ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت  18/04/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

كتب

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الإخوان المسلمين في حرب فلسطين

(8)

كامل الشريف

الزهراء للإعلام العربي

إلى العمل :

إن أول ما يجب أن نفكر فيه معشر العرب خصوصا هنا في مصر هو بناء قواتنا العسكرية وخلق الجيش القوية التي تستطيع أن تاجه هذا الخطر لا يبدو في الأفق حتى ما يبشر بالسير نحو تحقيق هذا الهدف 0

يجب أن نستورد الأسلحة من أي مكان نستطيع ويجب أن نبذل كل جهد لإقامة المصانع الحربية في بلادنا لأن ((الاستجداء)) والصدقات وشراء الفتات والفضلات ليست من وسائل إعداد الجيوش القوية وما كارثة فلسطين الخيرة ببعيدة 0

لنبدأ في بناء قواتنا العسكرية على أسس سليمة ولنستعين بكل وسيلة ممكنة وغير ممكنة للوصول إلى الغاية وليست الأسلحة والمصانع وحدها هي التي تنقصنا بل إن الأسلحة والمصانع تكون هينة ميسورة يوم يتوفر العزم ويوجد الحكام الأقوياء المخلصون لكن هناك أمورا أخرى تنقصنا وتحتاج منا إلى جهود جبارة إيجادها 0

لابد أولا من خلق  أمة قوية صحيحة تتهيأ فيها الحياة الحرة الكريمة لكل فرد من أفرادها ولابد من إيجاد العقيدة القوية السليمة التي تجمع أفراد هذه الأمة حولها وتدفعهم للعمل والجهاد دفاعا عنها ولابد من محاربة مظاهر الخنوثة والترف التي نشبت في مجتمعاتنا وأصبحت تهددنا بالانهيار العاجل السريع 0

أصلحوا الأمة أولا:

هذا الجيش ليس جزءا منفصلا عن الأمة ولكنه صورتها المصغرة وثمرتها الناضجة ولا يمكن أن تبنى أمة جيشا قبل أن تبنى الأمة نفسها على أساس سليم كما لا يمكن أن توجد الثمرة قبل أن تزرع البذرة وتنبت الشجرة والأمة الحرة القوية الصحيحة يكون جيشها ضعيفا جاهلا ذليلا ولو كان لكل جندي دبابة وطائرة هل يمكن بناء جيش على جنود غالبيتهم العظمى من العوام الفقراء الذين لم يستطيعوا دفع البدل العسكري التافه؟ ولقد سمعت كثيرا من هؤلاء الجنود يتساءلون في المرحلة الأخيرة من الحرب لماذا يحاربون اليهود في فلسطين ؟ بل إن  هذا الجندي لو ترك على سجيته لما شعر برغبة في القتال حتى عن حدود مصر نفسها ومن أين تأتى الرغبة وهو يؤمن أن حدود وطنه لا لتتجاوز حدود قريته التي عاش ودرج فيها ؟!!0

وكان الجنود ولايزالون يشعرون بالعذاب الذي يعانيه أهلوهم تحت نير النظم الاجتماعية الفاسدة ولقد نجح الاستعمار في حرمان مصر من الجيش القوى العزيز حينما سمم التربة التي تنبت أفراد الجيش ولوث المنبع الذي يستمد منه الجيش رجاله فقضى على الفلاح المصري وحكم عليه أن يعيش في مستوى أقل من مستوى السوائم العجماء فظهروا منابع الجيش الأصلية قبل أن تتعبوا أنفسكم في إنشاء الفرق المدرعة والألوية الجوية وأصلحوا الأساس أولا قبل أن تبنوا طابقا ثانيا وثالثا فوق البناء المتداعي أو تضعيوا الجهود عبثا في طلاء الجدران وتركيب الزجاج على النوافذ!!

أصلحوا الجيش كما تشاءون ولكن اذكروا دائما أن الجيش القوى ثمرة طبيعية لأمة قوية فبادروا أولا بإصلاح هذه النظم الظالمة وهيئوا للفلاح البائس حياة حرة كريمة قبل أن تطالبوه بالدفاع عن حرية أمته وكرامتها وأصلحوا التربية التي تنبت لكم الجنود قبل أن تطالبوها بالثمار فتعطيكم ثمرا فاسدا عفنا ليس فيه غناء ولا يرجى من ورائه عزة وانتصار 0

أعيدوا للجيش ثقته بنفسه :

من الأمور التي تهتم بها الدول غرس معاني الثقة في نفوس أفراد الجيش والمحافظة عليها وبخاصة بعد الهزائم التي يمنون بها ولي من شك أن جيشنا هذا قد فقد الثقة في نفسه وفقدها في قادته وفقدها في زعماء حكومته فقدها في نفسه يوم رسمت له سياسة خاطئة انتهت به إلى هزيمة لا ذنب له فيها وخرج أفراد الجيش وليس في حلوقهم إلا غصة الهزيمة كلما ذكروا حرب فلسطين وليس في قلوبهم إلا رعب قاتل كلما ذكروا معارك اليهود 0

وفقد الجيش ثقته في قادته يوم ساقوه إلى المجازر نتيجة خطط مرتجلة وتركوه عرضة للهزائم والحصار وكم من مرة كانت ترسل الأوامر المتناقضة والتعليمات التي يهدم بعضها بعضا ويحار الجنود أي الأوامر ينفذون ؟ وأيها يتركون ؟ ويظلون في حيرتهم حتى يلاقوا حتفهم الذي يوعدون كم من مرة حدث هذا وما هو ـأكثر منه حتى امتلأ الجنود حقدا على قادتهم ولم تعد تسمع من الجنود تلك القصص المشرفة التي يتحدث بها الجنود عن قادتهم في أعقاب الحروب ولكنك تستمع دائما إلى روايات مضحكة مبكية وقد لا تكون القصص صحيحة وأغلب الظن أنها ليست صحيحة ولكنها عين السخط التي تزن الأمور بميزانها الخاص 0

وعين الرضا من كل عيب كليلة        كما أن عين السخط تبدى المساويا

وزاد الطين بلة ما سمعه الجنود عن الأسلحة الفاسدة وعن الدور السيئ الذي لعبته رتب كبيرة وشخصيات عظيمة في نظام الحكومة السعدية 0

وفقد الجيش ثقته في زعماء حكومته يوم أسلموا أعنتهم للمستعمر الغاصب يحركهم كيف يشاء وينفذ بأيديهم وعقولهم خططه المرسومة فقبلوا الهدنات المتلاحقة وأضاعوا بتصرفهم ثمار النصر وكلما أحرزت العسكرية نصرا ودفعت فيه ثمنا باهظا خسرته السياسة الهزيلة على موائد المستعمر بثمن بخس 0

وسمع الجيش كيف خضع النقراشى وخليفته لسياسة الإنجليز وقام يحارب أخلص فئة من أبناء الوطن ويلقى بهم في غياهب السجون سمع الجيش هذا وقارن بين ما يفعله الإخوان في فلسطين وما يلقونه من حكومتهم في مصر فعل أن البلد الذي يدا فع عنه ليس ملكا له ولكنه ملك للمستعمر وصنائعه!

تلك هي النتيجة التي خرج بها الجيش من حرب فلسطين فقد الثقة في نفسه وفقد الثقة في قيادته وفقد الثقة في حكومته فهل يستطيع جيش ضخم ضم هذه العيوب كلها أن يقف ليحارب عدوا يفوقه في العدة ويكاد يكون خاليا من كل هذه العيوب ؟!0

أعيدوا للجيش ثقته بنفسه ودعوه يؤمن أن الهزيمة التي وقعت لم تكن من صنع يديه وليس له ذنب فيها وأن الجيش قد أدى واجبه في هذه الحرب كاملا غير منقوص على قدر ما تسمح به موارده وعدته 0

ودعوه يعرف الكثير عن خصمه ومواطن الضعف فيه وأن الصورة التي تكونت في ذهنه عن المقاتل اليهودي ليست صحيحة إطلاقا فاليهودي لا يزال كما كان دائما مقاتلا فاشلا جبانا لا يتمتع بقوة من صفات المقاتل الممتاز وتلك ناحية من الأهمية بمكان ولقد كنا نقرأ خلال الحرب العالمية الأخيرة مقالات يكتبها كبار القادة الإنجليز عن الجندي النازي أو الفاشستي أو الياباني فيصفونه ويحللون شخصيته ويوضحون نقاط الضعف في نفسه ويعطون لجنودهم صورة واضحة منه مستمدة من المعارك التي خاضها 0

وأعتقد أن من واجب إدارة الجيش أن تبادر بطبع رسائل في هذا الموضوع بأقلام بعض الضباط ممن شهدوا الجولة الماضية حتى تمحى هذه الصورة الخاطئة التي أخذها جنودنا عن العدو كمقاتل ممتاز ومضوا يتداولونها فيما بينهم وينقلونها إلى غيرهم ممن لم يشهدوا هذه الحرب 0

وأعيدوا للجيش ثقته في قواده ودعوه يؤمن أنه إن كان أفراد قلائل قد سرقوا فإن أفراد كثيرين لم يسرقوا وأن النزاهة ومعاني الشرف إن كانت قد ضاعت من النفوس المريضة أمام بريق المال فإن النزاهة ومعاني الشرف لا تزال بخير في نفوس الغالبية المؤمنة وأنه إن كان بعض القادة قد أخطئوا في إدارة المعارك فإن كثيرين لم يخطئوا وأن الجيش لا تزال فيه كفايات ممتازة لا تقل عن نظائرها في جيوش العالم الحديثة 0

وأعيدوا للجيش ثقته في زعماء حكومته فحاكموا مجرمي حرب فلسطين السياسيين وحاكموا مجرمي الوزارة الماضية على ما ارتكبوه من آثام في حق أبناء الوطن وبادروا برفع المظالم عمن ظلم حتى يؤمن الجيش والشعب أنه إن كان نفر من زعمائه يقع تحت تأثير المستعمر وسير في الطريق التي يرسمها فإن نفرا آخر لا يقع تحت تأثيره ولا يملك أن يسير في طري غير التي ترسم له 0

دعوة يؤمن أن عنده زعماء يتمردون على الإنجليز ويرفضون تدخلهم في شئون البلاد ودعوه يؤمن أن حرية الرأي والعقيدة مكفولة في مصر وأن علينا جميعا أن نقف صفا واحدا أمام أي عدو يحاول أن يدوس أرضنا ليحرمنا أول ما يحرمنا من حرية الرأي وحرية العقيدة 0

أفسحوا الطريق لمبادئ الإسلام:

لم تتفق النظم العسكرية على أمر من الأمور بقدر ما اتفقت  على أهمية الروح المعنوية وأثرها في كسب الحروب حتى إنها لتضعها في المقام الأول قبل التسليح والتدريب فهذا القرآن الكريم يقول في إحدى منشوراته العسكرية {إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين 00} الخ  ويصوغ جبار الحرب الحديثة نابليون هذا المعنى في قوله عن نسبة القوى المعنوية إلى القوى المادية ويجعلها كنسبة 1:3 0

ولأهمية الروح المعنوية يضع قواد الأمم والجيوش أساليب خاصة في المحافظة عليها وتقويتها حتى في ساعات الهزائم فبعضهم يؤجج حماس الجنود في الحرب عن طريق الثأر والانتقام كما فعل النازيون وبعضهم عن طريق تحبيب الغزو والاستعمار والتلويح بالضائقات الاقتصادية لو انكمشت الدولة في رقعتها المحدودة كما فعل الفاشست واليابانيون وبعضهم عن طريق المبادىء والدعوات التي يلقنونها للجنود ويوهمونهم أنهم حملة رسالة من رسالات الخير وحماة عقيدة الإصلاح كما يفعل الشيوعيون وهكذا تختلف الوسائل وتلقى عند غاية واحدة هي تحبيب الحرب للجندي وإمداده بالذخيرة المعنوية التي يقاتل في سبيلها ويستهين بالموت دفاعا عنها 0

وعدونا الذي نحابه اليوم يعتنق عقيدة من أخطر العقائد وهي سيطرة جنس على أجناس فهم يوهمون شبابهم أنهم ((شعب الله المختار )) وأن الله قد سخر لهم هذا العالم واجتباهم دون سائر الشعوب لحكمه والسيطرة عليه ويؤججون في صدورهم  معاني التضحية والاستماتة حين يذكرونهم بالمذابح الوحشية التي وقعت عليهم في عهود الطغيان وأن الله تعالى قد أراد  لهم الراحة من هذا العناء حين       وهبهم أرض ((إسرائيل)) 0

هذه خلاصة العقائد التي يغرسها الصهيونيون في شبابهم ويربونهم عليها قبل أن يدفعوهم للميدان دفاعا عنها فأي مبدأ كنا نقاتل في سبيله ؟ وأي عقيدة يمكن أن نلتف حلها فنجد حولها فنجد فيها هذا الذخر المعنوي الهائل؟ لقد ثبت أن ((دعاوى العروبة)) وروابط الجنس واللغة والحدود المشتركة كلها فاشلة في إقناع الجندي بالحرب والجهاد وإذن فلا بد من مبدأ قوى يشتمل على هذه المعاني كلها ويزيد عليها ولن تجد ذلك بصورته الكاملة إلا في ((الإسلام ))ومبادئه 0

لو آمن الضباط أو الجندي بالإسلام إيمانا صحيحا واختلط هذا الإيمان بدمه وعقله وأعصابه ففي تلك الحالة فقط يمكن أن يقاتل وإن زاد عليه العدو في عدد أو عدة لو آمن  بالإسلام لعلم أن الدفاع عن فلسطين وغيرها فرض يحتمه الإسلام { إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون} ولو آمن بالإسلام لأيقن أن محاربته للعدو سواء كانت دفاعا عن أرض أو تأمينا لمصلحة أو طلبا لحرية هي جهاد في سبيل الله تستحق النصر عليه في الدنيا والمثوبة الكريمة في الآخرة 0

ونجد الإسلام ينحو منحى عجيبا في تركيز هذا المعنى {  الذين آمنوا يقاتلون في سبيل الله والذين كفروا يقاتلون في سبيل الطاغوت } فإن كانت الهزيمة فه قوة هائلة تقف في جانب المهزوم وتدفعه لمواصلة الكفاح { إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس} وإن كان النصر فه صمام يمنع المنتصر من العدوان { الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر } 0

ولم يقف الإسلام عند حدود المعنويات ولكنه يتجاوزها إلى الماديات أيضا فيضع الأسس الصالحة لبناء عسكرية مثالية قوية فيهتم بالطاعة والنظام ويجعلها أساسا للعسكرية الصالحة { يأيها الذين آمنوا يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص} 0

ولا يغفل الإعداد والتدريب كمرحلة ضرورية لتكوين الجيوش القوية ويشير بوضوح إلى أن الإعداد هو ضمان النجاح أن الجيوش غير المعدة لا تستطيع أن تؤدى واجبها { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوا الله وعدوكم } {ول أرادا الخروج لأعدوا له عدة} ومن آثار النبي صلى الله عليه وسلم في التدريب أن الرماية نعمة من نعم الله فمن نسيها فقد كفر بأنعم الله تعالى !! إلى غير ذلك من عجائب الآيات  والنصوص التي تقيم معالم عسكرية مؤمنة قوية لا ظلم فيها ولا عدوان معها 0

وقد يتبادر إلى الذهن أني أقصد من وراء كل هذا إكثار عدد الأئمة والوعاظ الرسميين في كتائب الجيش فتلك طريقة ثبت فشلها بشهادة الوعاظ أنفسهم فالواعظ من هؤلاء لا يجرؤ على مخاطبة أقل الرتب إلا باحتراس وحذر ولا يستطيع أن يقومه على أمر الله وهو آمن على وظيفته ومرتبه ! لكنني أعنى تحوير نظم الجيش كلها بحيث تتلاءم مع تعاليم الإسلام من فرض الصلاة إلى فرض التدريب وإقامة المصانع ولتقوية الناحية الروحية في أفراد الجيش لا بأس من انتخاب عدد من شباب الأزهر النابهين وتدريبهم في الكليات العسكرية وإلحاقهم في الجيش كما هو حادث بالنسبة للمهندسين والأطباء والحقوقيين الذين يلتحقون بالجيش وتكون مهمة هؤلاء الضباط الاندماج في الكتائب ضباطا عاديين يمتازون بثقافة إسلامية تؤهلهم للوعظ والإرشاد وتوضع في أيديهم بعض السلطات التي تكفل لهم أداء واجبهم بنجاح وإذا كان من طباعنا معشر المصريين ألا نؤمن بفكرة إلا إذا سبقتنا لها عقول أوربية فنحن نؤكد أن هذه الوسيلة قد اتبعت في الجيوش الأوربية الحديثة وفي الجيش البريطاني بوجه خاص فقد جندت أخيرا جماعات خاصة مهمتها غرس فضائل الدين في نفوس أفراد الجيش كوسيلة لتقوية المعنويات في الجند فإذا كان الغربيين قد اتجهوا هذا الاتجاه فنحن أولى بإقامة جيشنا على أساس إسلامي متين خصوصا أن الإسلام لا يتعرض للمعنويات فحسب بل يتجاوزها إلى وضع الأسس العلمية لقيام عسكرية مثالية فاضلة 0

من السائل الناجحة أيضا أن يدرس التاريخ العسكري الإسلامي في كلياتنا الحربية أن تسمى فرق الجيش وألويته بأسماء مشاهير القادة الإسلاميين وأسماء المعارك المشهورة التي أحرز فيها المسلمون انتصارات كبيرة ((كاليرموك)) و((القادسية))  وغيرهما ولسنا نبتدع هذا النظام من عند أنفسنا ولكنه نظام معترف به حتى في أحدث جيوش العالم ولا تزال فرق من الجيش الإنجليزي تحمل أسماء قواد ومعارك كبيرة من تاريخ بريطانيا العسكري واليهود يطلقون على كتائب جيشهم الوليد أسماء بعض الشخصيات الكبرى في تاريخهم وبناة دولتهم وجيشنا بهذا الوضع يعتبر مبتوت الصلة بتاريخه المجيد وماضيه المشرق بل لا يجد الضباط مثلا عليا يتطلعون إليها غير أمجاد الخصوم ومفاخر قوادهم 0

وكتابنا العسكريون على كثرتهم يأنفون من الكتابة في التاريخ الإسلامي مخافة أن يتهموا ((بالرجعية))  وهي التهمة التي أطلقها المستعمر وصنائعه على كل محاولة ترمى إلى إحياء أمجاد الإسلام وتعاليمه والرجوع بها إلى منابعها الأصلية من كتاب الله وآثار نبيه وتاريخ السلف الصالح من أبنائه وفي الوقت الذي يشفق في كتابنا العسكريون على أنفسهم من تهمة ((الرجعية)) لا يستنكف كثير من كتاب أوربا الأحرار فيكتبون المقالات الطوال في مناقب القادة العسكريين الإسلاميين ويقارنون بينهم وبين أشهر مشاهير الحروب الحديثة حتى  سمعنا أحد ((مارشالات )) ألمانيا في الحرب العالمية الأولى يقول : إ، مثله الأعلى في العسكريين هو سيف الله خالد بن الوليد 0      وليست هذه كل ما يمكن اقتراحه من وسائل للنهوض بالجيش وتوجيهه وجهة إسلامية فإني أعلم أن هذا الموضوع أكبر من أن يوفي في هذا البحث الصغير ولكننا نكتفي بالإشارة تاركين المهمة لرجال العسكرية الذين أنيط بهم واجب الرقى بالجيش وهو أمر يسير هين لو اتحدت الغايات وأخلصت النيات 0

حاربوا المنكرات في صفوف الجيش:

لم يسلم الجيش من عدوى التحلل الخلقي التي انتقلت لهذه الأمة فيما انتقل إليها من مفاسد الحضارة الغربية وبلغ من تمكنها أن الذي يجتنبها ويتمسك بدينه وخلقه ورجولته يتهم بالجمود و((الرجعية)) والتخلف عن ركب الحضارة فالخمر والميسر والزنا ومحاصرة النساء كل هذه المصائب أصبحت عنوانا لهذه الحضارة ولازمة من اللوازم التي تعلى من شأن مرتكبها وتجعله في طليعة المتقدمين النابهين 0

سمع بعض ضباطنا وقرءوا عن كثير من القادة العسكريين الأوربيين ومن مراجعة سيرهم علموا أن الجنرال (فلان) كان زير نساء وأن المارشال (علان) كان لا يفيق من السكر فظن هذا البعض أن النساء والخمر من مستلزمات العبقرية وأن على الضابط إذا أراد أن يكون قائدا ممتازا فليس أمامه  إلا أن يسك هذا السبيل ويا ويل من يقف في هذا الطريق ويحاول انتقاده إنه يصبح رجعيا تافها يجب أن يعود إلى مقبرة أجداده العرب الأقدمين 00

وليس من شك في أن هذا فهم خاطئ لأسباب كثيرة أهمها : أن كثيرا  من القادة العباقرة سواء القدامى أو المعاصرون لم يكونوا على هذه الشاكلة فالقواد الإسلاميون  الكبار كخالد بن الوليد وسعد بن أبى وقاص وعمرو بن العاص لم يقل أحد إنهم كانوا يحتسون الخمر ويحاصرون النساء حين كانوا في أوج شهرتهم العسكرية وكان التاريخ الإنساني يسلمهم زمامه وأعنته ليوجهوه وجهته الصحيحة 0

ولست أعتقد أن أحدا من ضباطنا مهما كانت آماله وأطماحه يمكن أن تصل به مقدرته وكفاءته إلي ما وصل إليه هؤلاء القادة العباقرة الأفذاذ  وقبل أن يسخر منى الساخرون ويتهموني بالرجعية أن حشرت هؤلاء القادة في زمرة العظام النابهين أبادر فأقول إن رجلا كالمارشال (( مونتجمرى))أحد أبطال  بريطانيا العسكريين والقائد الذي تجاوزت شهرته حدود بلاده وأصبح يحرك اليوم أكبر الكتل العسكرية في العالم مونتجمرى هذا يقولون عنه : إنه لم يشرب الخمر في حياته ولم يدخن ويقول عارفوه : إن الناحية الدينية متمكنة من نفسه حتى إنه يذهب إلى الكنيسة في أوقات دورية منتظمة!!           وإذن فليست الخمر والنساء وإضاعة الوقت والجسم في إرضاء الشهوات والنزعات من مستلزمات العبقرية ولا من العوامل التي تكون شخصية القائد وتؤهله لنيل المناصب الكبرى في الجيش ولكنها عوامل كثيرة تلك التي تخلق الشخصية أهمها : الخلق وقوة البدن وغزارة العلم وثبات الإيمان وكلها عوامل لا تمت للخمر والنساء والميسر بسبب من الأسباب 0

أعتقد انه من العسير معالجة هذه الأوبئة تحت كنف النظم الحالية في الجيش فأندية الجيش في بلاد القطر يشرب فيها الخمر ويلعب فيها الميسر ويرغم الضباط إرغاما في الاشتراك فيها والمواظبة على ارتيادها ولا أظن الناس قد نسوا بعد ما كان من أمر الرجل الصالح اللواء ((عبد الواحد سبل)) حين رفض الاشتراك في نادى الضباط إلا أن تنزع منه الخمر واحتدمت معركة عنيفة بين الرجل وبين الخمر أسفرت عن نزعه من الجيش وبقاء الخمر في نادى الجيش!!!

ولست أعنى أن ضباطنا جميعا على هذه الشاكلة ولكن أردت أن أقول: إن النظم الحالية للجيش وعدم تماشيها مع تقاليد الإسلام وما تفرضه على الجندي من رجولة وكرامة لا تقضى على  هذه المباذل الخلقية بل تنميها وتشجعها وتأخذ بيدها لأبعد غاياتها وتهدد المعترضين عليها بالنكال سوء المنقلب وما حدث لضباطنا الكبير ((عبد الواحد سبل بك)) قد يحدث لآخرين ممن يبدون اعتراضا على هذه النظم البالية 0

ولقد حدثني أخيرا بعض ضباطنا الشبان أن أحدهم رفض الاشتراك في أحد أندية الضباط في منطقة نائية وطولب بقيمة الاشتراك مرارا فكان يرفض ويعلق الدفع على نزع الخمر من النادي مما اضطر قائده المباشر إلى إدخاله إلى مكتب قائد المنطقة الذي أخذ يوجه إليه ((النصح)) ويدعوه إلى الاستقامة والتمسك بالأخلاق الفاضلة التي تتناسب مع وضعه كضابط في الجيش وذلك بأن يدفع الاشتراكات المتخلفة وكان مما قاله : ((يا بنى الحالة كلها بايظة ولن تستطيع وحدك أن تصلح نظام هذا الكون)) ولم تدم مقاومة الضابط الشاب أمام هذا المنطق السليم منطق الرجل الحكيم المجرب فدفع ما عليه وخرج مقتنعا أن نظام الكون المصري ((بايظ)) فعلا بل مقلوب رأسا على عقب 0   

أعلم أن في قوانين الجيش عقوبة قاسية للضباط الذين يتسببون في امتهان كرامة الجيش ويدخل تحت طائلة هذه القوانين ظهور الضباط بلباس زري أو هيئة مشوهة أفلا يكون شرب الخمر مما يسئ إلى                كرامة الجيش وكرامة الأمة التي يدافع عنها هذا الجيش  ؟0

إذا كنتم تريدون المحافظة على كرامة الجيش فيجب أن تبادروا دون إبطاء لإلغاء الخمر من أندية الضباط وتحريم بيعها أو دخولها إلى المعسكرات وتوقيع عقوبات قاسية على الضباط الذين يشربونها وذلك هو السبيل الوحيد لحفظ كرامة الجيش 0

وإذا كنا نهتم بالقضاء على المسكرات وتطهير أوساط الضباط من هذه الآفات فلا يمكننا إغفال المخدرات التي تغلغلت في أوساط الجيش من مختلف الرتب وبخاصة أوساط الجنود الصغار فالجندي البسيط لا يمكن أن يتناول ((الويسكى)) مثلا لأن مرتبه كله يملأ عدة كئوس من هذه المشروبات ومن هنا يضطر إلى شراء المخدرات كالحشيش والأفيون ومن هنا تفشت هذه الكيوف السامة وأصبحت مصدر خطر كبير لابد من محاربته والقضاء عليه 0

وأعتقد أن حضرات الضباط الذين اشتركوا في الحملة يذكرون كيف تسببت هذه الكيوف في كثير من الكوارث حتى سمعت من بعضهم قوله:((إن الحشيش كان من الأسلحة السرية الخطيرة التي حطمت أعصاب الجنود وقواهم المعنوية)) وحين أقول محاربة الكيوف لا أعنى المزيد من النشرات التي كانت ترسلها إدارة الجيش لتوزع على الوحدات وتهددهم فيها بالويل والثبور وعظائم الأمور لمن يضبط متلبسا بشرب هذه السموم الخطرة لا أعنى هذه مطلقا ومن حق إدارة الجيش علىّ أن أطمئنها  إلى هذه النشرات لم تكن تجدي أي نفع اللهم إلا في لفافات الدخان والجوز)) المشحونة بالحشيش 0     

لابد من القيام بحركة واسعة تكون أولى مراحلها إلغاء الخمر من أندية الضباط وتوقيع العقوبات الصارمة على من يضبط متلبسا بشربها فإن الجنود وقد سمعتها من أفواههم عشرات المرات يعتقدون أن محاربة الحشيش في أوساط الجنود مع السماح بتناول الخمر في أندية الضباط إن هي إلا ضرب من الامتيازات والتسهيلات التي تغدق على الضباط ويحرم منها الجنود ويعتقدون أنه مادامت الحكومة تسمح للضباط بالترويح عن أنفسهم بتعاطي الخمور بل وتمهد لهم السبيل للحصول عليها فإن مقتضيات العدالة والمساواة تحتم عليها أن تسمح للجنود بالترفيه عن أنفسهم باستعمال المخدرات خصوصا وهي تعلم جيد أن مرتب الجندي البسيط لا يسمح له مطلقا بشراء الخمور!!

أظن أن رئاسة الجيش في هذه الحالة لا تملك إلا أن تختار أحد حلين إما أن تكون جادة في تطهير الجيش ومكافحة هذه الأخطار من بين صفوفه فتحرم تعاطى المسكرات والمخدرات وتفرض أشد العقوبات على من يضبط متلبسا بتعاطي هذه الأرجاس مهما كانت رتبته أو مركزه في الجيش أو أن تريح نفسها من هذا العناء فتسمح للجنود أيضا بتعاطي الحشيش وتسهل لهم سبل الحصول عليه تمشيا مع مبادئ المساواة والعدالة 0

ولو لم يكن الإسلام يحرم هذه المباذل ويعمل جاهدا للقضاء عليها وتطهير المجتمعات من شرور نتائجها لكان من واجبنا أن نقضي عليها إذا أردنا أن نخلق أمة قوية عزيزة وجيشا عظيما مرهوبا ولقد رأينا كيف قضت روح الترف والانغماس في اللذات على قوى الجيش الفرنسي واضطرته للاستسلام والركوع تحت أقدام النازيين ولقد علل المارشال ((بيتان)) بطل فرنسا العسكري واشهر قوادها في هذا الجيل تلك الهزيمة حين قرر أنها ((جاءت نتيجة طبيعية لانغماس الجنود في اللذة والترف ونفورهم من التضحية والواجب))0

هذا درس نستخلصه من بين أصابع التاريخ وتلك نتيجة وصل إليها قائد محنك يعتبر في طليعة القادة العسكريين وها نحن أولاء نضعها أمام المسئولين عن الأمة والجيش عساهم أن ينتبهوا للهوة السحيقة التي فغرت فمها تحت أقدامهم وما كنا بحاجة إلى أن نتسقط الأدلة والعبر وعندنا كتاب الله يقرر بوضوح وبيان { وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا }  0

القاهرة -27 فبراير سنة 1951 م

انتهى

----------------------

الكتب المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ