ إلى حضرة النبي r.. فقَالَ الضرير: ادعُ اللَّهَ أنْ
يُعافيني.. قَالَ
r: "إنْ شِئتَ دَعوتُ، وإنْ شِئتَ
صبرتَ فهوَ خيرٌ لك". قَالَ:
فادعُهْ. فأمرَهُ
أنْ يتوضَّأ فيُحسنَ وُضُوءَهُ
ويدعو بهَذَا الدُّعاءِ: "
الَّلهُمَّ إنِّي أسألكَ
وأتوجَّهُ إليكَ بنبيِّكَ
مُحَمَّد نبيِّ الرَّحمةِ
إنِّي توجَّهتُ بكَ إِلى رَبِّي
في حاجتي هذِهِ لتُقْضَى لي،
الَّلهُمَّ فَشَفِّعْهُ فيَّ
"[75]
. وعن عطاء
بن أبي رباح، قال لِي ابْنُ
عَبَّاس: أَلَا أُرِيكَ
امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ
الْجَنَّةِ؟
قُلْتُ : بَلَى . قَالَ :
هَذِهِ الْمَرْأَةُ
السَّوْدَاءُ .. أَتَتْ
النَّبِيَّ r فَقَالَتْ: إِنِّي أُصْرَعُ،
وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ
اللَّهَ لِي ! فقَال
النبيَr
:" إِنْ
شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ
الْجَنَّةُ، وَإِنْ شِئْتِ
دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ
يُعَافِيَكِ". فَقَالَتْ
:أَصْبِرُ . فَقَالَتْ: إِنِّي
أَتَكَشَّفُ، فَادْعُ اللَّهَ
لِي أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ.
فَدَعَا لَهَاr [76].
هذا،
وقد كان رسول الله يدعو للمرضى
والزمنى عامة،
فعن عائشة رضي الله عنها أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان إذا أتى مريضا أو أتي به قال
: " أذهب الباس رب الناس اشف
وأنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك
شفاء لا يغادر سقما"[77] وهكذا
المجتمع الإسلامي؛ يدعو -عن
بكرة أبيه- لأصحاب الإعاقات
والعاهات وما رأينا مجتمعًا على
وجه الأرض يدعو بالشفاء والرحمة
لأصحاب الاحتياجات الخاصة، غير
مجتمع المسلمين، ممن تربوا على
منهج نبي الإسلام!. المطلب
الثامن : تحريم السخرية منهم كان ذوو الاحتياجات الخاصة، في
المجتمعات الأوربية الجاهلية،
مادة للسخرية، والتسلية
والفكاهة، فيجد المعاق نفسه بين
نارين، نار الإقصاء والإبعاد،
ونار السخرية والشماتة، ومن ثم
يتحول المجتمع - في وجدان أصحاب
الإعاقات- إلى دار غربة، واضهاد
وفرقة .. فجاء الشرع الإسلامي
السمح، ليحرّم السخرية من الناس
عامة، ومن أصحاب البلوى خاصة،
ورفع شعار "
لا تظهر الشماتة لأخيك
فيرحمه الله ويبتليك " . وأنزل
الله تعالى آيات بينات توكد
تحريم هذه الخصلة الجاهلية،
والتي نبتت في من نتن العصبية،
والنعرات القبائلية، فقال عز من
قائل : {
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ
مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن
يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ
وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء
عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً
مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا
أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا
بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ
الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ
الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ
يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ
الظَّالِمُونَ }[الحجرات:11] كما
ثبت عن النبي r أنه قال: "الكِبْر بطر الحق وغَمْص
الناس" [78] ،"وغمط الناس" : احتقارهم
والاستخفاف بهم، وهذا حرام،
فإنه قد يكون المبتلى أعظم
قدرًا عند الله، أو أكبر فضلاً
على الناس، علمًا وجهادًا،
وتقوى وعفة وأدبًا .. نهيك عن
القاعدة النبوية العامة،
الفاصلة :" فَإِنَّ اللَّهَ
حَرَّمَ عَلَيْكُمْ
دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ
وَأَعْرَاضَكُمْ"[79] ولقد
حذر النبي r أشد التحذير، من تضليل الكفيف عن
طريقه، أو إيذاءه، عبسًا
وسخرية، فقال : "مَلْعُونٌ
مَنْ كَمَهَ أَعْمَى عَنْ
طَرِيقٍ "[80] وقال
: " لَعَنَ اللَّهُ مَنْ
كَمَّهَ أَعْمَى عَنْ
السَّبِيلِ " [81] فهذا
وعيد شديد، لمن اتخذ العيوب
الخلقية سببًا للتندر أو التلهي
أو السخرية،
أوالتقليل من شأن أصحابها،
فصحاب الإعاقة هو أخ أو أب أو
إبن امتحنه الله، ليكون فينًا
واعظًا، وشاهدًا على قدرة الله،
لا أن نجعله مادة للتلهي أو
التسلي. المطلب
التاسع : رفع العزلة والمقاطعة
عنهم: فقد
كان المجتمع الجاهلي في القديم-
سواءً في الجزيرة العربية أو
أوربا الرومانية
أوأسيا الفارسية - يقاطع ذوي
الاحتياجات الخاصة، ويعزلهم
ويمنعهم من ممارسة حياتهم
الطبيعية، كحقهم في الزواج،
والاختلاط بالناس،
وزيارتهم والأكل والشرب معهم..
فقد
كان أهل المدينة قبل أن يبعث
النبيّ r لا يخالطهم في طعامهم أعرج ولاأعمى
ولا مريض، وكان الناس يظنون
بههم التقذّر والتقزّز. فأنزل
الله تعالى: {لَيْسَ
عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا
عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ
وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ
وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن
تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ
أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ
بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ
بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ
بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ
بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ
بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ
بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ
بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا
مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ
صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ
جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا
جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً
فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً
فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ
تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ
مُبَارَكَةً طَيِّبَةً
كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ
لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ
تَعْقِلُون }[النور: 61 ] [82]
. أي
ليس عليكم حرج في مؤاكلة المريض
والأعمى والأعرج، فهؤلاء بشر
مثلكم، لهم كافة الحقوق مثلكم،
فلا تقاطعوهم ولا تعزلوهم ولا
تهجروهم، فأكرمكم عند الله
أتقاكم، "والله لا ينظر إلى
صوركم ولا إلى أشكالكم ولكن
ينظر إلى قلوبكم " . وهكذا
نزل القرآن، رحمة لذوي
الاحتياجات الخاصة،
يواسيهم، ويساندهم نفسًيا،
ويخفف عنهم . ويتقذهم من أخطر
الأمراض النفسية التي تصيب
المعاقين، جراء عزلتهم أو فصلهم
عن الحياة الاجتماعية . وبعكس
ما فعلت الأمم الجاهلية، فلقد
أحل الإسلام لذوي الاحتياجات
الخاصة الزواج، فهم – والله –
أصحاب قلوب مرهفة، ومشاعير
جياشة، وأحاسيس نبيلة، فأقر لهم
الحق في الزواج، ما داموا
قادرين، وجعل لهم حقوقًا،
وعليهم واجبات، ولم يستغل
المسلمون ضعف ذوي الاحتياجات،
فلم يأكلوا لهم حقًا، ولم
يمنعوا عنهم مالاً، فعن عمر بن
الخطاب أنه قال : "
أَيُّمَا رَجُلٍ تَزَوَّجَ
امْرَأَةً وَبِهَا جُنُونٌ
أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ
فَمَسَّهَا فَلَهَا صَدَاقُهَا
كَامِلًا..." [83]
. المطلب
العاشر: التيسير على ذوي
الاحتياجات الخاصة : ومن
الرحمة بذوي الاحتياجات الخاصة
مراعاة الشريعة لهم في كثيرٍ من
الأحكام التكليفية، والتيسير
عليهم ورفع الحرج عنهم، فعن زيد
بن ثابت أن رسول الله rأملى
عليه: "لا يستوي القاعدون من
المؤمنين والمجاهدون في سبيل
الله". قال: فجاءه ابن أم
مكتوم وهو يملها "علي" –
رضي الله عنه -
(لتدوينها)، فقال: يا رسول
الله، لو أستطيع الجهاد لجاهدت،
وكان رجلا أعمى، قال زيد بن ثابت:
فأنزل الله تبارك وتعالى
على رسوله r ، وفخذه على فخذي، فثقلت علي حتى خفت
أن ترض فخذي [من ثقل الوحي]، ثم
سري عنه- فأنزل الله عز وجل: ]غَيْرُ
أُوْلِي الضَّرَرِ[[84]. وقال
تعالى – مخففًا عن ذوي
الاحتياجات الخاصة - : {لَيْسَ
عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا
عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ
وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ
وَمَن يُطِعِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن
تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَن
يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ
عَذَاباً أَلِيماً }[الفتح:17 ]. فرفع
عنهم فريضة
الجهاد في ساح القتال، فلم
يكلفهم بحمل سلاح أو الخروج إلى
نفير في سبيل الله، إلا إن كان
تطوعًا .. ومثال ذلك، قصة عمرو بن
الجموح – رضي الله عنه – في
معركة أحد [
شوال 3هـ/إبريل624 م]، فقد
كان – رضوان الله عليه - رجلا
أعرج شديد العرج ، وكان له بنون
أربعة مثل الأسد يشهدون مع رسول
الله r المشاهد فلما كان يوم أحد
أرادوا حبسه ، وقالوا : له إن
الله عز وجل قد عذرك ! فأتى رسول
الله r فقال:إن بني يريدون أن يحبسوني عن هذا
الوجه والخروج معك فيه . فوالله
إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في
الجنة ! فقال نبي الرحمة r : "أما أنت فقد عذرك الله فلا جهاد
عليك "، ثم قال لبنيه : "ما
عليكم أن لا تمنعوه لعل الله أن
يرزقه الشهادة" فخرج مع الجيش
فقتل يوم أحد[85]
. بيد
أن هذا التخفيف، الذي يتمتع به
المعاق في الشرع الإسلامي، يتسم
بالتوازن والاعتدال، فخفف عن كل
صاحب إعاقة قدر إعاقته، وكلفه
قدر استطاعته، يقول
القرطبي[86]:
"إن الله رفع الحرج عن الأعمى فيما
يتعلق بالتكليف الذي يشترط فيه
البصر، وعن الاعرج فيما يشترط
في التكليف به من المشى، وما
يتعذر من الافعال مع وجود
العرج، وعن المريض فيما يؤثر
المرض في إسقاطه، كالصوم وشروط
الصلاة وأركانها، والجهاد ونحو
ذلك." ومثال ذلك الكفيف والمجنون، فالأول
مكلف بجل التكاليف الشرعية
باستثناء بعض الواجبات
والفرائض كالجهاد .. أما الثاني
فقد رفع عنه الشارع السمح كل
التكاليف، فعن
عائشة أن رسول الله r
قال :" رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ
ثَلَاثَةٍ عَنْ النَّائِمِ
حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ
الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ
وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى
يَعْقِلَ " [87]. فمهما
أخطأ المجنون أو ارتكب من
الجرائم، فلا حد ولا حكم عليه،
فعن ابن عباس قال:
أتي عمر – رضي الله عنه -
بمجنونة قد زنت فاستشار فيها
أناسًا فأمر بها عمر أن ترجم،
فمر بها على علي بن أبي طالب -رضوان
الله عليه- فقال:
ما شأن هذه؟ قالوا
: مجنونة بني فلان زنت، فأمر بها
عمر أن ترجم . فقال:
ارجعوا بها ! ثم
أتاه، فقال : يا أمير المؤمنين !
أما علمت أن القلم قد رفع عن
ثلاثة ، عن المجنون حتى يبرأ،
وعن النائم حتى يستيقظ، وعن
الصبي حتى يعقل ؟ قال : بلى.
قال: فما
بال هذه ترجم ؟ !قال لا شيء. قال
علي: فَأَرْسِلْهَا.
فَأَرْسَلَهَا . فجعل عمر
يُكَبِّرُ [88].
هكذا كان
المنهج النبوي في التعامل مع
ذوي الاحتياجات الخاصة، في وقت
لم تعرف فيه الشعوب
ولا الأنظمة حقًا لهذه الفئة،
فقرر – الشرع الإسلامي- الرعاية
الكاملة والشاملة لذوي
الاحتياجات الخاصة، وجعلهم في
سلم أولويات المجتمع الإسلامي، وشرع
العفو عن سفيههم وجاهلهم .
وتكريم أصحاب البلاء منهم،
لاسيما من كانت له موهبة أو حرفة
نافعة أو تجربة ناجحة، وحث على
عيادتهم وزيارتهم ، ورغب في
الدعاء لهم، وحرّم السخرية
منهم، ورفع العزلة والمقاطعة
عنهم، ويسر عليهم في الأحكام
ورفع عنهم الحرج. فالله الله في
شريعة الإسلام ونبي الإسلام ! المبحث
الرابع رحمته
للمسنين يشهد العالم في
السنوات الأخيرة اهتمامًا
ملحوظًا بالمسنين،
وقد شهد المجتمع الدولي
أكثر من فعالية دولية، من
مؤتمرات وندوات عالمية، لتناول
قضايا المسنين، وشهد عام 1982 أول
إشارة من العالم المتحضر لرعاية
المسنين، حيث أعلنت الأمم
المتحدة، في اجتماع لمندوبي 124
دولة، أن العقد التاسع من القرن
العشرين عقد المسنين، ورفعت
منظمة الصحة العالمية عام 1983
شعار "فلنضف الحياة إلى سنين
العمر"، وقد تبنى مؤتمر الأمم
المتحدة الذي انعقد في مدريد
عام 2002م خطة عمل لمعالجة مشاكل
المسنين في مختلف بلدان العالم
.. والحق أن هذه
المؤتمرات كانت شبيهه
بالملتقيات الفكرية النظرية،
فلم يطبق لها قراراً، ولم تُفعل
لها خطة ! وكان الأولى لهذه
الفعاليات والمؤتمرات أن تقرأ
في منهج نبي الإسلامr
، وكيف رسم المنهج العملي في
رعاية المسنين . لقد كان نبي
الرحمةr
سباقًا في هذا الميدان، ومرجعًا
مهمًا – ينبغي أن يُأخذ به - لكل
فعالية أو نشاط يهدف إلى رعاية
المسنين . وينطلق
منهج رعاية المسنين – في
الإسلام – من منطلق إنساني
سامق، بعيدًا عن التمييز بين
فئات المسنين على أساس الجنس أو
اللون أو الدين . فالإسلام لا
يقرر قواعد الرعاية للمسنين من
منطلق عنصري أو عرقي كما هو
الحال في العالم " المتحضر
" في هذا الوقت الراهن . فالمسن
الفرنسي ذو البشرة البيضاء
له الرعاية الشاملة والحقوق
الكاملة، أما المسن الأسود
والذي يحمل نفس الجنسية لا
يتمتع بمعشار ما يتمتع به المسن
الأبيض، رغم أنهم أصحاب وطن
واحد ودين واحد ولغة واحدة.. ! فياليت هذا
العالم " المتحضر" ينظر إلى
منهج نبي الإسلام مع المسنين،
كل المسنين، البيض والسود،
العرب وغير العرب، المسلمين
وغير المسلمين . وإليكم بعض
تعاليمه r في
رعاية المسنين .. المطلب
الأول : حثه على إكرام المسنين
والرفق بهم: أولاً:
مناشدة الشباب لإكرام المسنين : عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ r:
" مَا أَكْرَمَ شَابٌّ
شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلَّا
قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ
يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ"[89]
. وهكذا أوصى
شباب المجتمع بشيوخه، وشباب
اليوم هم شيوخ الغد، وتبقى
الوصية المحمدية متواصلة
ومتلاحقة مع حقب الزمن، توصي
الأجيال بعضها ببعض، وفيه بشارة
بطول العمر وبالقرين الصالح
الذي يكرم من أكرم شيخًا،
والجزاء من جنس العمل . وانظر
إلى هذا التعميم : " مَا
أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا
لِسِنِّهِ" .. أي شيخ مسن،
مهما كان لونه، ومهما كان دينه،
فالمسلم مطالب بإكرام المسن دون
النظر إلى عقيدته أو بلده أو
لونه ... كما في
حديث أنس بن مالك ، أن رسول الله r قال: "والذي نفسي بيده ، لا يضع الله
رحمته إلا على رحيم" ، قالوا :
يا رسول الله ، كلنا يرحم ، قال
:" ليس برحمة أحدكم صاحبه ..
يرحم الناس كافة "[90]
. فيرحم الناس كافة، والأطفال
كافة، والمسنين كافة، بعجرهم
وبجرهم، مسلمهم وغير مسلمهم . ثانيًا:
إكرام المسن من إجلال الله : فعَنْ
أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فعَنْ أَبِي مُوسَى
الْأَشْعَرِيِّ أن رَسُولُ
اللَّهِ r
قال "إِنَّ
مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ
إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ
الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ
الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي
فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ،
وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ
الْمُقْسِطِ"[91]
. فجعل إكرام
المسنين من إجلال الله . . وربط
بين توقير الخالق وتوقير
المخلوق ، وإجلال القوي سبحانه
وإجلال المسن الضعيف، وذكر
علامة، يُكرم بها صاحبها، هي
الشيب، فكان حقًا على كل من رأي
هذه العلامة في إنسان إن يكرمه
ويجله . ثم انظر
كيف جمع بين المسن وحامل القرآن
والسلطان، وقدم المسن، كأنه
يقول لك وقرْ المسن كما توقر
السلطان والرئيس والحاكم، وعظم
المسن كما تعظم حامل القرآن
الحاذق. وتحت لفظ
" إكرام ذي الشيبة المسلم "،
تأتي كل صور الرعاية والإكرام
للمسنين، كالرعاية الصحية،
والرعاية النفسية، والرعاية
الاجتماعية والاقتصادية، ومحو
الأمية، والتعليم التثقيف،
وغيرها من صور العناية التي
ينادي بها المجتمع الدولي الآن .
ثالثًا:
ليس من المسلمين من لا يوقر
الكبير : فعن عبد الله بن
عمرو : أن رَسُولُ اللَّهِ r
قال : " لَيْسَ
مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ
صَغِيرَنَا ويُوَقِّرْ
كَبِيرَنَا "[92]. فجعل من الذين لا
يوقرون الكبراء والمسنين عناصر
شاذة في مجتمع المسلمين، بل
وتبرأ منهم ! إذ ليس من المسلمين
من لا يحترم كبيرهم، وليس من
المجتمع من لم يوقر مشايخه
وأكابره من المسنين . وتأمل –
هداك الله – لفظة النبي "
يوقر كبيرنا " – هكذا بضمير
الجمع ، تعظيمًا للكبير والمسن -
، ولم
يقل " يوقر الكبير"، ليقرر
أن الاعتداء على الكبير أو
المسن بالقول أو الفعل أو
الإشارة هو اعتداء على جناب
رسول الله r،
الذي نسب المسن إليه وانتسب
إليه، بقوله .." كبيرنا" . رابعًا:
تسليم الصغير على الكبير : فعَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ أنْ النَّبِيِّ rقَالَ:
" يُسَلِّمُ
الصَّغِيرُ عَلَى الْكَبِيرِ ،
وَالْمَارُّ عَلَى الْقَاعِدِ،
وَالْقَلِيلُ عَلَى الْكَثِيرِ"[93]. فقرر النماذج
العملية البسيطة ، فيما
يتعلق بجوانب الذوقيات
الاجتماعية العامة،
وبدأ بأهم هذه المظاهر
الأخلاقية والذوقية، وهو مظهر
توقير الكبير واحترام المسن،
فهو البند الأول في "
الإتيكيت الإسلامي ".. ولما
كان الصغير هو المبادر في مثل
هذه الأحوال،
كان عليه فيما دون ذلك ،
فيبدأ بالمساعدة، ويبدأ
بالملاطفة، ويبدأ بالزيارة،
ويبدأ بالنصيحة، ويبدأ
بالاتصال .. الخ
خامسًا :
تقديم المسن في وجوه الإكرام
عامة: قال النبي r
: " أمرني جبريل أن أقدم
الأكابر " [94]. وهذه قاعدة
عامة في تقديم الكبير والمسن في
وجوه الإكرام والتشريف عامة .. وقد أمر
النبي r
أن يُبدأ الكبير بتقديم الشراب
ونحوه للأكابر..فقال : "أبدؤا
بالكبراء - أو قال – بالأكابر"[95]. ولقد مارس
هذا الخلق عمليًا، فتقول عائشة :
" كان r يستن وعنده رجلان، فأُوحي إليه : أن
أعط السواك أكبرهما
! "[96].
وعن
عبدالله بن كعب :"كان r إذا استن أعطى السواك الأكبر، و إذا
شرب أعطى الذي عن يمينه"[97]. قال ابن
بطال : فيه تقديم ذي السن في
السواك ، و يلتحق به الطعام
والشراب و المشي والكلام[98].
ومن ثم كل وجوه الإكرام . كما أمر r
بتقديم المسن في الإمامة : ففي الصحيح من حديث
مالك بْنِ الْحُوَيْرِثِ أن
النَّبِيِّr قال
:" .. فَإِذَا حَضَرَتْ
الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ
لَكُمْ أَحَدُكُمْ ،
وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ
" [99]
. وهو لا يتعارض مع تصريح
النبي r
بتقديم
الأحفظ لكتاب الله. وجد جمع
بينهما في حديث أَبِي مَسْعُودٍ
الْأَنْصَارِيِّ
حين قَال رَسُولُ اللَّهِ r: " يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ
لِكِتَابِ اللَّهِ
وَأَقْدَمُهُمْ قِرَاءَة،ً
فَإِنْ كَانَتْ قِرَاءَتُهُمْ
سَوَاءً فَلْيَؤُمَّهُمْ
أَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً،
فَإِنْ كَانُوا فِي
الْهِجْرَةِ سَوَاءً
فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ
سِنًّا ..." [100]
. كما أن الكبير – في الهدي النبوي –
أحق بالمبداءة في الكلام،
والحوار، فعَنْ رَافِعِ بْنِ
خَدِيجٍ وَسَهْلِ بْنِ أَبِي
حَثْمَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ
بْنَ مَسْعُودٍ أَتَيَا
خَيْبَرَ فَتَفَرَّقَا فِي
النَّخْل،ِ فَقُتِلَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ فَجَاءَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
سَهْلٍ وَحُوَيِّصَةُ
وَمُحَيِّصَةُ ابْنَا
مَسْعُودٍ إِلَى النَّبِيِّ
r فَتَكَلَّمُوا فِي أَمْرِ
صَاحِبِهِم،ْ فَبَدَأَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ وَكَانَ أَصْغَرَ
الْقَوْمِ، فَقَالَ لَهُ
النَّبِيُّ r: "كَبِّرْ الْكُبْرَ " .. قَالَ يَحْيَى يَعْنِي لِيَلِيَ
الْكَلَامَ الْأَكْبَرُ ..
الحديث[101] سادسًا : التخفيف عن المسنين في
الأحكام الشرعية : فالأحكام الشرعية في الإسلام دائما
تأخذ في الاعتبار مبدأ التخفيف
عن صاحب الحرج، كالمسن .. نرى ذلك
بوضوح في جل التشريعات
الإسلامية .. فقد خفف الشرع عن
المسن في الكفارات والفرائض
والواجبات.. أما التخفيف
عن المسن في الكفارات،
فقصة المجادلة (خولة بنت ثعلبة) في القرآن خير دليل،
عندما وقع زوجها (أوس بن الصامت)
– وهو الشيخ المسن – في جريمة
الظهار، ونزل
الحكم الشرعي العام : "
وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ
نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ
لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ
رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ
يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ
تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ
بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (3)
فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ
شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ
مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا
فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ
فَإِطْعَامُ سِتِّينَ
مِسْكِينًا ذَلِكَ
لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حُدُودُ
اللَّهِ وَلِلْكَافِرِينَ
عَذَابٌ أَلِيمٌ (4)" [
المجادلة ]..
وقال رسول الله r لخولة المجادلة: "مُريه فليعتق
رقبة"، فسألت التخفيف عن
زوجها .فقال: "فليصم شهرين
متتابعين". فقالت: والله إنه
شيخ كبير، ما به من صيام. قال:
"فليطعم ستين مسكينًا وسقًا
من تَمر". فقلت: يا رسول الله،
ما ذاك عنده ! فقال نبي الرحمة :
"فإنا سنعينه بعَرَقٍ من تمر"
! ولم ينس الرسول الجليل والأب
الرحيم أن يوصي المرأة الشابة
بزوجها الشيخ فقال:"استوصي
بابن عمك خيرًا".[102] وفي الفرائض
: أجاز للمسن أن يفطر
في نهار رمضان - ويطعم - إذا
شق عليه الصيام، وأن يصلي
جالسًا إذا شق عليه القيام، وأن
يصلي جالسًا إذا شق عليه الجلوس
.. وهكذا.. ولقد عنّف الرسول r معاذ بن جبل، ذات يوم، لما صلى إمامًا
فأطال فشق على المأموم، قائلا : "يَا مُعَاذُ ! أَفَتَّانٌ أَنْتَ ! [
ثَلَاثَ مِرَارٍ] ! فَلَوْلَا
صَلَّيْتَ بِسَبِّحِ اسْمَ
رَبِّكَ وَالشَّمْسِ
وَضُحَاهَا وَاللَّيْلِ إِذَا
يَغْشَى، فَإِنَّهُ
يُصَلِّي وَرَاءَكَ الْكَبِيرُ
وَالضَّعِيفُ وَذُو الْحَاجَةِ
!"[103] ورخص للمسن أن يرسل من يحج عنه إن لم
يستطع أن يمتطى وسيلة النقل .
فعَنْ الْفَضْلِ
أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ
قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ،
إِنَّ أَبِي شَيْخٌ كَبِيرٌ
عَلَيْهِ فَرِيضَةُ اللَّهِ
فِي الْحَجِّ ، وَهُوَ لَا
يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ
عَلَى ظَهْرِ بَعِيرِهِ،
فَقَالَ لها النَّبِيُّ r :" فَحُجِّي عَنْهُ".
[104].
المطلب
الثاني : نماذج رحمته r
للمسنين : أولاً:
إنصاته لعتبة وتلطفه معه :
جاء عتبة بن ربيعة
- أحد شيوخ المشركين في مكة-
يتحدث إلى النبي r،
بحديث طويل يريد أن يثنيه عن
دعوته، وكان من بين ما قال: أنت خير أم عبد الله؟ أنت خير أم عبد
المطلب ؟
فسكت النبي، تأدبًا وإعراضًا عن
الجاهلين ! فواصل
عتبة قائلاً : إن
كنت تزعم أن هؤلاء خير منك فقد
عبدوا الآلهة التي عبت، وإن كنت
تزعم أنك خير منهم فقل يسمع
لقولك، لقد أفضحتنا في العرب
حتى طار فيهم أن في قريش ساحراً،
وأن في قريش كاهناً، ما تريد إلا
أن يقوم بعضنا لبعض بالسيوف حتى
نتفانى[105]
.. فلما عاين عتبةُ هذا الأدب
الجم من رسول الله، خفف من حدة
الحديث، وقال
: يا بن أخى، إن
كنت إنما تريد بما جئت به من هذا
الأمر مالاً جمعنا لك من
أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً،
وإن كنت تريد به شرفًا سودناك
علينا حتى لا نقطع أمرًا دونك،
وإن كنت تريد به ملكًا ملكناك
علينا، وإن كان هذا الذى يأتيك
رئيًا [ يعني جنون أو مس ] تراه لا
تستطيع رده عن نفسك؛ طلبنا لك
الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى
نبرئك منه، فإنه ربما غلب
التابع على الرجل حتى يتداوى
منه. و لا زال عتبة يتحدث إلى
النبيr،
بهذا الحديث الذي لا يخلوا
من التعريض أو من التجريح،
ورسول الله r
في أنصات واستماع بكل احترام
للشيخ .. حتى إذا فرغ عتبة، قال
له النبي r- في أدب ورفق -: " أفرغت يا أبا
الوليد ؟ " قال: نعم. قال: "اسمع منى". قال: أفعل. فقرأ عليه النبي أول سورة فصلت[106].
ثانيًا: سعيه لفك أسر شيخ كبير: فلما
أُسر عمرو بن أبي سفيان بن حرب،
في معركة بدر، ووقع
أسيرا في يد رسول الله - صلى
الله عليه وسلم- فقيل لأبي سفيان:
افد عمرًا ابنك ! قال: أيجمع علي
دمي ومالي، قتلوا حنظلة وأفدي
عمرًا، دعوه في أيديهم يمسكوه
ما بدا لهم. فبينًا
هو كذلك محبوس بالمدينة عند
رسول الله r
إذ خرج شيخ كبير مسلم إلى مكة
لأداء العمرة، وكان اسمه سعد بن
النعمان بن أكال - أخو بني عمرو
بن عوف- فخرج معتمرًا، رغم أن
الظروف السياسية عصيبة لاسيما
بعد بدر .. ولم يظن أنه يحبس
بمكة، وقد كان عهد أن قريشًا لا
يعرضون لأحد جاء حاجًا أو
معتمرًا إلا بخير، فعدا عليه
أبو سفيان بن حرب بمكة، فحبسه
بابنه عمرو .. ومشى
بنو عمرو بن عوف إلى رسول الله r
فأخبروا خبره، وسألوه أن يعطيهم
عمرو بن أبي سفيان، فيفكوا به
الشيخ، ففعل رسول الله r
، وأفرج عن ابن أبي سفيان على
الفور، دون فداء، فبعثوا به إلى
أبي سفيان فخلى سبيل الشيخ[107]. ثالثًا:رفقه
بأبي قحافة وتوقيره له : لما دخل
رسول الله r
مكة فاتحًا (في رمضان 8هـ/ يناير
630 م)، ودخل
المسجد الحرام، أتى أبو بكر
بأبيه يقوده إلى حضرة النبي r،
ليتعرف عليه، لعله أن يسلم .
فلما رآه رسول الله r قال: " هلا
تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا
آتيه فيه ؟ ! " . قال أبو
بكر: يا رسول الله، هو أحق أن
يمشى إليك من أن تمشى أنت إليه! ! فأجلسه النبي r
بين يديه،
وأكرمه، ثم مسح على
صدره، ثم قال:" أسلم" فأسلم. ودخل به
أبو بكر وكان رأسه كالثغامة[108]
بياضًا من شدة الشيب. فقال رسول
الله r-
في تلطف جم وذوق رفيع -: "
غيروا هذا من شعره ! "[109]. وأخيرًا،
يمكن أن نلخص الهدي النبوي في
التعامل مع المسنين في عدة نقاط
هي : 1-مسؤولية المجتمع بكامله – خاصة
الشباب - عن شويخه ومسنيه، علمًا
بأن رعاية المسنين واجب عيني
على الأنظمة والحكومات والشعوب
. ويمتد الواجب إلى حشد الجهود الفردية
والجماعية والرسمية وغير
الرسمية لرعاية المسنين . 2- الرعاية الكاملة والشاملة للمسن،
صحيًا نفسيًا وعقليًا
واجتماعيًا، وغيرها من صور
العناية وقد جمعها اللفظ النبوي
في جملة "
إكرام ذي الشيبة " .. 3-توقير
المسنين في المعاملات
الاجتماعية اليومية المختلفة . 4-تقديم
المسنين في وجوه الإكرام عامة،
كالإمامة والطعام والشراب . 5-التخفيف عن
المسنين في الأحكام الشرعية،
ومراعاة الفتوى الشرعية لهم . المبحث
الخامس رحمته
للأموات المطلب الأول :
زيارته rلقبور
الأموات : وتمتد رحمته –
صلوات ربي وسلامه عليه – إلى
الأموات،
باعتبار أنهم إخواننا في
الإنسانية سبقونا إلى الدار
الأخرة .. ولما كان الأموات
إخواننا قد سبقونا إلى القبور،
فحقاً لهم أن نبرهم ونرحمهم
ونصلهم .. فسن النبي r
سنة زيارة المقابر وإلقاء
السلام على أهل القبور . فعَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ r
أَتَى الْمَقْبُرَةَ فَقَالَ : " السَّلَامُ
عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ
مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ
شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ
لَاحِقُونَ..
وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ
رَأَيْنَا إِخْوَانَنَا " ..
قال أصحابه : أَوَلَسْنَا
إِخْوَانَكَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ ؟ !
قَالَ : " أَنْتُمْ
أَصْحَابِي. وَإِخْوَانُنَا
الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا
بَعْدُ.."[110]. هذا وقد كان يزور
سيدنا محمد r
مقبرة البقيع من حين إلى آخر .. وكانr
يزور شهداء معركة أحد كل أسبوع[111]
. بهذه الأحاسيس
المرهفة، يزور النبيr
قبور إخوانه، حيث يدعو لهم،
ويتذكر أيامهم، ويسترجع
ذكرياته معهم، ويأمل أن يلقاهم
في دار الخلد في ظلال الله .. عند
الحوض الشريف يوم القيامة .. ومن هنا احترم
الإسلام شعيرة زيارة القبور حتى
ولو كانت من غير مسلم، فالفتح
الإسلامي – مثلاً – كما يقول كرامرز[112]
" لم يمنع من زيارة القبر
المقدس[113]
أو يحول بين الأوربيين
المسيحيين وبين إنجاز هذه
الفريضة الدينية"[114]
. المطلب
الثاني : مشاركته في دفن الأموات
بنفسه r: أولاً : جنازة عدو
من أعدائه : وتراه في ذوق رفيع
وسمو، ورحمة، يشارك الناس في
دفن الميت بنفسه، ويدخل في
الحفرة فيستلم الميت على ركبته،
ويهدي قميصه إلى الميت ليكفّن
فيه، رحمة منه، وموساة لأهله،
وإن كان الميت من ألد أعدائه .. انظر كيف كانت
أخلاقه مع عدو الدعوة الإسلامية
في المدينة عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
أُبَيٍّ ، لما مات، وأرادوا
دفنه: قال جَابِر بْنَ
عَبْدِ اللَّهِ t: "أَتَى رَسُولُ
اللَّهِ r
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ
بَعْدَ مَا أُدْخِلَ
حُفْرَتَهُ فَأَمَرَ بِهِ
فَأُخْرِجَ فَوَضَعَهُ عَلَى
رُكْبَتَيْهِ وَنَفَثَ
عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ
وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ..!"[115]
. ثانيًا: جنازة
حبيب من أحبابه r: قال عبدالله بن
مسعود : قُمت
من جوف الليل، وأنا مع رسول الله
r في
غزوة تبوك(في
رجب 9 هـ/ أكتوبر630) ، فرأيت شعلة
من نار في ناحية العسكر،
فاتبعتها أنظر إليها، فإذا رسول
الله r
وأبو بكر وعمر، وإذا عبدالله ذو
البجادين المزني قد مات،
وإذا هم قد حفروا له،
ورسول الله r
في حفرته، وأبو بكر
وعمر، يدليانه إليه وهو يقول
:"أدنيا إلى أخاكما "
فدلياه إليه، فلما هيأه لشقه،
قال اللهم : "إنى قد أمسيت
راضياً عنه؛ فارض عنه" .قال
عبدالله بن مسعود: يا ليتني كنت
صاحب الحفرة[116].
فقال أبو بكر : والله لوددت أني
صاحب الحفرة[117].. المطلب الثالث :
حزنه r إذا
فاتته جنازة وصلاته عليها : فذات يوم مر سيدنا
محمد r
بالمقابر فوجد قبراً جديداً
ومعه أبو بكر . فقال النبي : "
قبر من هذا ؟ "[118]
فقال أبو بكر:
يا رسول الله هذه أم محجن،
كانت مولعة بلقط القذي من
المسجد. فقال : " أفلا
آذنتموني !!" فقالوا :كنتَ
نائمًا، فكرهنا أن نهيجك . قال
: "فلا تفعلوا ، فإن صلاتي على
موتاكم نور لهم في قبورهم"[119]
. فصف أصحابه فصلى
عليها .. وعَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ t :
أَنَّ أَسْوَدَ -
رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً -
كَانَ يَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ
يَقُمُّ الْمَسْجِدَ (وكَانَتْ
تَلْتَقِطُ الْخِرَقَ
وَالْعِيدَانَ مِنْ
الْمَسْجِدِ) فَمَاتَ – أو ماتت
- وَلَمْ يَعْلَمْ النَّبِيُّ r
بِمَوْتِهِ، فَذَكَرَهُ ذَاتَ
يَوْمٍ، فَقَالَ :مَا فَعَلَ
ذَلِكَ الْإِنْسَانُ ؟ قَالُوا
: مَاتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
قَالَ: " أَفَلَا
آذَنْتُمُونِي ؟ !
"فَقَالُوا إِنَّهُ
كَانَ كَذَا وَكَذَا
قِصَّتُهُ، قَالَ: فَحَقَرُوا
شَأْنَهُ. قَالَ فَدُلُّونِي
عَلَى قَبْرِهِ فَأَتَى
قَبْرَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ[120].
يقول : "
أَفَلَا آذَنْتُمُونِي ":
أَفَلَا أَعْلَمْتُمُونِي ؟ !
يلوم أصحابه أن فوته عليه هذا
العمل الإنساني، وهو تشييع
جنازة مسلم، ولو كان حقيراً في
نظر الناس .. المطلب الرابع :توقيرهr
للجنائز والقبور ولو كانت لغير
المسلمين : أولاً : قيامه r
إذا مرت الجنازة : بينما الرسول r
في مجلس علم مع أصحابه، إذ
مَرَّتْ بِهِ جِنَازَةٌ
فَقَامَ على الفور! فَقِيلَ لَهُ:
إِنَّهَا جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ
.فَقَالَ – في سماحة - : "أَلَيْسَتْ
نَفْسًا ؟ ! "[121] وقد كَانَ أَبُو
مَسْعُودٍ وسَهْلُ بْنُ
حُنَيْفٍ وَقَيْسُ بْنُ
سَعْدٍ، يقومون للجنازة. وقال جابر بن عبد
الله : قَامَ النَّبِيُّ
r
وَأَصْحَابُهُ لِجَنَازَةِ
يَهُودِيٍّ حَتَّى تَوَارَتْ[122] وعن أبي أسَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ : أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ r
قَالَ : " إِذَا رَأَيْتُمْ
الْجَنَازَةَ فَقُومُوا فَمَنْ
تَبِعَهَا فَلَا يَجْلِسْ
حَتَّى تُوضَعَ "[123].. ثانيًا: وضعه r
الجريد الأخضر على القبر : فقد مَرَّ
النَّبِيُّ r
بمزرعة من مزارع الْمَدِينَةِ
أَوْ مَكَّةَ فَسَمِعَ صَوْتَ
إِنْسَانَيْنِ يُعَذَّبَانِ
فِي قُبُورِهِمَا. فَقَالَ
النَّبِيُّ r
: " يُعَذَّبَانِ وَمَا
يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ "
ثُمَّ قَالَ : " بَلَى كَانَ
أَحَدُهُمَا لَا يَسْتَتِرُ
مِنْ بَوْلِه،ِ وَكَانَ
الْآخَرُ يَمْشِي
بِالنَّمِيمَةِ" . ثُمَّ
دَعَا بِجَرِيدَةٍ (خَضْرَاء )
فَكَسَرَهَا كِسْرَتَيْنِ
فَوَضَعَ عَلَى كُلِّ قَبْرٍ
مِنْهُمَا كِسْرَةً .. فَقِيلَ لَهُ :
يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ
فَعَلْتَ هَذَا ؟ قَالَ : "
لَعَلَّهُ أَنْ يُخَفَّفَ
عَنْهُمَا مَا لَمْ تَيْبَسَا -
أَوْ إِلَى أَنْ يَيْبَسَا"[124]
. وقَدْ رَوَى
اِبْن حِبَّان فِي صَحِيحه مِنْ
حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة "
أَنَّهُ r
مَرَّ بِقَبْرٍ فَوَقَفَ
عَلَيْهِ فَقَالَ : اِئْتُونِي
بِجَرِيدَتَيْنِ ، فَجَعَلَ
إِحْدَاهُمَا عِنْد رَأْسه
وَالْأُخْرَى عِنْد رِجْلَيْهِ
"[125] وَقَدْ تَأَسَّى
الصَّحَابِيّ
الجليل بُرَيْدَة بْن
الْحُصَيْب بِذَلِكَ، وتأثر
بهذه المواقف من رسول الله،
فَأَوْصَى أَنْ يُوضَع
عَلَى قَبْره جَرِيدَتَانِ[126]،
تبركًا بفعلهr
، ورجاء أن يخفف عنه[127]. ثالثًا : أمرهr
بعدم إيذاء الميت: فنهى عن التمثيل
بالمقتول في الحرب، فقال : "وَلَا
تَمْثُلُوا وَلَا تَقْتُلُوا
وَلِيدًا"[128] ونهى عن المساس
بعظام الموتى، فعَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ r
قَالَ: " كَسْرُ عَظْمِ
الْمَيِّتِ كَكَسْرِهِ حَيًّا"[129].
ونهى عن إيذاء
الأموات بأي شكل من الأشكال،
فعن ابن مسعود: قال: "أذى
المؤمن في موته، كأذاه في حياته"[130]
.. وعَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ r:
" لَأَنْ يَجْلِسَ
أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ
فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ
فَتَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ
خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ
عَلَى قَبْرٍ"[131]. وعَنْ أَبِي
مَرْثَدٍ الْغَنَوِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ r يَقُولُ:"
لَا تُصَلُّوا إِلَى
الْقُبُورِ وَلَا تَجْلِسُوا
عَلَيْهَا"[132] وعن عمارة بن حزم t
قال رآني رسول الله r
جالسًا على قبر،
فقال:" يا صاحب القبر !
أنزل من على القبر، لا تؤذي صاحب
القبر، ولا يؤذيك ! "[133] المطلب الخامس:
دعاؤه r للأموات
: يقول عَوْف بْنَ
مَالِكٍ : صَلَّى رَسُولُ
اللَّهِ r
عَلَى جَنَازَةٍ فَحَفِظْتُ
مِنْ دُعَائِهِ وَهُوَ يَقُولُ
:" اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ
وَارْحَمْهُ، وَعَافِهِ
وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ
نُزُلَه،ُ وَوَسِّعْ
مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ
بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ
وَالْبَرَد،ِ وَنَقِّهِ مِنْ
الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ
الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنْ
الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ
دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ،
وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ
أَهْلِهِ، وَزَوْجًا خَيْرًا
مِنْ زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ
الْجَنَّةَ، وَأَعِذْهُ مِنْ
عَذَابِ الْقَبْرِ _ أَوْ مِنْ
عَذَابِ النَّارِ -" قَالَ :
حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنْ
أَكُونَ أَنَا ذَلِكَ
الْمَيِّتَ[134] وعَنْ عُبَيْدِ
بْنِ خَالِدٍ السُّلَمِيِّ : أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ r
آخَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ،
فَقُتِلَ أَحَدُهُمَا،
وَمَاتَ الْآخَرُ
بَعْدَهُ، فَصَلَّيْنَا
عَلَيْهِ فَقَالَ النَّبِيُّ r :
"مَا قُلْتُمْ ؟ " قَالُوا :
دَعَوْنَا لَهُ، اللَّهُمَّ
اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ
ارْحَمْهُ ، اللَّهُمَّ
أَلْحِقْهُ بِصَاحِبِهِ.
فَقَالَ النَّبِيُّ r:
فَأَيْنَ صَلَاتُهُ بَعْدَ
صَلَاتِهِ وَأَيْنَ عَمَلُهُ
بَعْدَ عَمَلِهِ، فَلَمَا
بَيْنَهُمَا كَمَا بَيْنَ
السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ[135].
وكان يَقُولُ فِي
الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ –
أيضًا -: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ
لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا
وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا
وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا
وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا"[136]
. وكان يأمر أصحابه
بالدعاء للميت فيقول : " إذا
صليتم على الميت فأخلصوا له
الدعاء"[137]. المطلب السادس :
بكاؤه r على
الأموات وعند القبور: أولاً : في وفاة
عثمان بن مظعون : فعندما أُخبر
رسول الله r
بوفاة عثمان بن مظعون t
أسرع إلى بيته، فقد كان عثمان t
من الصحابة القريبين إلى قلبه.
فبكى النبي r
عليه بكاء كثيراً[138]. ثانيًا: في وفاة
سعد بن عبادة : عن ابن عمر t
قال: اشتكى سعد بن عبادة شكوى
له، فأتاه النبي r
يعوده، مع عبد الرحمن بن عوف
وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن
مسعود - رضي الله عنهم جميعًا-،
فلما دخل عليه فوجده في غاشية
أهله فقال: "قد قضى؟". قالوا:
لا يا رسول الله. فبكى النبي r
، فلما رأى القوم بكاء النبي r
بكوا. فقال: "ألا تسمعون، إن
الله لا يعذِّب بدمع العين، ولا
بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا"،
وأشار إلى لسانه[139]. ثالثًا : في وفاة
طفله إبراهيم : لما رُزق
رَسُولُ اللَّهِ r
بطفل من زوجته السيدة مارية
المصرية، قال لأصحابه - في
ابتهاج وسرور - : "وُلِدَ لِي
اللَّيْلَةَ غُلَامٌ
فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبِي
إِبْرَاهِيمَ" . قال أنس :
ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى أُمِّ
سَيْفٍ امْرَأَةِ قَيْنٍ
يُقَالُ لَهُ أَبُو سَيْفٍ
فَانْطَلَقَ يَأْتِيهِ
وَاتَّبَعْتُهُ،
فَانْتَهَيْنَا إِلَى أَبِي
سَيْفٍ وَهُوَ يَنْفُخُ
بِكِيرِهِ، قَدْ امْتَلَأَ
الْبَيْتُ دُخَانًا،
فَأَسْرَعْتُ الْمَشْيَ بَيْنَ
يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ rَقُلْتُ
يَا أَبَا سَيْفٍ أَمْسِكْ [ أي
توقف]! جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ r فَأَمْسَكَ! فَدَعَا
النَّبِيُّ r
بِالصَّبِيِّ فَضَمَّهُ
إِلَيْهِ وَقَالَ مَا شَاءَ
اللَّهُ أَنْ يَقُولَ .. فَقَالَ
أَنَسٌ : لَقَدْ رَأَيْتُهُ
وَهُوَ يَكِيدُ بِنَفْسِهِ[أي
يحتضر] بَيْنَ يَدَيْ
رَسُولِ اللَّهِ r، فَدَمَعَتْ عَيْنَا رَسُولِ
اللَّهِ r
فَقَالَ : "تَدْمَعُ
الْعَيْنُ وَيَحْزَنُ
الْقَلْبُ ، وَلَا نَقُولُ
إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا،
وَاللَّهِ يَا إِبْرَاهِيمُ
إِنَّا بِكَ لَمَحْزُونُونَ"[140]. رابعًا: بكاءه عند
قبر أمه: ومن المواقف
المؤثرة الصعبة على نفوس
الصحابة، موقفهم عندما شاهدوا
قائدهم في عام الحديبية ( 6هـ)
يبكي بحرقة عند قبر أمه آمنة بنت
وهب. فعن
سفيان الثوري أن نبي الله r
انتهى يوماً من عام الحديبية
إلى رسم قبر فجلس، وتفجر ينبوع
الرحمة في قلبه فبكى وقال –
بعينين دامعتين -: "هذا قبر
آمنة بنت وهب" وكان عمره إذ
ذاك نحو السّتين[141].
وعن عبد الله بن
مسعود : أن
النبي r
خرج يومًا
وخرجنا معه حتى انتهينا إلى
المقابر ، فأمرنا فجلسنا، ثم
تخطى القبور حتى انتهى إلى قبر
منها ، فجلس إليه فناجاه[142]
طويلاً ، ثم ارتفع صوته ينتحب
باكيًا ، فبكينا لبكاء رسول
الله r
، ثم إن رسول الله r
أقبل إلينا ، فتلقاه عمر بن
الخطاب t
، فقال : ما الذي أبكاك يا رسول
الله ؟ فقد أبكانا وأفزعنا ،
فأخذ بيد عمر ، ثم أومأ[143]
إلينا فأتيناه، فقال – في شفقة
-: " أفزعكم بكائي ؟ " فقلنا :
نعم، يا رسول الله فقال ذلك
مرتين أو ثلاثا ، ثم قال : " إن
القبر الذي رأيتموني أناجيه قبر
آمنة بنت وهب ، وإني استأذنت ربي
في زيارتها فأذن لي ، ثم
استأذنته في الاستغفار لها فلم
يأذن لي .. فأخذني ما يأخذ الولد
للوالد من الرقة ، فذلك الذي
أبكاني.."[144]
. قال أحد الصحابة :
فما رأيت ساعة أكثر باكيًا من
تلك الساعة[145]
. لقد تذكر r
بهذه الزيارة لقبر أمه الذكريات
.. فراح يستعيد جروح
الماضي في وجدانه .. فخيم عليه شعور
اليتم الرهيب ! فتأوه
القلب الصديع ! [1]
جان ليك : العرب ، ص 43 [2]اللادي
ايفلين كوبولد: البحث عن الله
، ص67 [3]لويس
سيديو : تاريخ العرب العام ، ص
103 . [4]
لايتنر : دين الإسلام ،133 . [5]
واشنجتون إيرفنج : حياة محمد ، ص303 [6]
صحيح ـ صححه الألباني في تخريجح كتاب فقه
السيرة لمحمد الغزالي ص
392. [7]
انظر: ابن
سيد الناس: عيون الأثر، ج 2 / ص 421، 422. [8]
صحيح ـ وهو في الإرواء، وصححه
الألباني في
تخريج مشكلة الفقر، ص 36. [9]
انظر: محمد شريف الشيباني:
الرسول في الدراسات
الإستشراقية المنصفة، ص176 [10]
الصحيح :
الزكاة والصدقات
[11]
ول ديورانت : قصة الحضارة ، 13 /
59. [12]
جاك ريسلر : الحضارة العربية،
ص43 [13]
بريشا بنكمرت (عثمان عبد الله
) : تربوي ، بمملكة تايلاند،
نشأ في أسرة بوذية، راح يبحث،
بعد إكمال دراسته، عن دين
يجدر أن يكون "دين البشرية
ودين الحياة"، كما يصفه،
وفي مطلع عام 1971 أعلن إسلامه،
وغير اسمه إلى عثمان عبد الله. [14]
انظر: عرفات كامل العشي : رجال
ونساء أسلموا ، 3 / 115 [15]
صحيح ـ أخرجه
البخاري، برقم 1315، والنسائي
برقم 8307 وأحمد، برقم 8307 عن أبي
هريرة. [16]
حسن لغيره - رواه الطبراني في
الأوسط واللفظ له، وابن خزيمة
في صحيحه والحاكم مختصرا: "
إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت
عنك شره " وقال صحيح على شرط
مسلم، وقال الألباني في صحيح
الترغيب والترهيب، صحيح
لغيره، برقم 743. [17]
صحيح لغيره – رواه ابو داوود،
برقم 1349، والبيهقي في شعب
الإيمان يرقم 3148، وقال
الألباني في صحيح الترغيب
والترهيب :صحيح لغيره، برقم 750 [18]
حسن – رواه النسائي برقم 2401،
وأحمد برقم 19183، وحسنه
الألباني في تخريج مشكلة
الفقر، برقم 64. [19]
صحيح البخاري، رقم 1933، وابن
ماجه برقم 1826
[20]
يوسف القرضاوي: مشكلة الفقر
وكيف عالجها الإسلام، 40 [21]
رواه أبو داود، برقم 1398،
وابن ماجه 2189 ، وضعفه
الألباني .
[22]
رواه القضاعي، في مسند الشهاب من حديث عبد
الله بن عمرو، برقم
278.. [23]
صحيح – رواه أحمد 12038 عن أنس ، قال شعيب
الأرنؤوط : إسناده صحيح على
شرط الشيخين [24]
صحيح – رواه البخاري
1930 عن الْمِقْدَامِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ، بَاب كَسْبِ
الرَّجُلِ وَعَمَلِهِ
بِيَدِهِ. [25]حسن
- رواه
الترمذي عن أبي سعيد، برقم 1130
وحسنه . . [26]عن
أبي هريرة عن النبي -صلى الله
عليه وسلم – قال:" من أعتق
رقبة مؤمنة أعتق الله بكل إرب
منها إرباً منه من النار" (الإرب
هو العضو )، صحيح مسلم، باب
فضل العتق، حديث رقم 1509 [27]
اميل درمنغم :حياة
محمد،
290 [28]
آدم متز (1869-1917) : باحث ألماني،
عين أستاذًا للغات السامية،
في جامعة بازل بسويسرا، وقد
تخصص بالأدب العربي في العصر
العباسي.
من آثاره: (نهضة الإسلام
في القرن الرابع الهجري) (1922)،
وقد ترجم إلى العربية بعنوان:
(الحضارة الإسلامية في القرن
الرابع الهجري). [29] ا آدم متز : الحضارة الإسلامية
في القرن الرابع الهجري، 1 / 290
. [30] انظر: محمد شريف الشيباني،
الرسول في الدراسات
الإستشراقية المنصفة، 119 [31]
مولانا محمد علي :
نقلاً عن : محمد شريف
الشيباني: الرسول في الدراسات
الإستشراقية المنصفة، 119 [32]
د. نظمي لوقا : كاتب نصراني من
مصر. يتميز بنظرته الموضوعية .. كثيرًا
ما كان يحضر مجالس شيوخ
المسلمين ويستمع بشغف إلى
كتاب الله وسيرة النبي صلى
الله عليه وسلم . بل إنه حفظ
القرآن الكريم ولم يتجاوز
العاشرة من عمره. ألف عددًا من
الكتب أبرزها (محمد الرسالة
والرسول)، و(محمد في حياته
الخاصة). [33]
نظمي لوقا:محمد الرسالة
والرسول، ص 185 [34]
لايتنر :دين الإسلام ، ص 7 . [35]
شغل منصب أستاذ اللغة العربية
والتاريخ الإسلامي بجامعة
باريس، وشغل منصب رئيس "مؤسسة
الدراسات الإسلامية في "داكار"،
وله عدة دراسات منها: كتاب
"الإرهاب الصهيوني"، "والمسلمون
في الاتحاد السوفيتي"،
وكتاب "الإسلام في إفريقيا
السوداء"، كما قد قام
بترجمة ابن خلدون إلى
الفرنسية. [36]
انظر: عرفات كامل العشي: رجال
ونساء أسلموا، 231 [37]
مفكر إنكليزي، ولد سنة 1856،
وأسلم سنة 1887 ، وتلقب باسم
: (الشيخ عبدالله [38]
عبد الله كويليام : العقيدة
الإسلامية ، ص26 [39]
عبد الله كويليام العقيدة
الإسلامية ، ص26 [40]
ادوار بروي :تاريخ الحضارات
العام 3 / 564 [41]
ادوار بروي :تاريخ الحضارات
العام 3 / 564 [42]
صحيح - رواه أبو داود ( 2\ 761)
برقم 5156، وأحمد(1\78)، برقم
585،
وصححه الألباني في الجامع
الصغير(1\11) برقم
106 [43]
صحيح - سنن أبي داود، برقم ( 4492)،
باب حق المملوك، وصححه
الألباني في صحيح وضعيف سنن
أبي داود، برقم 5159. [44]
رواه أبو نعيم الأصبهاني في
دلائل النبوة (116)، وأبو حنيفة
في مسنده ( 40)، والحارث في
مسنده (939)، وذكره ابن حجر
العسقلاني في
المطالب العالية ( 3931 ).
ولم أقف على سنده . [45]
صحيح –
رواه البخاري،كتاب الإيمان،
برقم 30، وأخرجه مسلم في
الإيمان والنذور، باب: إطعام
المملوك مما يأكل، رقم: 1661 [46]
عن الموسوعة الفقهية، وزارة
الأوقاف والشئون الإسلامية
بدولة الكويت، باب "رقّ" [47]
رواه الحاكم في المستدرك،
برقم 6541، والطبراني في المعجم
الكبير، برقم 6040، والقصة
منتشرة في كتب السيرة، في
ثنايا أحداث الخندق . [48]
صحيح - سنن أبي داود ، برقم4500 ،
وصححه الألباني صحيح الترغيب
والترهيب، برقم 2278 [49]
حسن –
رواه أحمد ( 2 / 182 )، وأخرجه أبو
داود ( 4519 ) وابن ماجه ( 2680 )،
وحسن الألباني في الإرواء
1744 [50]
صحيح - رواه البخاري، كتاب
البيوع ، باب إثم من باع حرًا،
ح: 2075 [51]
حسن – رواه البيهقي، ح: (11439)،
عن أبى هريرة. وحسنه الألباني [52]صحيح
– رواه مسلم
في فضائل النبي صلى الله عليه
وسلم باب حسن خلقه، رقم 2310 [53]
صحيح - رواه
أحمد، وصححه الألباني في
ظلال الجنة ، برقم 355 [54]
رواه أبو داود، باب في حق
المملوك، برقم 4496. [55]
صحيح –
رواه مسلم ، كتاب الأيمان -
باب صحبة المماليك، وكفارة
من لطم عبده [56]
صحيح -
سنن أبي داود، كتاب
الأدب، باب في التجاوز في
الأمر، ح:
(4154)، وابن ماجة، كتاب النكاح، باب ضرب النساء، ح: (1974)، وقال
الألباني : صحيح ، انظر مختصر
الشمائل المحمدية، ص 182 [57]
رواه أحمد، برقم
16550،
والنسائي5\382 برقم9204، قال ابن كثير : إسناده صحيح ولله الحمد
( التفسير 2/264) [58]
صحيح – رواه
داود برقم 1309، كتاب الصلاة،
بَاب النَّهْيِ عَنْ أَنْ
يَدْعُوَ الْإِنْسَانُ عَلَى
أَهْلِهِ وَمَالِهِ.، وهو في
صحيح الترغيب والترهيب 2\ 133 [59]صحيح
– رواه مسلم برقم
4293 [60]
شرح النووي على مسلم
(15 \ 82 ) [61]
انظر: ابن الجوزي: سيرة
عمر
بن عبدالعزيز ، 130 [62]
انظر: ابن كثير : البداية
والنهاية، 9/ 186، وتاريخ
الطبري 5/ 265 [63]
لايتنر : دين الإسلام ، ص 12 – 13
. [64]
تفسير القرطبي 19/ 184،
والبيضاوي 451 [65]ابن
كثير : السيرة
النبوية (ج 2 / ص 347) [66]
صحيح - رواه
البيهقي في شعب الإيمان ،
وصححه الألباني في المشكاة(ج
1 / ص 55)، برقم 255 [67]
صحيح – رواه ابن حبان ح: 2993 [68]
صحيح – رواه مسلم، كتاب البر
والصلة والآداب، باب ثواب
المؤمن فيما يصيبه من مرض أو
حزن أو نحو ذلك حتى الشوكة
يشاكها، ح: 4664 [69]
أبو نعيم
الأصبهاني، معرفة الصحابة 14 /
155 [70]
صحيح
– رواه أحمد
، ح: 13023، وصححه الألباني في
الإرواء ح: 530 [71]
صحيح – رواه مسلم،
كِتَاب الصَّلَاةِ،
بَاب جَوَازِ أَذَانِ
الْأَعْمَى إِذَا كَانَ
مَعَهُ بَصِيرٌ، ح: 381 [72]
تفسير الرازي، ج 11 / ص 374. [73]
رواه
البيهقي ( 1 / 392 )، وقال
الألباني : وهذا إسناد حسن إن
شاء الله تعالى [74]
صحيح
البخاري، كتاب الصلاة باب
المساجد في البيوت ، ح: (407)،
وانظر: ح (627)، ومسلم ، باب
الرخصة في التخلف عن الجماعة
بعذر، ح: كتاب المساجد ومواضع
الصلاة، ح: (1052) [75]
صحيح – رواه الترمذي (وشرح
العلل)، أبواب الدعوات عَن
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم، 3578، وابن ماجه
برقم 1385، وصححه الألباني في
صحيح وضعيف سنن الترمذي. [76]
صحيح – رواه البخاري برقم 5220،
بَاب
فَضْلِ مَنْ يُصْرَعُ مِنْ
الرِّيحِ، ومسلم، برقم 4673
بَاب ثَوَابِ الْمُؤْمِنِ
فِيمَا يُصِيبُهُ مِنْ
مَرَضٍ أَوْ حُزْنٍ أَوْ
نَحْوِ ذَلِكَ حَتَّى
الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا. [77]
صحيح – رواه البخاري، كتاب
المرضى،باب دعاء العائد
للمريض ، ح: (5243)، ومسلم، كتاب
السلام، باب استحباب رقية
المريض، ح: 4061 [78]
صحيح – رواه مسلم ،ح: 91 [79]
البخاري، ح: 5583 [80]
حسن - رواه أحمد،ح: 1779 [81]
حسن - رواه أحمد ، ح: 2763 [82]
انظر: تفسير الطبري ، 19 / ص 219 [83]
موطأ
مالك،كِتَاب النِّكَاحِ،
بَاب مَا جَاءَ فِي
الصَّدَاقِ وَالْحِبَاءِ، ح:
(969) ، ومصنف ابن أبي شيبة -
(ج 3 / ص 310) [84]
صحيح-
رواه البخاري ، كتاب الجهاد
والسير،
والآية في سورة النساء: رقم 95 . [85]
انظر: ابن هشام 2 / 90 [86]
تفسير القرطبي 12 / 313 [87]
صحيح - رواه ابن ماجة، كِتَاب
الطَّلَاقِ، بَاب طَلَاقِ
الْمَعْتُوهِ وَالصَّغِيرِ
وَالنَّائِمِ،ح: ( 2041)، وابن
خزيمة في
صحيحه
( 1003 )، وصححه
الألباني في صحيح وضعيف سنن
ابن ماجة، وفي
الإرواء ( 297 ) [88]
صحيح - رواه أبو داود، كِتَاب
الْحُدُودِ، بَاب فِي
الْمَجْنُونِ يَسْرِقُ أَوْ
يُصِيبُ حَدًّا،ح: (4399)، وصححه
الألباني في
صحيح وضعيف سنن أبي داود،
وفي الإرواء ( 2 / 5 ) [89]
رواه الترمذي، باب ما جاء في
إجلال الكبير، رقم 1945 ، قال
الترمذي: هَذَا حَدِيثٌ
غَرِيبٌ، وحسنه صاحب الجامع
الصغير، انظر: فيض القدير - (ج 5
/ ص 543) [90]
صحيح - رواه أبو يعلى الموصلي
4145 ، وصححه الألباني في
السلسلة الصحيحة، برقم 167 [91]
حسن - رواه
أبو داود، باب في تنزيل الناس
منازلهم، رقم 4203، وابن
أبي شيبة، برقم
5\ 224، والبيهقي، رقم 2573،
وحسنه الألباني في مشكاة
المصابيح، 3\ 78 [92]صحيح
– رواه الترمذي و رواه أحمد،
برقم 6643، وصححه الألباني
في السلسلة
الصحيحة ( 5 / 230 ) [93]
صحيح – رواه البخاري، باب
تسليم القليل على الكثير، رقم
5763 [94] صحيح
- رواه أبو بكر الشافعي في "
الفوائد " ( 9 / 97 / 1 ) ،
وهو في السلسلة الصحيحة ،
برقم 1555 [95]
صحيح – أخرجه أبو يعلى ( 2 / 638 )،
وهو في السلسلة
الصحيحة، برقم 1778 [96]
صحيح - رواه أبو داود، كِتَاب
الطَّهَارَةِ، بَاب فِي
الرَّجُلِ يَسْتَاكُ
بِسِوَاكِ غَيْرِهِ ح: 46، وهو
في السلسلة الصحيحة - (ج 4 / ص 129)،
برقم 1555 [97]
صحيح
- صحيح وضعيف الجامع الصغير - (ج
18 / ص 444)، برقم 8797. [98]
انظر:الألباني
السلسلة الصحيحة - (ج 4 / ص
129) [99]
صحيح
البخاري،
كِتَاب الْأَذَانِ،
بَاب
إِذَا اسْتَوَوْا فِي
الْقِرَاءَةِ
فَلْيَؤُمَّهُمْ
أَكْبَرُهُمْ
، ح: (595) [100]
صحيح
مسلم ، كِتَاب الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ
الصَّلَاةِ،
بَاب مَنْ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ، ح: (1079) [101]
صحيح
البخاري،
كتاب
الأدب، باب إكرام الكبير، ح:
(5677)، ومسلم، كتاب الْقَسَامَةِ
وَالْمُحَارِبِينَ
وَالْقِصَاصِ وَالدِّيَاتِ،
بَاب
الْقَسَامَةِ،
ح: (3157). [102]
تفسير
ابن كثير - (ج 8 / ص 36) [103]
صحيح البخاري، كِتَاب
الْأَذَانِ، بَاب مَنْ شَكَا
إِمَامَهُ إِذَا طَوَّلَ
وَقَالَ أَبُو أُسَيْدٍ
طَوَّلْتَ بِنَا يَا بُنَيَّ
، ح: (664) [104]
صحيح
مسلم، كتاب الحج ، باب الحج عن
العاجز، ح:
(2376) [105]
السيرة
الحلبية 1/456 [106]
انظر: ابن كثير : السيرة
النبوية 1/504 [107]
محمد بن يوسف الصالحي الشامي :
سبل الهدى
والرشاد - (ج 4 / ص 70) [108]
واحدة
الثغام، وهو نبت أبيض،
أو كالسحابة البيضاء دلالة
على شدة بياض شعره . [109]انظر:
ابن كثير :
السيرة النبوية (ج 3 / ص 558) [110]
صحيح – رواه مسلم، برقم
367 [111]
صحيح – رواه البخاري، في
المغازي 27، و مسلم في الفضائل
30 . [112]
البروفيسور جي. م. ج
كرامرز: ولد بهولندة، سنة 1891،
وكان أستاذًا للتركية
والفارسية في جامعة ليدن حتى
سنة 1939، اشتغل من 1915 حتى 1921
مترجمًا للسفارة الهولندية
في الأستانة. كان أحد
المساهمين في كتابة كثير من
الموضوعات في دائرة المعارف
الإسلامية، وألف كتاب: (فن
التاريخ عند الأتراك
العثمانيين) (1944). [113]
في فلسطين . رغم أن العقيدة
الإسلامية لا تعترف بهذا
القبر! [114]
انظر: سير توماس أرنولد (إشراف)
: تراث الإسلام،129 [115]
صحيح – رواه البخاري، برقم 1263 [116]
ابن سيد الناس : عيون الأثر
(ج 2 / ص 261) [117]
المعجم الأوسط للطبراني،
برقم 11165،
والقصة مموجودة في كتب
السيرة، أحداث غزوة تبوك
. [118]
لك الله يا رسول الله ! كنتَ
تسأل حتى عن الأموات ! [119]
رواه البيهقي في
السنن الكبرى
(ج 4 / ص 48) [120]
صحيح – رواه البخاري ، برقم
1251 [121]
صحيح – رواه البخاري،
باب من قام لجنازة يهودي،
عن سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ
وَقَيْسُ بْنُ سَعْدٍ ، برقم
1229، ومسلم، باب القيام
للجنازة، برقم 1596 [122]
صحيح – رواه مسلم، باب القيام
للجنازة، برقم
1595 [123]
صحيح -
رواه مسلم، باب القيام
للجنازة،
برقم 1592 [124]
صحيح – رواه البخاري، عَنْ
ابْنِ عَبَّاسٍ، برقم
209 [125]
ابن حجر : فتح الباري (ج 1 / ص 341) [126]ابن
حجر : فتح
الباري (ج
1 / ص 341) [127]
ابن
بطال : شرح البخاري (ج
5 / ص 385) [128]
صحيح – رواه مسلم، عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ بُرَيْدَةَ
عَنْ أَبِيهِ قَالَبرقم 3261 [129]
رواه أبو داود، بَاب فِي
الْحَفَّارِ يَجِدُ
الْعَظْمَ هَلْ يَتَنَكَّبُ
ذَلِكَ الْمَكَانَ،برقم 2792 [130]
مصنف ابن أبي شيبة 3\ 245 [131]
صحيح – رواه مسلم، بَاب
النَّهْيِ عَنْ الْجُلُوسِ
عَلَى الْقَبْرِ
وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ، برقم
1612 [132]
صحيح- رواه مسلم، بَاب
النَّهْيِ عَنْ الْجُلُوسِ
عَلَى الْقَبْرِ
وَالصَّلَاةِ عَلَيْهِ،
برقم 1614 [133]
صحيح لغيره - رواه الطبراني في
الكبير من رواية ابن لهيعة،
وهو في صحيح الترغيب والترهيب
- (ج 3 / ص 221)، برقم
3566 . [134]
صحيح – رواه مسلم، باب الدعاء
للميت في الصلاة، برقم 1600 [135]
رواه النسائي ، باب الدعاء،
برقم 1959،
وصححه الألباني في
صحيح وضعيف سنن أبي داود،
رقم 2524 [136]
رواه النسائي ، باب الدعاء،
عَنْ أَبِي إِبْرَاهِيمَ
الْأَنْصَارِيِّ عَنْ
أَبِيهِ، برقم
1960، وصححه الألباني في
صحيح وضعيف سنن النسائي رقم
1986 [137]
حسن – حسنه الألباني في إرواء
الغليل برقم 732 [138]
صحيح – رواه
البخاري، كتاب الجنائز، 3 [139]
صحيح – رواه
البخاري، في كتاب الجنائز، 45؛
ورواه مسلم، في كتاب الجنائز،
12 [140]
صحيح – رواه مسلم عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ،
برقم 4279 [141]
انظر : حسين محمد يوسف : سيد
الدعاة -صلى الله عليه وسلم،
القاهرة:
44 [142]
المناجاة : الحديث بصوت منخفض
سرا [143]
الإيماء : الإشارة بأعضاء
الجسد كالرأس واليد والعين
ونحوه [144]صحيح
– رواه وصحيح ابن حبان برقم 986
، وفي أخبار
مكة للأزرقي - (ج 3 / ص 212)، برقم
985، رواه البهيقي في دلائل
النبوة برقم 102، ، وصححه
الألباني في صحيح السيرة
النبوية 23. [145]
دلائل النبوة للبيهقي - (ج 1 / ص
117)، برقم 101 يتبع
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |