ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 25/04/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

كتب

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الفروق

لابن قيم الجوزية

(15)

الفرق بين العفو والذل

فصل والفرق بين العفو والذل أن العفو إسقاط حقك جودا وكرما وإحسانا مع قدرتك على الانتقام فتؤثر الترك رغبة في الإحسان ومكارم الأخلاق بخلاف الذل فإن صاحبه يترك الانتقام عجزا وخوفا ومهانة نفس فهذا مذموم غير محمود ولعل المنتقم بالحق أحسن حالا منه قال تعالى " والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون "   فمدحهم بقوتهم على الانتصار لنفوسهم وتقاضيهم منها ذلك حتى إذا قدروا على من بغى عليهم وتمكنوا من استيفاء مالهم عليه ندبهم إلى الخلق الشريف من العفو والصفح فقال " وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا واصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين " فذكر المقامات الثلاثة العدل وأباحه والفضل وندب إليه والظلم وحرمه   فإن قيل فكيف مدحهم على الانتصار والعفو وهما متنافيان   قيل لم يمدحهم على الاستيفاء والانتقام وإنما مدحهم على الانتصار وهو القدرة والقوة على استيفاء حقهم فلما قدروا ندبهم إلى العفو قال بعض السلف في هذه الآية كانوا يكرهون أن يستذلوا فإذا قدروا عفوا فمدحهم على عفو بعد قدرة لا على عفو ذل وعجز ومهانة وهذا هو الكمال الذي مدح سبحانه به نفسه في قوله وكان الله عفوا قديرا " والله غفور رحيم " وفي أثر معروف حملة العرش أربعة إثنان يقولان سبحانك اللهم ربنا وبحمدك لك الحمد على حلمك بعد علمك واثنان يقولان سبحانك اللهم ربنا وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك ولهذا قال المسيح صلوات الله وسلامه عليه " إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " أي أن غفرت لهم غفرت عن عزة وهي كمال القدرة وحكمة وهي كمال العلم فغفرت بعد أن علمت ما عملوا وأحاطت بهم قدرتك إذ المخلوق قد يغفر بعجزه عن الانتقام وجهله بحقيقة ما صدر من المسيء والعفو من المخلوق ظاهره ضيم وذل وباطنه عز ومهانة وانتقام ظاهره عز وباطنه ذل فما زاد الله بعفو إلا عزا لا انتقم أحد لنفسه إلا ذل ولو لم يكن إلا بفوات عز العفو ولهذا ما انتقم رسول الله لنفسه قط وتأمل قوله سبحانه وهم ينتصرون كيف يفهم منه أن فيهم من القوة ما يكونون هم بها المنتصرين لأنفسهم لا أن غيرهم هو الذي ينصرهم ولما كان الانتصار لا تقف النفوس فيه على حد العدل غالبا بل لا بد من المجاوزة شرع فيه سبحانه المماثلة والمساواة وحرم الزيادة وندب إلى العفو

والمقصود أن العفو من أخلاق النفس المطمئنة والذل من أخلاق الإمارة ونكتة المسألة أن الانتقام شيء والانتصار شيء فالانتصار أن ينتصر لحق الله ومن أجله ولا يقوى على ذلك إلا من تخلص من ذل حظه ورق هواه فإنه حينئذ ينال حظا من العز الذي قسم الله المؤمنين فإذا بغى عليه انتصر من الباغي من أجل عز الله الذي أعزه به غيرة على ذلك العز أن يستضام ويقهر وحمية للعبد المنسوب إلى العزيز الحميد أن يستذل فهو يقال للباغي عليه أنا مملوك من لا يذل مملوكه ولا يحب أن يذله أحد وإذا كانت نفسه الأمارة قائمة على أصولها لم تحب بعد طلبه إلا الانتقام والانتصار لحظها وظفرها بالباغي تشفيا فيه وإذلالا له وأما النفس التي خرجت من ذل حظها ورق هواها إلى عز توحيدها وإنابتها إلى ربها فإذا نالها البغي قامت بالانتصار حمية ونصرة للعز الذي أعزها الله به ونالته منه وهو في الحقيقة حمية لربها ومولاها وقد ضرب لذلك مثلا بعبدين من عبيد الغلة حراثين ضرب أحدهما صاحبه فنفا المضروب عن الضارب نصحا منه لسيده وشفقة على الضارب أني عاقبه السيد فلم يجشم سيده خلقه عقوبته وإفساده بالضرب فشكر العافي على عفوه ووقع منه بموقع وعبد آخر قد أقامه بين يديه وجمله وألبسه ثيابا يقف بها بين يديه فعمد بعض سواس الدواب وأضرابهم ولطخ تلك الثياب بالعذرة أو مزقها فلو عفا عمن فعل به ذلك لم يوافق عفوه رأى سيده ولا محبته وكان الانتصار أحب إليه ووافق لمرضاته كأنه يقول إنما فعل هذا بك جرأة علي واستخفافا بسلطاني فإذا أمكنه من عقوبته فأذله وقهره ولم يبق إلا أن يبطش به فذل وانكسر قلبه فإن سيده يحب منه أن لا يعاقبه لحظة وأن يأخذ منه حق السيد فيكون انتصاره حينئذ لمحض حق سيده لا لنفسه كما روى عن علي رضي الله أنه مر برجل فاستغاث به وقال هذا منعني حقي ولم يعطني إياه فقال أعطه حقه فلما جاوزهما لج الظالم ولطم صاحب الحق فاستغاث بعلي فرجع وقال أتاك الغوث فقال له استقدمته فقال قد عفوت يا أمير المؤمنين فضربه على تسع دور وقال قد عفا عنك من لطمته وهذا حق السلطان فعاقبه على لما اجترأ على سلطان الله ولم يدعه ويشبه هذا قصة الرجل الذي جاء إلى أبي بكر رضي الله عنه فقال احملني فوالله لا أنا أفرس منك ومن ابنك وعنده المغيرة بن شعبة فحسر عن ذراعه وصك بها أنف الرجل فسال الدم فجاء قومه إلى أبي بكر رضي الله عنه فقالوا أقدنا من المغيرة فقال أنا أقيدكم من وزعة الله لا أقيدكم منه فرأى أبو بكر أن ذلك انتصار من المغير وحمية الله وللعز الذي أعز به خليفة رسول الله ليتمكن بذلك العز من حسن خلافته وإقامة دينه فترك قوده لاجترائه على عز الله وسلطانه الذي أعز به رسوله ودينه وخليفته فهذا لون والضرب حمية للنفس الأمارة لون

 

 

السابقأعلى الصفحة

 

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ