ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
نقدم
هذا الكتاب للأهمية وربما يجد
من يقرؤه وسنقدم فصولا عنه نظن
أنها قابلة للإسقاط بعد عشر
سنين وسقوط بعض النبوءات ... مركز
الشرق العربي كتاب
(1999 نصر بلا حرب) المقدمة: للمشير محمد عبد
الحليم أبو غزالة هذا
كتاب جدير بالقراءة الجادة
والمتعمقة، ومن المفيد للغاية
أن يطلع عليه الذين يصنعون
سياسة بلادهم، والذين يصيغون
العلاقات الإقليمية والدولة،
والذين يهتمون بأمور الأمن
القومي والاستراتيجية الشاملة،
وأهمية هذا الكتاب تجيء من
أربعة عوامل: العامل
الأول: شخصية
الكاتب.. وهو الرئيس الأمريكي
السابق ريتشارد نيكسون، ومن
المعروف أنه أحد رؤساء الولايات
المتحدة الذين تميزوا في إدارة
العلاقات الدولية، وأن له بصيرة
أمريكية ودولية خاصة، فهو الذي
فتح قناة الاتصال بين الصين
الشعبية والغرب بكل ما يحمله
هذا الاتصال من آثار
جيوبوليتيكية وسياسية داخلية،
وهو الذي أنهى التورط الأمريكي
في فيتنام بشجاعة القرار
وبمرارة التجربة، وهو أحد مؤسسي
خط الوفاق الأمريكي السوفييتي ـ
الذي فتح أبواب تغيير العلاقات
الدولية على مصراعيها، كما كان
له تأثير بالغ على النظام
الاقتصادي العالمي. العامل
الثاني: هو
توقيت الكتاب.. فالعالم اليوم
يشهد مرحلة جديدة في صياغة
العلاقات الأمريكية
السوفييتية، وهي مرحلة لم تتضح
كل أبعادها بعد، ولكن التاريخ
علمنا أن مراحل اختلاف أو اتفاق
القوى الكبرى هي مراحل مؤثرة
على خريطة العالم كله.. ومن هنا
فهي مرحلة لا يمكن لأحد أن
يتجاهلها أو ينتظر نتائجها
النهائية أو يقف مسلوب الإرادة
أمامها.. وفي مثل هذه المراحل
كما نشاهد اليوم ـ تختلف
التفسيرات حول أهداف التقارب
ووسائله ودوافعه ما بين مساند
لما يحدث، وما بين محذر ورافض.
ومن هنا فعندما تجيء خبرة علمية
وعملية في مثل رئيس سابق
للولايات المتحدة لتطرح تصورها
عن هذه العلاقة في هذا التوقيت،
فذلك أمر جدير بكل اهتمام. العامل
الثالث: هو
طبيعة النظام السياسي
والاجتماعي القادم منه صاحب
الكتاب، وهو النظام الأمريكي..
وهو وإن كان نظاماً مبنياً على
اختيار الكفاءات، فهو نظام لا
يتجاهل الخبرة على الإطلاق بل
ويستدعي هذه الخبرة ـ أيا كان
موقعها ـ كلما لزم الأمر أو
تفجرت مشكلة أو أزمة، أو استدعت
الظروف وضع سياسات جديدة. ومن
هنا فعلينا ألا نتجاهل ما يقوله
المسؤولون السابقون في
الولايات المتحدة الأمريكية،
فهم سابقون بحكم عنوان الوظيفة،
ولكنهم مسؤولون ومؤثرون دائماً
بحكم ما لديهم من الخبرة. والعامل
الرابع والأخير: هو
مضمون هذا الكتاب.. إن ما يميز
هذا الكتاب هو أنه يتجه إلى
المستقبل من وجهة النظر
الأمريكية الخبيرة. مستقبل
السنوات القليلة المتبقية حتى
عام 2000
ثم التوجه إلى القرن الحادي
والعشرين. تلك هي مسؤوليتنا
جميعاً. أن نفكر في المستقبل
بجرأة وبخيال حتى نمهد الأرض
لأولادنا وأحفادنا، لنصنع لهم
عالماً أفضل وأكرم وأكثر أمناً
وتحرراً. ومن
الطبيعي أن نتفق ونختلف مع ما في
هذا الكتاب، ولكن ليس من
الطبيعي أن نتجاهل أننا جميعاً
نتعامل مع الولايات المتحدة
بدرجات مختلفة، وسنظل نتعامل
معها. ومن المهم أن نتعرف على
أفكار خبرائها ومسؤوليها، خاصة
وإن كان حديثهم عن مستقبل
العالم. وكتاب
(1999 نصر بلا حرب) ليس استشرافاً
لمستقبل العلاقات الدولة ودور
الولايات المتحدة فيه فقط،
ولكنه مليء بما يمكن أن نطلق
عليه: (علامات إرشاد رئيسية) لكل
المتعاملين مع الولايات
المتحدة، علامات إرشاد قد نقتنع
ببعضها، وقد نتناقض مع بعضها
الآخر، ولكننا لا نستطيع أن
نغمض العيون عنها فسوف تصطدم
بها مسيراتنا جميعاً. والذكاء
القومي هو أن نتفهمها جيداً،
ونطوعها على نحو يحملنا إلى بر
الأمان الوطني والقومي. إن
هذا الكتاب يشير
إلى أن الولايات المتحدة
الأمريكية والاتحاد السوفييتي
سيظلان على قمة العالم حتى سنة
2000، وتلك فترة زمنية لا تحسب في
عمر الدول فهي لا تتعدي اثني عشر
عاماً. ولكن الكاتب يقرر أن
الشعوب الحية لا تشبع من
النجاح، وأن جماهيرها
وتنظيماتها لديها طاقة
متحفزة للانطلاق، وأن الإشباع
الحقيقي للأمم العظيمة لا ينبع
من التغني بإنجازات الماضي،
وإنما يتحقق بالشروع في تغيير
المستقبل، وهذا ما تفعله الآن
الشعوب في الصين الشعبية
واليابان وتحاوله شعوب أوروبا
الغربية. ومن هنا فالقمة في
القرن الحادي والعشرين سوف تتسع
لتشمل، مع الولايات المتحدة
والاتحاد السوفييتي، اليابان
العملاق رغم أنفه ـ كما يقول
المؤلف ـ والصين الشعبية
العملاق الذي يستيقظ، وأوروبا
الغربية إذا ما نجحت في خلق
صياغة جديدة لقدراتها ودورها. هذا
التغيير، ودخول أطراف جديدة إلى
(نادي القمة) يدعو أمريكا إلى
مزيد من اليقظة في مجالات محددة
حتى تظل على (قمة نادي القمة). ·
الكاتب
ينادي أمريكا أن تتفادى خطر
الخمول والرضا بما أنجزته. ·
وهو يطالب
أمريكا ألا تفقد الإحساس بالهدف
والاتجاه. ·
وهو
يحذر من أن الولايات المتحدة
ليس لديها وقت تضيعه وعليها أن
تركز فوراً على التخطيط لفوزها
في القرن الحادي والعشرين. ·
وهو
يدعو أمريكا لأن تمسك المستقبل
بأيديها عن طريق التعاون الوثيق
مع القمم الصاعدة: اليابان
والصين الشعبية وأوروبا
الغربية، وألا تترك هذا للاتحاد
السوفييتي. وإنه إذا كان
السوفييت قادرين على طرح أفكار
وايديولوجيات تغير العالم
مادياً، فإن الولايات المتحدة
عليها دور هام في المستقبل، وهي
قادرة عليه من وجهة نظر الكاتب،
وهو طرح وتبني ومساندة أفكار
وعقائد تغير العالم سياسياً،
ومن هنا فعلينا نحن قراء هذا
الكتاب أن نتوقع للولايات
المتحدة دوراً جديداً متصاعداً
في إطار التعامل مع البعد
الروحي للبشرية. وعلينا أن نفكر..
أين نحن من هذا العالم؟! إن
الكتاب وهو يتحدث عن أمريكا
الجديدة لم يتحدث فقط عن تغيير (نادي
القمة) ولكنه اقترب أيضاً من
تغيير العصر، وأشار إلى آفاق
التقدم العلمي المذهل والذي
سنعيشه في القرن الحادي
والعشرين، الذي سيتيح للبشر
فرصة أفضل لحل مشاكل الحياة. ولم
يركز الكتاب كثيراً على ما
سيخلقه هذا التطور العلمي
المذهل من مشاكل اقتصادية
واجتماعية بل ودينية، فالكتاب
يتحدث عن تكنولوجيا الوقود
الصناعي وكيف ستؤدي إلى تخمة
بترولية. وتلك إشارة هامة لكل
منتجي ومستهلكي البترول في عالم
اليوم. كما يشير إلى ظهور صناعات
جديدة تحدث ثورة في حياة
الإنسان، وتطرح أمامنا دور
الذكاء الصناعي والإنسان الآلي
في مواجهة الذكاء الطبيعي
والإنسان العادي، كما سيقدم لنا
التطور العلمي سلالات محاصيل
جديدة وأعضاء صناعية جديدة
للجسم البشري. تلك أمور ستحل
مشاكل وستخلق مشاكل، وستزيد من
روح التنافس في النظام
الاقتصادي العالمي، وستخلق
تهديدات جديدة للرافضين لهذا
التطور العلمي، وسيكون أمام
العالم مهمة قهر الاتجاهات
المناهضة للتكنولوجيا في الأرض
والبحر والجو.. والبعد الجديد:
الفضاء. ومن
هنا وحتى سنة 2000 ـ حيث يتبوأ قمة
العالم الاتحاد السوفييتي
والولايات المتحدة ـ يحذر
الرئيس الأمريكي السابق نيكسون
من واقع خبرته وتجربته من أي
تفسيرات غربية خاطئة لما يحدث
اليوم في الاتحاد السوفييتي في
إطار إعادة البناء (بريسترويكا)
وسياسة المصارحة والعلانية (جلاسنوست)
اللتان يرفع شعارهما الزعيم
السوفييتي غورباتشوف. إن نيكسون
يرى ويقرر بوضوح أنه لا يمكن أن
يقوم السلام بين الولايات
المتحدة والاتحاد السوفييتي
على أساس الصداقة المتبادلة لأن
قيم وأهداف القوتين العظميين
تختلف كلية عن بعضها البعض،
ولكن العلاقة يمكن أن تقوم فقط
على أساس الاحترام المتبادل
لقوة كل منهما ومصالحهما
الشرعية. وقد بنى الرئيس
الأمريكي السابق هذه الخلاصة
على افتراض إمكانية أن يكون
الشعب السوفييتي والشعب
الأمريكي أصدقاء مع عدم إمكانية
أن تكون الحكومة السوفييتية
والحكومة الأمريكية أصدقاء
نتيجة للاختلافات العميقة،
وهذا درس لنا نحن القراء!! إن
تصور الكاتب لكل التغيرات التي
تحدث في الاتحاد السوفييتي ـ
والتي فسرها البعض بأنها اتجاه
إلى النمط الغربي الناجح
ديمقراطياً واقتصادياً
واجتماعياً ـ هو أنها كلها
تغيرات تهدف إلى تحقيق تطبيق
أفضل للشيوعية. فالديمقراطية
التي ينادي بها غورباتشوف ليست
هي ما يعنيه الغرب، فهو يؤمن
بعدم وجود ديمقراطية خارج الحزب
الشيوعي. والدعوة للإصلاح
الاقتصادي وإعادة البناء لم تتم
بدافع تغيير النمط الاقتصادي
السوفييتي، ولكن بهدف البحث عن
حلول جديدة للمشاكل السوفييتية
في إطار المقومات الأساسية
للنظام الشيوعي، والمستهدف في
النهاية هو تقدم الحزب الشيوعي.
ومن هنا فإن الكاتب يشير إلى أن
أمريكا سيفرض عليها التعامل مع
اتحاد سوفييتي شيوعي.. أقوى
وأفضل! وبالمثل
يشير الكاتب إلى أنه من الخطأ
التسليم بفكرة اعتدال السياسة
الخارجية لغورباتشوف بالرغم
مما يعلنه. فليس هناك دلالات
مستمرة على أنه في ظل حكم
غورباتشوف سوف يعدل الاتحاد
السوفييتي من سياساته. فالهدف
البعيد هو تقدم الحزب الشيوعي،
وإذا نجحت إصلاحات غورباتشوف
الداخلية وسياسته الخارجية فإن
ذلك سوف يزيد من قوة
الامبراطورية السوفييتية
الشيوعية!! وفي
الإحدى عشرة سنة قبل سنة 1999
ستتعامل الولايات المتحدة على
مستوى نادي القمة مع اتحاد
سوفييتي أقوى شيوعياً، وأكثر
التزاماً بنظامه وأهدافه
المعلنة في أن يجعل العالم كله
شيوعياً. ومن ثم فعلى الولايات
المتحدة خلال هذه الفترة أن
تتبع سياسات تهدف إلى تحقيق
ثلاثة أشياء ضرورية: ·
تجنب نشوب
الحرب النووية. ·
تجنب
هزيمة الولايات المتحدة بدون
حرب في صراعها مع الاتحاد
السوفييتي، فحتى إذا كان
غورباتشوف لا يريد الحرب إلا
أنه يريد الانتصار. ·
دخول
الولايات المتحدة في اتفاقات
تفاهم وسلام مع الاتحاد
السوفييتي، على أن تكون
الولايات المتحدة مدركة أن
التنافس بين القوتين سيتركز في
المقام الأول على دول العالم
الثالث، ولسنا في حاجة إلى
إشارة أوضح من ذلك، ونحن نقيم
اتجاهات التفاهم والخلاف بين
القوتين خلال الاثنتي عشرة سنة
القادمة. والخلاصة
التي وصل إليها الكاتب هي أن
الاختلافات بين أمريكا
والاتحاد السوفييتي لا تندرج
تحت بند سوء التفاهم الذي
تعالجه مواقف وإجراءات
تكتيكية، وإنما هي اختلافات
جذرية وأساسية في العقائد
والمصالح والنوايا مما سيجعل هذ
الصراع بين النظامين مستمراً.
ومن هنا انتقل الكاتب إلى مرحلة
أكثر تحديداً حين تناول السؤال:
(ما الذي نفعله إذن؟) ووضع
إجابته لهذا السؤال مستندة إلى
ركائز ثلاث هي: ·
الردع ·
المنافسة ·
التفاوض واعتبر
الكاتب أن هذه العناصر الثلاثة
متكافئة الأهمية في إدارة
العلاقات الأمريكية السوفييتية
خلال المرحلة القادمة وحتى عام
2000. وعندما
تناول الكاتب موضوع الحوار
الأمريكي مع الاتحاد السوفييتي
لم يعارض الدعوة المطروحة حول
التفاوض مع السوفييت، ولكنه
اشترط في هذا الصدد أن تبنى
الدعوة إلى التفاوض مع السوفييت
على التنسيق بين الردع
والمنافسة والتفاوض. ولعل
أهم فصول هذا الكتاب ـ من وجهة
نظر قراء العالم الثالث ـ هو ذلك
الفصل الذي تحدث فيه بإسهاب حول
كيفية التفاوض مع الاتحاد
السوفييتي. والأهمية هنا لا
ترجع فقط إلى أننا بقراءته
سنقترب أكثر من فهم العقلية
التفاوضية الأمريكية، ولكن
أيضاً لأن ما طرحه الكاتب يمكن
أن يكون مرشداً للكثيرين منا
عندما نتفاوض نحن من أجل تحقيق
مصالحنا مع الأطراف الخارجية. إن
أول مرشد هنا يقدمه الكاتب
لعملية التفاوض هو: ضرورة تحديد
المسائل القابلة للتفاوض،
باعتبار أن تصادم المصالح أمر
ليس قابلاً للحل، والتفاوض
حولها يكون لكبح الجماح وليس
الحل. أما المسائل التي تكون
فيها المصالح متحركة في اتجاهات
متوازية ـ وليس بالضرورة
متقابلة ـ فيكون التفاوض حولها
أمراً واجباً. ويوضح
الكاتب أن المفاوضات هي: فن
المناورة السياسية على أعلى
المستويات، وفيها تعتمد مقدرة
المفاوض على إدماج جميع
الإمكانيات العسكرية
والاقتصادية والدبلوماسية
والدعائية، بل وقدرات العمل
السري مع بعضها البعض في سياسة
تفاوضية تخدم الاستراتيجية
الشاملة للتفاوض. وأكد الكاتب
أنه من غير المفيد أن يضع
المفاوض استراتيجية بارعة بدون
تكتيكات ماهرة والعكس أيضاً
صحيح. ويشكو
الكاتب من أن معظم كوارث
السياسة الخارجية الأمريكية في
القرن العشرين قد حدثت لضحالة
المعلومات الشاملة التي تتوافر
للرئيس الأمريكي عن الموقف، أو
لعدم إبلاغه بالمعلومات
الشاملة الكافية. كما يشير
الكاتب إلى غياب الإدماج الشامل
للامكانيات لدى المتخصصين في
السياسة الخارجية والتفاوض إلى
الحد الذي يدعو فيه إلى عقد
دورات لكبار المسؤولين فيما
أطلق عليه (المهارة والحنكة
السياسية). ويستطرد
الكاتب في توضيح وجهة نظره في
مفهوم التفاوض الذي يجب أن يبنى
على أساس من الرد على أسئلة
ثلاثة هي: ·
ما الذي
نريده؟ ·
ما الذي
يمكن التنازل عنه في مقابل
الحصول على ما نريد؟ ·
ما الذي يجب
عمله لممارسة ضغط سياسي لعقد
الصفقة التي نريدها مقابل الثمن
الذي نرغب في دفعه؟ إن
الإجابة على هذه الأسئلة
الثلاثة ستحدد أساس التفاوض
والذي يجب أن يكون: أن نقدم
عرضاً لا يرغب الطرف الآخر في
قبوله، ولكنه في نفس الوقت يشعر
أنه لا يمكن رفضه. ذلك
درس للجميع في منطقة التفاوض
عندما يكونون طرفاً في صراع
ومنافسة وردع، وهو يقودنا إلى
المزيد من التعرف على المفهوم
الأمريكي في هذا المجال ـ فهو
مدرسة لكثير من الدول والساسة.
هذا المفهوم يوضحه الكاتب في: ·
أن
الدبلوماسية الحقيقية مجالها
بعيد عن المايكروفونات وآلات
التصوير. ·
أن ما يتم
خارج جلسات التفاوض يعادل في
أهميته ما يتم داخلها. ·
أن
نجاح التفاوض يستند على الربط
بين قضية التفاوض وقضية أخرى
مطلوب حلها. ولعل ذلك يفسر دهشة
الغرب من قرار الرئيس الراحل
السادات بإخراج الخبراء
السوفييت من مصر بدون أن يربط
هذا بثمن يحصل عليه من الولايات
المتحدة الأمريكية والغرب
عموماً! وعندما
يترك المؤلف سياسة ومنطق ومفهوم
المفاوضات إلى الأسلوب العملي
للتفاوض أو تكتيكات التفاوض كما
يسميها، فإنه يورد الأسس
التالية: ·
على
المفاوض أن يستخدم أسلوب تطويق
الآخر. ·
أن يخطط
دائماً للربط بين قضية وأخرى. ·
أن يعرف أن
القوة والتأثير الاقتصادي ورقة
تفاوض رابحة في عصرنا الحالي. ·
أن
يصر المفاوض على المساومة
والاستمرار في المساومة،
فالمصالح في التفاوض تجيء فوق
وقبل الرغبات. ·
أن يستخدم
المفاوض تكتيك الغموض. ·
أن
يكون الأسلوب هو التحدث بلين
والتصرف بخشونة، بعكس ما يفعل
الكثيرون الذين يتحدثون بخشونة
ويتصرفون بلين!! ولذلك
يخلص الرئيس الأمريكي السابق
إلى توصية للناخب الأمريكي الذي
سيختار زعماءه خلال الحقبة
المتبقية من القرن العشرين حين
يقول: عندما نختار زعماءنا
علينا أن نتذكر أنهم ليسوا
مرشحين لاجتياز اختبار
القديسين، ومن المهم أن يكونوا
حسني السمعة والشخصية، ولكن
الأهم أن يتميزوا بالقوة
والذكاء. وينتقل
الكاتب بعد ذلك إلى حيث بداية
القرن الحادي والعشرين حيث
تتغير قمة العالم، فلا تحتضن
فقط الاتحاد السوفييت
والولايات المتحدة الأمريكية،
بل ويتربع عليها أيضاً ـ معهما ـ
العملاق المفتت أوروبا،
والعملاق رغم أنفه اليابان،
والعملاق الذي يستيقظ الصين
الشعبية. وما سيخلفه التعاون
التنافس في ساحة قتال القرن
الحادي والعشرين.. ساحة العالم
الثالث!!! وهنا أسأل: أين نحن من
هذا العالم؟! إن
الرئيس الأمريكي السابق نيكسون
حين اقترب من استشراف بداية
القرن الحادي والعشرين قدم لنا
صورة جديدة لخريطة العالم
السياسية. وإن صدقت سوف تخلق
تياراً متدفقاً من أحداث جديدة
وأوضاع مستحدثة علينا ألا نغمض
عيوننا عنها منذ الآن. الكاتب
يقول: إن اليابان عملاق قوي،
وسوف يزداد قوة ليشارك قوة
العالم، وينضم إلى نادى القوى
العظمى. فاليابان تعيش مرحلة من
التقدم الثابت المستمر الذي
ينقلها كل يوم إلى مرتبة أعلى من
القوة العالمية. والجدير
بالذكر هنا ـ والذي يجب أن نتعمق
في تحليله سواء اتفقنا معه أو
اختلفنا ـ أن الكاتب حيث يتحدث
عن المعجزة اليابانية، يضع لها
إطاراً عاماً يستند إلى: ·
أن المعجزة
حدثت نتيجة للمزج الناجح بين
العمل الاقتصادي والتطور
الديمقراطي. ·
أن
أبرز إنجاز لليابان في سبيل
تحقيق المعجزة هو خلق القوة
الاقتصادية، أما الذي أكمل
المعادلة (وهو أكبر إنجاز
للولايات المتحدة الأمريكية
ساهم في صنع المعجزة) فهو أن
أمريكا أوجدت اليابان
الديمقراطية. ·
أن
المعجزة حدثت بالمشاركة
اليابانية الأمريكية؛ لأن
الأمريكيين واليابانيين تفوقا
على غيرهما من الخصوم في
التاريخ الحديث، في أنهما نجحا
في التغلب على خلافاتهما وتعلما
أن يعملا سوياً لتحقيق المصلحة
المشتركة. والمؤلف
هنا يطرح علينا مفهوماً يعاني
منه الكثيرون، وهو أن الغرب
يتسم بالبطء في الإدراك، وهذا
حدث مع تقييم الغرب لما وقع في
اليابان. ويضيف المؤلف أن هذا
البطء في الإدراك تعقبه الشكاوى
الأمريكية والدعوة إلى العقاب
إذا ما أدى هذا الإدراك البطيء
إلى بروز الخلافات بين الولايات
المتحدة والأطراف الأخرى حول
سياسات تحقيق المصالح القومية.
لذا فهو يتنبأ هنا بأن اليابان
ستصعد على القمة وينادي: ·
بأن لا عقاب
اليابان. ·
بأن أهم
عنصرين في العلاقة بين أمريكا
واليابان ـ القوية ـ هما الثقة
والاحترام. ·
بأنه على
اليابان أن تدرك أن الانفتاح
ليس بالأسواق فقط، وإنما
بالعقول أيضاً ـ وهذا هو الأهم. إن
المطلب الجديد الذي يطرحه
الكاتب لتصبح اليابان قوة عظمى
على القمة الدولة مع الولايات
المتحدة وليس ضدها، يستند إلى
تحقيق المزيد من الانفتاح
العقلي الياباني، الأمر الذي
يستلزم أن تضع اليابان في
حسبانها، إذا ما أرادت الارتفاع
إلى مستواها المأمول وواجباتها
كقوة عالمية مؤثرة، العوامل
التالية: ·
إن
أمريكا حين اضطلعت بمسؤولية
الدفاع عن اليابان كانت تسيطر
على نصف اقتصاد العالم، وهي
اليوم لا تسيطر إلى على أكثر من
27 % من هذا الاقتصاد العالمي.
والرسالة الأمريكية إلى
اليابان ـ باختصار شديد ـ هو أن
الدفاع المجاني مضر بالعلاقات. ·
إن
أمريكا اليوم، مع تغير قدرتها
الاقتصادية عالمياً، تنفق 6% من
إجمالي دخلها القومي على
الدفاع، وتقدم 2% منه في شكل
مساعدات دفاع للعالم، بينما
اليابان ـ العملاق الاقتصادي
القوي ـ وتحت شعار الدفاع
المجاني، تنفق 1% فقط من إجمالي
دخلها القومي على الدفاع و1% في
شكل معونات اقتصادية، واستمرار
ذلك لا يؤهلها لواجباتها كقوة
عظمى جديدة على قمة العالم. ·
لذلك
فإن أخطر دعوة يقدمها الكاتب
هنا والتي ـ إذا حدثت ـ ستغير
الكثير من موازين القوة
العالمية هي الدعوة إلى أن تصبح
اليابان قوة عسكرية عالمية
جديدة.. والشروط لذلك: ·
أن
تتخلى اليابان عن تقاعسها في
إعادة التسليح، وأن تتخلى عن
الدور السلبي الذي تلعبه على
الساحة الدولية. ·
وأن تهيء
اليابان نفسها نفسياً لإجراء
عملية بناء عسكرية رئيسية
وشاملة. ·
وأن
تعيد تقييم أوضاع توازن القوى
في آسيا؛ لتعرف دورها في تحقيق
أمنها القومي والتزاماته
ومسؤولياته. ·
وأن
تحد من علاقاتها الاقتصادية مع
الدول الشيوعية، حتى لا يكون
الثمن السياسي للبناء العسكري
المطلوب غالياً أو مضراً. إن
الدور الصناعي والإنتاجي
الجديد في المجال العسكري
الياباني ـ والذي علينا أن
نتيقظ له ونتابعه خدمة لصالح
أمننا القومي باعتباره مجالاً
جديداً لتحركنا وتعاوننا مع
اليابان ـ سوف يتطلب عمالة
رخيصة لتحقق للصناعات العسكرية
اليابانية قدرات التنافس
العالمي، ويقترح الكاتب أن هذه
العمالة سوف تجيء لليابان من
دول العالم الثالث. فهل نعد
أنفسنا لهذا الدور الجديد..
وكيف؟! وإذا
كان الرئيس الأمريكي السابق
نيكسون قد وضع في توقعاته أن
تصبح اليابان قوة عظمى في القرن
الحادي والعشرين إلا أنه قرن
ذلك ببعض التحفظات، وألمح بطرق
غير مباشرة إلى أن العلاقة
الأمريكية اليابانية تسمح
للولايات المتحدة بأن تساهم في
إسراع خطى اليابان في هذا
الاتجاه أو الحد منها، مع
إحساسه ـ بدرجة عالية من التأكد
ـ أن اليابان ستظل ضمن المعسكر
الغربي. أما
حين انتقل الكاتب إلى العملاق
الذي يستقيظ ـ الصين الشعبية ـ
فقد كان أكثر وضوحاً وأكثر
تأكيداً.. فهو يقرر: ·
أن
أحفادنا سيعيشون في عالم يحتوي
على ثلاث قوى عظمى: الولايات
المتحدة والاتحاد السوفييتي
والصين الشعبية. فالدور هنا
صيني قبل أن يكون أمريكياً. ·
أن
مصالح الغرب سوف تتعارض فجأة
وبشكل حاد إذا تجاوزت الصين
الحد المقبول، وبدأت في تنفيذ
سياسة خارجية عدوانية وتوسعية.
وضرب الكاتب أمثلة تمس منطقتنا
مباشرة حيت تحدث عن تعدي الصين
الشعبية لحدودها وبيعها أسلحة
قيمتها مليار دولار لإيران عام
1986. وهذا يذكرنا بالضجة الأخيرة
حول بيع الصين صواريخ أرض / أرض
للمملكة العربية السعودية. ·
إن
ما يقلل من الدور الأمريكي
وفرصه في صياغة تحول الصين إلى
قوة عظمى أن الصين الشعبية لم
تكن مهتمة على الإطلاق بأموال
أمريكا قدر اهتمامها بعضلات
أمريكا. وبعكس
نظرة الكاتب لضرورة بقاء وإبقاء
اليابان ضمن المعسكر الغربي،
فمع الصين الشعبية تحتلف نظرته
حيث ينادي لأنه ليس من المهم أن
تكون الصين الشعبية موالية
للغرب، وإن كان من المؤكد أنها
لا يجب أن تكون موالية
للسوفييت، وليحدث ذلك حدد
الكاتب إطاراً عاماً يتضمن: ·
أن أمريكا
لن تخسر شيئاً من صداقة الصين
الشعبية بل يمكن أن تكسب. ·
أنه
يلزم تنشيط التجارة بين البلدين
والتأثير الثقافي والتوسع في
نقل التكنولوجيا، والدور الأهم
هنا هو لرجال الأعمال
الأمريكيين ـ وربما كان ذلك
دافعاً لزيادة اهتمام الصين
الشعبية بأموال أمريكا وليس فقط
بعضلاتها. ·
أن
أخطر ما يمكن للولايات المتحدة
أن ترتكبه في سياستها نحو الصين
هو الانسياق للأسلوب الذي تنفرد
به أمريكا، وهو أسلوب وعظ الدول
الأخرى ـ وبطريقة مصطنعة ـ حول
كيفية إدارة شؤونها السياسية.
ذلك خطأ أمريكي متكرر نعرفه نحن
قراء هذا الكتاب من دول المنطقة
والعالم الثالث. وينتهي
اقتراب الكاتب من تحليل دور
وموقف الصين الشعبية بطرح
مؤشرين يصلحان لنا جميعاً كدرس
يقرأ ويناقش ويحلل. ومؤشران
يقولان: ·
تأتي
أوقات يجب على الأمم أن تختار
فيها بين الأيديولوجية أو
البقاء. ·
إن
على الصين أن تعرف أنها ستصبح
قوة أساسية في عالم مليء بالدول
التي تسعى وتهدف إلى تحجيم دور
الصين الشعبية. ولم
يحدد الكاتب هي هذه الدول التي
تسعى إلى هذا التحجيم صديقة أو
معادية. إن
أوروبا الغربية تظل مشكلة أمام
الكاتب ـ والرئيس الأمريكي
السابق نيكسون. وكتاباته عنها
في هذا الكتاب تكاد تقول: إن
أوروبا الغربية هي الابن العزيز
للمعسكر الغربي بكل ما تحمله
كلمة البنوة، وإن كان أيضاً
ابناً غير ناجح مما دعا الكاتب
أن يطلق على أوروبا الغربية:
العملاق المفتت. ففي
الوقت الذي يقرر فيه الكاتب أن
أوروبا الغربية ستظل من الناحية
الاستراتيجية أهم قطاع في
العالم بالنسبة للولايات
المتحدة باعتبارها خط الدفاع
الأول في مواجهة الاتحاد
السوفييتي، فإنه يشكو من أن
أوروبا لا تعي ذلك جيداً بل تلهث
في سبيل رخائها بدلاً من قيامها
بدور دولي بناء يساعد المعسكر
الغربي في أمنه ودفاعه. وفي
الوقت الذي يؤكد فيه الرئيس
الأمريكي السابق ريتشارد
نيكسون في كتابه أن الولايات
المتحدة لم تعد لها السيادة
النووية الأكيدة في أوروبا في
إطار حلف الأطلنطي، يشكو من ضعف
مساهمة أوروبا بنصيب أكبر في
نفقات الدفاع المشترك. وفي
الوقت الذي يعلق فيه الكاتب على
أن أمريكا تقوم بدور أساسي لخلق
التكامل بين القوى المتحالفة
معها لردع السوفييت وخلق نظام
عالمي أكثر قوة، يشكو من أن
أوروبا الغربية ـ المتحالفة ـ
لم تعد تتفق على طبيعة الخصم
الذي يواجهه هذا التحالف، وأن
هناك الكثيرين في أوروبا
الغربية الذين يدعون أن الاتحاد
السوفييتي بقيادة غورباتشوف لم
يعد يهدد الغرب، وهذا خطأ من
وجهة نظر الكاتب. والحل
الذي يقدمه الكاتب لهذه المشكلة
متواضع سياسياً وطموح عسكرياً،
ويستند إلى: ·
ضرورة
السعي لتحسين العلاقات مع
الأصدقاء عن طريق التشاور الجاد
قبل السعي لتحسين العلاقات مع
المعارضين. وذلك درس لنا جميعاً
وليس لأوروبا وأمريكا فقط. ·
التحذير
من أن سهولة تحقيق بعض النجاحات
السياسية لأوروبا في علاقاتها
مع الخصوم قد يؤدي إلى مأساة
استراتيجية. ·
إن
مسؤولية التفاوض النووي في
أوروبا يجب أن تكون مسؤولية
أوروبية بالدرجة الأولى قبل أن
تكون مسؤولية أمريكية ـ ولعل
الكاتب هنا يريد أن تشعر أوروبا
بالخطر السوفييتي المباشر. أما
الحل العسكري الطموح الذي يطرحه
الكاتب فهو يتلخص في عبارة
واحدة: ضرورة توحيد الجيوش
الأوروبية لإيجاد حل لمشكلة
الدفاع التقليدي في مواجهة
الخفض النووي، شرط الاتفاق
المسبق حول طبيعة التهديد الذي
تواجهه أوروبا الغربية. هل نعي
نحن نفس الدرس؟! وهل يمكن أن
يكون لنا نفس الطموح العسكري
حتى في إطار التواضع السياسي؟! إنني
هنا أستأذن القارئ في أن أقول:
إن كل ما تعرضت له حتى الآن في
هذا الكتاب سواء بالسرد أو
النقد أو التحليل أو التعليق
يدخل في إطار الرسائل والإشارات
غير المباشرة لنا، نحن القراء
من العالم الثالث. أما الجزء
القادم والأخير فهو رسالة
مباشرة وواضحة لعلنا نقرأها
جيداً، ونفهمها جيداً، ونستخدم
عقولنا حين نحاول أن نطوع هذه
الرسالة لتحقيق مصالحنا
القومية، وألا نستخدم فقط
انفعالاتنا وعواطفنا في الحب
والغضب، في الثورة أو الجمود. إن
الكاتب عندما ينصح اليابان بأن
تعيد تقييم توازن القوى في
آسيا، فهو يفتح لها الباب لدور
جديد في العالم الثالث. وعندما
يقرر أن الصين الشعبية ستكون
واحدة من القوى الثلاث العظمى
في القرن الحادي والعشرين، فهو
يفتح عيون العالم الثالث على
توازن قوى دولي جديد. وحين يركز
على أوروبا المستقبل، فهو يشير
إلى أن الكرملين قد قفز خارج
نطاق حلف الأطلنطي مركزاً
هجماته على أوروبا على الأجنحة
مما أدى إلى توسعه الجديد
والمستمر في العالم الثالث. وفي
صياغته للتنافس والتحدي الغربي
مع الاتحاد السوفييتي الجديد،
أوضح أن موسكو تعرف أن صناعات
الدول الديمقراطية وتجارتها
التي تحقق حضارتها المعاصرة
تعتمد كلية على المنافذ البحرية
والموارد الطبيعية، وكلاهما في
عالمنا الثالث. لذلك لم يكن
غريباً على الكاتب (الرئيس
الأمريكي السابق نيكسون) أن
يطلق على هذا الفصل من كتابه: (ساحات
المعارك في العالم الثالث) فنحن
سنظل ساحة القتال سواء أكانت
القوى العظمى من أوروبا، أو هي
الاتحاد السوفييتي والولايات
المتحدة، أو أنها ستتبلور كما
يتنبأ الكاتب لتضم إلى جانب
الولايات المتحدة والاتحاد
السوفييتي كل من الصين الشعبية
واليابان وأوروبا الغربية
أيضاً. وليؤكد
الكاتب هذه الحقيقة فهو يقول:
إننا في العالم الثالث نملك
موارد طبيعية وبشرية هائلة، وأن
أربعة من كل خمسة أفراد من
العالم يأتون من العالم الثالث،
وأن الغرب المتقدم ما هو إلا
جزيرة تعج بالقدرات تقع وسط بحر
من الفقر، وأن العالم الثالث هو
بؤرة الحرب والثورات في العالم.
ومن ثم، فمن وجهة نظر الكاتب:
فإن ساحة الحرب العالمية
الثالثة وساحة القتال ستكون
عالمنا الثالث. وإذا
كان الكاتب قد تحدث عن التغيير
المحتمل في شكل علاقات القوى
العظمى في القرن الحادي
والعشرين، إلا أنه عندما تحدث
عن العالم الثالث كان أكثر
تأكيداً، حين أشار إلى أن
التغيير سيأتي ولا بعد أن يأتي
إلى العالم الثالث. والسؤال
الهام الذي طرحه الكاتب هنا ـ
بافتراض أن التغيير سيأتي إلى
العالم الثالث ولا بد أن يأتي ـ
هو هل سيتحقق هذا التغيير
بوسائل سلمية أو بالعنف؟ هل
سيبقى أم سيزول؟ هل سيخلف وراءه
الديكتاتورية أم الحرية؟ وفي
إطار المشاكل التي تواجه العالم
الثالث وضع الكاتب هدفين عامين
تسعى شعوب هذا العالم الثالث
لتحقيقهما وهما: إشباع الحاجات
المادية للإنسان، وإشباع حاجات
الإنسان الروحية. وقد
حذر الكاتب من أن الثورة
الشيوعية تجد لنفسها أرضاً خصبة
لمخاطبة الحاجات المادية
لإنسان العالم الثالث. كما أن
التيار الديني الأصولي، وهو
يختلف تماماً في رأي الكاتب عن
عظمة التراث الإسلامي، هذا
التيار الأصولي هو الذي يتحدث
الآن عن إشباع حاجات الإنسان
الروحية. وفي نظر الكاتب أن
التغيير يستلزم توافر سلطة
التغيير، ومن هنا ففي رأيه أن
الثورة الشيوعية والثورة
الأصولية الإسلامية خصمان
يشتركان في هدف واحد، وهو
الوصول إلى السلطة بأية وسيلة. وقد
اختار منطقة الشرق الأوسط ليقدم
مثالاً لما يقول، وأشار إلى أن
رياح التغيير الذي يتحدث عنه قد
وصلت في الشرق الأوسط إلى قوة
الإعصار الذي لا يمكن وقفه،
ولكن يمكن تحويل اتجاهه. وفي
إطار ما يؤمن به الكاتب من أن
التغيير العنيف يهبط بالدول إلى
أسفل، وأن التغيير السلمي يرتفع
بها إلى آفاق لا حدود لها، وبأن
الفقر هو أقوى وقود للفتن
الطائفية، وأن الشرعية
السياسية في دول العالم الثالث
تكون هشة إلى الحد الذي يمكن أن
تسقط منه في غمار التغيير
العنيف، فهو ينادي بأن تتجه
سياسة الولايات المتحدة والغرب
والقوى العظمى الجديدة التي تضع
يدها مع الولايات المتحدة في
مواجهة تهديدات التغيير العنيف
الشيوعي والأصولي إلى: ·
حل
المشكلات الاقتصادية لدول
العالم الثالث عن طريق تقديم
المساعدات التي تستخدم في تطبيق
سياسات اقتصادية سليمة. ·
تلبية
الاحتياجات الأمنية لهذه الدول. ·
تلبية
الطموحات السياسية للأصدقاء في
العالم الثالث. إن
الكاتب يقرر أن الولايات
المتحدة قد أنفقت على حرب يتحمل
ألا تخوضها في أوروبا ثلاثين
ضعفاً لما أنفقته على حرب تخاطر
بخسارتها في ميدان العالم
الثالث، ولذلك فإن دور الولايات
المتحدة القادم هو أن تخلق
قاعدة للثورة في دول العالم
الثالث عن طريق ثورة سلمية
لتحقيق الرخاء، وذلك لحل
المشكلات الاقتصادية لهذه
الدول. والتصور
المطروح هنا هو أن تتحرك
الولايات المتحدة في مجال: ·
زيادة
المعونات الاقتصادية لدول
العالم الثالث وليس خفضها شريطة
أن يكون لكل معونة هدف واضح يخدم
تنمية اقتصاد الدولة المستقبلة
للمعونة، ويخدم مصالح أمريكا
بشكل واضح، وأن تتم مراقبة
الأداء الاقتصادي للحكومات
التي تقدم لها المعونة: لضمان
اتجاهها نحو مزيد من الحرية
للقطاع الخاص، وأن تكون آثار
المعونات في مجال تحقيق النجاح
وليس تشجيع الفشل. ·
فتح
الأسواق الأمريكية للتجارة مع
الدول المصدرة من العالم
الثالث، فذلك أساس أفضل لخلق
قاعدة الثروة لهذه الدول من
تقديم المعونات. ·
حل مشكلة
ديون العالم الثالث وبدون ذلك
فلا فرصة حقيقية لتحقيق نجاح
اقتصادي. ·
تشجيع
النمو السياسي الديمقراطي، حيث
يجب أن تركز السياسة الأمريكية
على تشجيع التحول إلى المشاركة
في السلطة تشجيعاً قوياً. وعندما
تحدث الرئيس الأمريكي نيكسون عن
آثار التغيير في الشرق الأوسط،
وعن دور أمريكا في المساعدة على
خلق قاعدة للثورة في دول العالم
الثالث لمواجهة الفقر، وعن دور
والتزامات المعونات الأمريكية
ـ كان من البديهي أن يتعرض
لإسرائيل. وما
كتبه الرئيس الأمريكي السابق
نيكسون عن إسرائيل يستلزم منا
قراءة متعمقة، فهو صاحب قرار
الجسر الجوي الأمريكي الرهيب
الذي حمل لإسرائيل المواد
والمعدات العسكرية التي أنقذت
أداءها العسكري في أكتوبر 1973.
يقول الرئيس السابق نيكسون: إن
هناك التزاماً أمريكياً ببقاء
وأمن إسرائيل، وذلك أمر نعرفه.
ويقدم مبرراته لذلك في أن
إسرائيل: ·
دولة
ديمقراطية. ·
تنافس شعب
اليابان في مستويات التعليم. ·
إنها دولة
بلا موارد، وبالرغم من ذلك فإن
اقتصادها الصناعي قادر على
المنافسة العالمية. ·
إن قواتها
المسلحة من أفضل جيوش العالم. لذلك
فإنه إذا كان مستحقو المعونة
الأمريكية الخارجية في العالم
يصلون إلى 3 مليارات من البشر.
فإن ربع المعونة الأمريكية
الخارجية تقدم لـ 3 ملايين
إسرائيلي، وهذا يتعارض مع ما
ينادي به. والرئيس
الأمريكي الذي قدم لنا بعض
المقاييس الأمريكية لاحتضان
الولايات المتحدة لإسرائيل،
يقدر في الوقت نفسه أن أمور
المعونة الأمريكية لإسرائيل لا
يمكن أن تستمر على ما هي عليه،
وأن على إسرائيل في مواجهة
إعصار التغيير في الشرق الأوسط
إن كانت لم تستوعبه بعد ـ أن
تدرك وتقتنع بالآتي جيداً: ·
أن إسرائيل
لا يمكنها أن تحيا كجزيرة وسط
بحر من الكراهية، ذلك ضد منطق
الأمور والتاريخ. ·
تكمن
مصلحة إسرائيل في التفاوض
لإقرار السلام الآن، بينما هي
أقوى من خصومها، بدلاً من
الانتظار حتى تضطرها قوتهم
المتنامية إلى ذلك. ·
أن الوقت
ليس في صالح السلام في الشرق
الأوسط مع الأعاصير القادمة. ·
أن كون
الشخص صديقاً لجيران إسرائيل لا
يجعل ذلك منه عدواً لإسرائيل. ·
أن
جمود الموقف هو بمثابة إحباط
للدول العربية، وأن الجمود قد
يحقق مصالح وقتية لإسرائيل إلا
أنه قد يؤدي إلى كارثة على المدى
البعيد. ·
أنه
يجب أن تقر إسرائيل بأن مصالحها
تتطلب قيام الولايات المتحدة
بإرساء دعائم علاقات قوية مع
الدول العربية المعتدلة. إن
هذا الكتاب يفتح أمامنا نوافذ
فكرية جديدة ومثيرة.. فهو يطرح
علينا سؤالاً محدداً: ما الذي
نحن بصدده حتى عام 1999 حتى نواكب
التغييرات التي تحدث من حولنا؟
وهو في نفس الوقت يطرح سؤالاً
أكثر أهمية: أين وماذا سيكون
دورنا: ·
في عالم
تسوده أربع أو خمس قوى عظمى بدل
من اثنتين؟ ·
في
عالم يجذبه التطور العلمي إلى
آفاق لم نسمع بها من قبل، وعلينا
أن ننتقل إليها بكفاءة وإلا
فسيصيبنا التخلف الذي لا صحوة
منه؟ ·
في منطقة قد
يجتاحها إعصار التغيير إذا لم
نفهمه ونعالجه؟ ·
في
علاقة مع قوة عظمى هي الولايات
المتحدة تقول لنا بعقل مفتوح: ما
الذي تنوي أن تفعله، وكيف ترى
العالم وما هو دورها الجديد؟ إن
الكاتب لخص كل الأمور في بساطة
بليغة حين قال: ·
إن
التغيير قادم وقائم ولا بد منه. ·
إن
الصراع والتنافس قادم وقائم ولا
غنى عنه. ·
إن
النصر بدون حرب هو هدف أسمى من
النصر بالحرب. ·
إن
ساحة القتال هي نحن العالم
الثالث. ·
إن
الغرب أثبت أنه يجيد إرسال
المال أفضل مما يفعله لدعم
مبادئه، ومن ثم فعلى الولايات
المتحدة أن تتصدر حملة عالمية
لانتزاع الزعامة الروحية، وليس
فقط الزعامة الاقتصادية أو
العسكرية. ذلك
بعض ما قرره الكاتب لدور أمريكا
ورسالتها للآخرين.. أين نحن من
هذا العالم المتغير والجديد؟!
أين دورنا ورسالتنا؟ وأين دور
مصر ورسالتها التي وصفها الكاتب
الرئيس الأمريكي نيكسون في
كتابه هذا الذي أقدمه لكم: بأن
نابليون قال عنها: إن
مصر أهم دولة في العالم... الله أسأل أن
يسدد خطانا محمد عبد الحليم
أبو غزالة ------------------ هذا
الكتاب يعبر عن رأي كاتبه
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |