ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
عادوا
إلى الفطرة (70
قصة حقيقية مؤثرة) إعداد
: أبو إسلام
أحمد بن علي -17-
الأسقف
الأمريكي الذي اعتنق الإسلام (مصطفى
مولاني) جاء
إلى مصر بعد أن استقال من منصبه
كأسقف في إحدى الولايات
الأمريكية ليدرس الإسلام على يد
شيوخ الأزهر و علمائه . كان
يشعر بالشك في عقيدته بعد أن درس
الفلسفة و اللاهوت ، و بعد أن
كان يقوم بتدريس المواد الدينية
في إحدى المدارس الثانوية
الكاثوليكية ، فقد كان شغوفاً
بالبحث و الدراسة حتى يستطيع أن
يقوم بعمله خير قيام ، و لكن
دراساته و بحوثه لم تزده إلا
شكاً في عقيدته و طبيعة عمله . و
قبل أن يسرد قصة اتجاهه للإسلام
و اعتناقه يتناول بالحديث طبيعة
نشأته و مراحل دراسته و تطورها
التي أوصلته للعمل كأسقف بولاية
"نيوجيرسي" ... فيقول : "
أنا شاب أيرلندي الأصل ، نشأت في
بيئة كاثوليكية متمسكة
بعقيدتها ، و كل الآباء هناك
يتمنون أن يكون من أبنائهم قسيس
يخدم الدين المسيحي ؛ لأن هذا
شرف كبير للعائلة ؛ لذلك درست في
مدرسة ثانوية دينية ، ثم التحقت
بكلية خاصة بالقسس بجامعة "سانت
باتريك" لدراسة الفلسفة و
اللاهوت لمدة ست سنوات ، و خلال
فترة دراستي لم أسمع كلمة واحدة
عن الإسلام . و
بعد تخرجي بشهرين فقط عام 1971
ذهبت إلى أمريكا للتبشير ، حيث
تخرج الكلية مائتي قسيس كل عام ،
و يأتي الأساقفة الأمريكيون
فيأخذون أغلبهم إلى أمريكا
للعمل بالتبشير في مناطق مختلفة
، و عملت أسقفاً بولاية "نيوجيرسي"
و أصبحت مسئولاً عن إعداد برامج
التوجيه الديني لكل المستويات و
تدريب القائمين بهذا العمل ، و
إلى جانب ذلك عملت مدرساً
للمواد الدينية بالمدرسة
الثانوية الكاثوليكية ، و كنت
مشغوفاً بالبحث و الدراسة حتى
أستطيع أن أؤدي واجبي تجاه
إرشاد الناس . ....
و كنت كلما تعمقت في البحث و
الدراسة انتابني شعور غريب
بالشك في عقيدتي ، و لم أستطع أن
أكتم شكوكي ، فقررت مفاتحة رئيس
الأساقفة و قلت له : لديَّ شك في
عملي ، بل و في إيماني بالله حسب
عقيدتنا ، فنصحني بالتريث و
التفكير و أعطاني مهلة لمدة عام
ريثما أفكر في الموضوع بهدوء
" و
يتنهد و يزفر بزفرات حارة و هو
يهز رأسه قائلاً : "
... و خلال هذا العام عكفت على
البحث و الدراسة و توجت بحثي
بالحصول على درجتين للماجستير ،
إحداهما في التربية الدينية و
الأخرى في اللاهوت و الكتاب ، و
لكن هذه الدراسات و البحوث لم
تزدني إلا شكاً في عقيدتي و عملي
.. و عدت إلى رئيس الأساقفة و معي
استقالتي من عملي فوافق .. " ثم
يلتقط أنفاسه ليعود مستدركاً ما
بدا له أنه قد فاته توضيحه فيقول
: "
و لكن حتى هذه اللحظة لم أكن قد
عرفت أي شئ عن الإسلام " و
يبدو أن هناك أسباباً وراء
شكوكه في عقيدته كانت وراء
استقالته من عمله دون أن يكون
واقعاً تحت تأثير أي عقيدة أخرى
.. فيحدثنا عنها قائلاً : "
هناك أسباب كثيرة ، فقد كان
انتقالي من أيرلندا حيث المجتمع
الريفي المتماسك إلى أمريكا حيث
المجتمع الصناعي المادي و ما
يتميز به من أمور غريبة ، من ذلك
مثلاً عدد المذاهب المسيحية
الذي يربو على ثلاثمائة مذهب ..
كل واحد منها يزعم أنه على الحق
دون غيره ، مما جعلني أشك في صدق
هؤلاء . كما
أن هناك أشياء أخرى لم أكن
مقتنعاً بها ، مثل السلطة
البابوية المطلقة على الناس و
التعسف في معالجة الأمور مثلما
حدث من جدال طويل قد ثار حول
موقف البابا من تنظيم النسل ،
فهم يرفضون التنظيم مع أنه لا
يوجد في الأناجيل ما يمنع ذلك . كما
أنني لم أكن مقتنعاً بفكرة
الرهبنة ، حيث كثير من رجال
الدين في المسيحية ممنوعون من
الزواج بأمر البابا ، و هذا شئ
ضد طبيعة الإنسان و فطرته . هذه
هي بعض الأسباب التي ضاعفت
شكوكي و جعلتني أعيش في حيرة ..
كيف أعظ الناس و أنا غير مقتنع
بما أقول .. لذلك قررت الاستقالة
دون أن أعرف شيئاً عن الإسلام
" و
بعد أن استقال قرر أن يستأنف
دراسته للحصول على الدكتوراه من
جامعة هارفارد ، و ذلك بعد أن
اشتغل في الكنيسة تسع سنوات . و
في فترة دراسته تلك كانت توافيه
معلومات و بيانات عن الإسلام ،
فأراد أن يستزيد منها .. فماذا
يفعل؟ .. يجيب عن ذلك بقوله : "
أردت أن أعرف المزيد عن الإسلام
فدرست تاريخ الإسلام و الحضارة
الإسلامية ، كما حرصت على حضور
بعض المحاضرات لعدد من علماء
المسلمين الذين يحاضرون في
القرآن و الحديث و أركان
الإسلام و كل ما يتصل به ، و ذلك
من باب حب الاستطلاع " و
يصمت برهة ليسترجع ذكريات حبيسة
في نفسه فيقول : "
أذكر في ذلك الوقت أنني قد سمعت
عن مصر و الأزهر و دوره الإسلامي
الكبير .. و الغريب الذي أعجب منه
كلما أسترجعه أن بداية معرفتي
بالأزهر جاءت بعد رؤيتي لعرض
تقدمه شيخان من الأزهر بزيهما
الديني المميز اعترافاً و
تقديراً لدور الأزهر كأقدم
جامعة في العالم ، و ذلك في
أثناء الاحتفال بمرور ثلاثمائة
عام على إنشاء جامعة هارفارد
حضره مندوبون عن جامعات العالم
العريقة .. و هذه الصورة محفوظة
في سجل الجامعة هناك ؛ و لذلك
قررت أن يكون موضوع رسالتي
للدكتوراه عن علماء الدين
الإسلامي : أهميتهم و دورهم في
المجتمع المصري من أيام الشيخ
عبد المجيد سليم و حتى الآن " و
حتى ذلك الوقت لم يكن قد قرر
اعتناق الإسلام ، و إنما كان
اهتمامه بالدراسة فقط و التي
كانت تستدعي منه مجيئه إلى مصر
ليقوم بدراسة الإسلام من كليات
الأزهر المتخصصة ، مثل كليه
أصول الدين ، و التقائه
بأساتذتها و علماء الإسلام ،
فضلاً عن قراءاته المستفيضة
لعدد كبير من الكتب الإسلامية . و
عندما حضر إلى مصر و شاء قدر
الله أن يكون ذلك في شهر رمضان
راعى انتباهه ظاهرة غريبة
بالنسبة له كأجنبي .. عنها يقول : "
حين جئت إلى مصر في شهر رمضان
شاهدت المجتمع المصري منتظماً
في أسلوب حياته القائم على أساس
من الدين ، فالناس يذهبون إلى
المسجد عند سماع الأذان و
يتطهرون بماء الوضوء ثم يقفون
في صفوف منتظمة ، و عند الإفطار
تخلو الشوارع من المارة " عندئذ
يضحك ساخراً من نفسه عندما فسر
في البداية خلو الشوارع من
المارة بوجود تعليمات بحظر
التجوال في ذلك الوقت ، فيعبر عن
ذلك بقوله : "ظننت
في بداية الأمر أن هناك قانوناً
يقضي بحظر التجوال بعد الغروب
،و لكنني عرفت السبب بعد ذلك " ثم
يعود ليكمل روايته عن تلك
الظاهرة التي استرعت انتباهه في
شهر رمضان فيقول : "
و رأيت أيضاً المسلمين يصلون
العشاء و التراويح و يذهب بعضهم
إلى أعمالهم و متاجرهم حتى ساعة
متأخرة يقال عنها السحور ، ثم
يصلون الفجر و ينامون " ثم
يندفع في كلامه ليؤكد حكماً
استخلصه من مشاهداته في المجتمع
المصري كمجتمع مسلم فيقول : "
فالمجتمع إذن منظم على أساس من
الدين ، يكفي أنه قد شد انتباهي
أن الأمن و الأمان سائدان في
شوارع القاهرة بشكل لم أرهما من
قبل في أي مكان .. فأناس يسيرون
في الشوارع ليلاً في أمن و
اطمئنان بدون أن يتعرضوا
للاعتداء عليهم بالقتل أو غيره
، في حين أن عندنا في نيويورك
مثلاً يوجد كل يوم ثمانية قتلى
في الشوارع ، مع أن الأمريكيين
لا يسيرون في الشوارع و الطرقات
ليلاً خوفاً على حياتهم ، ليس
ذلك في نيويورك وحدها بل في باقي
الولايات الأمريكية ، فبرغم
القوانين و العقوبات تنتشر
الجرائم و الانحرافات انتشاراً
مخيفاً ، و لكن الأمر يختلف في
المجتمع المسلم كما هو الحال في
مصر ، فإيمان الناس بدينهم
يجعلهم يطبقون تعاليمه بدون خوف
من عقوبة أو قانون ، بل احتراماً
لمبادئهم و عقيدتهم ، و هذا هو
الفرق بين المجتمع هنا و
المجتمع في الغرب حيث لا أمن و
لا أمان " و
برغم اقتناعه بالإسلام كمنهج
حياة ينظم للبشر أسلوب معيشتهم
و سلوكياتهم كما رأى بعينه من
انتظام الناس في العبادة في شهر
رمضان ، و برغم قراءاته في الكتب
الإسلامية المترجمة و لاسيما
ترجمة معاني القرآن الكريم و
غيرها من الكتب ككتاب "حياة
محمد" للدكتور محمد حسين هيكل
الذي استخدم فيه الأسلوب العلمي
الدقيق في الرد على شبهات
المستشرقين حول الرسول و زوجاته
الطاهرات ، و برغم مقابلاته مع
شيوخ و علماء الأزهر ، برغم ذلك
كله لم يعلن إسلامه على الفور ،
ليس عن عناد فكر و غشاوة قلب ، و
إنما لسبب آخر .. عن ذلك يقول
موضحاً : "
إنه برغم اقتناعي الكامل
بالإسلام كدين خاتم يجب أن يؤمن
به الناس جميعاً ، فإنني ترددت
أربعة أشهر قبل أن أعلن إسلامي ،
لأدرس القرار في تأنٍ من جميع
جوانبه ؛ لأنه من الصعب على
الإنسان أن يغير دينه .. بعدها
شرح الله صدري للإسلام فدخلت في
دين الله الحق ، و سميت نفسي "مصطفى
مولاني" تيمناً باسم الرسول
محمد صلى الله عليه و سلم " و
في نبرة سعادة خفية كشفتها
عيناه و هي تلمع كوميض الضوء و
هو يصرخ قائلاً : "
في لحظة اعتناقي للإسلام شعرت
أنني أدخل عالماً نورانياً يسمو
بالروح و النفس ، و ذلك حينما
تسلمت شهادة إشهاري الإسلام ..
قد شعرت بأنني حصلت على أعلى
شهادة في الدنيا .. و أحسست في
الوقت ذاته أنني ألقيت عن كاهلي
عبئاً ثقيلاً من الهموم و القلق
و الشكوك و الشقاء .. نعم شعرت
بسعادة غامرة لم أشعر بها من قبل
" و
عن الرسول محمد صلى الله عليه و
سلم الذي هاجمه عندما كان
قسيساً قال :" لقد اقتنعت
تماماً بأن محمداً صلى الله
عليه و سلم هو خاتم الأنبياء و
المرسلين ، و اقتنعت بسنته و
تشريعاته التي اتخذها الغرب
مدخلاً للطعن في رسالته مثل
تعدد الزوجات التي اقتنعت
تماماً بحكمتها " ثم
أضاف قائلاً : "
لقد قمت بعمل عمرة و زرت البيت
الحرام و الروضة الشريفة و فاضت
عيناي بالدموع أمام قبر المصطفى
صلى الله عليه و سلم و قلت لنفسي
حينئذ : من أنا حتى أقف أمام قبر
أعظم إنسان عرفته البشرية .. و
شكرت الله تعالى أن هداني
للإسلام " إن
قصة اعتناق الأسقف الأمريكي
للإسلام تبين إلى أي مدى ينتشر
دين الله في قلعة الكفر التي لا
تعترف بالإسلام و لا برسوله و
تناصبهما العداء ، و لكن عندما
تشاء إرادة الله في هداية أحد من
عباده فلا راد لمشيئته .
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |