ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 28/04/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

كتب

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الفروق

لابن قيم الجوزية

(18)

الفرق بين الرجاء والتمني

فصل والفرق بين الرجاء والتمني أن الرجاء يكون مع بذل الجهد واستفراغ الطاقة في الإتيان بأسباب الظفر والفوز والتمني حديث النفس بحصول ذلك مع تعطيل الأسباب الموصلة إليه قال تعالى " إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله " فطوى سبحانه بساط الرجاء إلا عن هؤلاء وقال المغترون إن الذين ضيعوا أوامره وارتكبوا نواهيه واتبعوا ما أسخطه وتجنبوا ما يرضيه أولئك يرجون رحمته وليس هذا ببدع من غرور النفس والشيطان لهم فالرجاء لعبد قد امتلأ قلبه من الإيمان بالله واليوم الآخر فمثل بين عينيه ما وعده الله تعالى من كرامته وجنته امتد القلب مائلا إلى ذلك شوقا إليه وحرصا عليه فهو شبيه بالماد عنقه إلى مطلوب قد صار نصب عينيه وعلامة الرجاء الصحيح أن الراجي يخاف فوت الجنة وذهاب حظه منها بترك ما يخاف أن يحول بينه وبين دخولها فمثله مثل رجل خطب امرأة كريمة في منصب شرف إلى أهلها فلما آن وقت العقد واجتماع الأشراف والأكابر وإتيان الرجل إلى الحضور علم عشية ذلك اليوم ليتأهب الحضور فتراه المرأة وأكابر الناس فاخذ في التأهب والتزيين والتجميل فأخذ من فضول شعره وتنظيف وتطيب ولبس أجمل ثيابه وأتى إلى تلك الدار متقيا في طريقه كل وسخ ودنس واثر يصيبه اشد تقوى حتى الغبار والدخان وما هو دون ذلك فلما وصل إلى الباب رحب به ربها ومكن له في صدر الدار على الفرش والوسائد ورمقته العيون وقصد بالكرامة من كل ناحية فلو أنه ذهب بعد أخذ هذه الزينة فجلس في المزابل وتمرغ عليها وتمعك بها وتلطخ في بدنه وثيابه بما عليها من عذرة وقذر ودخل ذلك في شعره وبشره وثيابه فجاء على ذلك الحال إلى تلك الدار وقصد دخولها للوعد الذي سبق له لقام إليه البواب بالضرب والطرد والصياح عليه والإبعاد له من بابها وطريقها فرجع متحيزا خاسئا فالأول حال الراجي وهذا حال المتمني وإن شئت مثلت حال الرجلين بملك هو من أغير الناس وأعظمهم أمانة وأحسنهم معاملة لا يضيع لديه حق أحد وهو يعامل الناس من وراء ستر لا يراه أحد وبضائعه وأمواله وتجارته وعبيده وإماؤه ظاهر بارز في داره للعاملين فدخل عليه رجلان فكان أحدها يعامله بالصدق والأمانة والنصيحة لم يجرب عليه غشا ولا خيانة ولا مكرا فباعه بضائعه كلها واعتمد مع مماليكه وجواريه ما يجب أن يعتمد معهم فكان إذا دخل إليه ببضاعة تخير له احسن البضائع وأحبها إليه وإن صنعها بيده بذل جهده في تحسينها وتنميقها وجعل ما خفي منها أحسن مما ظهر ويستلم المؤنة ممن أمره أن يستلمها منه وامتثل ما أمره به السفير بينه وبينه في مقدار ما يعمله صفته وهيئته وشكله ورقته وسائر شئونه وكان الآخر إذا دخل دخل بأخس بضاعة يجدها لم يخلصها من الغش ولا نصح فيها ولا اعتمد في أمرها ما قاله المترجم عن الملك والسفير بينه وبين الصناع والنجار بل كان يعملها على ما يهواه ومع ذلك فكان يخون الملك داره إذ هو غائب عن عينه فلا يلوح له طمع إلا خانة ولا حرمة للملك إلا مد بصره إليها وحرص على إفسادها ولا شيء يسخط الملك إلا ارتكبه إذا قدر عليه فمضيا على ذلك مدة ثم قيل إن الملك يبرز لمعامليه حتى يحاسبهم ويعطيهم حقوقهم فوقف الرجلان بين يديه فعامل كل واحد منهما بما يستحقه فتأمل هذين المثلين فإن الواقع مطابق لهما فالراجي على الحقيقة لما صارت الجنة نصب عينه ورجاءه وأمله امتد إليها قلبه وسعى لها سعيها فإن الرجاء هو امتداد القلب وميله وحقق رجاءه كمال التأهب وخوف الفوت والأخذ بالحذر وأصله من التنحي ! ورجا البئر ناحيته وإرجاء السماء نواحيها وامتداد القلب إلى المحبوب منقطعا عما يقطعه عنه هو تنح عن النفس الأمارة وأسبابها وما تدعو إليه وهذا الامتداد والميل والخوف من شأن النفس المطمئنة فإن القلب إذا انفتحت بصيرته فرأى الآخرة وما أعد الله فيها لأهل طاعته وأهل معصيته خاف وخف مرتحلا إلى الله والدار الآخرة وكان قبل ذلك مطمئنا إلى النفس والنفس إلى الشهوات والدنيا فلما انكشف عنه غطاء النفس خف وارتحل عن جوارها طالبا جوار العزيز الرحيم في جنات النعيم ومن هنا صار كل خائف راجيا وكل راج خائفا فأطلق اسم أحدهما على الآخر فإن الراجي قلبه قريب الصفة من قلب الخائف هذا الراجي قد نجى ! قلبه عن مجاورة النفس والشيطان مرتحلا إلى الله قد رفع له من الجنة علم فشمر إليه وله مادا إليه قلبه كله وهذا الخائف فار منه جوارهما ملتجئ إلى الله من حبسه في سجنهما في الدنيا فيحبس معها بعد الموت ويوم القيامة فإن المرء مع قرينه في الدنيا والآخرة فلما سمع الوعيد ارتحل من مجاورة جار السوء في الدارين فأعطى اسم الخائف ولما سمع الوعد امتد واستطار شوقا وفرحا بالظفر به فأعطى اسم الراجي وحالاه متلازمان لا ينفك عنهما فكل راج خائف من فوات ما يرجوه كما أن كل خائف راج أمنه مما يخاف فلذلك تداول الاسمان عليه قال تعالى " ما لكم لا ترجون لله وقارا " قالوا في تفسيرها لا تخافون لله عظمة وقد تقدم أن سبحانه طوى الرجاء إلا عن الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا وقد فسر النبي الإيمان بأنه ذو شعب وأعمال ظاهرة وباطنة وفسر الهجرة بأنها هجر ما نهى الله عنه والجهاد بأنه جهاد النفس في ذات الله فقال المهاجرين من هجر ما نهى الله عنه والمجاهد من جاهد نفسه في ذات الله والمقصود بأن الله سبحانه جعل أهل الرجاء من آمن وهاجر وجاهد وأخرج من سواهم من هذه الأمم   وأما الأماني فإنها رءوس أموال المفاليس أخرجوها في قالب الرجاء وتلك أمانيهم وهي تصدر من قلب تزاحمت عليه وساوس النفس فاظلم من دخانها فهو يستعمل قلبه في شهواتها وكلما فعل ذلك منته حسن العاقبة والنجاة وإحالته على العفو والمغفرة والفضل وأن الكريم لا يستوفي حقه ولا تضره الذنوب ولا تنقصه المغفرة ويسمي ذلك رجاء وإنما هو وسواس وأماني باطلة تقذف بها النفس إلى القلب الجاهل فيستريح إليها قال تعالى " ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا " فإذا ترك العبد ولاية الحق ونصرته ترك الله ولايته ونصرته ولم يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا وإذا ترك ولايته ونصرته تولته نفسه والشيطان فصارا وليين له ووكل نفسه فصار انتصاره لها بدلا من نصرة الله ورسوله فاستبدل بولاية الله ولاية نفسه وشيطانه وبنصرته نصرة نفسه هواه فلم يدع للرجاء موضعا فإذا قالت لك النفس أنا في مقام الرجاء فطالبها بالبرهان وقل هذه أمنية فهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين فالكيس يعمل أعمال البر على الطمع والرجاء والأحمق العاجز يعطل أعمال البر ويتكل على الأماني التي يسميها رجاء والله الموفق

 

 

السابقأعلى الصفحة

 

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ