ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الإخوان
المسلمين في حرب فلسطين (4) كامل
الشريف الزهراء
للإعلام العربي -12- في
الدفاع عن بيت لحم والخليل { لتجدن
أشد الناس عداوة للذين ءامنوا
اليهود والذين أشركوا ولتجدن
أقربهم مودة للذين ءامنوا الذين
قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم
قسيسين ورهبانا وأنهم لا
يستكبرون} قرآن كريم )) تقع
مدينة (بيت لحم ) على بعد ستة
أميال جنوبي القدس وهي إحدى
المدن المقدسة لدى المسيحيين إذ
يقع فيها كثير من آثار
المسيحيين وكنائسهم وبخاصة
كنيسة المهد التي يحج إليها
المسيحيون من جميع بقاع العالم
وغالبية سكانها العظمى من
المسيحيين العرب 0 وكم كان
جميلا من هؤلاء المواطنين أن
يحتفوا بالإخوان عند دخولهم
للدفاع عن مدينتهم ويكونوا معهم
أسرة واحدة متعاونة وكان
الإخوان يبادلونهم هذا الشعور
الكريم لما رأوه من إخلاصهم
ولما شهدوه من غيرة صادقة على
كرامة العرب والمسلمين ولعل في
هذا التعاون الصادق أكبر رد على
أولئك الذين يحاولون تشويه حركة
الإخوان ويلصقون بها تهمة
التعصب الذميم وهو يعلمون أن
الإخوان براء من هذا الاتهام
ولكنها تهمة يحاولون بها خدمة
المستعمر الدخيل وتثبيت أقدامه
في هذا الوطن المسكين 0 وها هي
ذي معارك بيت لحم وعدد الإخوان
الهائل الذي استشهد حول أسوارها
دفاعا عن مقدسات المسيحيين
وآثارهم تقف دليلا شاهدا على
مدى التعاون الذي يجمع بين
العنصرين الشقيقين ويوجد
بين الطائفتين الحبيبتين ولقد
كنت شخصيا أهتم بهذا المعنى عند
زيارتي المتكررة لبيت لحم فكنت
ألتقي ببعض رؤساء الطوائف
المسيحية بها وأسألهم عن نظرتهم
للإخوان وحركتهم وكانت نفسي
ترتاح كثيرا حين استمع إلى
إجاباتهم وكلها مزيج من الحب
والاطمئنان وكيف لا تكون كذلك
وهم يرون بأعينهم مقدار الجهود
التي يبذلها الإخوان دفاعا عن
عرب فلسطين لا يفرقون في ذلك بين
عربي مسلم ومسيحي ولقد ظل
الإخوان في مدينتهم عاما كاملاً
دون أن تقع حادثة واحدة من تلك
الحوادث التي تقع عادة بين
الجنود والمدنيين من أهل البلاد
0 كان
الجيش العربي الأردني يحتل
مدينة ((بيت لحم)) قبل دخول أحمد
عبد العزيز وكان يتخذ مقر
قيادته في (مار الياس) الواقع
شمالي المدينة وكان هذا الجيش
مشتبكا مع مستعمرة (رامات راحيل)
الواقعة على طريق (بيت لحم )
القدس غير أنه لم يتمكن من
اقتحامها وبقيت (رامات راحيل)
كما كانت دائما مصدر خطر كبير 0 فهي تقع
على ربوه عالية وتتحكم في
الطريق الرئيسي الذي يصل (بيت
لحم) بالقدس فضلا عن أن
المدافعين عنها يمكنهم مراقبة
القوات الموجودة ببيت لحم
وإحصاء حركاتها وسكناتها لذلك
كله نرى أحمد عبد العزيز يتجه
إلى اقتحام منذ أن هبط أرض
المدينة 0 ولقد
بدأ في (24) مايو فأرسل قوة من
جنود الإخوان بقيادة (لبيب
الترجمان) لتقوم باستكشاف
المستعمرة وكتابة تقرير واف عن
تحصيناتها وقامت الدورية
بعملها خير قيام ونجحت في
التسلل إلى مكان قريب من
المستعمرة حيث أخذت تراقب
تحصيناتها ومواقع الدفاع عنها
وظلت في موضعها يوما كاملا حتى
فطن اليهود لوجودها وأخذوا
يطلقون عليها النار من قمم
الأبراج واشتبكت معها الدورية
غير أن قائدها أمر بالانسحاب إذ
كان هدفه هو ((الاستكشاف)) فحسب
وليس الدخول في معركة مباشرة 0 وحين
وصل إلى بيت لحم عكف على كتابة
تقريره وضمنه ما وصل إليه من
معلومات عن المستعمرة ونقاط
القوة والضعف في الدفاع عنها
وقدمه إلى أحمد عبد العزيز الذي
جعله أساسا لخطته المقبلة 0 كانت
الخطة الجديدة لا تختلف كثيرا
عن الخطة التي اتبعت في (كفارديروم)
إذ تقرر أن تبدأ المدفعية بقصف
الحصون والأبراج ثم يزحف المشاة
تحت غلالة من نيران مدفعية (الهاون)
وقنابلها الدخانية ثم تتقدم
جماعات الفدائيين من حملة ألغام
(البنجالور) لنسف العوائق
السلكية وحقول الألغام 0 وهذه
الخطة قد نجحت في احتلال (رامات
راحيل) وكان سر نجاحها أن الأرض
المحيطة بالمستعمرة كانت جبلية
مليئة بالمنحنيات والفجوات على
حين كانت الأرض المحيطة بكفار
ديروم سهلا منبسطا يمتد إلى
مسافات شاسعة 0 وفي
مساء يوم (26) كان كل شئ هادئا حول
مستعمرة (رامات راحيل) وكان جنود
(الهاجاناه) فيها ينامون ملء
أجفانهم مطمئنين إلى حصونهم
القوية حتى انتصف الليل أو كاد
وبدأت أشباح كثيرة تنطلق من
مركز رئاسة أحمد عبد العزيز حيث
يبتلعها الظلام الكثيف ثم تلتقي
في سكون في مناطق مختلفة في
الجبال المحيطة بالمستعمرة ثم
انطلقت إشارة ضوئية زحف بعدها
المجاهدون ثم توقفوا عند نقط
معينة تحددت في الخطط المرسومة 0 وعندما
دقت ساعة الكنيسة الكبيرة
دقتين بعد منتصف الليل ارتجت
الأرض تحت دوى المدافع تمزقت حجب
الليل المظلم من وهج القنابل
المحرقة التي انقضت كالشهب على
المستعمرة الساكنة ولم تمض إلا
دقائق حتى شبت الحرائق في
أكشاكها الخشبية وتفجرت حقول
الألغام التي لف بها العدو
مستعمرته ثم سكتت المدافع وأصدر
(لبيب الترجمان) أوامره لقوته
فبدأت تزحف تحت غلالة كثيفة من
قنابل الهاون المتفجرة وقنابل
الدخان وفي لمح البصر اندفع
الفدائيون يفجرون ألغامهم تحت
الأسلاك الشائكة ومن ورائهم
فصائل الاقتحام تعبر مسرعة
لتحتل الأغراض التي خصصت لها 0 وبدأ
الاشتباك الرهيب عند الخنادق((والدشم))
واستمات اليهود في الدفاع عن
مستعمرتهم ولم يضيع الإخوان
الوقت فتسلل نفر منهم إلى
الأبراج العالية يفجرون تحتها
الألغام ويحيلونها أنقاضا
وركاما وأثرت هذه الانفجارات
المفاجئة تأثيرا سيئا في نفوس
المدافعين عن المستعمرة وأسقط
في أيديهم فبدءوا يجلون عبر
ممراتهم السرية إلى مستعمرة (تل
بيوت) على مقربة من القدس
الجديدة 0 وعكف
المجاهدون على الخنادق يتمون
تطهيرها وحين كان آخر يهودي
يغادر المستعمرة هاربا كان صوت
المؤذن يتهادى مع النسيم من
أعلى قمة فوق أعلى برج -الله
أكبر 000 الله أكبر 000 أشهد أن لا
إله إلا الله 0000000 أشهد أن
محمداً رسول الله 0 سقطت
المستعمرة أمام هذه الخطة وأخذ
الإخوان يجرسون خلال أبنيتها
وأبراجها فرأوا ما أذهلهم من
الخيرات والمؤن المكدسة إذ كانت
هذه المستعمرة هي مركز التموين
الذي يشرف على إمداد المستعمرة
الواقعة في جنوبي القدس . وكان
عدد القتلى من اليهود في هذه
المعركة كبيرا للغاية إذ وجد
تحت الردم ما يزيد على المائتين
عدا من نجح اليهود في أخذه معهم
عند انسحابهم أما خسائر الإخوان
فلم تتجاوز تسعة من الشهداء
والجرحى وشهيداً واحداً من قوة
الإخوان الأردنيين التي كانت
ترابط في (صور باهر) بقيادة
المجاهد (عبد اللطيف أبو قورة)
رئيس الإخوان في عمان 0 لم يكن
انسحاب اليهود نهائيا من
المستعمرة إذ كانوا يبيتون
النية لاستردادها وطرد الإخوان
منها فصعدت طائراتهم في اليوم
التالي تستكشف الحالة فيها فلم
تجد إلا عدداً قليلا من
المجاهدين وكان الخطأ الذي يؤخذ
على قيادة المتطوعين أنها لم
تعزز الانتصار الذي أحرزته 0 ولم
توضع الخطة السليمة للمحافظة
على المستعمرة وكان عذر أحمد
عبد العزيز في هذا الخطأ أن قوته
الصغيرة كانت موزعة في حط طويل
يمتد من (العوجة) إلى(بيت لحم)
وأن أسلحته وذخائره كانت قليلة
تافهة ولقد طالب مرارا بتزويده
بالسلاح والذخيرة غير أن (المواوى))
رفض إمداده بها وسبب ذلك كما
سمعته من ضباط هذه القوة أن أحمد
عبد العزيز تخطى أوامره وتجاوز
الحدود التي رسمها له!! وفي
اليوم التالي تجمعت قوات يهودية
كبيرة من القدس الجديدة
ومستعمرات (تل بيوت) و(أرنونة)
فطالب الإخوان بتعزيز القوة
وإرسال عدد آخر يشترك معهم في
الدفاع عن المستعمرة 0 لكن
القيادة قلبت كفها محتجة بعدم
وجود قوات لديها حتى يوم(28) مايو
إذ حسم اليهود المعركة فأغاروا
بقوات كبيرة قدرت بخمسة آلاف
تؤيدها المدفعية والعربات
المدرعة واستبسلت القوة
الصغيرة من الإخوان في الدفاع
على أمل أن تنجدهم القيادة
بالقوات اللازمة وطال بهم
الانتظار زمنا طويلا دون جدوى
فقرروا الانسحاب
بعد أن دمروها تدميرا تاما ولم
يتركوا فيها بقعة واحدة تصلح
للإيواء 0 حاصر
الإخوان المستعمرة وما جاورها
وتولوا الدفاع عن قرية (صور باهر)
العربية ولقد حدث في أوائل شهر
يونيو أن حلقت طائرة يهودية
تحمل أسلحة وذخائر وأرادت
إلقاءها على (رامات راحيل) وكان
الوقت ليلا ورأى الإخوان أن
المستعمرة تطلق إشارات حمراء
لتدل الطائرة على موضعها فما
كان منهم إلا أن أطلقوا إشارات
حمراء مشابهة فاختلط الأمر على
الطائرة وألقت حمولتها فوق (صور
باهر) وكانت صناديق ضخمة مليئة
بأجزاء المدافع وأنواع
الرشاشات الحديثة والأدوية
الثمينة 0 أراد
اليهود تعزيز النصر الذي أحرزوه
في ختام معركة (رامات راحيل)
فأرسلوا قوة من جنودهم هاجمت
الجيش العربي الأردني في مقر
قيادته في (دير مار إلياس)
واضطرته لإجلائه وكان هذا الدير
يقع على مقربة من (صور باهر) حيث
ترابط فصائل من الإخوان فضلا عن
أن احتلاله باليهود كان يؤثر
تأثيرا بعيدا في موقف القوات
المرابطة في (بيت لحم) فلم يجد
الإخوان بدا من معاودة احتلاله
وتقدمت قوة منهم بقيادة المجاهد
(حسين حجازي( تعاونه قوة
فلسطينية من جيش الجهاد المقدس
يقودها المجاهد العربي((جاد
الله)) وهاجمت اليهود على غرة
واضطرتهم للانسحاب موقعة بهم
كثيرا من الخسائر
0 وكان
هذا النجاح حافزا على القيام
بحركة جديدة ذلك أن المستعمرة (تل
بيوت) دأبت على إطلاق النيران من
برجها الضخم وتسبب عن ذلك كثير
من الخسائر والأضرار مما اضطر
أحمد عبد العزيز إلى لإصدار
أوامره للأخ المجاهد (حسين)
ليتولى تدمير هذا البرج الخطير 0 وفي
ليلة (4) يونيو انطلقت جماعة من
بيت لحم وأحيط انطلاقهم بتكتم
كبير حتى أن زملاءهم في القوة لم
يعلموا حقيقة المهمة التي
سيقومون بها حتى لمعت برقة
خاطفة أضاءت صفحة السماء
وأعقبها انفجار هائل ارتجت له
أركان المدينة وشاهد الناس
أحجار البرج الضخم تتناثر في
الهواء ثم تتهاوى لتصنع من
تراكمها قبرا كبيرا يضم نخبة
كبيرة من رجال الهاجاناه 0 ولقد
علقت جريدة (أخبار اليوم) في
عددها الصادر في (5) يونيو تصف
هذه العملية الجريئة فقالت بعد
كلام طويل :((وفي الليل تسلل حسين
ومعه أربعة جنود 00 وزحفوا على
الأشواك في صور باهر أربعة كيلو
مترات تحت تهديد الرصاص الطائر
في الهواء والحيات الزاحفة بين
الأحجار 0 وقرب
الفجر سمعت بيت لحم انفجارا
مدويا وتهدمت ثلاثة حصون من (تل
بيوت)0 وفي
الصباح عاد (حسين حجازي) ليتلقى
تهنئة قائده 0000 ومعها لقب بطل (تل
بيوت)!))0 وبينما
كان المجاهدون يوجهون ضربات
مركزة في كثير من المناطق
ويعدون أنفسهم للوثوب على القدس
الجديدة إذا بالدول العربية
تقبل الهدنة الأولى وتصدر
أوامرها لجيوشها بوقف إطلاق
النار لممدة أربعة أسابيع تبدأ
من (11 يونيو سنة 1948) ولم تكن
الهدنة في حقيقتها إلا أسلوبا
جديدا ابتكرته هيئة الأمم
لمساعدة اليهود وتمكينهم من جلب
الأسلحة الثقيلة والذخائر ولقد
كان قبولها من جانب العرب
إقرارا بالأمر الواقع واعترافا
فعليا بقيام إسرائيل 0 ولم تقف
فائدة الهدنة لليهود عند حد جلب
السلاح والعتاد فحسب ولكنها
أيضا كانت وسيلة لاحتلال
المواقع الهامة إذ إن أغلب
المراكز الخطيرة لم يستطع
اليهود احتلالها إلا بهجمات
غادرة قاموا بها خلال الهدنة
وكانت الحجة دائما عند هيئة
الأمم وعند حكومة إسرائيل أن
أصحاب هذه الحركات الغادرة
ليسوا إلا عصابات فوضوية متطرفة
0 وكانت
الدول العربية تصدق هذا الزعم
وتشفق على هيبتها وكرامتها أن
تجارى عصابات فوضوية وهي الدول
المحترمة ذات المركز والسلطان
وعن هذا الطريق الوضيع احتل
اليهود أغلب المناطق التي وقعت
في أيديهم ولقد نجح الإخوان في
تكبيل المستعمرات اليهودية حول
((بئر السبع))عن طريق الدوريات
الكثيرة التي كانوا يبعثون بها
وعن طريق المواقع الحاكمة التي
اختلوها على طرق المواصلات
فحاول اليهود اغتنام الهدنة -كعادتهم
دائما وهاجموا قرية (العسلوج)
حيث كانت ترابط قوة صغيرة
يقودها اليوزباشى (عبد المنعم
عبد الرءوف)0 ولم
تصمد القوة الصغيرة طويلا أمام
هذا الهجوم المباغت فتسرب
أفرادها إلى الصحراء مذعورين
حين رأوا أنفسهم أمام قوات
كبيرة من العدو تؤيدها حشود من
المدرعات والمدفعية ومما يذكر
في هذه المعركة أن ثلاثة من
الإخوان هم المجاهدون : رشاد زكى
ومحمود حامد ماهر وعبد الله
البتانونى من إخوان القاهرة كان
القائد وكل إليهم مهمة حراسة
مخازن الذخيرة وكانت المخازن
مليئة بالأسلحة والذخائر إذ
كانت هذه القرية هي مستودع
الذخيرة الذي يمون المنطقة
وأفاق المجاهدون على أنفسهم
فوجدوا العدو في داخل المواقع
وسمعوه يحاول احتلال المخازن
فأخذوا يتدبرون موقفهم 0 إنها
كارثة كبرى أن يضع العدو يده على
هذا السلاح الكثير في وقت يحتاج
فيه إلى طلقة الذخيرة الواحدة
لابد من عمل شئ ما ولم يدم
تفكيرهم كثيرا إذ قرروا نسف
المخازن حين يدخلها العدو
واختبئوا خلف كومة من الصناديق
حتى امتلأ المخزن بالجنود
اليهود ثن أشعلوا النار في
صناديق المفرقعات وفي لحظة
واحدة استحال البناء الضخم إلى
كومة من الأنقاض ومات الأبطال
الثلاثة بعد أن ثأروا لأنفسهم
وجروا العدو الغادر إلى كارثة
مدمرة 0 كان
اختلال هذا الموقع يعنى قطع
مواصلات الجيش المصري في الجبهة
الشرقية مما دعا القيادة العامة
إلى تنظيم خطة لاسترداده وفي
اليوم التالي تحركت قوة كبيرة
من الجيش النظامي تعاونها
والسيارات المدرعة ولكنها فشلت
في الاقتراب من القرية لاستماتة
العدو في الدفاع عنها 0 فاستنجدت
القيادة العامة بالبكباشى أحمد
عبد العزيز وكل الأمر لليوزباشى
محمود عبده قائد الإخوان في ((صور
باهر)) ليتولى إرسال قوة من
رجاله تسترد هذه المواقع وأترك
وصف النتيجة لسعادة اللواء أحمد
محمد على المواوى (بك) القائد
العام للقوات المصرية وهي
مقتبسة من شهادة أدلى بها بين
يدي القضاء في إحدى قضايا
الإخوان المسلمين التي عرفت
باسم (قضية سيارة الجيب)0 وكانت
إجابته ردا على سؤال وجهه إليه
الدفاع في القضية المذكورة 0 -هل
كلفتم المتطوعين بعمل عسكري خاص
عند مهاجمتكم العسلوج؟ -نعم
العسلوج بلد تقع على الطريق
الشرقي واستولى عليها اليهود في
أول يوم الهدنة ولهذا البلد
أهمية كبرى بالنسبة لخطوط
المواصلات وكانت رئاسة الجيش
تهتم كل الاهتمام باسترجاع هذا
البلد حتى إن رئيس هيئة أركان
الحرب أرسل إلى إشارة هامة يقول
فيها : (لابد من استرجاع العسلوج
بأي ثمن) فكانت الخطة التي
رسمتها لاسترجاع هذا البلد هي
الهجوم عليها من كلا الطرفين من
الجانبين فكلفت المرحوم أحمد
عبد العزيز بإرسال قوة من الشرق
من المتطوعين وكانت صغيرة
بقيادة ملازم وأرسلت قوة كبيرة
من الغرب تعاونها جميع الأسلحة
ولكن القوة الصغيرة هي التي
تمكنت من دخول القرية
والاستيلاء عليها 0 ولما
سأله المحامون عن السبب في تغلب
القوة الصغيرة أجاب : القوة
الغربية كانت من الرديف وضعفت
روحهم المعنوية بالرغم من وجود
مدير العمليات الحربية فيها إلا
أن المسألة ليست مسألة ضباط
المسألة مسألة روح إذا كانت
الروح طيبة يمكن للضابط أن يعمل
ما يشاء ولكن إذا كانت الروح
ميتة فلا يمكن للضابط أن يعمل
شيئا لابد من وجود الروح
المعنوية وهكذا تحررت (عسلوج)
وكان تحريرها على يد قوة من
الإخوان بقيادة ضابط ملازم هو
الأخ المجاهد ((يحيى عبد الحليم))
من إخوان القاهرة 0 ورغم
هذا النجاح الباهر الذي أحرزه
الإخوان وعظم الخسائر التي منى
بها العدو فقد كانت خسائرها
صغيرة جدا لا تتجاوز عددا من
الجرحى من بينهم قائد القوة
المهاجمة المجاهد (عبد الحليم) بدأ
أحمد عبد العزيز خلال الهدنة
يجمع قواته المبعثرة ويحشدها في
(بيت لحم ) ويبدو أن القيادة
العامة المصرية رضخت للأمر
الواقع فأمدته ببعض الأسلحة
والذخيرة وزودته بعدد من الجنود
فأخذ يحصن نفسه داخل المدينة
وأقام خطا دفاعيا حولها يمتد من
(صور باهر) إلى (مرمزان) ماراً
بقرى (مار إلياس) و(بيت صفافا) و(شرفات)
و(الولجا) وإلى جانب ما أثبته
الإخوان من بطولة ومقدرة في
الأعمال الهجومية فإن مقدرتهم
على الدفاع والتحصين كانت مثار
إعجاب الضباط والمراقبين وكانت
مواقع (صور باهر) الحصينة وما
أقيم بها من خنادق (ودشم) نحتت
ببراعة في الأرض الصخرية الصلبة
تشهد بعظم الجهد الذي بذله
الإخوان لتحصين هذه القرية
العربية والاحتفاظ بها حتى آخر
مراحل القتال رغم الهجمات
المتوالية التي شنها العدو
وحاول فيها احتلالها ليضع
القوات المرابطة في بيت لحم
والخليل كلها تحت رحمته 0 وكانت
أولى المحاولات التي قام بها
العدو هي إقدامه على محاولة
احتلال مرتفعات (جبل المكبر) في
(18 أغسطس سنة 1948)0 يقع جبل
المكبر إلى الجنوب الشرقي من
القدس القديمة وهو مرتفع منيع
يستطيع من يحتله أن يهيمن على
القدس كلها ويقطع الطريق
الرئيسي الذي يصلها بعمان فضلا
عن أنه يتحكم في القوات
المتطوعة التي ترابط في جنوب
القدس وكان هذا المرتفع إحدى
حلقات الدفاع التي يتولاها
الإخوان المسلمون المرابطون في
قرية (صور باهر)0 ولقد
كان اليهود يؤملون مهاجمة
الإخوان على غزة فبدأت جموعهم
تتحرك في الساعة الثامنة من
مساء (18) أغسطس من أحياء القدس
اليهودية ومن المستعمرات
الواقعة في جنوبيها ثم بدءوا
يزحفون في سكون وهدوء غير أن
نقطة المراقبة الأمامية فطنت
لهذه الحركة وأرسلت تخبر
قائد (صور باهر) بهذا النبأ
وتطلب توجيهاته السريعة وبدأ (محمود
عبده ) يفكر في الموقف ويضع خطته
على أساس الأنباء التي تصل إليه
تباعا ولم يكن يعنيه وقف الزحف
اليهودي والاحتفاظ بالموقع
ولكنه كان يريد إبادة هذه
القوات وتلقين اليهود درسا
قاسيا يحفظونه عن الإخوان
وشدتهم في القتال 0 وحين
بدأ يتحرك بقوته من (صور باهر)
كانت عواصف الرصاص تثور في قمة
الجبل وكان التليفون أن
طلائع العدو قد اشتبكت مع مواقع
الإخوان الأمامية 0 وما إن
وصل حتى كانت المعركة في أعنف
مراحلها وكان واضحا أن العدو
يستميت في احتلال
هذا الموقع ويقذف كتلا هائلة من
قواته لتحقيق الغرض في أقصر وقت
ممكن وكلما تكسرت موجة تحت
أقدام الأبطال المؤمنين تدفقت
في أثرها موجة أخرى 0 ولا عجب
في ذلك فقد كان طريق الإمداد
مفتوحا على مصراعيه والقدس
اليهودية وفيها عشرات الألوف
على مرمى حجر من أرض المعركة
فصمم (محمود عبده) على التصرف
السريع وكانت أولى الخطوات التي
أقدم عليها أن أمر فصيلة من
جنوده فدارت إلى اليمين واقتربت
من الطريق الذي يستخدمه العدو
في تحركاته وأخذت تطلق النار
على القوافل التي تتحرك صوب
المعركة وفي نفس اللحظة كان
يصدر أمره للمدافعين عن الجبل
بالانسحاب إلى الوراء فظن العدو
أن المقاومة قد انتهت فتقدم
ليحتل المواقع التي أخلاها
المجاهدون وفي نفس الوقت كانت
أفواه المدافع تنفتح من كل صوب
وتقذف كتلا من اللهب على قمة
الجبل ولم يكن لليهود ما يحتمون
فيه فقتل منهم عدد كبير فبدءوا
يتراجعون في ذعر وارتباك 0 تقدمت
بعد ذلك قوات من المشاة وحاصرت
قمة الجبل واشتبكت مع العدو في
قتال عنيف وحاول اليهود التراجع
إلى القدس بعدما يئسوا من وصول
النجدات المطلوبة ولكن القوة
الخلفية فاجأتهم بالنيران
الحامية وبينما كانت المعركة
تسير على هذا النحو المرسوم إذ
أصيب اليوزباشى(محمود عبده)
بطلقات طائشة فحمله مرافقوه
للخلف دون أن يفطن أحد وبعثوا
برسالة مستعجلة لقيادة بيت لحم
يخبرونها فيها بإصابة القائد
ولم تمض إلا لحظات حتى جاء الأخ
المجاهد (لبيب الترجمان) ليتولى
قيادة المعركة في مرحلتها
الختامية 0 أخذ
اليهود يتسللون فرادى إلى
المنطقة الحرام ودار الحكومة
حيث يوجد بعض مراقبي الهدنة
ورجال هيئة الأمم وفطن الإخوان
للأمر فتابعوهم إلى هناك وضربوا
حصارا محكما حول دار الحكومة
وهددوا بتدميرهم مما اضطر رجال
هيئة الأمم إلى الاستغاثة
بالبكباشى (أحمد عبد العزيز)
الذي جاء لتوه واستجاب لرغبة
مراقبي الهدنة بوقف إطلاق النار
ولكنه أصر على احتلال مرتفع
يدعى (رأس الأحرش) خطرا شديدا
يهدد القدس الجديدة واتخذوا من
هذا الموقع نقطة يراقبون منها
حركات اليهود وسكناتهم 0 وحاول
اليهود في اليوم التالي القيام
بهجوم كبير على نفس هذه المواقع
أملا في احتلالها ورد اعتبارهم
بعد هزيمة الأمس ولكن يقظة
الإخوان واستماتتهم في الدفاع
وقفتا سدا منيعا دون وصولهم
لهذه الغاية مما اضطرهم إلى
التراجع في ذلة وانكسار وكانت
خسائرهم في هذه المرحلة تتجاوز
المائتين حسب تقدير مراقبي
الهدنة عدا فقدانهم لجميع
الأسلحة والمعدات التي دفعوا
بها في هذه المعارك 0 بدأت
بعد هذه الفترة مرحلة مفاوضات
طويلة لتخطيط حدود المنطقة
الحرام وكان أحمد عبد العزيز
فخورا بجنود الإخوان وبما
أحرزوه من انتصار رائع مما جعله
يملى إرادته على اليهود ويضطرهم
للتخلى عن منطقة واسعة مهددا
باحتلالها بالقوة وكانت
المفاوضات تدور في مقر قيادة
الجيش العربي بالقدس ويحضرها
الكولونيل (عبد الله التل )
القائد العربي في المدينة
المقدسة وحين انتهت المفاوضات
في ليلة (22) أغسطس أراد ((أحمد عبد
العزيز)) أن يحمل نتائجها إلى
القيادة المصرية العامة في(المجدل)
وأصر على أن يذهب في ليلته وكانت
المعارك في ذلك الحين تدور بشدة
على الطريق المؤدى للمجدل مما
جعل ضباطه يلحون عليه في التريث
وعدم الذهاب ولكنه قطع هذه
المحاولات حين قفز إلى سيارته (الجيب)
وهو يردد: {قل لن يصيبنا إلا ما
كتب الله لنا } وانطلقت السيارة
في طريق المجدل ولم يكن معه لا
اليوزباشى(الوردانى)
واليوزباشى (صلاح سالم) من ضباط
رئاسة المواوى وسائق سيارته 0 وكانت ((عراق
المنشية ))في ذلك الحين تستهدف
لهجمات متواصلة مما دعا القيادة
العامة إلى منع السير على هذا
الطريق بالليل 0 وما أن
وصلت السيارة إلى مواقع عراق
المنشية حتى صاح الحارس يأمر
السيارة القادمة بالوقوف ولكن
سوء الحظ تدخل هذه المرة إذ ضاع
صوت الحارس في ضجيج السيارة
فأطلقت نقطة المراقبة النار
وتدخل سوء الحظ مرة أخرى حين
أصابت أول رصاصة البكباشى(أحمد
عبد العزيز) في جنبه وحمله
مرافقوه إلى عيادة طبيب بمدينة (الفالوجا)
ولكن قضاء الله سبقهم إليه
فصعدت روحه إلى بارئها 0 ولم يكد
الخبر يذاع على الناس حتى عم
الوجوم الجميع وبكاه كل فرد في
الجيش وكان أكثر الناس جزنا
عليه وألما لفراقه أولئك الجنود
الذين زاملوه في الميدان
وقاسموه مرارة الهزيمة ونشوة
النصر ونعته وكالات الأنباء
ومحطات الإذاعة العالمية وأسف
لفقده الحلفاء والأعداء ونعوه
للناس بمزيد من الإعجاب
والإكبار وبموت أحمد عبد العزيز
طويت صفحة من أمجد صفحاتنا
العسكرية وأفل نجم لامع كان ملء
سمع الناس وبصرهم وخلا بذلك
مكانه في الميدان وصعدت روحه
الطاهرة لتحتل مكانا مرموقا في
ملكوت الله وجنته ورفع اسمه من
كشوف الجيش المصري ليحفظ في سجل
التاريخ كأبرز شخصية عسكرية
أنجبتها حرب فلسطين 0 مات
أحمد عبد العزيز فعينت القيادة
العامة ضابطا جديدا لقيادة (بيت
لحم) هو البكباشى((محمد فكرى)) من
سلاح المدفعية لكنه عاد بعد
أيام قلائل حين لم يستطع
التفاهم مع ضباط متطوعين فرأت
القيادة أن تبعث البكباشى ((عبد
الجواد طبالة)) قائد كتيبة
المتطوعين الثانية والتي كانت
تتولى محاصرة المستعمرات
وحراسة بعض النقط على خطوط
المواصلات 0 ولقد
أتمت هذه الكتيبة تدريبها في
معسكر (الهاكستب) بعد سفر
الكتيبة الأولى وكانت هذه
الكتيبة تحوى عناصر طيبة من
الإخوان كان على رأسهم الأخ
المجاهد (صلاح البنا) الذي كان
له أبعد الأثر في تنظيمها
وتدريبها وكان مقررا لهذه
الكتيبة أن تحتل مدينة (بئر
السبع ) وتدافع عنها غير أن
قائدها أشار باستحالة تنفيذ ذلك
لنقص مرتبها في الأسلحة وخلوها
تماما من مدفعية الميدان
والمدفعية المضادة للدبابات
وأخيرا استقر الرأي على أن
تحاصر بعض المستعمرات الواقعة
في منطقة غزة -رفح فأبلت في
القيام بهذا الدور أحسن البلاء 0 وظللت
على هذا الوضع حتى موت أحمد عبد
العزيز وحين استدعت الحالة ذهاب
قائدها لتولى القيادة في (بيت
لحم) تقرر انتقالها للانضمام
لزميلتها (الأولى) وتكونت من
الكتيبتين وممن انضم إليهما من
جماعات المناضلين والسودانيين
والليبيين القوة التي عرفت باسم
(القوة الخفيفة) والتي كان لها
الفضل في المحافظة على منطقة
الخليل وبيت لحم وتسليمها لقوات
شرق الأردن بعد نهاية الحرب
وإعلان الهدنة 0 وصل
القائد الجديد وافتتح نشاطه
بالمرور على خطوط الدفاع وكانت
الحالة في المنطقة هادئة نسبيا
إلى أن نقض اليهود الهدنة بعد
أيام قلائل فاحتلوا منزلا قريبا
يقع في الشقة الحرام واتخذوا
منه وكرا خطيرا للقناصة
يستعيضون به عن البرج الذي نسفه
الإخوان في تل بيوت وأخذوا
يطلقون نه النار على المجاهدين
في مواقعهم وحاولوا اقتناص قائد
المنطقة نفسه حين كان يحاول
الوصول إلى دار الحكومة
للاجتماع بمراقبي الهدنة وكانت
الأنباء تشير إلى أن لجنة من
كبار ضباط الجيش الإسرائيلي قد
نزلت في هذا البناء واتخذته
مقرا تشرف منه على جبهات
المتطوعين وتضع خطة لمعارك
شاملة تكتسح فيها هذه القوات 0 لم يكن
هناك بد من تدمير هذا البناء
فصدرت الأوامر لقائد الإخوان في
(صور باهر) ليتولى تنظيم هذه
الخطة وتنفيذها وفي ليلة حالكة
الظلام تسللت جماعة من الإخوان
تحمل ألغامها وأسلحتها ووجهتها
هذا المنزل المقام بين ثلاث
مستعمرات من أخطر مستعمرات
اليهود واستمروا يزحفون على
بطونهم وقتا طويلا حتى اقتربوا
منه وبينما كانوا يعالجون فتح
الباب الخارجي انتبه اليهود
للحركة فأخذوا يطلقون عليهم
النار من أعلى المنزل ومن (الدشم)
المسلحة المقامة حوله وبادلهم
الإخوان الضرب غير أن شدة
النيران المنبعثة من المنزل
وخشية الإخوان من المستعمرات
القريبة جعلتهم يلقون ألغامهم
بعيدا عن البناء ويشعلونها وحين
انفجرت أحدثت دويا هائلا غير أن
البناء ظل قائما كما كان ! وجرح
في هذه المعركة الأخ (عثمان عبد
المجيد) وحمله رفاقه معهم إلى
معسكرهم في (صور باهر) وثار قائد
(صور باهر)على هذا الفشل وأصر
على تدمير البناء وفي اليوم
التالي تحركت قوة كبيرة مكونة
من بعض الإخوان السوريين وعدد
من مجاهدي الإخوان الأردنيين
وقد اشتبكت هذه القوة في معركة
مع حماة البناء غير أنها نجحت في
الوصول إلى المنزل وتدميره على
جميع من فيه من الضباط والجنود
وأترك للبكباشى (طبالة) قائد
القوة الخفيفة الكلام عن هذه
العملية الجريئة في مقال نشرته
إحدى المجلات العسكرية تحت
عنوان (ولاء في بطولة)0 عالج
قائد الدورية الباب معتمدا على
أن صوت الرصاص يعلو صوت معالجة
الباب ولكن الباب لم يفتح فهو
موصد من الداخل وإذا بالقائد
يضغط بسبابة يمناه (تنك) سلاحه
فيطير قفل الباب ويفتح على
مصراعيه وفي لحظات أشعل الآخرون
العبوات وألقوا بها داخل الدار
وارتد الجميع للخلف قليلا
ورقدوا إلى أن صم آذانهم صوت
انفجار هائل تطاير على أثره
الغبار في كل مكان 0 وإن هي
إلا غمضة عين فتسمع أنة موجعة
صادرة من أحدهم فهرع إليه
القائد فوجد الدم ينزف من جرح في
رأسه فحمله بمعاونة زملائه
وهرعوا عائدين وكل منهم يتلفت
للخلف ليروا أثر ما عملوا فلا
يروا إلا غبار يعلو الأرض إلى أن
وصلوا حوالي الرابعة صباحا إلى
رئاسة القطاع وبين أيديهم
زميلهم الجريح يحتضر لكثيرة ما
نزف من الدماء ولم تجد معه
الإسعافات فلفظ أنفاسه الأخيرة
وهو يتساءل عما حل بالمنزل فلما
علم بتدميره تماما لفظ النفس
الأخير والارتياح التام باد على
أساريره 0 وفي
الصباح الباكر كان قائد
الفدائيين يستقبل ضوء الشمس في
مواقع (صور باهر) ويترحم على
الشهيد البطل ويودعه إلى مثواه
الأخير ثم عاد ليلقى نظره على
موقع المنزل فإذا هو حطام يضم
بين أحجاره جثث عشرين من اليهود
الغادرين حاولوا الاعتداء عليه
في الصباح فحكم عليهم جنوده (ألا
يروا ضوء صباح تال) أما شهيدنا
المبرور في هذه المعركة فهو
المجاهد (ضيف الله) من الإخوان
المسلمين السوريين وفي المساء
كانت محطة إسرائيل تذيع نبأ
المعركة وتنعى إلى اليهود مقتل
ضابط إسرائيلي برتبة كبيرة ومعه
عدد من ضباط الجيش وجنوده ماتوا
تحت الردم على مقربة من مواقع
الإخوان المسلمين في (صور باهر)0 وفي
منتصف شهر أكتوبر كانت الجبهة
المصرية مسرحا لعمليات واسعة
النطاق وكانت منطقة (الفالوجا)
في ذلك الوقت تهاجم بعنف وشدة
والمجدل عرضة لغارات جوية مروعة
وفي ذلك الوقت أيضا كانت
القيادة الإسرائيلية في القدس
تحاول تصفية حسابها مع قوات
المتطوعين في ((بيت لحم)) وبدأت
أعمالها بهجوم حاد على (صور باهر)
غير أن هجماتها المتكررة تكسرت
تحت تحصينات الإخوان القوية 0 فأخذت
تدور حول خطوط الدفاع تتلمس
أضعف النقط فيها حتى نجحت يوم (19)
أكتوبر في اقتحام مرتفع شاهق
يعرف بتبة (اليمن) ولم يضيع
اليهود الفرصة فأخذوا يحشدون
قوات كبيرة ويعدون أنفسهم
للوثوب على المرتفعات المجاورة
والسيطرة على بيت لحم مما اضطر
قيادة (صور باهر) إلى إرسال قوة
كبيرة لتقوم بهجوم مضاد تستعيد
به هذا المرتفع وبدأت المعركة
بين الفريقين حامية شديدة وكان
مما يستلفت النظر ويدعو للإعجاب
براعة اليهود وسرعتهم الفائقة
في أعمال التحصين فلا تكاد
قواتهم تستقر في موقع من
المواقع إلا وتسارع بتحويله إلى
قلعة محصنة 0 وكان
ذلك مما يساعدهم دائما على
الاحتفاظ بالمواقع التي تسقط في
أيديهم ويبدو أن هذه الظاهرة
ناتجة عما عرف عن المقاتل
اليهودي من جبن وضعف فهو يستعيض
عن الشجاعة الأصلية بتحصينات
مصطنعة ولا يقوى على مواجهة
خصمه في الدفاع إلا إذا كان
مختفيا خلف أطباق كثيفة من (الدشم)
والأسلاك الشائكة 0 نجح
الإخوان في الهجوم الذي شنوه
وتراجع اليهود بعد مقاومة شديدة
وخسائر من الطرفين وكان يضاعف
من هذا النجاح أهمية الموقع
وخطورته الشديدة لو بقى في يد
اليهود وهاأنذا أنقل نص إشارة
رسمية بعثتها قيادة (بيت لحم))
إلى الجهات العسكرية المسئولة
بتاريخ (20 أكتوبر 1949) 0 ( قام
العدو بهجوم عنيف على جميع
مواقعنا الدفاعية تحت ستار
غلالة شديدة من نيران الأسلحة
الأوتوماتيكية والهاونات
وقاذفات الألغام والمدفعية
الثقيلة صدت قواتنا الهجوم تمكن
العدو من الاستيلاء على مواقعنا
بجبل( اليمن) قامت قوة من
الإخوان المسلمين بقيادة
الملازم أول خالد فوزي بهجوم
مضاد فطردت العدو بعد أن كبدته
خسائر فادحه (خسائرنا ضعيفة وقد
أبلغنا مراقبي الهدنة)0 وقد
علقت أغلب الجرائد العربية
واليهودية على هذه المعركة
وذكرت جهود الإخوان فيها
بالإكبار والإعجاب وكتبت جريدة
(الناس) العراقية في عددها
الصادر يوم(7|11) مقالا تحت عنوان :
(بسالة منقطعة النظير من متطوعة
الإخوان المسلمين فقد استولى
اليهود شمالي غربي بيت لحم بعد
محاولات عديدة على جبل مرتفع
يسمى ((تبة اليمن) ويشرف على قرى (الولجة))و((
عين كارم)) و((0 المالحة)) وما
جاورها وأصبحوا يهددون كل
المناطق المحيطة بها . ورأت
قيادة الجيش المصري ضرورة
تطهيرها فندبت لذلك عددا من
متطوعة الإخوان المسلمين في (صور
باهر) فتقدمت سرية منهم ولم تمر
ساعة حتى
كانت هذه الفرقة قد أجهزت على
القوة اليهودية وغنمت ذخيرتها
ومتاعها وحررت قرية ((الولجة))
وأصبحت تسيطر على منطقة واسعة
وقد أصدرت قيادة الجيش المصري
أمرا بتسمية الجبل (تبة الإخوان
المسلمين) وقد استشهد من
الإخوان كل من مكاوي سليم على من
الزقازيق والسيد محمد قارون من
المنصورة وإبراهيم عبد الجواد
من الفيوم رحمهم الله رحمة
واسعة)0 يئس
العدو من اقتحام ((بيت لحم )) و((الخليل
)) لوجود هذه القوات المؤمنة
فيها فبدأ يركز هجومه على مناطق
((أسدود)) و((المجدل))
واستطاع أن يرغم القوات
المصرية على إخلاء هاتين
المنطقتين والإيقاع بقوة كبيرة
حاصرها في الفالوجا وظل يحاصرها
حتى نهاية الحرب وبحصار
الفالوجا عزلت قوات المتطوعين
عن القيادة العامة تماما ولم
يعد لها طريق يصلها بالقاهرة
سوى الطريق الجوى الذي يصل عمان
بالقاهرة 0 وبدأت
هذه القوات المغامرة تقاسى محنا
شديدة سببها الحصار الشديد
وكثرة ما تعرضت له من هجمات
متواصلة ورغم ذلك كان كل ما يشغل
الإخوان هو مصير إخوانهم
المحصورين في الفالوجا فبدءوا
ينظمون بمعونة المجاهدين العرب
خططا لتموينهم وتسللت
قوافلهم عبر الصحارى
الواسعة التي يسيطر عليها العدو
تحمل المؤن للقوات المصرية
المحصورة وتتعرض في طريقها
الطويل لكثير من المآزق
والأخطار 0 وكم من
مرة اصطدمت القوافل مع دوريات
اليهود واشتبكت معها في معارك
دامية ونتج عن ذلك كثير من
الخسائر ولكن الإخوان لم يكونوا
يحسبون للموت حسابا مادام ذلك
في سبيل وطنهم وكرامة جيشهم 0 وإذا
ذكر هذا النشاط الرائع فلا يمكن
أن نغفل الدور الخطير الذي قام
به اليوزباشى (معروف الحضري) حين
قاد جماعات الإخوان المسلمين في
تسللها إلى (الفالوجا) وظل يؤدى
واجبه بأيمان وثبات حتى ظفر
اليهود به في إحدى العمليات
ونقلوه إلى خطوطهم الخلفية حيث
ظل يقاسى مرارة الأسر في
معسكراتهم حتى من الله عليه
بالنجاة حيث انتهت الحرب وتم
تبادل الأسرى 0 وبينما
كان الإخوان يعملون بهمة وإخلاص
في تموين (الفالوجا) ومعاونتها
على تحمل آلام الحصار ويستميتون
في الدفاع عن مناطق (بيت لحم ) و(الخليل)
إذ روع العالم الإسلامي بنبأ
القرار الغاشم الذي أصدره (النقراشى)
وحل بموجبه هيئة ((الإخوان
المسلمين)) في مصر وكانت طعنة
نجلاء وجهها الإنجليز على يد
صنائعهم من المستوزرين إلى ظهر
الشبيبة الإسلامية المحاربة 0 وجن
جنون الإخوان عند سماعهم هذا
النبأ غير أن الأوامر التي
وصلتهم بعد ذلك من المرشد (الشهيد)
كانت تأمرهم بالتزام الهدوء
والإخلاد إلى السكينة ولن يتصور
أحد عظم الكارثة التي كان يمكن
أن تقع لو ركب (الإخوان) رءوسهم
وقاموا بأي إجراء طائش إذ كانوا
هم وحدهم يدافعون عن منطقة من
أكبر المناطق والعدو يحيط بهم
من كل جانب وينتظر الفرصة
ليبتلع هذه المدن الغنية
الواسعة وقدر الإخوان عظم الخطر
فقهروا عواطفهم واكتفوا بإرسال
برقية إلى كبير الأمناء بقصر
عابدين ضمنوها سخطهم الشديد
لصدور هذا الإجراء الظالم 0 ثم
عكفوا على أداء واجبهم من جديد
وكأن شيئا لم يحدث حتى انتهت
الحرب وأعلنت الهدنة وبدءوا
يغادرون أسر اليهود ليقعوا مرة
أخرى في أسر السعديين وقدر لهم
أن يلبثوا في الأسر الآخر عاما
كاملا قضوه بين معسكرات
الاعتقال في (رفح) و(العريش) حتى
انهارت قوائم العهد الأغبر بما
حملت من أوزار وآثام وبدأ
المجاهدين يستردون حرياتهم
المفقودة شيئا فشيئا 00 !! يتبع ---------------------- الكتب
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |