ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الدين
و الدولة في تركيا .. صراع
الإسلام والعلمانية كتاب
جديد يرصد تاريخ الصراع بين
الإسلام والعلمانية في تركيا للدكتور
كمال السعيد حبيب عرض
: السيد سالم كيف استطاع الإسلام أن يصمد في تركيا
وينتقل في ظل الجمهورية
العلمانية من الاغتراب إلى
الاختراق حتى نصل لرئيس وزراء
ينتمي لحزب إسلامي في تركيا، ثم
وصول حزب ذو جذور إسلامية وهو
" العدالة والتنمية" بعد
عام واحد من تأسيسه إلى حكم
البلاد، مما يؤشر إلى أن
الإسلاميين الأتراك تمكنوا بعد
عقود من أسلمة الحداثة والعصرنة
وتقديم وجه يزاوج بين الإسلام
والديمقراطية والحداثة في ذات
الوقت. كل تلك الأسئلة يجيب عنها كتاب جديد صادر
عن مكتبة الأسرة بعنوان "الدين
و الدولة في تركيا .. صراع
الإسلام والعلمانية" للباحث
المتخصص في شئون الجماعات
الإسلامية وفي الشئون التركية
الدكتور كمال السعيد حبيب ،
ويعد هذا الكتاب الأول من نوعه
باللغة العربية في موضوعه حيث
يناقش تطورات العلاقة بين الدين
والدولة في تركيا في مراحلها
المختلفة منذ سقوط الخلافة
العثمانية وإعلان الجمهورية
وحتى خبرة حزب العدالة والتنمية
وتطوراتها الجديدة والتي لا
تزال في طور الاكتمال. الكتاب هو خلاصة رسالة الباحث للدكتوراه
والتي حصل عليها من كلية
الاقتصاد والعلوم السياسية ،
جامعة القاهرة بإشراف الدكتور
كمال المنوفي والدكتور حمدي عبد
الرحمن ، ويتميز بالتدقيق
العلمي والإحالات ، كما يتضمن
العديد من الحوارات مع المفكرين
والباحثين الأتراك ، ويتضمن
الدراسات والأبحاث التي عكف
عليها الباحث بعد وصول حزب
العدالة والتنمية إلي السلطة. ويقع كتاب "الدين والدولة في تركيا...صراع
الإسلام والعلمانية" في 372
صفحة، صادر عن مكتبة الأسرة،
سلسلة العلوم الاجتماعية، وجاء
في أربعة فصول: الأول منها
بعنوان "الإسلام والتيارات
الاجتماعية والفكرية في تركيا"
، والفصل الثاني فيؤشر للعلاقة
" الإسلام والأحزاب السياسية
في تركيا قبل ظهور الرفاه"،
أما الفصل الثالث فبعنوان "الخبرة
السياسية لحزب الرفاه 1983: 1997"
وهو يتعمق في دراسة حالة حزب
الرفاة من التأسيس عام 1983 وحتى
وصوله إلى السلطة عام 1996 ، وجاء
الفصل الرابع والأخير ليناقش
"حزب العدالة والتنمية
ومستقبل الإسلام السياسي في
تركيا" التوجهات الجديدة في
تركيا والتي ستقود إلى اتساع
مساحة التأييد للإسلاميين في
الشارع التركي. يؤكد الدكتور كمال حبيب أن العلمانية
فرضت نفسها في تركيا، فأصبحت
حرية التعبير عن المعتقد
والضمير الديني مثل حق المرأة
في ارتداء الحجاب أصبح سببا
لمنع قبولها في الجامعة ومؤسسات
الخدمة المدنية، وأضاف: إن
أطروحة "أتاتورك" على
المجتمع التركي والمستندة إلى
القوة لفرض التحديث أصبحت موضعا
للتساؤل والشك بل والرفض على
نطاق واسع بين التيارات
والجماعات المكونة للمجتمع
التركي. الجدير بالذكر أن الكتاب هو خلاصة
لأطروحة الدكتوراه في العلوم
السياسية للمؤلف، علاوة على أنه
خلاصة العديد من المقابلات
والحوارات التي أجراها الباحث
مع الفاعلين السياسيين
والاجتماعيين الأتراك، ومن ثم
فهو يعد إضافة للمكتبة العربية
لأنه رؤية من الداخل وفي العمق،
وهو محاولة لبناء جسر للتواصل
والفهم بين عالم الترك والعرب
في وقت هم معا في أشد الحاجة
إليه. كانت رسالة التهديد التي بعث بها كمال
أتاتورك الأب الروحي للثورة
العلمانية في تركيا بمثابة
الصدمة للمجتمع التركي في ذلك
الوقت، ففي أغسطس عام 1925 ألقى
أتاتورك خطابه الشهير في مدينة
" قسطموني" ذات البنايات
الصوفية المتعددة، والذي قال
فيه : "إن طلب العون والمساعدة
من قبور الأموات صفعة على جبين
المجتمع الإنساني المتحضر.. يجب
أن تتعلموا أيها السادة أنتم
وأفراد أسركم، بل على الأمة
التركية بأسرها أن تعلم أن
الجمهورية التركية العلمانية
لا يمكن أن تكون بعد اليوم أرضًا
خصبة للمشايخ والدراويش
وأتباعهم من أصحاب الطريقة،
وإذا كان هنالك من طريقة حقيقة
فهي طريقة الحضارة المبنية على
العلم، وعلى مشايخ الطرق أن
يفهموا هذا الكلام بوضوح
وبالتالي يغلقوا زواياهم
وتكاياهم عن طيب خاطر إلى الأبد
قبل أن أدمرها فوق رءوسهم. وقد تبع هذا الخطاب خطوات إجرائية واسعة
نحو العلمانية فقام أتاتورك
بإلغاء اللغة العربية
والعثمانية القديمة وفرض
الكتابة باللغة اللاتينية، كما
فرض التبرج ألغى حجاب المرأة،
ولم يتوقف الأمر عند ذلك بل إنه
ألغى إجازة يوم الجمعة، وأغلق
المساجد وألغى تميز رجال الدين
وعلمائه بلباس الجبة والعمامة،
وألغى التعليم الديني وأغلق
مدارسه، وتعميما للهوية
التركية فرض الصلاة باللغة
التركية. وإزاء هذا الحجر الفكري والطمس للهوية
الإسلامية تحت غطاء العلمانية
وبناء الدولة المتقدمة لجأ
الصوفية إلى العمل السري وأصبحت
أكثر تسييسا وعنفا لأول مرة في
كل تاريخها، تلك المرحلة السرية
انتهت مع بداية الستينيات من
القرن المنصرم فانتقلت الطرق
الصوفية من السرية إلى العلنية
كجزء من الحركة الإسلامية في
تركيا، واتخذ الطريق التربوي
والدعوي والاقتصادي مجالا
للعمل بإستراتيجية "اختراق
النظام العلماني المعادي
للشريعة من أسفل" وابتعدت عن
ممارسة العمل السياسي العلني
بشكله المباشر، وظهر العداء
الصوفي المكتوم للعلمانية
والغرب في الوقت ذاته. من أساسه الديني انطلق المثقف الإسلامي
التركي ليتخذ من الدين الإسلامي
مرجعية رئيسية وبدأ في الوقوف
ضد الدولة الكمالية وممارستها
الاستبدادية، وليواجه أيضًا
معركة الأفكار ليهدم الاتجاهات
المادية والمعادية للفكرة
الإسلامية والتي يتبناها
المثقفون العلمانيون والماديون
والإلحاديون، وظهرت العقلية
الإسلامية التركية كعقلية
إصلاحية فهي لم تنجر إلى رفض
العلمانية والقضاء على الدولة
العلمانية برمتها وإنما كان
موقفهم إصلاحيا يهدف لتغيير
وجهة الدولة للتصالح مع
الإسلام، إضافة إلى محاولات
الإجابة على المشاكل اليومية
الحياتية للمسلم التركي بلغة
بعيدة عن التعقيد والتي تشكل
وعيا يساعد المواطن على حفظ
هويته وثقافته الإسلامية مع
تطبيق هذه القيم في حياته
العامة والخاصة. يقول المؤلف: " نحن أمام تنازع حقيقي
بين الدين كتعبير عن حاجة روحية
وثقافية تعبر عن الهوية والوجود
للإنسان والمجتمع في تركيا وبين
الدولة التي وضعت نفسها في
مواجهة كاملة مع الدين باعتباره
قوة رجعية لا بد من الإجهاز
الكامل عليه والتخلص منه ، هذا
التنازع طرح مشكلات ضخمة في
الاجتماع والسياسة والثقافة
والهوية لا تزال تركيا تعاني
منها إلي اليوم ، وستظل تعاني ما
لم تصل إلى حل هذه المشكلة بين
الإسلام والسلطة السياسية بحيث
تعترف الدولة بالإسلام كمكون
رئيسي للثقافة التركية. فقد طرح فوز حزب العدالة والتنمية الكبير
في نوفمبر 2002 أسئلة كثيرة أهمها
هل يمكن أن تكون هناك ديمقراطية
في دولة إسلامية؟ ويعلق المؤلف:
خبرة حزب العدالة والتنمية الذي
يحكم تركيا من حيث فهمهم
للعلاقة بين الدين والدولة تقوم
علي تغليب فكرة الجماعة علي
فكرة الشريعة بمعني أنهم
ينطلقون من واقع استصحاب
الإسلام للناس ويحاولون
الإصلاح من حيث يقف الناس ، وهم
بذلك يعبرون عما يطلق عليه
الإسلام المدني " وليس
الإسلام السياسي. ففي الفصل الأول الذي جاء تحت عنوان "الإسلام
والتيارات الاجتماعية والفكرية
في تركيا " يرصد بزوغ الطرق
الصوفية كالنقشبندية
والتيجانية وحركات إحياء
العلوم الإسلامية كالسليمانية
ثم النورسية التي عملت علي
إنقاذ الإيمان واستمرار بقاء
الإسلام، ثم الحركة الثقافية في
تركيا والتي مثلتها مدارس فكرية
متنوعة تنطلق من الإسلام مثل
محمد عاكف رائد المدرسة
الإصلاحية والذي جاء هنا إلي
مصر عام 1925 وتأثر بمحمد عبده
وجمال الدين الأفغاني وبعبد
العزيز جاويش، ويعد محمد عاكف
الجسر الذي عبرت عن طريقه أفكار
المدرسة الإصلاحية والتجديدية
إلي المثقفين الأتراك. علاوة على أن مجموعة أخرى قامت بدور رائد
في هذا الاتجاه منهم نجيب فاضل
رائد المدرسة الإحيائية،
وسزائي قراقوج رائد المدرسة
الحضارية، ثم أحمد داوود أوغلو
وزير الخارجية الحالي رائد
المدرسة المؤسسية وهو صاحب كتاب
"العمق الاستراتيجي"
ومهندس السياسة الخارجية
التركية التي تقوم علي الانتقال
من الجسر إلي العمق ، يعد مبحث
" المثقفون الإسلاميون
الأتراك في هذا الفصل أحد
الإضافات المهمة بالكتاب. ويناقش الفصل الثاني علاقة الإسلام بحزب
الشعب الجمهوري في الفترة من 1922
– 1946، ثم يناقش علاقة الإسلام
بالأحزاب الإسلامية المختلفة
في فترة التعددية الحزبية في
الفترة من 1946-1950، ثم يناقش موضع
الإسلام في الحياة الاجتماعية
والسياسية لتركيا في الفترة من
1960-1970 ، ثم ينتهي الفصل بمناقشة
ظاهرة أحزاب ما يعرف في تركيا ب
" الملي جوروش " التي أسسها
أبو الإحياء الإسلامي التركي
" نجم الدين أربكان". ورغم محاولة العلمنة القاسية لأتاتورك
فإن قوانينه العلمانية لم
تتجاوز المدن الكبرى وظل غالبية
الشعب التركي يعيش وفق التقاليد
الإسلامية ، وظل الناس ينظرون
للإسلام باعتباره شيئا مقدسا لا
يمكن التضحية به أو الاستغناء
عنه . مع فترة التعددية بدأ الاعتبار يعود
للإسلام فتم رفع الآذان باللغة
العربية وفتحت مدارس تعليم
القرآن ، وبدأت إذاعة القرآن
الكريم ، وانتعشت الطرق الصوفية
وحاول العديد من الشخصيات
المشهود لها بالإخلاص تحاول
تأسيس أحزاب إسلامية ، وأعيد
الاعتبار للحركة النورسية ،
وتعد مرحلة التعددية التي حكم
فيها عدنان مندريس هي بدايات
عودة الإسلام في تركيا . في عقد الستينيات وحتى السبعينيات طرح
العسكر الانقلابيون مفهوم
الإسلام التركي، وفي
السبعينيات ظهرت الأحزاب
الإسلامية المستقلة لأول مرة في
تركيا حيث أسس "أربكان" حزب
النظام الوطني " عام 1970 ، ثم
حزب السلامة الوطني عام 1972 ومن
عجائب السياسة التركية أن هذا
الحزب دخل في تحالف مع حزب الشعب
العلماني الكمالي ثم دخل في
ائتلاف آخر مع الجبهة الوطنية
وهي تجمع لعدد من الأحزاب ، بيد
إنه أغلق بحكم المحكمة. وفي الفصل الثالث الذي جاء تحت عنوان "
الرفاه والوصول إلى السلطة "
فيبحث عودة الرفاه إلى الساحة
السياسية التركية عام 1984 ثم
اكتساحه الانتخابات البلدية في
مارس 1994 ثم الانتخابات البلدية
عام 1995 وحصوله علي المركز الأول
فيها ، ثم وصول رئيسه " نجم
الدين أربكان " إلي رئاسة ا
لوزراء عام 1996 ، يطرح التساؤل
الأهم في السياسة العربية وهو
كيف يمكن ممارسة ديموقراطية لا
تستثني الإسلاميين منها ؟ يحاول هذا الفصل ومن منظور داخلي
واعتمادا علي وثائق الرفاه
ومقابلات قادته أن يتعمق في
خبرة الرفاه (1983-1996) من بداية
التأسيس ثم الصعود السياسي حتي
الوصول إلي الحكم ، وهنا إضافة
مهمة وهي أيديولوجية حزب الرفاه
وبناءة التنظيمي وكيفية بناء
الكادر داخله ثم كيف مارس
الرفاه السياسية وهو رغم كونه
حزبا إسلاميا كان أكثر وفاء
لقواعد الديموقراطية والدستور
من الأحزاب العلمانية الأخرى في
الساحة التركية. وفي الفصل الرابع "العدالة والتنمية
ومستقبل الإسلام السياسي"
فقد خصص الباحث هذا الفصل في
محاولة منه للتعرف علي خبرة حزب
العدالة والتنمية الذي استقل عن
تجربة أربكان ليؤسس لنفسه كجيل
جديد خبرة مختلفة ، الحزب
أيديولوجيته هي الديموقراطية
المحافظة التي تقوم علي فكرة
التوافق والتجاور وليس الصراع
والثنائيات ، كما أنه لا يستخدم
الدين كأداة في الصراع
الاجتماعي والسياسي ، وجيل
الوسط في الحركة الإسلامية
التركية الذي مثله " أردوغان
وعبد الله جول ومن معهم " قدم
صيغة توافقية تقوم علي فكرة
الحل الوسط التاريخي الذي يحترم
عقائد الإسلاميين وحقهم في
التعبير ويعتمد علمانية تقبل
بقواعد الديموقراطية والتعددية
بما في ذلك الاعتراف بالتعددية
الثقافية للأكراد ، ويعبر الحزب
عن التيار الرئيسي في المجتمع ا
لتركي والذي لا يقتصر علي
الإسلاميين وحدهم وإنما يضم
قطاعات متنوعة من الشباب
والنساء واليساريين
والعلمانيين ويعد الحزب تعبيرا
عن تجاوز للتيارات التقليدية في
الحياة السياسية التركية سواء
أكانت التيار الإسلامي أو
القومي أو العلماني الأتاتوركي
فهو يؤسس لما أطلقنا عليه
الجمهورية الثالثة التي تقوم
علي فكرة تجاوز الاستقطاب
ومحاولة بناء تيار جامع جديد
يعبر عن قطاعات من أجيال جديدة
دخلت السوق السياسي التركي . يتابع هذا الفصل التحولات المختلفة
والمعارك التي خاضها العدالة
والتنمية من أول تعديل الدستور
ومحاولة الدخول للاتحاد
الأوروبي ، وخوض غمار معركة
الرئاسة ومعركة الانتخابات
النيابية عام 2007 ، لكن تبقي
حقيقة أن الإسلام ظل هو الحقيقة
الراسخة في الحياة السياسية
التركية ، ولم تفلح محاولات
العلمانية الأصولية في تقليل
تاثيره أو تغييبه من الحياة
السياسية والاجتماعية . الخبرة التركية مهمة لنا في عالمنا
العربي ذلك أن النظم السياسية
العربية والحركات الإسلامية في
عالمنا العربي لم يستطيعا
التوصل إلي صيغة تقوم علي فكرة
الحل الوسط التاريخي الذي يعتمد
نظاما سياسيا مدنيا تعدديا لا
يستبعد الإسلاميين منه. -------------------- هذا
الكتاب يعبر عن رأي كاتبه
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |