ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
القواعد
القرآنية القاعدة التاسعة: (وَلَيْسَ
الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى) – 1 د.عمر
بن عبد الله المقبل الحمد
لله، وبعد: فمرحى
بمتقلَّب أبصاركم النضرة، إلى
مترقَّب متَّكئِنا، ومرصوف
حروف تطوف، وعلى جبينها عنواننا
المتوثب المحفز: (قواعد قرآنية)،
لنتفيأ ظلال قاعدة من القواعد
القرآنية العظيمة، التي هي أثر
من آثار كمال علم الله، وحكمته
وقدرته في خلقه -، تلكم هي ما دل
عليها قوله تعالى: {وَلَيْسَ
الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} [آل
عمران: 36]. وهذه
الآية جاءت في سياق قصة امرأة
عمران، وهي والدة مريم - عليها
السلام - يقول تعالى: {إِذْ
قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ
رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا
فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا
فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ
أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ
(35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا
قَالَتْ رَبِّ إِنِّي
وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ
أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ
وَلَيْسَ الذَّكَرُ
كَالْأُنْثَى وَإِنِّي
سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ
وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ
وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ
الشَّيْطَانِ الرَّجِيم} [آل
عمران: 35، 36]. وخلاصة
القصة: أن امرأة عمران - وهي أم
مريم - قد نذرت أن يكون مولودها
القادم خادما لبيت المقدس، فلما
وضعت مولودها، قالت معتذرة: {وَلَيْسَ
الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} لأن
قدرة الذكر على خدمة بيت
المقدس، والقيام بأعباء ذلك
أكثر من الأنثى التي جبلها الله
تعالى على الضعف البدني، وما
يلحقها من العوارض الطبيعية
التي تزيدها ضعفاً: كالحيض
والنفاس. ومن
اللطائف في تركيب هذه القاعدة:
أن الله تعالى قال { وَلَيْسَ
الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى } مع
أنه لو قيل: "وليست الأنثى
كالذكر" لحصل المقصود، ولكن
لما كان الذَّكر هو المقصود
قُدّم في الذِّكر؛ ولأنه هو
المرجو المأمول فهو أسبق إلى
لفظ المتكلم (1). ولقد
بين القرآن هذا التفاوت بين
الجنسين في مواضع كثيرة، منها:
قوله تعالى: { الرِّجَالُ
قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ
بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ
بَعْضَهُمْ } وهم الرجال { عَلَى
بَعْضٍ } وهن النساء، ومنها:
قوله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ
عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}، (وذلك
لأن الذكورة في كمال خلقي، وقوة
طبيعية، وشرف وجمال، والأنوثة
نقص خلقي، وضعف طبيعي، كما هو
محسوس مشاهد لجميع العقلاء، لا
يكاد ينكره إلا مكابر في
المحسوس، وقد أشار جل وعلا إلى
ذلك بقوله: {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ
فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي
الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف:18]؛
فالأنثى تنشأ في الحلية، أي:
الزينة - من أنواع الحلي والحلل -
لتجبر بذلك نقصها الخَلْقي) (2). بل يقال:
إن بعض ما جبل الله عليه الأنثى
هو نوع من الكمال في حقها، وإن
كان نقصاً في حق الرجال، (ألا
ترى أن الضعف الخَلْقي والعجز
عن الإبانة في الخصام عيب ناقص
في الرجال، مع أنه يعد من جملة
محاسن النساء التي تجذب إليها
القلوب)(3). هذا هو
حكم الله القدري: أن الذكر ليس
كالأنثى، وهذا حكم الأعلم
بالحِكَمِ والمصالح -، هذا كلام
الذي خلق الخلق، وعَلِمَ ما
بينهم من التفاوت والاختلاف: {أَلَا
يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ
اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك:
14] ، وقد تفرع على ذلك: اختلاف
بين الذكر والأنثى في جملة من
الأحكام الشرعية - وإن كانا في
الأصل سواء -. وهذا
الاختلاف في الأحكام الشرعية
بين الذكر والأنثى راجع إلى
مراعاة طبيعة المرأة من حيث
خلقتها، وتركيبها العقلي،
والنفسي، وغير ذلك من صور
الاختلاف التي لا ينكرها
العقلاء والمنصفون من أي دين،
وليعلم المؤمن هاهنا قاعدة
تنفعه في هذا الموضع وفي مواضع
كثيرة، وهي: أن الشرع لا يمكن أن
يفرق بين متماثلين، ولا يجمع
بين متناقضين، وشأن المؤمن الحق
أن لا يعارض الشرع بعقله
القاصر، بل شأنه أن يتلمس الحكم
من وراء ذلك التفريق، أو هذا
الجمع. ومن
توهم - من الجهال والسفهاء -
أنهما سواء فقد أبطل دلالة
القرآن والسنة على ذلك: أما
القرآن فإن القاعدة التي نخن
بصدد الحديث عنها دليل واضح على
هذا، وأما السنة فإن النبي ج لعن
المتشبهين من الرجال بالنساء،
والمتشبهات من النساء بالرجال -
كما ثبت ذلك في البخاري من حديث
ابن عباس ب(4) -، فلو كانا
متساويين لكان اللعنُُ باطلاً،
ومعاذ الله أن يكون في كلام رسول
الله صلى الله عليه وسلم لغو أو
باطل! وعَوداً
على هذه القاعدة: { وَلَيْسَ
الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى }،
فلنتأمل شيئاً من حِكَمِ الله
تعالى في التفريق بين الذكر
والأنثى في بعض الأحكام
الشرعية، ومن ذلك: 1 -
التفريق في الميراث: فلا
يستريب عاقل أن سنة الله اقتضت
أن يكون الرجل هو الذي يكدح
ويتعب في تحصيل الرزق، وهو الذي
يطلب منه دفع الميراث،
والمشاركة في دفع الدية - عند
قيام المقتضي لذلك - فالذكر
مترقب دوماً للنقص من ماله،
بعكس الأنثى فهي دوماً تترقب
الزيادة في مالها: حينما يدفع
لها المهر، وحينما ينفق عليها
من قبل وليها. يقول
العلامة الشنقيطي: "وإيثارُ
مترقب النقص دائماً على مترقب
الزيادة دائماً - لجبر بعض نقصه
المترقب - حكمتُه ظاهرة واضحة،
لا ينكرها إلا من أعمى الله
بصيرته بالكفر والمعاصي"(5). 2 -
التفريق في الشهادة: وهذا
نصت عليه آية الدين: {وَاسْتَشْهِدُوا
شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ
فَإِنْ لَمْ يَكُونَا
رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ
وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ
تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ
أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا
فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا
الْأُخْرَى} [البقرة: 282] ، كما
دلت عليه السنة الصحيحة عن
النبي ج،وبين أن سبب هذا هو نقصٌ
في عقلها. وهذا
التفريق - لمن تأمله - عين العدل،
يقول الشيخ السيد رشيد رضا:
مبيناً هذا المعنى: "إن
المرأة ليس من شأنها الاشتغال
بالمعاملات المالية ونحوها من
المعاوضات، فلذلك تكون ذاكرتها
فيها ضعيفة، ولا تكون كذلك في
الأمور المنزلية - التي هي شغلها
- فإنها فيها أقوى ذاكرة من
الرجل، يعني أن طبع البشر
ذكراناً وإناثاً أن يقوى تذكرهم
للأمور التي تهمهم ويكثر
اشتغالهم بها، ولا ينافي ذلك
اشتغال بعض النساء الأجانب في
هذا العصر الأعمال المالية فإنه
قليل لا يعول عليه، والأحكام
العامة إنما تناط بالأكثر في
الأشياء وبالأصل فيها." (6)
انتهى. ولا
يظنن أحدٌ أن في ذلك انتقاصاً
لقدرها، بل هو تنزيهٌ لها عن ترك
مهمتها الأساسية في التربية
والقرار في البيت، إلى مهمة أقل
شأناً وسمواً، وهي ممارسة
التجارة والمعاملات المالية! وقد
أشار فريق من الباحثين إلى أن
المرأة الحامل ينكمش عندها حجم
الدماغ، ولا يعود لحجمه الطبيعي
إلا بعد أشهر من وضعها. وليعلم
أن هذا الحكم - أعني كون شهادة
المرأة على النصف من شهادة
الرجل - ليس مطرداً في جميع
الأبواب، بل إنها مثل الرجل في
بعض الأحكام، كشهادتها في دخول
شهر رمضان، وفي باب الرضاع،
والحيض، والولادة، واللعان
وغير ذلك من الأحكام. ونحن
بحمد الله مؤمنون بحكم الله
وقدره، ولا تزيدنا البحوث
الحديثة إلا يقيناً، ونقطع بأن
أي بحث يخالف صريح القرآن
فنتيجته غلط، وإنما أتي صاحبها
من سوء فهمه. أيها
القارئ الحصيف: وليس
هذا التفريق بين الذكر والأنثى
كله متحيّز إلى الرجل، بل جاءت
أحكام تفرق بينهما تفريقاً
تميزت فيه المرأة، ومن ذلك: أن
الجهاد لا يجب على النساء
لطبيعة أجسادهن، فسبحان العليم
الحكيم الخبير. ولوشل
حديثنا بقية، وله سَواقٍ أخرى،
فإلى الحلقة القادمة بإذن الله،
ليتمم الحديث عن قاعدة هي من
أحسن الحديث. _________________ (1) ينظر:
التحرير والتنوير 3/86. (2) ينظر:
أضواء البيان 3/498 ط.الراجحي. (3) ينظر:
أضواء البيان 3/501 ط.الراجحي. (4)
أخرجه البخاري برقم (5885). (5) ينظر:
أضواء البيان 3/500 ط.الراجحي. (6)
تفسير المنار 3/104. -------------------- هذا
الكتاب يعبر عن رأي كاتبه
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |