ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
عادوا
إلى الفطرة (70
قصة حقيقية مؤثرة) إعداد
: أبو إسلام
أحمد بن علي (61) قصة
إسلام أمينة أسيلمي البداية
والقرار: كنت في
بداية السنة النهائيّة للحصول
على درجتي العلميَّة في دراسة (وسائل
الترفيه) عندما قابلت أوَّل
مجموعةٍ من المسلمين في حياتي.
وقد كانت السَّنة الأولى التي
كُنَّا فيها نستطيع أن نُسجِّل
للفصل من خلال الحاسوب، فسجَّلت
ثمّ ذهبت لأهتمّ ببعض الأعمال
العائليَّة في (أوكلاهوما). فأخذ
العمل مني فترةً أطول مما كنت
أظنُّ بحيث عدت متأخِّرةً
أسبوعين على بداية الفصل.
ولكنِّي لم أكن قلقةً حول تعويض
ما فاتني، لأنِّي كنت الأولى في
صفّي. ومع كوني طالبة في ذلك
الوقت كنت أفوز بالجوائز أثناء
منافستي مع المتخصِّصين في هذا
المجال. ويجب أن
أقول أيضاً بأنِّي كنت خجولةً
جدّاً، على الرغم من أنِّي كنت
أذهب إلى الكليِّة وأحصل على
العلامات العالية، وأُدير عملي
الخاص، وعلى الرغم من وجود
العديد من الأصدقاء المقرَّبين
الّذين كانوا من حولي. فكنت
كثيرة الصَّمت، وبطيئةً جدّاً
في التعرُّف إلى الناس، فمن
النادر أن أتحدَّث لأيِّ أحدٍ
إلا إذا اضطررت لذلك أو إن كنت
أعرفه من قبل. كانت الدروس التي
آخذها تتطلب مني أن أقوم ببعض
الأمور الإداريَّة والتّخطيط
المدني، بالإضافة إلى وضع
البرامج الّتي تناسب الأطفال،
فكانوا هم الوحيدين الذين أشعر
معهم بالراحة. حسناً...
فلنعد إلى قصتنا. كان التوزيع
الذي قام به الحاسوب قد خبَّأ لي
مفاجأةً عظيمةً فقد كنت
مُسجَّلةً في مادةٍ مسرحيَّةٍ
حيث كنت مُلزمةً بالتمثيل
الحيِّ أمام الجمهور. أصابني
الخوف الشديد بسبب ذلك، فأنا لا
أكاد أتجرَّأ على طرح بعض
الأسئلة في قاعدة الدرس فكيف
يمكنني أن أقف على المسرح أمام
كلِّ الناس؟! حدَّثت زوجي عن ذلك
ولكنَّه كان هادئاً كعادته
دائماً، فاقترح عليَّ أن
أتحدَّث مع الأستاذ وأشرح له
المشكلة، وأن أتَّفق معه على
قيامي بكتابة النصِّ أو تجهيز
الملابس. ووافق الأستاذ على أن
يحاول مساعدتي للخروج من هذا
المأزق. وهكذا ذهبت إلى الدرس
يوم الثلاثاء التالي. عندما
فتحت باب القاعة لأدخل تلقّيت
الصّدمة الثانية. فقد كانت
القاعة مليئةً بـ(العرب) أو (لاعبي
الجوكي على الجمال) كما يحلو
للبعض تسميتهم. حسناً... لم أكن
أبداً قد شاهدت أحداً من العرب
من قبل ولكنِّي كنت قد سمعت بهم.
فما كان مني إلا أن قرَّرت أني -ولا
بأيِّ طريقةٍ- لا يمكنني الجلوس
في غرفةٍ مليئةٍ بالكفرة
القذرين! بل خطر لي أيضاً بأنَّه
من الممكن أن ينتقل إليِّ أحد
الأمراض المخيفة من أحدهم.
فكلُّ الناس كانوا يقولون
بأنَّهم قذرون، وأنّهم ليسوا
أهلاً للثقة أيضاً. فما كان مني
إلا أن أغلقت الباب وعدت أدراجي
إلى البيت. ولكني يجب أن أذكر
شيئاً صغيراً الآن. فحين كنت
أفكّر بهذه الطريقة كنت ألبس
سروالاً جلديّاً مثيراً،
وحِذاءً ذا كعبٍ عالٍ، وكأس
الخمر في يدي... لكنّهم هم الذين
كانون (السَّيئين) في نظري! عندما
أخبرت زوجي عن أولئك الطلاب
العرب، وأنَّه ولا بأيِّ حال
يمكن أن أعود إلى هناك، هدَّأ من
روعي بطريقته الهادئة، وذكّرني
بأنِّي كنت دوماً أدَّعي بأنّ
لله تعالى دائماً سبباً لكلّ
شيء، ولربما يتوجَّب عليَّ
التفكير جيداً بهذا الأمر قبل
أن أتَّخذ قراراً نهائيّاً.
وذكّرني أيضاً بأنّ لديَّ منحةً
دراسيةً، فإذا كنت أريد
المحافظة عليها فإنه يجب عليَّ
المحافظة على مُعدّل علاماتي
وإلا فإنّ أمراً كهذا يمكن أن
يحطّم كلّ شيء. فصلَّيت لله
تعالى في اليومين التاليين
داعيةً إيَّاه الرَّشاد. وفي
يوم الخميس عُدت إلى الصفّ وكان
لديَّ اعتقادٌ بأنّ الله تعالى
دبَّر هذا لكي أُخلّص أولئك
المساكين الكفرة من عذاب جهنم. بدأت
تدريجيّاً أشرح لهم كيف أنهم
سيحترقون في جهنم خالدين فيها،
إذا لم يقبلوا المسيح (عليه
الصلاة والسلام) كمُخَلّصٍ لهم،
فتعاملوا معي بلطفٍ جمّ
ولكنَّهم لم يهتدوا! عندئذٍ
شرحت لهم كيف أنّ المسيح (عليه
الصلاة والسلام) يحبهم وكيف مات
على الصليب ليُخلّصهم من آثامهم.
وكلّ ما عليهم فعله لينقذوا
أنفسهم هو أن يقبلوه في قلوبهم.
فظلّوا على نفس المستوى من
اللّطف معي، ولكنّهم ما زالوا
لا يهتدون!!! ولهذا قرّرت أن أقرأ
كتابهم المقدس لأريهم بأنَّ
الإسلام دينٌ مُزيَّفٌ وأنَّ
محمداً (صلى الله عليه وسلم)
إلهٌ مزيَّف. فأعطاني أحدهم
نسخةً من ترجمة القرآن الكريم
وكتاباً آخر عن الإسلام، وبدأت
دراستي. كنت على يقينٍ بأنّي
سأجد الدليل الذي أحتاجه
وبسرعةٍ كبيرة. لكنّي قرأت
القرآن الكريم والكتاب الآخر،
ومن ثمّ قرأت خمسة عشر كتاباً
أخرى، كان من بينها صحيح مسلم،
ثم عدت إلى القرآن الكريم. فقد
كنت مُصمِّمةً على هدايتهم!
وهكذا استمرت دراستي للإسلام
سنةً ونصف. خلال ذلك الوقت، بدأت
تظهر بعض المشكلات بيني وبين
زوجي. فقد كنت أتغيَّر، ومع أنّ
هذا التغيُّر كان في بعض الأمور
فقط إلا أنها كانت كافيةً
لإزعاجه. فلم أعد أريد الذهاب
إلى الخمَّارات والحفلات التي
اعتدنا الذهاب إليها كلّ جمعةٍ
وسبت. وأصبحت أكثر هدوءاً وأكثر
بُعداً عنه. فوصل إلى يقينٍ بأنّ
لي علاقةً غير شرعيّة، ولذلك
قام بطردي من البيت. فانتقلت إلى
شقّةٍ أخرى مع أطفالي ومع كلّ
هذا فقد واصلت جهودي مُصمِّمة
على هداية أولئك المسلمين إلى
المسيحيَّة! وفي أحد
الأيام طُرق بابي، وحين فتحت
الباب رأيت رجلاً يلبس ثوباً
أبيضَ طويلاً للنوم وعلى رأسه
قطعة قماشٍ كاروهات حمراء
اللون، وكان يرافقه ثلاثةٌ من
الرجال في ملابس نومهم أيضاً! (لقد
كانت هذه هي المرة الأولى التي
أرى فيها عرباً في لباسهم
التقليديّ). فشعرت بأنهم
أهانوني إهانةً عظيمة. فكيف
يسمحون لأنفسهم بأن يطرقوا بابي
وهم يرتدون ملابس النوم؟! وأيّ
نوعٍ من النساء يظنني هؤلاء؟!
وتخيَّلوا صدمتي عندما قال لي
الرجل الذي يلبس الخرقة الحمراء
على رأسه بأنه يفهم رغبتي في أن
أُصبح مسلمة! فأعلمته -وبسرعةٍ-
بأنّي لا أريد أن أُصبح مسلمة.
ثم تداركت قائلة بأنِّي -وعلى
الرغم من ذلك- لديَّ بعض
الاستفسارات، إذا كان لديه
الوقت. فمنحني
الأخ عبدالعزيز الوقت الكافي،
وكان صبوراً جدَّاً في نقاشه
معي حول كلّ المسائل. ولم
يُشعرني على الإطلاق بأني
سخيفةٌ أو أن سؤالي سؤالٌ غبيٌّ.
وسألني إن كنت أُومن بأنّ هناك
إلهاً واحداً، فقلت: نعم. فسألني
إن كنت أُومن بأنّ محمداً صلى
الله عليه وسلم كان رسولاً لله
تعالى، ومرةً أخرى قلت: نعم.
فقال لي: أنت بهذا مسلمة!
فجادلته بأني مسيحيّة وأنّي فقط
أُحاول أن أفهم الإسلام. أما في
داخل نفسي فإنّي كنت أُفكّر: "أنا
لا أستطيع أن أُصبح مسلمة، فأنا
أمريكيّةٌ بيضاء! وماذا سيقول
زوجي؟! وإذا أصبحت مسلمةً فإنّي
يجب أن أُطَلّق من زوجي،
وعائلتي ستنتهي". ثم أوضح
لي لاحقاً بأنّ تحصيل المعرفة
والفهم الروحيّ ما هو إلا كصعود
السلّم: "فإذا كنتِ صاعدةً
على السلّم وحاولت أن تقفزي عدة
درجات مرة واحدة فإن هناك خطورة
السقوط. فالشهادتان ما هما إلا
الدرجة الأولى على السلم، وهناك
أمورٌ كثيرةٌ يجب أن نتحدث عنها".
وفي وقتٍ لاحقٍ من مساء ذلك
اليوم -الحادي والعشرين من آذار
لسنة 1977م وعند صلاة العصر- أعلنت
إسلامي. ولكن بما أنّه كانت هناك
أمورٌ لم أكن قد تقبَّلتها بعد،
وحيث إنّ الصِّدق كان من طبعي
دائماً، فقد قمت بإضافة بعض
الكلمات إلى الشهادتين فكانت
كالتالي: "أشهد أن لا إله إلا
الله وأشهد أنّ محمداً رسول
الله" وأضفت: "ولكنِّي لن
أُغطّي شعري أبداً، وإذا أخذ
زوجي زوجةً أُخرى غيري فإني سوف
أقوم بـ...". فسمعت همهماتٍ من
بعض الرجال، ولكنَّ عبد العزيز
أسكتهم. وعلمت فيما بعد أنّه
أخبرهم ألا يناقشوا هذين
الأمرين معي مُطلقاً. لقد كان
على قناعةٍ بأنِّي سأصل وحدي
إلى الفهم الصحيح لهما. كانت
الشهادتان حقّاً هما الخطوة
الأولى على سلّم المعرفة
الروحيَّة والقُرب من الله
تعالى التي حصَّلتها مع مرور
الوقت. وواصل عبد العزيز زيارتي
والإجابة على أسئلتي. أدعو الله
تعالى أن يجزيه خير الجزاء على
صبره وتسامحه. فهو لم يُقَلّل من
قدْري، ولم يتفاعل تجاه أيِّ
تساؤلٍ كنت أطرحه على أنَّه
سؤالٌ سخيفٌ أو غبيّ، بل كان
يتعامل مع كلّ سؤالٍ بحصافة،
وكان يخبرني دائماً بأنَّ أغبى
سؤالٍ هو ذاك الذي لم يُسأل
أبداً. آه... هذا ما اعتادت جدتي
قوله أيضاً! لقد شرح لي كيف أنّ
الله تعالى حثَّنا على طلب
العلم والطُّرق التي يمكن أن
تزيدنا قُرباً منه. وعندما كان
يشرح لي أمراً ما، كان هذا
وكأنَّك تراقب زهرةً أمامك كيف
تتفتَّح ورقةً ورقةً حتى تصل
إلى ذروة الروعة في جمالها.
وعندما كنت أخبره بأنَّني لا
أُوافق على أمرٍ ما ولماذا، كان
دائماً يقول: "أنت مُحقَّةٌ
إلى حدٍّ ما"، ومن ثمّ كان
يُريني كيف أنظر في عمق المسألة
ومن جوانبها المتعدِّدة لكي أصل
إلى الفهم التام والحمد لله! تعلّمت
بمرور الأعوام على يد كثيرٍٍ من
الشيوخ. كان كلٌّ منهم
مُتميّزاً بشكل ٍ خاص، مع
اختلافهم عن بعضهم البعض. وأنا
شاكرةٌ لكلٍّ منهم على ما
قدَّموه لي من العلم والمعرفة.
فقد علَّمني كلٌّ منهم كيف
أُنمِّي إيماني وحبِّي للإسلام.
وبازدياد معرفتي كانت
التغييرات في حياتي تظهر بوضوحٍ
أكبر. ففي السنة الأولى بدأت
بوضع الحجاب. لا أدري متى بدأت
فقد جاء هذا الأمر تلقائيّاً مع
ازدياد معرفتي وفهمي للإسلام.
وحتى إنَّني أيضاً بدأت أُناصر
تعدُّد الزوجات. فقد أدركت
بأنَّ الله تعالى ما كان ليشرع
هذا الأمر إلا إذا كان نافعاً،
وتدَّبروا قول الله تعالى: (سَبِّحِ
اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى . الذي
خَلَقَ فَسَوَّى . وَالَّذِي
قَدَّرَ فَهَدَى . وَالّذِي
أَخْرَجَ الْمَرْعَى .
فَجَعَلَهُ غُثَاءً أحْوَى .
سَنُقرِئُكَ فَلا تَنْسَى . إلا
ما شَاءَ الله إنَِّهُ يَعْلَمُ
الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى .
وَنُيَسِّرُكَ لليُسْرَى) (الأعلى:
1-8). عندما
كنت في بداية دراستي للإسلام،
لم أتوقّع أن أجد شيئاً أريده أو
أحتاجه في حياتي الخاصَّة، ولم
أكن أظنُّ بأنّ الإسلام يمكن أن
يُغيِّر أسلوب حياتي. وفي ذلك
الوقت لم يكن لأحدٍ أن يُقنعني
بأنِّي سأكون في سكينةٍ وحبٍّ
غامرٍ وسعادةٍ بسبب الإسلام. إنّ هذا
الكتاب يتحدَّث عن الإله الواحد
خالق الكون. إنّه يصف الطريقة
الجميلة التي يُنظّم بها العالم.
هذا القرآن العظيم يحوي بين
دفّتيه كلَّ الإجابات، فالله
تعالى هو الودود وهو السَّلام،
وهو الحافظ، وهو الغفور، وهو
الرزَّاق، وهو المدبِّر، وهو
الكريم، وهو المجيب، وهو الولي،
وهو المُغني. والقرآن
الكريم يعالج كلّ مسائل الوجود
ويُرينا الطريق الواضح للفلاح،
إنه الخارطة التي تُبيّن لنا
طُرُقَ الفوز بمغفرة الله
تعالى، وهو (الدَّليل المرشد
للحياة) من صانع الحياة سبحانه
وتعالى. وإذا سألتموني كم غيَّر
الإسلام حياتي، فإنِّي أقول:
"كم كنَّا سنحبُّ النُّور لو
أنَّنا عشنا فترةً في الظلام".
فالإسلام لم يؤثّر في حياتي
فقط، بل غيَّرها تماماً. حياتي
العائليّة : كنت
وزوجي يُحبُّ أحدنا الآخر حبّاً
عظيماً ما زالت آثاره باقيةً
إلى الآن في قلبينا. ولكنَّ بعض
المشكلات بدأت تظهر بيننا عندما
بدأتُ دراستي للإسلام. فقد رآني
أتغيَّر ولم يُدرك ما الذي كان
يحدث لي. وحتى أنا نفسي لم أكن
أُدرك هذا أيضاً، لأنِّي عندئذٍ
لم أكن أُلاحظ كم كان سلوكي
يتغير. فما كان منه إلا أن وصل
إلى اعتقادٍ بأن لا شيء يُمكن أن
يُغَيِّرني بهذه الطريقة إلا
وجود رجلٍ آخر في حياتي. ولم تكن
لديَّ طريقةٌ لكي أشرح له ما
الذي كان يُغيِّرني لأنِّي لم
أكن أعلم. وحتى
بعد أن أدركت بأنِّي أصبحت
مسلمةًَ لم أستطع أن أثنيه عن
شكّه، فكان يقول: "ما الذي
يمكن أن يجعل المرأة تُغيِّر
شيئاً أساسيّاً في حياتها –كدينها-
إلا وجود رجلٍ آخر في حياتها!"
على كلِّ حال، لقد كان يرى أنّ
هذا هو السبب المنطقيَّ الوحيد
لما كان يحدث. ومع أنَّه لم
يستطع أبداً تقديم الدليل على
وجود هذا الرجل الآخر، إلا
أنَّه كان يُؤمن بوجوده. فانتهى
بنا الأمر إلى طلاقٍ بشع.
وقرَّرت المحكمة أن تكون
المحكمة الشرعيَّة الأرثوذكسية
هي التي تُقرِّر بخصوص حضانة
أطفالي. أعطتني
المحكمة الشرعيَّة مُهلةً من
الزمن لكي أختار بين أمرين
أحلاهما مُرّ, فإما أن أتخلّى عن
الإسلام، وبذلك يتركوني مع
أطفالي، وإمَّا أن أتنازل عن
حضانة أطفالي وأبقى على إسلامي.
كنت في حالة ذهولٍ شديدةٍ، فقد
كان الاختيار صعباً، وبدا لي
وكأنَّ كلا الخيارين مستحيل.
وكنت على يقينٍ بأنِّي إذا
تخلَّيت عن إسلامي فإنِّي
سأُربِّي أطفالي على الضَّلال.
ولم تكن هناك طريقة لأُنكر ما
كان في قلبي، فكيف لي أن أُنكر
الله تعالى؟! فلم أستطع عندئذٍ
فعل ذلك. فالتجأت إلى الصلاة لله
تعالى، ودعوته كما لم أدْعُهُ
من قبل. وبعد مرور نصف ساعةٍ
أصبحت على يقينٍ بأنَّه لا يوجد
مكانٌ آمن فيه على أطفالي أكثر
من أن يكونوا بين يدي الله تعالى.
ولو أنكرته الآن فلن تكون هناك
طريقة في المستقبل أُعلّم بها
أطفالي روعة أن تكون مع الله
تعالى. فأخبرت المحكمة بأنِّي
أستودع الله تعالى أطفالي، ولا
أعدُّ ذلك تخلّياً عنهم! وغادرت
المحكمة مُدركةً بأنّ حياتي
بدون أطفالي ستكون في غاية
الصعوبة. ومع أنّ قلبي كان
مُنفطراً إلا أنَّه كان
مطمئنّاً، فعرفت يقيناً بأنِّي
فعلت الصَّواب. ووجدت عزائي في
آية الكرسي: (اللهُ لا إلَهَ إلا
هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا
تأْخُذُهُ سِنَةٌ ولا نَوْمٌ
لَهُ مَا في السَّمَاوَاتِ ومَا
في الأرْضِ مَنْ ذا الذِي
يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلا بإذنهِ
يَعْلَم مَا بَيْنَ أيْديهِمْ
وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا
يُحيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ
عِلْمِهِ إلا بِمَا شَاءَ
وَسِعَ كُرْسِيُّهُ
السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ وَلا
يَؤودُهُ حفْظُهُمَا وَهُوَ
الْعَليُّ الْعظِيمُ) (البقرة:255).
ودفعتني هذه الآية أيضاً لأبدأ
بالبحث في معاني أسماء الله
تعالى الحسنى لأكتشف الجمال في
كلٍّ منها. ولم تكن
حضانة أطفالي والطلاق هما
الابتلاءين الوحيدين حينئذٍ،
فبقيّة أفراد عائلتي لم
يتقبَّلوا اعتناقي الإسلام،
ورفض معظمهم أن يكون لهمُّ أيّ
علاقةٍ بي. فكانت أمي تؤمن بأنّ
الأمر لا يعدو كونه مرحلةً فقط
أمرُّ بها وسوف تذهب في طريقها.
أمَّا أختي -المتخصصة في علم
النفس- فكانت على يقينٍ بأنِّي -وببساطةٍ
شديدةٍ- فقدت عقلي ويجب أن أدخل
المشفى للعلاج. وكان أبي يعتقد
بأنِّي يجب أن أُقتل قبل أن
أنغمس إلى أعماقٍ سحيقةٍ في
جهنم. ففي وقتٍ قصيرٍ وجدت نفسي
بلا زوج وبلا عائلة... فماذا
سيكون بعد؟! الأصدقاء
: معظم
أصدقائي تخلّوا عنِّي في السنة
الأولى من إسلامي. فلم أَعُدْ في
نظرهم مُسلِّيةً على الإطلاق.
فأنا لا أرافقهم إلى الخمَّارات
والحفلات، ولم أكن مهتمّةً
بإيجاد صاحب لي؛ بل كان كلُّ ما
أفعله هو قراءة ذلك الكتاب (القرآن)
والحديث عن الإسلام... فما هذا
الملل؟! ولم يكن لديَّ المعرفة
الكافية لكي أساعدهم على فهم
الإسلام ولأُبيّن لهم كم هو
جميل. الوظيفة
: ثم كانت
وظيفتي هي التالية في الذهاب.
ففي حين كنت أفوز بكلّ جائزةٍ في
مجال عملي وكانوا يعترفون
بخبرتي كمُبتكرةٍ لأساليب كسب
المال، إلا أنَّ هذا لم يمنع من
أن يكون أول يومٍ وضعت فيه حجابي
هو آخر يومٍ في وظيفتي. فأصبحت
حينئذٍ بلا عائلةٍ، أو أصدقاء،
أو عمل. المكافأة
من الله تعالى على النجاح في
الابتلاء : كانت
جدَّتي هي شعاع النُّور الأوَّل
بعد إسلامي، فلم تُثنِ على
قراري فقط بل وانضمَّت إليّ
مُعْتنقةً الإسلام مثلي... فيا
للمفاجأة! أنا كنت أعرف دائماً
أنّها تمتلك الكثير من الحكمة...
ولكن إلى هذا الحد؟! وتُوفِّيت
بعد اعتناقها الإسلام بساعاتٍ
قليلة، رحمها الله تعالى.
وعندما أتوقّف لأتأمَّل في ذلك
أشعر بأنِّي أغبطها كثيراً. ففي
اليوم الذي أعلنت فيه إسلامها،
ومُحيَتْ فيه كلُّ آثامها
وبُدِّلتْ حسنات، يتوفاها الله
تعالى لتكون كفّة حسناتها في
الميزان ثقيلةً جدّاً، مما
يملأني بسعادةٍ غامرة. ومع
مرور الوقت وازدياد معرفتي
بالإسلام كنت أكثر استعداداً
للإجابة على أيّ تساؤلات،
فتغيَّرت أمورٌ كثيرةٌ في
حياتي، ولكنَّ الأثر الأعظم كان
للتغييرات التي حصلت في
شخصيِّتي. وبعد
بضع سنوات من إعلاني الإسلام،
هاتَفَتْني أمي وقالت بأنّها لا
تعرف ما هو هذا (الشيء) الذي
يُسمَّى (الإسلام)، ولكنّها
تأمل في أن أبقى مؤمنةً به، فقد
كان يُعجبها ما كان يصنعه
الإسلام في حياتي. ثم اتَّصلت بي
بعد ذلك بعامين وسألتني: "ماذا
يجب على الإنسان أن يفعل ليصبح
مسلماً؟" فقلت لها بأنّ كلّ
ما عليها أن تفعله هو "شهادة
أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً
رسول الله". فقالت: "إنّ كلّ
أحمقٍ يعرف هذا! ولكن ما هي
الإجراءات التي يجب عليَّ
القيام بها؟!" فأعدت عليها ما
قلت، فقالت: "حسناً، ولكن لا
تُخبري أباك الآن". ولكنها لم
تكن تعلم بأنّ أبي كان قد سبقها
بالحديث مع عن هذا الموضوع.
فوالدي -الذي كان يظنُّ بأنَّه
من الواجب قتلي قبل أن أتعمَّق
في جهنم- كان قد دخل الإسلام قبل
ذلك بشهرين. ومن ثم أخبرتني أختي
-الخبيرة في الصِّحة النفسيّة-
بأنِّي الشخصيَّة الأكثر
تحرُّراً من بين من تعرفهم...
وإنه لإطراء عظيمٌ حين يصدر ممن
هم مثلها! وبدل أن
أُحدثكم بتفاصيل دخول كلٍّ منهم
الإسلام، دعوني أخبركم ببساطة
بأنِّ معظم أفراد عائلتي
يواصلون دخول الإسلام كل سنة.
وقد كنت في غاية السعادة حين
أخبرني أخٌ عزيزٌ من المركز
الإسلاميِّ بأنَّ زوجي السابق
دخل الإسلام. وقال لي بأنَّه
سأله لماذا يريد اعتناق
الإسلام؟ فأجاب: "ذلك لأنّي -ولستَّة
عشر عاماً- كنت أُراقب حياة
زوجتي كمسلمة، وأنا الآن أريد
أن تكون ابنتي مثلها". ثم
زارني بعد ذلك وطلب مني أن
أُسامحه على كلِّ ما فعله لي.
ولكنِّي كنت قد سامحته منذ وقتٍ
طويل. وفي
الوقت الذي كنت أكتب فيه هذه
السطور، هاتفني ابني البكر –ويتني-
ليقول لي بأنَّه سيدخل في
الإسلام، وقد خطّط لإعلان
إسلامه في المركز الإسلاميّ بعد
أسبوعين، وهو الآن يقرأ عن
الإسلام قدر ما يستطيع من أجل
ذلك... إنّ الله هو الرحمن الرحيم. بمرور
السنين، اشتهرت بحديثي عن
الإسلام. والكثير من الذين
حضروا للاستماع إليّ دخلوا
الإسلام والحمد لله. وازدادت
سكينتي الداخليَّة مع ازدياد
معرفتي وثقتي بحكمة الله سبحانه
وتعالى. فقد عرفت بأنّ الله
تعالى ليس فقط خالقي، بل هو
أيضاً أعزّ (أصدقائي) ولذلك فأنا
على يقينٍ بأنَّه تعالى سيكون
دائماً إلى جانبي، وأنَّه لن
يتخلّى عني أبداً. فكلّ خطوةٍ
أخطوها تجاهه سبحانه وتعالى
يخطو مقابلها تجاهي عشراً؛ وكم
هو جميلٌ أن ندرك هذا. حقيقة
أنّ الله تعالى اختبرني -كما وعد
بأن يختبر المؤمنين- ولكنّه
أنعم عليّ أكثر مما كان بإمكاني
أن آمل. فقبل بضع سنوات أخبرني
الأطباء بأنّ لديَّ سرطاناً
مُنتشراً. وأوضحوا لي بأنَّه لا
يمكن علاجه حيث كان قد تطوَّر
لدرجةٍ كبيرة، وعملوا على
تهيئتي للموت بإيضاحهم لي مراحل
تطوُّر المرض، وأخبروني أنَّه
ربما بقي لي سنةً من العمر. كنت
قلقةً من أجل أطفالي -وخاصة
الأصغر عمراً – فمن ذا الذي
سيعتني بهم؟ ومع هذا فلم أقنط من
رحمة الله تعالى، وفي النهاية
فكلُّنا صائرٌ إلى الموت. وكنت
مُتيقِّنةً في قلبي بأنّ الألم
الذي كنت أُعانيه يحوي الكثير
من البركة. وأذكر
وفاة أحد الأصدقاء -وهو كريم
الميساوي الذي مات بالسرطان حين
كان في العشرينات من عمره- وفي
سكرات الموت الأخيرة كان يبدو
عليه الحزن والألم بطريقةٍ لا
تُصدَّق، ولكنَّه كان يُشعُّ
بحبِّ الله تعالى، وقال لي: "إنّ
الله تعالى حقّاً رحيم؛ فهو
سبحانه وتعالى يريد لي أن أدخل
الجنَّة بكتابٍ نظيف".
فعلّمني بموته حبّ الله تعالى
لعباده ورأفته بهم، وأعطاني
بذلك شيئاً للتأمُّل، فهذا
يُعتبر من الأمور التي يَندُر
أن يناقشها الناس! ولم
أنتظر طويلاً لأرى النِّعم التي
كانت تحلُّ عليَّ من الله تعالى.
فالأصدقاء الذين يحبونني كانوا
يظهرون من حيث لا أدري. ثمّ أنعم
الله تعالى عليَّ بتأدية فريضة
الحج. وتعلّمت مدى أهميّة أن
نشارك الآخرين حقيقة الإسلام.
ولم أكن أهتمُّ إذا كان الناس
الذين أتحدَّث إليهم من
المسلمين أو من غيرهم، أو إذا
كانوا يتفقون معي أم يختلفون،
أو إذا كانوا يحبونني أم
يكرهونني؛ فقد كانت الموافقة
التي أنشُدُها هي موافقة الله
تعالى، وكان الحبُّ الوحيد الذي
أحتاجه هو حبُّ الله تعالى.
ولكنِّي مع هذا اكتشفت بأنّ
الناس كانوا يحبونني أكثر وأكثر
دون سببٍ واضح. فتذكرت ما قرأته
بأنّ الله تعالى إذا أحبَّ
عبداً فإنَّه يُلقي له القَبول
في الأرض. فأنا لا أستحق كلّ هذا
الحب، ولكن لا بدَّ وأنّ هذه
نعمةٌ أخرى من نِعَمِ الله
تعالى... الله أكبر! لا توجد
الكلمات التي تستطيع أن تُعبِّر
عن مدى تغيُّر حياتي بالإسلام،
فأنا سعيدةٌ جدّاً بكوني مسلمة.
فالإسلام هو حياتي. والإسلام هو
نبض قلبي. والإسلام هو الدَّم
الذي يجري في عروقي. والإسلام هو
قوّتي. والإسلام هو الذي جعل
حياتي في غاية الرَّوعة والجمال.
فأنا بدون الإسلام لا أساوي
شيئاً، فلو حصل -لا قدَّر الله-
وتخلّى الله عني لما استطعت
البقاء. "اللهُمَّ
اجْعَلْ في قَلْبِي نُوراً
وَفيِ بَصَرِي نُوراً وَفي
سَمْعي نُوراً وَعَنْ يَميِنِي
نُوراً وَعَنْ يَسَارِي نُوراً
وَفَوْقِي نوراً وَتَحْتِي
نُوراً وَأمَامي نُوراً
وَخَلْفي نُوراً وَاجْعَلْ لي
نُوراً". (صحيح البخاري). "رَبِّ
اغْفِر لي خَطيئتَي وَجَهْلي
وَإسْرَافي في أمْري كُلّه،
وَمَا أنْتَ أعْلَمُ بِهِ
مِنِّي. اللهُمَّ اغفر لي
خَطَايَايَ وَعَمْدي وَجَهْلي
وَهَزْلِي، وَكُلُّ ذَلِكَ
عِنْدِي. اللهُمَّ اغْفْر لي
مَا قَدَّمْتُ وَمَا أخَّرْتُ
وَمَا أسْرَرْتُ وَمَا
أَعْلَنْتُ. أنتَ المُقَدِّمُ
وَأنْتَ المُؤَخِّرُ وَأَنْتَ
علَى كُلّ شَيءٍ قديِر". (صحيح
البخاري). أختكم
في الله .
أمينة أسيلمي
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |