ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الفروق لابن
قيم الجوزية (11) الفرق
بين الفراسة والظن فصل
والفرق بين الفراسة والظن أن
الظن يخطىء ويصيب وهو يكون مع
ظلمة القلب ونوره وطهارته
ونجاسته ولهذا أمر تعالى
باجتناب كثير منه وأخبر أن بعضه
إثم وأما
الفراسة فأثنى على أهلها ومدحهم
في قوله تعالى " إن في ذلك
لآيات للمتوسمين " قال ابن
عباس رضي الله عنهما وغيره أي
للمتفرسين وقال تعالى "
يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف
تعرفهم بسيماهم " وقال تعالى
"ولو نشاء لأريناكهم
فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في
لحن القول" فالفراسة الصادقة
لقلب قد تطهر وتصفى وتنزه من
الأدناس وقرب من الله فهو ينظر
بنور الله الذي جعله في قلبه وفي
الترمذي وغيره من حديث أبي سعيد
قال قال رسول الله اتقوا فراسة
المؤمن فإنه ينظر بنور الله
وهذه الفراسة نشأت له من قربه من
الله فإن القلب إذا قرب من الله
انقطعت عنه معارضات السوء
المانعة من معرفة الحق وإدراكه
وكان تلقيه من مشكاة قريبة من
الله بحسب قربه منه وأضاء له
النور بقدر قربه فرأى في ذلك
النور ما لم يره البعيد
والمحجوب كما ثبت في الصحيح من
حديث أبي هريرة عن النبي فيما
يروى عن ربه عز وجل أنه قال ما
تقرب إلى عبدي بمثل ما افترضت
عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلى
بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته
كنت سمعه الذي يسمع به وبصره
الذي يبصر به ويده التي يبطش بها
ورجله التي يمشي بها في يسمع وبي
يبصر وبي يبطش وبي يمشي فأخبر
سبحانه أن تقرب عبده منه يفيده
محبته له فإذا أحبه قرب من سمعه
وبصره ويده ورجله فسمع به وأبصر
به وبطش به ومشى به فصار قلبه
كالمرآة الصافية تبدو فيها صور
الحقائق على ما هي عليه فلا تكاد
تخطئ له فراسة فإن العبد إذا
أبصر بالله أبصر الأمر على ما هو
عليه فإذا سمع بالله سمعه على ما
هو عليه وليس هذا من علم الغيب
بل علام الغيوب قذف الحق في قلب
قريب مستبشر بنوره غير مشغول
بنقوش الأباطيل والخيالات
والوساوس التي تمنعه من حصول
صورا الحقائق فيه وإذا غلب على
القلب النور فاض على الأركان
وبادر من القلب إلى العين فكشف
بعين بصره بحسب ذلك النور وقد
كان رسول الله يرى أصحابه في
الصلاة وهم خلفه كما يراهم
أمامه ورأى بيت المقدس عيانا
وهو بمكة ورأى قصور الشام
وأبواب صنعاء ومدائن كسرى وهو
بالمدينة يحفر الخندق ورأى
أمراءه بمؤتة وقد أصيبوا وهو
بالمدينة ورأى النجاشي بالحبشة
لما مات وهو بالمدينة فخرج إلى
المصل فصلى عليه ورأى عمر سارية
بنهاوند من أرض فارس هو وعساكر
المسلمين وهم يقاتلون عدوهم
فناداه يا سارية الجبل ودخل
عليه نفر من مذحج فيهم الأشتر
النخعي فصعد فيه البصر وصوبه
وقال أيهم هذا قالوا مالك بن
الحارث فقال ماله قاتله الله
إني لأرى للمسلمين منه يوما
عصيبا ودخل
عمرو بن عبيد على الحسن فقال هذا
سيد الفتيان إن لم يحدث وقيل أن
الشافعي ومحمد بن الحسن جلسا في
المسجد الحرام فدخل رجل فقال
محمد أتفرس أنه نجار فقال
الشافعي أتفرس أنه حداد فسألاه
فقال كنت حدادا وأنا اليوم أنجر
ودخل أبو الحسن البوشنجي والحسن
الحداد على أبي القاسم المناوى
يعودانه فاشتريا في طريقهما
بنصف درهم تفاحا نسيئة فلما
دخلا عليه قال ما هذه الظلمة
فخرجا وقالا ما علمنا لعل هذا من
قبل ممن التفاح فأعطيا الثمن ثم
عادا إليه ووقع بصره عليهما
فقال يمكن الإنسان أن يخرج من
الظلمة بهذه السرعة أخبراني عن
شأنكما فأخبراه بالقصة فقال نعم
كان كل واحد منكما يعتمد على
صاحبه في إعطاء الثمن والرجل
مستح منكما في التقاضي وكان بين
زكريا النخشي وبين امرأة سبب
قبل توبته فكان يوما واقفا على
رأس أبي عثمان الخيري فتفكر في
شأنها فرفع أبو عثمان إليه رأسه
وقال ألا تستحي وكان شاه
الكرماني جيد الفراسة لا نخطىء
فراسته وكان يقول من غض بصره عن
المحارم وأمسك نفسه عن الشهوات
وعمر باطنه بدوام المراقبة
وظاهرة بإتباع السنة وتعود أكل
الحلال لم تخطىء فراسته وكان
شاب يصحب الجنيد يتكلم على
الخواطر فذكر للجنيد فقال إيش
هذا الذي ذكر لي عنك فقال له
اعتقد شيئا فقال له الجنيد
اعتقدت فقال الشاب اعتقدت كذا
وكذا فقال الجنيد لا فقال
فأعتقد ثانيا قال اعتقدت فقال
الشاب اعتقدت كذا وكذا فقال
الجنيد لا قال فاعتقد ثالثا قال
اعتقدت قال الشاب هو كذا وكذا
قال لا فقال الشاب هذا عجب وأنت
صدوق وأنا أعرف قلبي فقال
الجنيد صدقت في الأولى والثانية
والثالثة لكن أردت أن أمتحنك هل
يتغير قلبك وقال أبو سعيد
الخراز دخلت المسجد الحرام فدخل
فقير عليه خرقتان يسأل شيئا
فقلت في نفسي مثل هذا كل على
الناس فنظر إلى وقال اعلموا أن
الله يعلم ما في أنفسكم فاحذروه
قال فأستغفرت في سري فناداني
وقال " وهو الذي يقبل التوبة
عن عباده " وقال إبراهيم
الخواص كنت في الجامع فأقبل شاب
طيب الرائحة حسن الوجه حسن
الحرمة فقلت لأصحابنا يقع لي
أنه يهودي فكلهم كره ذلك فخرجت
وخرج الشاب ثم رجع إليهم فقال
إيش قال الشيخ فأحتشموه فألح
عليهم فقالوا قال إنك يهودي
فجاء فأكب على يدي فأسلم فقلت ما
السبب فقال نجد في كتابنا أن
الصديق لا تخطىء فراسته فقلت
امتحن المسلمين فتأملتهم فقلت
إن كان فيهم صديق ففي هذه
الطائفة فلبست عليكم فلما اطلع
هذا الشيخ على وتفرسني علمت أنه
صديق وهذا عثمان بن عفان دخل
عليه رجل من الصحابة وقد رأى
امرأة في الطريق فتأمل محاسنها
فقال له عثمان يدخل على أحدكم
واثر الزنا ظاهر على عينيه فقلت
أوحى بعد رسول الله فقال لا ولكن
تبصرة وبرهان وفراسة صادقة
فهذا شأن الفراسة وهي نور
يقذفه الله في القلب فيخطر له
الشيء فيكون كما خطر له وينفذ
إلى العين فيرى مالا يراه غيرها.
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |