ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 16/01/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

كتب

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


نبـي الـرحمة

الرسـالة والإنسـان

(7)

تأليف : محمد مسعد ياقوت

www.nabialrahma.com

الفصل الثالث

رحمته للعالمين في مجال الأخلاق

المبحث الأول

الرفق واللين واللطف

المطلب الأول: طريق محمد .. طريق الرفق :

ماهي طريقة محمد r في دعوة الناس إلى منهج الله القويم ؟

يجيب عن هذا السؤال توماس أرنولد ، ويقول :

 " قد جاءهم محمد [r]من طريق الرفق"[1] !

أما لويس سيديو، فيفصل في الإجابة، ويقول :

"كان[r] يستقبل بلطف ورفق جميع من يودّون سؤاله، فيسحر كلماءه بما يعلو وجهه الرزين الزاهر من البشاشة، وكان لا يضج من طول الحديث، وكان لا يتكلم إلا قليلاً فلا ينمّ ما يقول على كبرياء أو استعلاء، وكان يوحي في كل مرة باحترام القوم له.. "[2].

ويقول " برتلي سانت هيلر ":  "كان محمد [r]أزكى العرب في عهده وأكثرهم تقوى وديناً، وأرحبهم صدراً ، وأرفقهم بأعدائه"[3] ..

ولهذا قال هنري دي كاستري: " هكذا جذب الإسلام قسمًا عظيمًا من العالم... بما اشتمل عليه من الترفق بطبيعة البشر حيث أتاح للناس شيئًا مما يشتهون !"[4] .. فهو دين واقعي، يتعامل مع حاجات الإنسان بفهم ورفق، أو بعبارة كويليام :" ليس بين الأديان أقرب للفهم من الدين الإسلامي للذين يفقهونه، كما أنه ليس بينها أثبت ولا أرفق منه."[5]

ويقول "هربرت جورج ولز": "هذا الإلحاح على الرفق والرعاية في الحياة اليومية إنما هو واحد من فضائل الإسلام الكبرى بيد أنه ليس الفضيلة الوحيدة فيه"[6].، ولا زال الغرب يتعلم أخلاق الرفق من الإسلام ونبي الإسلام،  كما يقول "ريشار وود" حتى صار النصارى يتعلمون من الدولة الإسلامية، و"ما يرمي إليه الدين [ الإسلامي ] من الحضّ على الرفق واللين"[7] ..!

ومن ثم يدعو "سوسة"[8]  أتباع موسى وعيسى [عليهما السلام] "  أن يراجعوا التاريخ الإسلامي ليقفوا على ما يأمر به الإسلام بشأن الرفق بالأطفال والنساء والشيوخ وغير المقاتلين بصورة عامة. ويثبت لنا التاريخ... أن المسلمين ساروا وفق شريعتهم القاضية بوجوب عدم مس الأطفال والنساء والشيوخ،  بكل أمانة وحرص حتى في الظروف التي كان فيها العدو المقابل يقتل الأطفال والنساء وغير المحاربين من المسلمين"[9]..

المطلب الثاني : حثه على الرفق :

أولاً : الرفق يحبه الله :

عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ r:

أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: " يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ"[10]

و عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ أن النَّبِيِّ r قال:

"إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيَرْضَى بِهِ، وَيُعِينُ عَلَيْهِ مَا لَا يُعِينُ عَلَى الْعُنْفِ..."[11].

ثانيًا: الرفق جمال وذوق:

عَنْ عَائِشَةَ:

أن النَّبِيِّ r قَالَ : "إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ"[12] ..

ثالثًا: الرفق يجلب الخير:

و عَنْ جَرِيرٍ:

عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ : "مَنْ يُحْرَمْ الرِّفْقَ يُحْرَمْ الْخَيْرَ !"[13] .

المطلب الثالث: من نماذج رفقهr :

أولاً: الرفق بالمتعلمين:

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ:

أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَقَامُوا إِلَيْهِ ( ليضربوه )، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ  r:

"لَا تُزْرِمُوهُ !"

 ثُمَّ دَعَا بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَصُبَّ عَلَيْهِ[14] .

ثانياً: الرفق بالسفهاء :

عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ:

دَخَلَ رَهْطٌ مِنْ الْيَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ r . فَقَالُوا: السَّامُ[15] عَلَيْكُمْ . قَالَتْ عَائِشَةُ:  فَفَهِمْتُهَا. فَقُلْتُ : وَعَلَيْكُمْ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ .

 فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : " مَهْلًا يَا عَائِشَةُ ! ! إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ".

 فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا  ؟

فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : "قَدْ قُلْتُ : وَعَلَيْكُمْ"[16] ..

وهذا وهو خلق رسول الله r دومًا إذا سابه أحد أو شاتمه..

ثالثًا : الرفق بالعصاة :

عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ:

إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا !! فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ، قَالُوا : مَهْ مَهْ !!!

فَقَالَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " ادْنُهْ " ..

 فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا.. فَجَلَسَ

قَالَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ ؟ "

 قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ !

قَالَ : "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ."

 "أَفَتُحِبُّهُ لِابْنَتِكَ ؟ "

قَالَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ

 قَالَ:  "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ

" أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ ؟ "

 قَالَ: لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ ..

قَالَ : "وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ "

" أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ ؟ "

قَالَ:  لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ

قَالَ:" وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ "

"أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ ؟ " .

 قَالَ : لَا وَاللَّهِ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاءَكَ.

 قَالَ : " وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ" .

فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، وَقَالَ  :

"اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ" ..

 فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ[17].

رابعًا: الرفق بالشعب والرعية :

عن حَرْمَلَةُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ قَالَ:

 أَتَيْتُ عَائِشَةَ، أَسْأَلُهَا عَنْ شَيْءٍ ..

فَقَالَتْ: مِمَّنْ أَنْتَ ؟

فَقُلْتُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ

فَقَالَتْ:  كَيْفَ كَانَ صَاحِبُكُمْ لَكُمْ فِي غَزَاتِكُمْ هَذِهِ

فَقَالَ : مَا نَقَمْنَا مِنْهُ شَيْئًا إِنْ كَانَ لَيَمُوتُ لِلرَّجُلِ مِنَّا الْبَعِيرُ فَيُعْطِيهِ الْبَعِيرَ وَالْعَبْدُ فَيُعْطِيهِ الْعَبْدَ، وَيَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ فَيُعْطِيهِ النَّفَقَةَ ..

فَقَالَتْ: أَمَا إِنَّهُ لَا يَمْنَعُنِي الَّذِي فَعَلَ - فِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْر-ٍ أَخِي أَنْ أُخْبِرَكَ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ فِي بَيْتِي  :

"هَذَا اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ، عَلَيْهِ وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ "[18] .

خامسًا : الرفق بالمستفتي وصاحب المسألة :

عَنْ سَلَمَةَ بْنِ صَخْرٍ الْبَيَاضِيِّ قَالَ

كُنْتُ امْرَأً أَسْتَكْثِرُ مِنْ النِّسَاءِ لَا أَرَى رَجُلًا كَانَ يُصِيبُ مِنْ ذَلِكَ مَا أُصِيبُ! فَلَمَّا دَخَلَ رَمَضَانُ ظَاهَرْتُ مِنْ امْرَأَتِي حَتَّى يَنْسَلِخَ رَمَضَانُ، فَبَيْنَمَا هِيَ تُحَدِّثُنِي ذَاتَ لَيْلَةٍ انْكَشَفَ لِي مِنْهَا شَيْءٌ ، فَوَثَبْتُ عَلَيْهَا فَوَاقَعْتُهَا ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ عَلَى قَوْمِي فَأَخْبَرْتُهُمْ خَبَرِي ، وَقُلْتُ  لَهُمْ : سَلُوا لِي رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-!!

 فَقَالُوا : مَا كُنَّا نَفْعَلُ إِذًا يُنْزِلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِينَا كِتَابًا أَوْ يَكُونَ فِينَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَوْلٌ فَيَبْقَى عَلَيْنَا عَارُهُ،  وَلَكِنْ سَوْفَ نُسَلِّمُكَ لِجَرِيرَتِكَ، اذْهَبْ أَنْتَ فَاذْكُرْ شَأْنَكَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -..

قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى جِئْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ الْخَبَرَ .

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "أَنْتَ بِذَاكَ ؟ "

فَقُلْتُ : أَنَا بِذَاكَ، وَهَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ صَابِرٌ لِحُكْمِ اللَّهِ عَلَيَّ .

قَالَ: "  فَأَعْتِقْ رَقَبَةً" .

 قُلْتُ :  وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَصْبَحْتُ أَمْلِكُ إِلَّا رَقَبَتِي هَذِهِ !

 قَالَ : " فَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ" .

 قُلْتُ:  يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهَلْ دَخَلَ عَلَيَّ مَا دَخَلَ مِنْ الْبَلَاءِ إِلَّا بِالصَّوْمِ !

قَالَ: "  فَتَصَدَّقْ أَوْ أَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا " .

قُلْتُ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَقَدْ بِتْنَا لَيْلَتَنَا هَذِهِ مَا لَنَا عَشَاءٌ !!

 قَالَ : " فَاذْهَبْ إِلَى صَاحِبِ صَدَقَةِ بَنِي زُرَيْقٍ، فَقُلْ لَهُ فَلْيَدْفَعْهَا إِلَيْكَ، وَأَطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِينًا وَانْتَفِعْ بِبَقِيَّتِهَا !!!" .

فَرَجَعْتُ إِلَى قَوْمِي فَقُلْتُ :

وَجَدْتُ عِنْدَكُمْ الضِّيقَ وَسُوءَ الرَّأْيِ وَوَجَدْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -السَّعَةَ وَحُسْنَ الرَّأْيِ، وَقَدْ أَمَرَ لِي بِصَدَقَتِكُمْ !

 قال : فَادْفَعُوهَا لِي[19] .

سادسًا: الرفق بالحيوانات :

 نهى النبي r عن تعذيب الحيوانات والطيور وكل شيء فيه روح، فقد مَرَّ أنس بن مالك فَرَأَى غِلْمَانًا أَوْ فِتْيَانًا نصبوا أمامهم دجاجة، وجعلوها هدفًا لهم، وأخذوا يرمونها بالحجارة فَقَالَ أَنَسٌ: " نَهَى النَّبِيُّ r أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ."[20]

أي تحبس أوتعذب أوتقيد أوترمي حتى الموت.

وعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:

أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَغُلَامٌ مِنْ بَنِي يَحْيَى؛ رَابِطٌ دَجَاجَةً يَرْمِيهَا، فَمَشَى إِلَيْهَا ابْنُ عُمَرَ حَتَّى حَلَّهَا ثُمَّ أَقْبَلَ بِهَا وَبِالْغُلَامِ مَعَهُ فَقَالَ: ازْجُرُوا غُلَامَكُمْ عَنْ أَنْ يَصْبِرَ هَذَا الطَّيْرَ لِلْقَتْلِ فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ r نَهَى أَنْ تُصْبَرَ بَهِيمَةٌ أَوْ غَيْرُهَا لِلْقَتْلِ."[21] .

وقال" إنَّ النَّبِيَّ r لَعَنَ مَنْ فَعَلَ هَذَا"[22] .

 

وقال : " إن رسول الله r لعن من اتخذ شيئًا فيه الروح غرضًا .."[23]

أي :هدفًا يُتدرب عليه ونحو ذلك  .

و عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:

سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ: "  لَعَنَ اللَّهُ مَنْ مَثَّلَ بِالْحَيَوَانِ"[24].

وفيه دلالة على حرمة إيذاء الحيوان حيًا أو ميتًا، ألإ لضرورة أو منفعة .

وقد بين النبي r أن الله سبحانه قد غفر لرجل؛ لأنه سقى كلبًا كاد يموت من العطش .

فبّين " أن رجلاً رأى كلبًا يأكل الثرى من العطش، فأخذ الرجل خفه فجعل يغرف له به حتى أرواه فشكر الله له، فأدخله الجنة ."[25].

بينما دخلت امرأة النار؛ لأنها حبست قطة، فلم تطعمها ولم تَسْقِهَا حتى ماتت !

فقال : " عُذبت امرأة في هرة، حبستها حتى ماتت جوعًا، فدخلت فيها النار "[26] .

ومن الرفق بالحيوان ذبحه بسكين حاد حتى لا يتعذب، يقول النبي r:

"إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ [أي: في الحروب والمعارك]، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ.وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ [السكينة التي يذبح بها الطير ونحوه]وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ"[27].

ويروي عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:

جاء بعير يشتد حتى سجد لرسول الله r، ثم قام بين يديه، فذرفت عيناه، فقال رسول الله r : "من صاحب هذا البعير؟" قالوا: فلان. فقال "ادعوه، فأتوا به"، فقال له رسول الله r "يشكوك" فقال: يا رسول الله، هذا البعير كنا نسنو[28] عليه منذ عشرين سنة، ثم أردنا نحره.

فقال رسول الله r: "شكا ذلك، بئسما جازيتموه، استعملتموه عشرين سنة حتى إذا أرق عظمه، ورق جلده أردتم نحره بعينه" قال: بل هو لك يا رسول الله. فأمر به رسول الله r فوجه نحو الظهر، أي الإبل [29] .

و عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه قال كنا مع رسول الله r في سفر فانطلق لحاجته فرأينا حمرة معها فرخان فأخذنا فرخيها فجاءت الحمرة فجعلت تفرش ، فجاء النبي rفقال:

" من فجع هذه بولدها ؟  ردوا ولدها إليها ! "

ورأى قرية نمل قد حرقناها فقال :

"من حرق هذه ؟ "

قلنا: نحن ..

قال : "إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار" [30].

 

المبحث الثاني

العفو

العفو ترك المؤاخذه بالذنب[31]، وقد ضرب النبي r المثل الأعلى في الصفح عن محاربيه ومعانديه ومن له عليهم قصاص . وذلك من تجليات رحمته r.

المطلب الأول : النبي  rالعفو

يذكر مارسيل بوازار عفو محمدr فيقول:

" وبالرغم من قتاليته ومنافحته ، فقد كان يعفو عند المقدرة  "[32] .

ويتناول الكاتب الهندي "مولانا محمد علي"[33] مظهر العفو في أخلاق الرسولr، كمظهر من مظاهر رحمة محمدr للبشر ، بشيىء من التفصيل والتدليل ويقول :

"وكان العفو جوهرة أخرى بالغة الإشعاع في شخصية الرسول r. لقد وجدت فيه تجسدها الكامل . ولقد أوصاه القرأن الكريم بـأن يأخذ بالعفو ويأمر بالمعروف ويعرض عن الجاهلين .

ولقد جاءه تفسير ذلك من لدنه تعالى . على هذا النحو : ( صل من قطعك ، وأعط من حرمك ، واغفر لمن أساء إليك )... لقد عاش [r] وفقها حتى في أحرج المواقف . وفي معركة أحد [ شوال 3هـ/إبريل624 م] ، عندما جُرح وسقط على الأرض ، سأله أحد الصحابة أن يستنزل اللعنة على العدو، فأجاب : ( أنا لم أبُعث لعاناً للعالمين ، ولكن بعثت هاديًا ورحمة . . اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون !). وذات مرة جذبه بدوي طارحاً دثاره حول عنقه ، وحين ُسئل الرسول r لمِ َلـم ْيعامله بالمثل أجاب قائلاً : إنه لا يرد على الشر بالشر أبداً ."[34]..

ويقول : "إن تاريخ العالم ليعجز عن تزويدنا بنظير لهذا الصفح الكريم الذي أغدقه الرسول [r] على أمثال أولئك المجرمين الكبار . إن الضرب على وتر المواعظ الداعية إلى الصفح والغفران لا يكلف المرء شيئاً  كثيراً ، ولكن عفو المرء عن معذبيه ليحتاج إلى قدر من الشهامة عظيم ، و بخاصة حين يكون أولائك المعِذبون تحت رحمته"[35].

ولا غرو أنْ وجدناه r أحسن الناس عفواً، وألطفهم عشرة، يعفو عن المسيء، ويصفح عن المخطئ حتى وصفه الخالق سبحانه وتعالى : ] لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ] [التوبة : 128].

فقد أمره الله تعالى بانتهاج نهج العفو في دعوته .. قال الله تعالى : ]فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[ [المائدة : 13] .

المطلب الثاني : نماذج عفوه r:

أولاً: عفوه عن مشركي مكة عام الفتح( رمضان ـ/ يناير 630 م ):

يضرب الكاتب الهندي " مولانا محمد علي"، مثالاً بعفو النبي r عن مشركي مكة بعدما فعلوا به ما فعلوه.. فيقول:

"والمكيون الذين أخضعوه وأصحابه ، دائماً وأبداً ، لأشد التعذيب بربرية؛ منحهم عفواً عاماً"[36]!

ويقول " اللورد هيدلي" ، معقباً على عفو النبي  r في فتح مكة:

"عفا بلا قيد ولا شرط عن كل هؤلاء الذين اضطهدوه وعذبوه ! آوى إليه كل الذين كانوا قد نفوه من مكة ! وأغنى فقراءهم، وعفا عن ألد أعدائه ؛ عندما كانت حياتهم في قبضة يده وتحت رحمته...!"[37]..

يقول  "كولن" :

"تأملوا معي كيف أنهم أخرجوه هو ومن يقف معه من بيوتهم إلى منطقة صحراوية معلنين عليهم المقاطعة، ومعلقين بنود هذه المقاطعة الشريرة على جدار الكعبة، وكانت تقضي بعدم التعامل معهم بيعًا وشراء وعدم التزوج من بناتهم أو تزويج بناتهم لهم.

وقد دامت هذه المقاطعة ثلاث سنوات بحيث اضطروا إلى أكل العشب والجذور وأوراق الأشجار، حتى هلك منهم الأطفال والشيوخ من الجوع دون أن تهتز منهم شعرة، أو تتحرك عندهم عاطفة رحمة. ولم يكتفوا بهذا، بل اضطروهم لترك بيوتهم وأوطانهم والهجرة إلى أماكن أخرى بعيدة. ولم يدعوهم في راحة هناك فبدسائسهم المختلفة سلبوا منهم طعم الراحة والاطمئنان.

وفي غزوات بدر وأُحد والخندق اشتبكوا معهم في معارك ضارية، وحرموهم حتى من أبسط حقوقهم كزيارة الكعبة، وأرجعوهم إلى ديارهم بعد إبرام معاهدة ذات شروط قاسية. ولكن الله تعالى أنعم عليهم ففتحوا مكة ودخلها رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأس جيش عظيم.

فكيف كانت معاملته لأهل مكة بعد كل هذا التاريخ المملوء عداوة وبغضًا؟ لقد قال لهم: "اذهبوا فأنتم الطُلَقاء" .. "[38]

 

ولو كان محمد r من ملوك الدنيا لسالت دماء أهل مكة ولكنه قابله صنيعهم بالعفو فما كان منهم إلا أن دخلوا في دين الله أفواجا ..

ثانيًا: عفوه عن أهل الكتاب :

يقول "مولانا محمد علي" :

"ولقد أسبغ عفوه على أتباع الأديان جميعاً - يهود ، ونصارى ، ووثنيين، وغيرهم - إنه لم يقصر إحسانه على أتباع دينه فحسب"[39] ..

ومثال ذلك عفوه عن قبيلة بني قينقاع اليهودية الذين ناصبوه العداوة، وقد كان في استطاعته أن يفنيهم عن بكرة أبيهم في معركته معهم، في 15 شوال سنة 2 هـ/9  إبريل624. رغم ما صدر منهم من جريمة نكراء، قد تواطئوا فيها  على كشف عورة سيدة مسلمة في مكان عام. وتواطئهم في قتل رجل مسلم، دافع عن عرض السيدة المسلمة وحاول رد العدوان .. 

ومثال آخر ، عفوه عن قبيلة بني النضير اليهودية، بعد أن خططوا لعملية اغتيال فاشلة للنبي r ، وقد كان باستطاعته أن ينفذ فيهم حكم الإعدام في من شرعوا في محاولة اغتياله كما هو الحال في الأعراف والأدبيات الدولية، وقد كانوا جميعًا تحت رحمتهr بعد هزيمتهم في معركتهم ضد المسلمين (في  ربيع الأول سنة 4 هـ/ أغسطس 625م)، ولكنه – صلوات الله وسلامه عليه – أصدر عفوًا عامًا لهم، مقابل أن يرحلوا خارج حدود الدولة. 

 

ثالثًا: عفوه عن الضعفاء أثناء الحروب:

"إذ أمر جنوده أن يعفوا عن الضعفاء، والمسنين، والأطفال، والنساء، وحذرهم أن يهدموا البيوت أو يسلبوا التجار، أو أن يقطعوا الأشجار المثمرة"[40].

وقد كان محمد r ينبه على هذه التعليمات، ويوصي بها جنوده، ويأخذ عليهم العهود في ذلك، باعتباره القائد العام للقوات المسلحة .

 

رابعًا: عفوه عن الأعراب الغلاظ :

1- الأعرابي الذي رد على النبيr بوقاحة:

قال أبو موسى الأشعري: كنت عند النبي r وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة ومعه بلال، فأتى النبيَّ r أعرابيُ، فقال: ألا تنجز لي ما وعدتني؟ فقال له: " أبشر" فقال: قد أكثرت عليَّ من أبشر!! فأقبل على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان، فقال: "رد البشرى، فاقبلا أنتما!!" قالا: قبلنا. ثم دعا بقدح فيه ماء فغسل يديه ووجهه فيه، ومج فيه ثم قال: "اشربا منه، وأفرغا على وجوهكما ونحوركما وأبشرا !" فأخذا القدح ففعلا، فنادت أم سلمة من وراء الستر أن أفضلا لأمكما، فأفضلا لها منه طائفة[41] .

2- الأعرابي الذي اتهم النبي r بالظلم:

لما كان يوم حنين [شوال 8 هـ/ يناير 630 م]، ويوم توزيع الغنائم على الجيش، آثر رسول الله r ناسًا في القسمة، فأعطى أناسًا أسلموا حديثًا  و أناسًا من أشراف العرب، وآثرهم يومئذ في القسمة، فقال رجل من الأعراب: والله ! إن هذه القسمة ما عدل فيها وما أريد فيها وجه الله !. فرفع الصحابي عبد الله بن مسعود إلى حضرة النبي تقريرًا بذلك. فتغير وجه النبي  r حتى كان كالصرف. ثم قال: "فمن يعدل إن لم يعدل الله ورسوله؟!" ثم قال: "يرحم الله موسى؛ قد أوذي بأكثر من هذا فصبر"[42] .

3- الأعرابي الذي قابل إحسان النبي بالإساءة :

عن أبي هريرة ، أن أعرابيا ، جاء إلى النبي -صلى الله عليه وسلم -يستعينه في شيء ، فأعطاه شيئا ، ثم قال :" أحسنت إليك ؟ "

فقال الأعرابي : لا ، ولا أجملت !

 قال : فغضب المسلمون ، وقاموا إليه ، فأشار إليهم أن كفوا .

ثم قام النبي -صلى الله عليه وسلم - فدخل منزله ، ثم أرسل إلى الأعرابي ، فدعاه إلى البيت ، فقال : "إنك جئتنا فسألتنا ، فأعطيناك ، فقلت : ما قلته" ، فزاده رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ، ثم قال :"  أحسنت إليك ؟ " !

قال الأعرابي : نعم ، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرًا  ..

 فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- :" إنك كنت جئتنا فسألتنا ، فأعطيناك ، وقلت ما قلت ، وفى أنفس أصحابي شيء من ذلك ، فإن أحببت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي ، حتى تذهب من صدورهم ما فيها عليك " !!

 قال : نعم .

 فلما كان الغد أو العشي ، جاء فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : "إن صاحبكم هذا كان جاء فسألنا ، فأعطيناه ، وقال ما قال ، وإنا دعوناه إلى البيت فأعطيناه فزعم أنه قد رضي ، أكذلك؟"

 قال الأعرابي : نعم ، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرا .

فقال النبي- صلى الله عليه وسلم -:" ألا إن مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له ناقة فشردت عليه ، فاتبعها الناس ، فلم يزيدوها إلا نفورًا ، فناداهم صاحب الناقة : خلوا بيني وبين ناقتي ، فأنا أرفق بها وأعلم ، فتوجه لها صاحب الناقة بين يديها وأخذ لها من قمام الأرض ، فردها هونا هونا هونا حتى جاءت واستناخت وشد عليها ، وإني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال ، فقتلتموه، دخل النار !"[43] .

وهذا الموقف قد ازدحمت فيه العديد فضائل وأخلاق محمد، فاشتمل الموقف على     وكرمه وحسن تصرفه ولطفه ورفقه ، إلا جانب خلق العفو الذي  سطرنا تحته الحديث– صلوات الله وسلامه على صاحب الخلق العظيم - .   

 

المبحث الثالث

العدالة والمساواة

  نبين في هذا المبحث، مظهر آخر من مظاهر الرحمة في شخصية نبينا محمد r.. فلقد تحدث علماء الغرب عن أخلاق العدالة والمساواة في سلوك النبي r ، لاسيما وهو يمثل الحاكم الأول لدولة المسلمين؛ التي تمخض عنها أعرق حضارة في تاريخ البشرية .. !

ولنتحدث عن أخلاق العدالة والمساواة في شخصية النبي r ..!

 فجل الأنظمة الحالية التي تحكم كوكب الأرض تتشدق بقيم العدل، والمساواة بين الناس، وأنى لهذه الأنظمة أن تتطلع لهذه الأخلاق السامقة .. بعدما جعلت من العدالة والمساواة شعارات براقة جوفاء خالية من التطبيق على أرض الواقع .

فإلى هذه الأنظمة هذا النموذج الفذ .. 

المطلب الأول : محمد r حاكمًا عادلاً:

يقول  برتلي سانت هيلر[44] :

 "كان محمد[r] رئيساً للدولة وساهراً على حياة الشعب وحريته، وكان يعاقب الأشخاص الذين يجترحون الجنايات حسب أحوال زمانه وأحوال تلك الجماعات الوحشية التي كان يعيش النبي [r] بين ظهرانيها، فكان النبي داعياً إلى ديانة الإله الواحد وكان في دعوته هذه لطيفاً ورحيماً حتى مع أعدائه، وإن في شخصيته صفتين هما من أجلّ الصفات التي تحملها النفس البشرية وهما العدالة والرحمة."[45]

 

 كان الرسول r كمعلم ورئيس دولة ورجل سياسي؛ بالغ الحرص على تطبيق المساواة على الجميع، خاصة وقد وضع نفسه على قدم المساواة مع سائر المسلمين، يقول "مولانا محمد علي" :

"وفي إقامة العدالة كان الرسول[r] منصفاً حتى التوسوس . كان المسلمون وغير المسلمين، والأصدقاء والأعداء ، كلهم سواء في  نظره . وحتى قبل أن يُبعث إلى الناس كانت أمانته وتجرده واستقامته معروفة لدى الخاص والعام، وكان الناس يرفعون منازعاتهم إليه حتى يحكم فيها . وفي المدينة رضي الوثنيون واليهود به حكماً في منازعاتهم كلها . وعلى الرغم من حقد اليهود العميق الجذور على الإسلام فإن الرسول[r] حكم  - عندما عرض عليه ذات مرة نزاع بين يهودي ومسلم  -  لليهودي بصرف النظر عن أن المسلم قد ينفر  بذلك من الإسلام ، بل ربما بصرف النظر عن أن قبيلته كلها قد تنفر بذلك من الإسلام . ولا حاجة بنا إلى تبيان أهمية خسارة كهذه بالنسبة إلى الإسلام في أيام ضعفه ومحنته تلك ، فالأمر أوضح من أن يحتاج إلى بيان . "[46] .

"ولقد نبه[r]  ابنته فاطمة، إلى أن أعمالها وحدها سوف تشفع لها يوم القيامة . وقال أيضاً : " لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها "[47]. وفيما كان على فراش الاحتضار ، قبيل وفاته بقليل ، سأل كل من له عليه دين أن يتقاضاه ذلك الدين ، ولكل من أساء إليه ذات يوم أن يثأر لنفسه منه"[48].

إن صفة العدالة/ المساواة التي تخّلق بها نبي الإسلام ونظام الإسلام قد دفعت الكثيرين إلى اعتناق الإسلام، فالمساواة والعدالة في الإسلام – كما يقول "جاوبا "[49] –"  تختلف عنها في البلشفية التي تعمل على سحق الأغنياء لصالح الفقراء، ولا هي كالمساواة عند النصارى حيث يجلد الرجل الزنجي لا لشيء إلا لأنه وقع بصره على امرأة بيضاء. ويعبد الزنوج ربهم في كنائس خاصة بهم مستقلة عن كنائس البيض. أما في الإسلام فجميع المساجد مفتحة أبوابها لكل مسلم غنيًا كان أم فقيرًا، أسودَ كان أو أبيضَ، ملكًا كان أو عبدًا. وهذه الصفة تقيم صرح وحدة حقيقية راسخة بين المسلمين. ومن أجل ذلك فإن الدين الإسلامي لا يقيم مراسيم خاصة لكل داخل في الإسلام كما تفعل الأديان الأخرى، وإنما حسب المرء أن ينطق بالشهادتين حتى يغدو عضوًا في أعظم أخوة عالمية يتساوى في ظلها الناس جميعًا في الواقع العملي الملموس إلى جانب الناحية النظرية المجردة.. وليس في العالم كله أشمل وأصدق من هذه الأخوة الإسلامي"[50].

المطلب الثاني : العدالة والمساواة في معاملاته اليومية :

كان النبي r يمارس سلوكيات العدالة والمساواة في أدق تفصيل حياته اليومية، مع الغريب والقريب، في السفر والحضر، كمدين وكدائن .. بل نراه إيجابيًا عندما شارك في تأسيس هيئة خيرية تعنى بنصرة المظلوم !

يقول "مولانا محمد علي" :

"وفي معاملات النبي [r]  مع الآخرين لم يكن يضع نفسه على مستوى أرفع من غيره البتة. كان يضع نفسه على قدم المساواة مع سائر الناس . وذات يوم، وكان قد احتل في "المدينة" مقاماً أشبه بمقام الملك، وفد عليه يهودي يقتضيه ديناً ما ، وخاطبه في جلافة وخشنونه قائلاً : إن بني هاشم لا يردون أيما مال اقترضوه من شخص آخر . فثارت ثائرة عمر بن الخطاب لوقاحة اليهودي ، ولكن الرسول[r]  عنفه ذاهباً إلى أن الواجب كان يقتضي عمر أن ينصح كلاً من المدين والدائن : أن ينصح المدين  - الرسول[r]  - برد الدين مع الشكر ، وأن ينصح الدائن بالمطالبة به بطريقة أليق . ثم دفع إلى اليهودي حقه وزيادة، فتأثر هذا الأخير تأثراً عظيماً بروح العدل والإنصاف عند الرسول[r] ، ودخل في الإسلام."[51]

 

"وفي مناسبة أخرى وكان مع أصحابه في أجمة من الآجام ، حان وقت إعداد الطعام ، فمهد إلى كل امرئ في القيام بجانب من العمل، وانصرف هو نفسه إلى جمع الوقود . لقد كان برغم سلطانه الروحي والزمني يؤدي قسطه من العمل مثل رجل عادي . وكان يراعي ، في معاملته خدمه ، مبدأ المساواة نفسه، وقال أنس : " خدمت رسول الله r عشر سنين فما قال لي أف قط ، وما قال لشيء  صنعته لم صنعته ، ولا لشيء  تركته لم تركته[52]. " .

ولقد كان رسول الله r من مؤسسي حلف الفضول، الذي ما أُوسس إلا لنصرة المظلوم ونشر العدل بين الناس، فتحرك رسول الله في إيجابية شديدة في دعم وتأييد هذه الحلف، وقال عنه:

 " شهدت حلف المطيبين مع عمومتي - و أنا غلام - فما أحب أن لي حمر النعم و أني أنكثه "[53].

وقال : "لقد شهدت مع عمومتي في دار عبدالله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم ولو أدعى به في الإسلام لأجبت "[54].

 

المطلب الثالث: نماذج العدالة في سنته وسيرتهr  :

أولاً: تحذيره من استعباد الناس :

لقد رسخ الرسولr قيم العدالة والمساواة في نفوس وزرائه وأتباعه ، فكان يقول ـ محذراً من استعباد الناس ـ : " لا يقولن أحدكم عبدي وأمَتي .. كلكم عباد الله وكل نسائكم إماء الله . ولكن ليقل : غلامي وجاريتي وفتاي وفتاتي . ولا يقل العبد : ربي ولكن ليقل : سيدي "[55]..

ثانيًا: نهيه عن التمييز العنصري :

 فيقول : " كلكم بنو آدم و آدم خُلق من تراب. لينتهين قوم يفتخرون بآبائهم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان "[56].

ولقد عنّف الرسول r أبا ذر t تعنيفاً شديدا ً لما عير بلالاً بأمه ..

فعَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّبِالرَّبَذَةِ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ، وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ -أى كيف تلبس حلة ويلبس خادمك أو صبيك نفس الحلة التى تلبسها؟ - ، فَقَالَ: إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ. فَقَالَ لِي النَّبِيُّ r:" يَا أَبَا ذَرٍّ ! أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ ؟ ! إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ .. إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ"[57]

فكأن أبي ذر رفع شعار المساواة بعد هذا التعنيف من رسول الله r، فأصبح أبو ذر يأكل ما يأكل منه خادمه، ويلبس ما يلبس منه خادمه !

ثالثًا: العدل بين الأولاد :

عن  النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ

أَنَّ أُمَّهُ بِنْتَ رَوَاحَةَ سَأَلَتْ أَبَاهُ بَعْضَ الْمَوْهِبَةِ مِنْ مَالِهِ لِابْنِهَا فَالْتَوَى بِهَا سَنَةً ثُمَّ بَدَا لَهُ فَقَالَتْ :  لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا وَهَبْتَ لِابْنِي! فَأَخَذَ أَبِي بِيَدِي وَأَنَا يَوْمَئِذٍ غُلَامٌ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

 فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمَّ هَذَا بِنْتَ رَوَاحَةَ أَعْجَبَهَا أَنْ أُشْهِدَكَ عَلَى الَّذِي وَهَبْتُ لِابْنِهَا .

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " يَا بَشِيرُ أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا ؟ "

قَالَ : نَعَمْ .

فَقَالَ: "  أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا ؟؟"

قَالَ:  لَا

 قَالَ : "فَلَا تُشْهِدْنِي إِذًا فَإِنِّي لَا أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ"[58] .

رابعًا: عدله مع غير المسلمين:

1- العدل مع فصيل يهودي:

لقد حدث أن عبدالله بن رواحة t لما بعثه رسول الله r يقدر على أهل خيبر محصولهم من الثمار والزروع لمقاسمتهم إياها مناصفة حسب عهد رسول اللهr بعد فتح خيبر أن حاول اليهود رشوته ليرفق بهم،  فقال لهم : والله لقد جئتكم من عند أحب الخلق إليّ، ولأنتم والله أبغض إلي من أعدادكم من القردة والخنازير، وما يحملني حبي إياه وبغضي لكم على أن لا أعدل فيكم !!

 فقالوا:  بهذا قامت السماوات والأرض[59] ..!

 لقد كان t قد تخرج في مدرسة الرسول rعلى المنهج الرباني المتفرد القائم على العدل والمساواة .

2- العدل مع رجل يهودي:

أ) رد الحق إلى رجل يهودي :

عن ابنِ أَبِي حَدْرَدٍ الْأَسْلَمِيِّ

أَنَّهُ كَانَ لِيَهُودِيٍّ عَلَيْهِ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ فَاسْتَعْدَى عَلَيْهِ ..

فَقَالَ اليهودي - شاكيًا إلى رسول الله - : يَا مُحَمَّدُ إِنَّ لِي عَلَى هَذَا أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، وَقَدْ غَلَبَنِي عَلَيْهَاّ!

فَقَالَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – آمرًا المسلم بالسداد- : "أَعْطِهِ حَقَّهُ " ..

قَالَ المسلم – معلالاً سبب المماطلة -:  وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهَا !

 قَالَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مؤكدًا على ضرورة التنفيذ فورًا - : " أَعْطِهِ حَقَّهُ"!.

قَالَ المسلم :  وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهَا! قَدْ أَخْبَرْتُهُ أَنَّكَ تَبْعَثُنَا إِلَى خَيْبَرَ فَأَرْجُو أَنْ تُغْنِمَنَا شَيْئًا فَأَرْجِعُ فَأَقْضِيهِ..

قَالَ النَّبِيُّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مكررًا الأمر - : "أَعْطِهِ حَقَّهُ" .

 قَالَ الرواي : وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -إِذَا قَالَ ثَلَاثًا لَمْ يُرَاجَعْ !!!

فَخَرَجَ بِهِ (ابْنُ أَبِي حَدْرَدٍ)  إِلَى السُّوقِ، وَعَلَى رَأْسِهِ عِصَابَةٌ، وَهُوَ مُتَّزِرٌ بِبُرْدٍ، فَنَزَعَ الْعِمَامَةَ عَنْ رَأْسِهِ فَاتَّزَرَ بِهَا، وَنَزَعَ الْبُرْدَةَ فَقَالَ : اشْتَرِ مِنِّي هَذِهِ الْبُرْدَةَ .

 فَبَاعَهَا مِنْهُ بِأَرْبَعَةِ الدَّرَاهِمِ ..

فَمَرَّتْ عَجُوزٌ فَقَالَتْ : مَا لَكَ يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فَأَخْبَرَهَا فَقَالَتْ: هَا دُونَكَ هَذَا بِبُرْدٍ عَلَيْهَا ، طَرَحَتْهُ عَلَيْهِ [60] .

ب) آيات تنزل لتبرأة رجل يهودي :

ولقد أنزل الله نحو خمس آيات في سورة النساء، على رأسها  قول الله تعالى : ] إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا] [ النساء : 105] ، لتبرأ رجلاً يهوديًا، اتهمه بعض المسلمين ظلمًا !

هذه الآيات تحكي قصة لا تعرف لها الأرض نظيراً ، ولا تعرف لها البشرية شبيهاً . . وتشهد - وحدها - بأن هذا القرآن وهذا الدين لا بد أن يكون من عند الله؛ لأن البشر - مهما ارتفع تصورهم ، ومهما صفت أرواحهم ، ومهما استقامت طبائعهم - لا يمكن أن يرتفعوا - بأنفسهم - إلى هذا المستوى الذي تشير إليه هذه الآيات؛ إلا بوحي من الله . . هذا المستوى الذي يرسم خطا على الأفق لم تصعد إليه البشرية - إلا في ظل هذا المنهج - ولا تملك الصعود إليه أبداً إلا في ظل هذا المنهج كذلك!

إنه في الوقت الذي كان اليهود في المدينة يطلقون كل سهامهم المسمومة ، التي تحويها جعبتهم اللئيمة ، على الإسلام والمسلمين؛ في الوقت الذي كانوا فيه ينشرون الأكاذيب؛ ويؤلبون المشركين؛ ويشجعون المنافقين ، ويحاولون تفسيخ المجتمع المسلم من الداخل ، في الوقت الذي يؤلبون عليه خصومه ليهاجموه من الخارج . . في هذا الوقت الحرج ، كانت هذه الآيات كلها تتنزل ، على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، لتنصف رجلاً يهودياً ، اتهم ظلماً بسرقة؛ ولتدين الذين تآمروا على اتهامه ، وهم بيت من الأنصار في المدينة . والأنصار يومئذ هم عدة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وجنده ، في مقاومة هذا الكيد الناصب من حوله ، ومن حول الرسالة والدين والعقيدة الجديدة . . . !

أي مستوى هذا من النظافة والعدالة والتسامي! ثم أي كلام يمكن أن يرتفع ليصف هذا المستوى؟ وكل كلام ، وكل تعليق ، وكل تعقيب ، يتهاوى دون هذه القمة السامقة؛ التي لا يبلغها البشر وحدهم . بل لا يعرفها البشر وحدهم. إلا أن يقادوا بمنهج الله ، إلى هذا الأفق العلوي الكريم الوضيء[61] ؟!

فقد كَانَ أَهْلُ بَيْتٍ مِن الأنصار يُقَالُ لَهُمْ بَنُو أُبَيْرِقٍ ... وَكَانُوا أَهْلَ بَيْتِ حَاجَةٍ وَفَاقَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ ... فَقَدِمَتْ ضَافِطَةٌ مِنْ الشَّامِ فَابْتَاعَ لرِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ حِمْلًا مِنْ الدَّرْمَكِ فَجَعَلَهُ فِي مَشْرَبَةٍ لَهُ وَفِي الْمَشْرَبَةِ سِلَاحٌ وَدِرْعٌ وَسَيْفٌ فَعُدِيَ عَلَيْهِ مِنْ تَحْتِ الْبَيْتِ فَنُقِبَتْ الْمَشْرَبَةُ وَأُخِذَ الطَّعَامُ وَالسِّلَاحُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى رِفَاعَةُ إلى قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي إِنَّهُ قَدْ عُدِيَ عَلَيْنَا فِي لَيْلَتِنَا هَذِهِ فَنُقِبَتْ مَشْرَبَتُنَا وَذُهِبَ بِطَعَامِنَا وَسِلَاحِنَا. قَالَ قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ : فَتَحَسَّسْنَا فِي الدَّارِ وَسَأَلْنَا فَقِيلَ لَنَا : قَدْ رَأَيْنَا بَنِي أُبَيْرِقٍ اسْتَوْقَدُوا فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَلَا نَرَى فِيمَا نَرَى إِلَّا عَلَى بَعْضِ طَعَامِكُمْ.  فلما أشارت أصابع الاتهام لبَنُي أُبَيْرِقٍ، َقَالَ رِفَاعَةُ إلى قَتَادَةَ – صاحب المال المسروق – لقتادة : يَا ابْنَ أَخِي لَوْ أَتَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -فَذَكَرْتَ ذَلِكَ لَهُ ..

 قَالَ قَتَادَةُ : فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ : إِنَّ أَهْلَ بَيْتٍ مِنَّا أَهْلَ جَفَاءٍ عَمَدُوا إِلَى عَمِّي رِفَاعَةَ بْنِ زَيْدٍ فَنَقَبُوا مَشْرَبَةً لَهُ وَأَخَذُوا سِلَاحَهُ وَطَعَامَهُ فَلْيَرُدُّوا عَلَيْنَا سِلَاحَنَا فَأَمَّا الطَّعَامُ فَلَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ.

 فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: " سَآمُرُ فِي ذَلِكَ"..

فَلَمَّا سَمِعَ بَنُو أُبَيْرِقٍ، وخافوا الفضيحة،  أَتَوْا رَجُلًا مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ أُسَيْرُ بْنُ عُرْوَةَ فَكَلَّمُوهُ فِي ذَلِكَ، فَاجْتَمَعَ فِي ذَلِكَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ.

 فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ قَتَادَةَ بْنَ النُّعْمَانِ وَعَمَّهُ عَمَدَا إِلَى أَهْلِ بَيْتٍ مِنَّا أَهْلِ إِسْلَامٍ وَصَلَاحٍ يَرْمُونَهُمْ بِالسَّرِقَةِ مِنْ غَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلَا ثَبَتٍ !!

قَالَ قَتَادَةُ : فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَلَّمْتُهُ .

فَقَالَ : " عَمَدْتَ إِلَى أَهْلِ بَيْتٍ ذُكِرَ مِنْهُمْ إِسْلَامٌ وَصَلَاحٌ تَرْمِهِمْ بِالسَّرِقَةِ عَلَى غَيْرِ ثَبَتٍ وَلَا بَيِّنَةٍ !" .

 قَالَ قتادة : فَرَجَعْتُ وَلَوَدِدْتُ أَنِّي خَرَجْتُ مِنْ بَعْضِ مَالِي وَلَمْ أُكَلِّمْ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ .فَأَتَانِي عَمِّي رِفَاعَةُ ، فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي مَا صَنَعْتَ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ : اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ[62]..

وفي رواية : لما رأى السارق ذلك عمد إلى الدرع فألقاها في بيت رجل يهودي ( اسمه زيد ابن السمين )[63]

وما لبث أن اتهم الناسُ  هذا الرجل البريء – وإن كان من غير المسلمين - بسرقة هذا الدرع..

 

  فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ نَزَلَ الْقُرْآنُ :

] إِنَّا أَنزلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا[ [64]

خامسًا: الكل سواء أمام القانون :

فعن عائشة رضي الله عنها:

أن قريشًا، أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت .. فقالوا: ومن يكلم فيها رسول الله r؟ فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة ابن زيد حب رسول الله r فكلمه أسامة ..فقال رسول الله r : " أتشفع في حد من حدود الله ؟ ! " . ثم قام فاختطب. ثم قال : " إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد .. وايم الله ! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ! "[65]

سادسًا: عدله بين فصائل الدولة :

1- عدله بين قريظة والنضير في مسألة الديات:

و ما أروع عدله ! حتى بين غير المسلمين وبعضهم، فقد تحاكم إليه يهود قريظة والنضير، في مسألة تتعلق بالديات، فقد كانت بنو النضير أعز من بني قريظة، فكانت تفرض عليهم دية مضاعفة لقتلاها، فلما ظهر الإسلام في المدينة امتنعت بنو قريظة عن دفع الضعف، وطالبت بالمساواة في الدية، وتحاكمت إليه نبي الرحمة، فعدل بينهما[66]، ونزلت الآية: ( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنْفَ بِالأَنْفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) [المائدة: 45][67].

فعن ابن عباس قال:

 لما نزلت هذه الآية (فإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) [المائدة42]، قال : "كان بنو النضير إذا قتلوا من بني قريظة أدوا نصف الدية وإذا قتل بنو قريظة من بني النضير أدوا إليهم الدية كاملة، فسوى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينهم"[68] .

وفي رواية :

"فكان إذا قتل رجل من قريظة رجلا من النضير قتل به، وإذا قتل رجل من النضير رجلا من قريظة، فودي بمائة وسق من تمر ! فلما بُعث النبي -صلى الله عليه وسلم- قتل رجلٌ من النضير رجلا من قريظة، فقالوا: ادفعوه إلينا نقتله ، فقالوا: بيننا وبينكم النبي صلى الله عليه وسلم فأتوه فنزلت"[69] الآية، وحكم بينهم بالعدل ..

2- عدله بين الفصائل في مسألة الري وتوزيع المياه :

فقد اتاه أهل مهزور من قريظة، يتحاكمون إليه في مشكلة تتعلق بالمياة والري، فحكم بينهم ..

عن ثعلبة بن أبي مالك أنه سمع ... أن رجلاً من قريش كان له سهم في بني قريظة فخاصم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في [ سيل ]مهزور[70] يعني السيل الذي يقتسمون ماءه، فقضى بينهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم -أن الماء إلى الكعبين لا يحبس الأعلى على الأسفل[71]

وفي رواية : قال ثعلبة بن أبي مالك :

 "قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم - في سيل مهزور، الأعلى فوق الأسفل . يسقي الأعلى إلى الكعبين ثم يرسل إلى من هو أسفل منه"[72] .

ومذينب ومهزور واديان بالمدينة معروفان يستويان يسيلان بالمطر ويتنافس أهل المدينة في سيلهما فقضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في سيلهما أنه للأعلى فأعلى والأقرب إلى السيل، فالأقرب يمسك الأعلى جميع الماء حتى يبلغ الكعبين ثم يرسله إلى من تحته ممن يليه[73]

سابعًا: مبادىء المساواة والعدالة في خطبة الوداع:

هذا، وتعد خطبة الوداع دستوراً عظيما في إقامة العدالة والمساواة في ربوع العالم .. ويعلق هربرت جورج ولز[74] على هذه الخطبة بقوله :

" حجّ محمد [r] حجة الوداع [في ذي الحجة 10هـ/ مارس632 م] من المدينة إلى مكة، قبل وفاته بعام، وعند ذاك ألقى على شعبه موعظة عظيمة.. إنّ أول فقرة فيها تجرف أمامها كل ما بين المسلمين من نهب وسلب ومن ثارات ودماء، وتجعل الفقرة الأخيرة منها الزنجي المؤمن عدلاً للخليفة.. إنها أسست في العالم تقاليد عظيمة للتعامل العادل الكريم"[75].

إن دروس العدالة والمساواة في سيرة النبي r ودولته ونظامه، جلية بينة لكل ذي بال ، وهي تمثل مظهر من مظاهر رحمته r للبشر،  بيد أن الخرص كثيراً ما يصيب طائفة من الحاقدين والحانقين على سيرة محمد r؛ فيغضون الطرف عن هذه القيم الزاهية في سيرة النبي r ..

المطلب الرابع : الناس سواء كأسنان المشط:

يقول رسول الله r، في جملة مشهورة للقاصي والداني:

 " الناس كأسنان المشط "[76] ..

ويشرح المستشرق  والمؤرخ بودلي هذه العبارة البليغة قائلاً:

 أي" ليس هناك أي عائق لوني للمسلم فلا يهم أكان المؤمن أبيض أو أسود أو أصفر، فالجميع يعاملون على قدم المساواة"[77].

ويتعرض توماس كارلايل لهذه القيمة في إعجاب شديد فيقول :

"في الإسلام خلّة أراها من أشرف الخلال وأجلّها وهي التسوية بين الناس. وهذا يدل على أصدق النظر وأصوب الرأي. فنفس المؤمن راجحة بجميع دول الأرض، والناس في الإسلام سواء. "[78]!

و تأسيساً على مبدأ الأخوة الإنسانية بين الأجناس والشعوب، حقق نبينا محمد r واقعياً عملية توحيد مختلف الأجناس في ظل المساواة والعدل الإسلاميين ، يقول "برج"مؤكداً :

"إنه ليس هناك من مجتمع آخر سجل له التاريخ من النجاح كما سجل للإسلام في توحيد الأجناس الإنسانية المختلفة ، مع التسوية بينها في المكانة والعمل وتهيئة الفرص للنجاح في هذه  الحياة"[79].

 

فلقد ساوى الإسلام  بين الناس في إيجاب العبادات وتحريم المحرمات ، وكما ساوى بينهم في الفضل والثواب بحسب أعمالهم] مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ] [النحل : الآية 97 ]  .

وساوى بينهم في كل حق ديني ودنيوي ، ولم يجعل لأحد منهم ميزة في مال أو لون أو عرق أوحسب أو نسب ، إنما الميزة والتفضيل بالصلاح القلبي والتقوى : فقال الله تعالى: ] يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ  أَتْقَاكُمْ [‏‏[ الحجرات : 13 ]

وهذا مظهر من مظاهر رحمة النبي r .. فلم تكن العدالة والمساواة في اعتبارات زعماء العرب أو في أسلوب حكمهم للعرب، قبل بعثة الرسول r، فقد كان قبل عهده r، الإسترقاق على أشده، والتمييز العنصري في ذروته .. حتى أكرم اللهُ العرب برسالة محمد r

ولقد كان رسول الله r حريصاً على تربية أصحابه تربية عملية، بغرس قيم العدالة والمساواة في نفوس أصحابه ..فتخرج من مدرسة محمد  r رجال؛ ملئو الأرض عدلاً ورحمة كما ملئت ظلماً وجوراً .. من هؤلاء الرجال عمر بن الخطاب صاحب المقولة الشهيرة : " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً ".ولقد ضرب المسلمون الأوائل في فتوحاتهم أروع الأمثلة في تحقيق العدل والمساواة بين الشعوب، حتى قال جوستاف لوبون -  في إعجاب وتقدير -  : " ما عرف التاريخ فاتحاً أعدل ولا أرحم من العرب"[80] .

 

 

المبحث الرابع

الحب والإخاء

المطلب الأول : الأُخوة مكان العصبية :

يقول آتيين دينيه:

"لقد دعا عيسى [عليه السلام] إلى المساواة والأخوة، أما محمد [r] فوفق إلى تحقيق المساواة والأخوة بين المؤمنين أثناء حياته"[81].

فليس من الطبيعي ـ في اعتقاد رسول الله r ـ  أن يعيش الناس على هذه الأرض في شقاق و تمزق وتفرق، و قد أوجدهم الخالق سبحانه من أصل واحد، خلقهم جميعًا من آدم، أبيضهم وأسودهم، شرقيهم وغربيهم، عربيهم وعجميهم، غنيهم و فقيرهم ، بل إن أشد ما يتنافى مع الفطرة، ويتعارض مع العقل، أن يوحد الله عباده في الخَلق والمنشأ، ثم يتفرقون في المرجع والمصير. ولأجل هذا اتخذ الإسلام كل أساس وقاعدة تحمي هذا الكيان من الانشقاق والتصدع، وتمكنه من أداء مهمته على الوجه الأمثل ومن بين تلك القواعد : الإخاء..  الذي يمحو أمامه جميع الفوارق بين  أفراد هذا الكيان ،و امتيازاتهم من نسب أو جاه أو مال ..

ويتحدث المفكر "وليم موير " عن هذا المبدأ الكبير في الإسلام – مبدأ الإخاء - ، فيقول :

"ومن عقيدة الإسلام أن الإنسان أخو الإنسان "[82] .

ويبين  المفكر الكبير "برج " :" أن مبدأ الإخاء الإنساني هو أساس فلسفة الأخلاق الاجتماعية في الإسلام "[83] .

ويشير "فيليب حتي" إلى " أن إقامة الأخوة في الإسلام مكان العصبية الجاهلية (القائمة على الدم والقرابة) للبناء الاجتماعي كان - في الحقيقة - عملاً جريئًا جديدًا؛ قام به النبي العربي [r].."[84].

إن النبي r أسس الدولة الإسلامية الأولى، على قاعدة الإخاء الإسلامى ما بين الأوس والخزرج والمكيين المهاجرين، وأسس الدستور المدني الإسلامي الذي نظم العلاقات ما بين قوى الشعب، ونجح هذا الدستور في تحقيق التعايش والإخاء بين المسلمين وبعضهم، وبين المسلمين وغيرهم، وتطورت جوانب هذا التعايش مع قيام الدولة الإسلامية التي ضمت شعوباً وأُمماً مختلفة، حققت بينها الانسجام والإخوة بين أبناء الوطن الواحد، بعيداً عن العصبية العرقية أو التعصب الديني .

 

ومن أجل تحقيق الحب والإخاء بين فصائل الشعوب، اعترف الإسلام بصدق الرسالات السماوية السابقة .. يقول مارسيل بوازار[85]– في ذلك -:

" وقد فتح الإسلام الباب للتعايش على الصعيد الاجتماعي والعرقي حين اعترف بصدق الرسالات الإلهية المنزلة من قبل على بعض الشعوب ، وجعل المسلمين منحدرين من نسل مشترك مع اليهود والنصارى عبر إبراهيم ... ) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ([86] .. "[87].

المطلب الثاني : لماذا نجح النبي r في تحقيق الحب والإخاء ؟

يبين توماس آرنولد أن السبب في نجاح النبي r في نشر قيم الحب والإخاء سواء بين الشعوب الإسلامية والقبائل والعشائر المختلفة، هو حسن الخلق والمعاملة الحسنة والجاذبية التي كان يتمتع بها رسول الله r، فيقول آرنولد:

 ".. إن المعاملة الحسنة التي تعودتها وفود العشائر المختلفة من النبي [r] واهتمامه بالنظر في شكاياتهم، والحكمة التي كان يصلح بها ذات بينهم، والسياسة التي أوحت إليه بتخصيص قطع من الأرض مكافأة لكل من بادر إلى الوقوف في جانب الإسلام وإظهار العطف على المسلمين، كل ذلك جعل اسمه[r] مألوفًا لديهم، كما جعل صيته ذائعًا في كافة أنحاء شبه الجزيرة.. سيدًا عظيمًا ورجلاً كريمًا. وكثيرًا ما كان يفد أحد أفراد القبيلة على النبي [r] بالمدينة ثم يعود إلى قومه داعيًا إلى الإسلام جادًا في تحويل إخوانه إليه.."[88].

 ولعل الفيلسوف إدوار مونته – هو الآخر - يبين السبب الأساس في قدرة النبي الكريم r في نشر الحب والإخاء بين الناس، و هو ما عرف عن رسول الله r " بخلوص النية والملاطفة وإنصافه في الحكم، ونزاهة التعبير عن الفكر والتحقق، وبالجملة كان محمد[r] أزكى وأدين وأرحم عرب عصره، وأشدهم حفاظاً على الزمام فقد وجههم إلى حياة لم يحلموا بها من قبل، وأسس لهم دولة زمنية ودينية لا تزال إلى اليوم"[89].

وكلها عوامل وأسباب أدت إلى نجاح محمد r في  تحقيق الحب والإخاء بين فصائل وطوائف العرب .

وكان لمبادىء الحب والإخاء في الإسلام وأثرها على باقي الشعوب، في الشرق والغرب، أن حفرت عمقاً عميقاً في وجدانها.. تلك النزعة الإنسانية الخيرة ( الحب / الإخاء) التي ترفض التقسيم العرقي أو الطبقي.

 ويتحدث "جواهر لال نهرو"[90] ، عن هذا الجانب، ممثلاً بنموذج الهند، فيقول  :

" إن نظرية الأخوة الإسلامية ... التي كان المسلمون يؤمنون بها، ويعيشون فيها، أثرت في أذهان الهندوس تأثيرا عميقاً . وكان أكثر خضوعاً لهذا التأثير البؤساء الذين حَرَّم عليهم المجتمع الهندي المساواة والتمتع بالحقوق  الإنسانية "[91] .

المطلب الثالث : نماذج  تعاليمه r :

لقد جعل النبي  r من الحب والإخاء في الإسلام عبادة رفيعة يُتقرب بها إلى الله تعالى، ويُستظل بها في ظل عرش الله يوم القيامة .. ومن جملة أحاديثه r في ذلك :

أولاً : المسلمون المتآخون المتحابون  كالجسد الواحد :

روى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ عن رسول الله r أنه قال  :

" مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى"[92].

ثانيًا: المسلمون المتآخون المتحابون  كرجل واحد :

قال النبي r : " الْمُؤْمِنُونَ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ، إِنْ اشْتَكَى رَأْسُهُ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالْحُمَّى وَالسَّهَرِ"[93].

ثالثًا: المسلمون المتآخون المتحابون  في ظلال الله :

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: " إِنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ لِجَلَالِي ؟ الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي ."[94] .

رابعًا: المسلمون المتآخون المتحابون وجبة لهم محبة الله :

عن معاذ بن جبل قال : سمعت رسول الله r يقول :

" قال الله تعالى : وجبت محبتي للمتحابين فيّ والمتجالسين في والمتزاورين في والمتباذلين فيّ"[95].

خامسًا: المسلمون المتآخون المتحابون  يغبطهم الأنبياء والشهداء :

قال النبي r :: " يقول الله تعالى : المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء"[96].

وعن أبي الدرداء t قال : قال رسول الله r" ليبعثن الله أقوامًا يوم القيامة في وجوههم النور، على منابر اللؤلؤ ، يغبطهم الناس، ليسوا بأنبياء ولا شهداء ". قال : فجثا أعرابي على ركبتيه، فقال : يا رسول الله حلهم لنا نعرفهم !  قال : " هم المتحابون في الله من قبائل شتى وبلاد شتى، يجتمعون على ذكر الله يذكرونه  "[97].

هكذا رسّخ رسول الله r قيم الحب والإخاء بين شعبه، ورسخها r عملياً، فيرغبهم في الحب والإخاء وثوابهما، ويرهبهم من التباغض والشقاق وعواقبهما في الدنيا والآخرة .

إن هذا مظهر من مظاهر رحمة النبي r ، فلقد نجح النبي r في تحقيق الأخوة والحب بين الشعب، حتى أصبح أبناء الدولة في عهده كالجسد الواحد أوكالرجل الواحد ..

 

 

 

المبحث الخامس

سماحته في المعاملات المالية

من مظاهر رحمتهr، سماحته وسهولته في المعاملات المالية ، واستعمال معالي الأخلاق، وترك المشاحنات، و تجنب إرهاق الناس بالمطالبة أو المماطلة ..وكان يحث على إنظار المعسر والرفق به، والتساهل في المعاوضات المالية، والمشاركة في سداد الديون عن المدينين، والكرم والعطاء بين المتعاقدين.

المطلب الأول : حثه على السماحة في المعاملات المالية :

أولاً: في البيع والشراء والقضاء :

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r  قَالَ : "رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا[98] إِذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى"[99] ..

وعن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: "غفر الله لرجل كان قبلكم، كان سهلاً إذا باع، سهلاً إذا اشترى، سهلاً إذا اقتضى"[100].

وعن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ t قَالَ

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :"الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ قَالَ حَتَّى يَتَفَرَّقَا فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا"[101].

ثانيًا: التيسير على المعسر :

عن أبي هريرة t أن رسول الله rقال: "كان الرجلُ يُداينُ الناس، فكان يقولُ لفتاهُ: إذا أتيتَ مُعسِراً فتجاوَز عنه، لعلَّ اللهَ أن يَتجاوَز عنا .. فلَقِيَ اللهَ فَتجاوَزَ عنه"[102].

المطلب الثاني : نماذج سماحته في المعاملات المالية :

عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:

ابْتَاعَ رَسُولُ اللَّهِ r مِنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَعْرَابِ جَزُورًا أَوْ جَزَائِرَ بِوَسْقٍ مِنْ تَمْرِ الذَّخِرَةِ - وَتَمْرُ الذَّخِرَةِ الْعَجْوَةُ - فَرَجَعَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ r إِلَى بَيْتِهِ وَالْتَمَسَ لَهُ التَّمْرَ فَلَمْ يَجِدْهُ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ r ..

فَقَالَ: "  لَهُ يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنَّا قَدْ ابْتَعْنَا مِنْكَ جَزُورًا - أَوْ جَزَائِرَ-  بِوَسْقٍ مِنْ تَمْرِ الذَّخْرَةِ، فَالْتَمَسْنَاهُ فَلَمْ نَجِدْهُ !" ..

 فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ : وَا غَدْرَاهُ !!

 قَالَتْ : فَنَهَمَهُ النَّاسُ.  وَقَالُوا: قَاتَلَكَ اللَّهُ ! أَيَغْدِرُ رَسُولُ اللَّهِ r ؟ !

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : "دَعُوهُ ! فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا " .

ثُمَّ عَادَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r فَقَالَ: " يَا عَبْدَ اللَّه .. إِنَّا ابْتَعْنَا مِنْكَ جَزَائِرَكَ وَنَحْنُ نَظُنُّ أَنَّ عِنْدَنَا مَا سَمَّيْنَا لَكَ فَالْتَمَسْنَاهُ فَلَمْ نَجِدْهُ " ..

فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ : وَا غَدْرَاهُ .. !  فَنَهَمَهُ النَّاسُ وَقَالُوا : قَاتَلَكَ اللَّهُ ! أَيَغْدِرُ رَسُولُ اللَّهِ ..؟ !

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : " دَعُوهُ ! فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالًا" ..  فَرَدَّدَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ r مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا .

فَلَمَّا رَآهُ لَا يَفْقَهُ عَنْهُ؛ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِهِ : " اذْهَبْ إِلَى خُوَيْلَةَ بِنْتِ حَكِيمِ بْنِ أُمَيَّةَ فَقُلْ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ r يَقُولُ لَكِ إِنْ كَانَ عِنْدَكِ وَسْقٌ مِنْ تَمْرِ الذَّخِرَةِ؛ فَأَسْلِفِينَاهُ حَتَّى نُؤَدِّيَهُ إِلَيْكِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ " ..

فَذَهَبَ إِلَيْهَا الرَّجُلُ ثُمَّ رَجَعَ الرَّجُلُ فَقَالَ:  قَالَتْ : نَعَمْ هُوَ عِنْدِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَابْعَثْ مَنْ يَقْبِضُهُ .

 فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r لِلرَّجُلِ : "اذْهَبْ بِهِ فَأَوْفِهِ الَّذِي لَهُ" .

فَذَهَبَ بِهِ فَأَوْفَاهُ الَّذِي لَهُ ..

قَالَتْ عائشة : فَمَرَّ الْأَعْرَابِيُّ بِرَسُولِ اللَّهِ r وَهُوَ جَالِسٌ فِي أَصْحَابِهِ، فَقَالَ:  جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا فَقَدْ أَوْفَيْتَ وَأَطْيَبْتَ.

 قَالَتْ عائشة : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : " أُولَئِكَ خِيَارُ عِبَادِ اللَّهِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الْمُوفُونَ الْمُطِيبُونَ"[103].


[1] توماس كارلايل: الابطال ، ص 75 – 76

[2] لويس سيديو : تاريخ العرب العام ، ص103

[3] برتلي سانت هيلر: مع الشرق، 77.

[4] هنري دي كاستري : الإسلام : خواطر وسوانح ، ص 13

[5] عبد الله كويليام: العقيدة والشريعة في الإسلام ، ص 62

[6] هربرت جورج ولز : معالم تاريخ الإنسانية ، ص 3 / 642 .

[7]ريشار وود:  الإسلام والإصلاح ، ص 21 .

[8] أحمد سوسة : كاتب عراقي ، كان يهودياً، ومن مؤلفاته: "مفصل العرب واليهود في التاريخ " و  في طريقي إلى الإسلام " الذي تحدث فيه عن سيرة حياته وكيف أسلم .

 [9] أحمد سوسة : في طريقي إلى الإسلام ، 1 / 94

[10] صحيح- رواه  مسلم ، باب الرفق، برقم  469 

[11] صحيح - موطأ مالك، برقم  1551  ، وصححه الألباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير، رقم 2651

[12] صحيح- رواه  مسلم ، باب الرفق، برقم 4698

[13] صحيح – رواه مسلم، باب الرفق، رقم 4694

[14] صحيح- رواه  البخاري، برقم 5566

[15] السام : يعني الموت، والسام عليكم : يعني الموت لكم .

[16] صحيح- رواه البخاري، باب الرفق في الأمر كله، رقم 5565

[17] صحيح - رواه أحمد - (21185) وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد، وعزاه إلى الطبراني وقال:

رجاله رجال الصحيح 1/129، وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني، برقم 370 .

[18] صحيح – رواه مسلم - كتاب الجهاد، باب فضيلة الإمام العادل، وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية والنهي عن إدخال المشقة عليهم، برقم (3407)

[19] صحيح - رواه ابن ماجه (2052) أحمد(15825) ، وأبو داود (1892) ، والترمذي( 1121)، ،وصححه الألباني في الإرواء ( 2091 ) ، صحيح أبي داود ( 1917 ) وصحيح وضعيف سنن ابن ماجة - (2062) وغير ذلك من الكتب التي حققها .

[20] صحيح – رواه البخاري، برقم  5089

[21] صحيح – رواه البخاري، برقم  5090  

[22] صحيح – رواه  البخاري، رقم 5091

[23] صحيح – رواه مسلم،  باب النهي عن صبر البهائم، برقم 3617

[24] سنن النسائي 4366، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي.

[25] صحيح – رواه البخاري  (1 /75 )، باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان، برقم 171

[26] صحيح – رواه البخاري ( 2 / 834 )، حديث رقم 2236، وأخرجه مسلم في السلام، باب تحريم قتل الهرة . وفي البر والصلة والآداب باب تحريم تعذيب الهرة ونحوها، رقم 2242

[27] صحيح – رواه مسلم، عن شَدَّاد بْنِ أَوْس، بَاب الْأَمْرِ بِإِحْسَانِ الذَّبْحِ وَالْقَتْلِ وَتَحْدِيدِ الشَّفْرَةِ ، رقم 3615

[28]   أي نستقي

  [29]حسن – رواه الطبراني في الأوسط (11245) ،  والهيثمي : مجمع الزوائد (14166) 9/9؛ السيوطي : الخصائص الكبرى 2/95 ، ورى أحمد بمثله عن عائشة بإسناد جيد  . وقال الهيثمي : ورواه البزار بنحوه وفي إسناد الأوسط زمعة بن صالح وقد وثق على ضعفه وبقية رجاله حديثهم حسن وأسانيد الطريقين ضعيفة

[30]  سنن أبي داود (2675 )، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود

[31] أحمد عبد الرحمن إبراهيم : الفضائل الخلقية في الإسلام، 180

[32] مارسيل بوزار : انسانية الاسلام ، ص 46.

[33] زعيم هندي كبير، معروف بنشاطه في خدمة الإسلام، وصاحب ترجمة معروفة لمعاني القرآن إلى الانجليزية  ومن مؤلفاته " الدين الإسلامي "، و" حياة محمد و رسالته" و" ساعات حاسمة في حياة الرسول".

[34] مولانا محمد علي، حياة محمد و رسالته : 273-274.

[35] مولانا محمد علي : حياة محمد و رسالته ، ص 207.

[36] مولانا محمد علي: حياة محمد و رسالته ، ص 269-270.

[37] انظر: آتيين دينيه : محمد رسول الله ، ص-27

[38] محمد فتح الله كولن : النور الخالد محمد صلى الله عليه وسلم مفخرة الإنسانية ، 2/100 

[39] مولانا محمد علي: حياة محمد و رسالته ، ص 269-270.

[40] إميل درمنغم: حياة محمد، 350

[41] صحيح – رواه البخاري، كتاب المغازي رقم 4328.

[42] صحيح – رواه مسلم، كتاب الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم، عن ابن مسعود، حديث 1062.

[43] رواه أبو الشيخ الأصبهاني في أخلاق النبي (170)، وانظر: محمد بن نصر المروزي: تعظيم قدر الصلاة  (861) . ولم أقف على سنده . ولم أسأل عنه .

[44] العلامة برتلي سانت هيلر ( 1793 ـ 1884 ) مستشرق ألماني ولد في درسدن.

[45] برتلي سانت هيلر : الشرقيون وعقائدهم، ص 39.

[46] مولانا محمد علي : حياة محمد و رسالته، ص 270 وما بعدها

[47] صحيح – رواه البخاري برقم (3216) ومسلم، برقم(3196).

[48] مولانا محمد علي : حياة محمد و رسالته، ص 270 وما بعدها

[49] ك . ل . جاوبا : هندوكي مثقف، ومحامي كبير بالمحاكم العليا، درس الإسلام، ولم يرض أن يظل على دينه الذي ورثه عن آبائه وأجداده، وأخذ يقارن بين الأديان، وانتهى الأمر به إلى اعتناق الإسلام.

[50] انظر: عرفات كامل العشي : رجال ونساء أسلموا ، 3 / 83 – 84 .

[51] مولانا محمد علي : حياة محمد و رسالته ، 260

[52] مولانا محمد علي : حياة محمد و رسالته ، 261

[53] صحيح - رواه البخاري في " الأدب المفرد " ( 567 ) و ابن حبان ( 2062).

[54] صحيح - السنن الكبرى للبيهقي (ج 6 / ص 367)، وصححه الألباني في تحقيق كتاب فقه السيرة، ص 67.

[55] صحيح - رواه مسلم وصححه الألباني في تحقيق مشكاة المصابيح ، ج 3 / ص 31

[56] صحيح – صححه الألباني في صحيح وضعيف الجامع الصغير ،ج 18 / ص 344

[57] صحيح – رواه البخاري، برقم ( 29)

[58] صحيح- رواه البخاري (2456) و مسلم - (3056)، واللفظ لمسلم

[59] ابن القيم : زاد المعاد، ج 2، ص 11.

[60] صحيح - رواه أحمد(14942) ، وذكره الألباني في  السلسلة الصحيحة 2108

[61] انظر: سيد قطب: في ظلال القرآن - (ج 2 / ص 231)

[62] حسن – رواه الترمذي، رقم 2962، عَنْ  قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ الأنصاري ، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي .

 [63]وهذه الرواية التي ذُكر فيها اليهودي ، رواية ضعيفة، انظر:  تفسير ابن كثير - (ج 2 / ص 405)، وقد رواه الطبري في تفسيره (9/183) وإسناده مسلسل بالضعفاء.

[64] حسن – رواه الترمذي، رقم 2962، عَنْ  قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ الأنصاري ، وحسنه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي .

[65] صحيح – رواه  البخاري برقم 3288، و أخرجه مسلم في الحدود باب قطع السارق الشريف وغيره رقم 1688

[66] أكرم ضياء العمري:  السيرة النبوية الصحيحة 1/291

[67] علي محمد الصلابي : السيرة النبوية 1/331

[68] حسن – رواه أبو داود (3591 ) والنسائي ( 4733 ) ، ( 4411 ) ، وقال الألباني – في صحيح وضعيف سنن أبي داود -: حسن صحيح الإسناد .

[69] صحيح – رواه ابو داود (4494)، والنسائي ( 4732 - 4733 )، ( 4410 – 4411)، وأحمد (3434)،  وصححه الألباني في  صحيح وضعيف سنن أبي داود . وقال شعيب  الأرنؤوط : حسن.

[70] سيل مهزور : اسم واد لبني قريظة بالحجاز

[71] صحيح – رواه ابن ماجه (2481)، وأبو دواد(3638) ، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن أبي داود

[72] صحيح - رواه ابن ماجه (2481)، وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن ابن ماجه.

[73] ابن عبد البر :  الاستذكار،  ج 7 / ص 189

[74] هربرت جورج ولز (1866 – 1946) الكاتب البريطاني المعروف.. اشتهر بقصصه الذي يعتمد الخيال العلمي وله كتابات في التاريخ ، مثل (معالم تاريخ الإنسانية) وأعقبه بـ(موجز تاريخ العالم). وكان آخر كتاب أصدره هو (العقل في أقصى تواتراته) .

[75] هربرت جورج ولز : معالم تاريخ الإنسانية ، 3 /640 ، 641.

[76] مسند الشهاب القضاعي عن أنس بن مالك، برقم 186، أي متساوون في الأحكام، لا يفضل شريف لشرفه على وضيع، كأسنان المشط متساوية لا فضل لسن منها على أخرى ( العزلة للخطابي ص 144).

[77] انظر: عماد الدين خليل: قالوا عن الإسلام ص 137.

[78] توماس كارلايل : الأبطال ، ص 65

[79] توماس كارلايل : الأبطال ، ص 65

[80] جوستاف لوبون :حضارة العرب، ص 40

[81] آتيين دينيه: محمد رسول الله ، ص 323.

[82] وليم موير : حياة محمد، 80.

[83] انظر: أحمد أمين : التكامل في الإسلام ، ج 2، ص 101.

[84] فيليب حتى : الإسلام منهج حياة ، ص 19 ، 20.

[85] مفكر وقانونى فرنسى ، وله كتابات مشهورة عن الإسلام، أهمها : " إنسانية الإسلام"، و الإسلام اليوم". ويعد كتابه الشهير " إنسانية الإسلام"، علامة مضيئة في مجال الدراسات الغربية للإسلام، بما تميز به من موضوعية، وعمق، وحرص على اعتماد المراجع التي لا يأسرها التحيز والهوى، وريادته في تناول الجانب الأخلاقي في الإسلام.

[86] سورة الحجرات: الآية13 ، والاستشهاد بالآية من قبل مارسيل بوزار.

[87] مارسيل بوزار : إنسانية الإسلام ، 184-185.

[88] توماس آرنولد : الدعوة إلى الإسلام ص 55 .

[89] كلمة للفيلسوف الفرنسي إدوار مونته الذي  ولد في بلدته لوكادا( 1817 ـ 1894 )، وقال هذه الكلمة في آخر كتابه (العرب).

[90] زعيم الهند الراحل ، وباني نهضتها الحديثة.

[91] انظر : محمد شريف الشيباني :  الرسول في الدراسات الإستشراقية المنصفة، ص 192

[92] صحيح – رواه مسلم، برقم 4685.

[93] صحيح – رواه مسلم، برقم 4686

[94] صحيح – رواه مسلم، برقم 4655، ورواه مالك في الموطأ، برقم 1500

[95] صحيح - رواه مالك، برقم 1503، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح، برقم 5011.

[96] صحيح – رواه الترمذي، برقم 2312، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح، برقم 5011.

[97] صحيح - رواه الطبراني بإسناد حسن، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 1509

[98] كريماً متساهلاً يوافق على ما طُلب منه.

[99] أي إذا طلب حقه

[100] صحيح – رواه البخاري في البيوع، بَاب السُّهُولَةِ وَالسَّمَاحَةِ فِي الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ وَمَنْ طَلَبَ حَقًّا فَلْيَطْلُبْهُ فِي عَفَافٍ رقم 1934

[101] صحيح- رواه  البخاري 1937

[102] متفق عليه- البخاري برقم 1936

 

[103] صحيح - رواه أحمد، برقم 25108، وعبد الرزاق، برقم 15358، وهو في السلسلة الصحيحة برقم 2677

يتبع

السابقأعلى الصفحة

 

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ