ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الفروق لابن
قيم الجوزية (17) الفرق
بين الثقة والغرة فصل
والفرق بين الثقة والغرة أن
الثقة سكون يستند إلى أدلة
وإمارات يسكن القلب إليها فكلما
قويت تلك الإمارات قويت الثقة
واستحكمت ولا سيما على كثرة
التجارب وصدق الفراسة واللفظة
كأنها والله اعلم من الوثاق وهو
الرباط فالقلب قد ارتبط بمن وثق
به يوكلا عليه وحسن ظن به فصار
في وثاق محبته ومعاملته
والاستناد إليه والاعتماد عليه
فهو في وثاقه بقلبه وروحه وبدنه
فإذا صار القلب إلى الله وانقطع
إليه تقيد بحبه وصار في وثاق
العبودية فلم يبق له مفزع في
النوائب ولا ملجأ غيره ويصير
عدته وشدته وذخيرته في نوائبه
وملجأه في نوازله ومستعانه في
حوائجه وضروراته
وأما الغرة فهي حال المغتر
الذي غرته نفسه وشيطانه وهواه
وأمله الخائب الكاذب بربه حتى
اتبع نفسه هواها وتمنى على الله
الأماني والغرور ثقتك بمن لا
يوثق به وسكونك إلى من لا يسكن
إليه ورجاؤك النفع من المحل
الذي لا يأتي بخبر كحال المغتر
بالسراب قال تعالى والذي كفروا
أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه
الظمآن ماءا حتى إذا جاءه لم
يجده شيئا ووجد الله عهده فوفاه
حسابه والله سريع الحساب وقال
تعالى في وصف المغترين " قل هل
ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين
ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم
يحسبون أنهم يحسنون صنعا "
وهؤلاء إذا انكشف الغطاء وثبتت
حقائق الأمور علموا انهم لم
يكونوا على شيء وبدا لهم من الله
ما لم يكونا يحتسبون وفي اثر
معروف إذا رأيت الله سبحانه
يزيدك من نعمة وأنت مقيم عل
معصيته فأحذره فإنما هو استدراج
يستدرجك به وشاهد هذا في القرآن
في قوله تعالى فلما نسوا ما
ذكروا به فتحنا عليهم أبوب كل
شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا
أخذناهم بغتة فهم مبلسون وهذا
من أعظم الغرة أن تراه يتابع
عليك نعمه وأنت مقيم على ما يكره
فالشيطان وكل الغرور وطبع النفس
الأمارة الاغترار فإذا اجتمع
الرأي والبغي والرأي المحتاج
والشيطان الغرور والنفس
المغترة لم يقع هناك خلاف
فالشياطين غروا المغترين بالله
وأطمعوهم مع إقامتهم على ما
يسخط الله ويغضبه في عفوه
وتجاوزه وحدوثهم بالتوبة لتسكن
قلوبهم ثم دافعوهم بالتسويف حتى
هجم الأجل فأخذوا على أسوأ
أحوالهم وقال تعالى " وغرتكم
الأماني حتى جاء أمر الله وغركم
بالله الغرور " وقال تعالى
" يا أيها الناس إن وعد الله
حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا
ولا يغرنكم بالله الغرور "
واعظم الناس غرورا بربه من إذا
مسه الله برحمة منه وفضل قال هذا
لي أي أنا أهله وجدير به ومستحق
له ثم قال " وما أظن الساعة
قائمة " فظن أنه أهل لما أولاه
من النعم مع كفره بالله ثم زاد
في غروره فقال " ولئن رجعت إلى
ربي إن لي عنده للحسنى " يعني
الجنة والكرامة وهكذا تكون
الغرة بالله فالمغتر بالشيطان
مغتر بوعوده وأمانيه وقد ساعد
اغتراره بدنياه ونفسه فلا يزال
كذلك حتى يتردى في آبار الهلاك
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |