ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 29/05/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

كتب

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


عرض كتاب

المستشرقون الألمان، النشوء والتأثير والمصائر

المؤلف: د. رضوان السيد.

الناشر: دار المدار الإسلامي، بيروت، ط1، 2007.

عدد الصفحات: 96.

عانى الاستشراق - شأنه في ذلك شأنُ غيرِه من العلوم الوافِدة من الغرب - من إشْكالات بنيويَّة وعلميَّة عميقة، لم يكُن أوَّلها التوجُّس المعرفي والاجتِماعي المسبق حيالَ كلِّ جديد يصدِّره الغرب إليْنا، ولن يكون التَّشكيك في منهجيَّته وموضوعيَّته، وقدرته على مُمانعة التأثيرات السياسيَّة والتَّجاذُبات التَّاريخية، بين الإسلام الحضاري ونظيره الغرب المتمركِز حول ذاته.

 

ولمَّا كان الاستِشْراق ومختصُّوه قد دانُوا بالتَّعريف والكشْف عنه للدَّارسين العرب والمسلمين، لكلٍّ من الاستعمارَين الفرنسي والبريطاني بالدَّرجة الأولى، وما ناله المستشْرِقون الفرنسيون والبريطانيُّون من دعْمٍ رسمي وسياسي، أذاع من شهرتِهم، وعزَّز من موقعهم وتزعُّمهم لهذا الفرع من العلوم الإنسانيَّة (الاستشراق)؛ إلاَّ أنَّ الغريب في الأمر أنَّه في ظلِّ حالةِ العداء المعْلَن، والاحتِلال المباشر الذي مارستْه كلا الدولتَين - فرنسا وبريطانيا - على دول العالم الإسلامي والعربي، فإنَّ تلك الحالة لم تنجحْ في تقزيم مكانة المستشْرِقين الفرنسيِّين والبريطانيِّين، وتقليص هيمنَتِهم على هذا العلم، في الوقت الذي لَم تشفع صداقة ألمانيا التاريخيَّة مع الدَّولة العثمانيَّة، وحرصها على منافسة الخصمين اللَّدودَين - فرنسا وبريطانيا - من خلال التودُّد إلى العرب والمسلمين، ومساندتِهم في وجْه محتلِّيهم، لم يشفع لها ذلك في تعريف الدَّارسين العرب والمسلمين بتُراث الاستِشراق الألماني ورجالاته، رغْم الأثر البالغ الذي يَدين به هذا العلم بالذَّات لجهود المستشرقين الألْمان، الأكثر موضوعيَّةً، والأقل انحيازًا في هذا المجال العلمي.

 

والدكتور (رضوان السيد)، الحائز على شهادة الدكتوراه من جامعة توبنغن الألمانيَّة، وذو الاطلاع الواسع على نتاجات الاستِشْراق الألماني ورجالاته، يحاول في هذا الكتاب تتبُّع الإصدارات المبكِّرة للمستشرقين الألمان، ورصْد أهم جهودهم وأعمالهم، والتَّعريف بأهم رموزِهم، وأثر تلك الدراسات في الثقافة العربيَّة الإسلاميَّة خلال القرنَين المنصرمين، دون أن يغفل طرْحَ رؤيتِه الخاصَّة لمستقبل علم الاستِشْراق بوجه عام، ومصير الدِّراسات الاستشراقيَّة الرَّاهنة، في ظل التطورات والتحديات التي يواجهها.

 

يناقش (السيد) في تمهيده للكتاب ما بات يُعْرَف في أدبيَّات هذا التخصص بنقد (إدوارد سعيد) للاستشراق، ويَميل مع كلٍّ من المستشرق الألماني (فرانز شتبات)، ومحمد عوني عبد الرؤوف إلى تفريغ النقْد اللاذع الذي وجهه (إدوارد سعيد) إلى الاستشراق باتِّجاه ما سوى الاستشراق الألماني، الذي بذل جهودًا هائلة في "نشر النصوص العربية الكلاسيكيَّة التي صارت مصادر في الدِّراسات العربية والإسلامية ... ووضع الحضارة الإسلاميَّة في السياق العالمي" (ص6)، معتمدًا على تجاهُل (سعيد) نفسه للمستشرقين الألمان، وضعف الدور الرسمي في دعْم دراساتهم حول الشَّرق، معتبرًا أنَّ طريقة (سعيد) - شأنه في ذلك شأن الإسلاميِّين والنقْديِّين الجذريين - "طريقة هدميَّة ناقضة، وإن اختلفت مسالكُها بين الفرق الثلاثة اختلافًا شاسعًا" (ص7).

 

نشأة الاستشراق الألماني:

يرفض المؤلف ردَّ نشأة الاستِشْراق الألماني إلى الجهود التبشيريَّة، التي قام بها كنسيُّون متنوِّرون فيما بين القرنين الثَّاني عشر والرَّابع عشر الميلادي، "لأنَّ مقاصدَها ما كانت معرفيَّة بل تبشيريَّة" (ص11)، فقد كانت غاية أولئك الكنسيِّين تجاوز المرحلة الأسطوريَّة في مكافحة الإسلام، مما يمكن عدُّه "جزءًا من الحروب الدَّائرة بين المسيحيَّة والإسلام منذ ظهوره" (ص11)، ويؤكِّد على أنَّ بداية التعرُّف الأوروبي على الإسلام ثقافيًّا ابتدأتْ مع ترجمة الفرنسي (أنطون غالان) كتاب ألف ليلة وليلة، وما تركته من أثر في نفوس المثقفين الأوروبيين في القرن الثامن عشر، عصر الرومانسيَّة الأوروبيَّة بامتياز.

 

وفيما نجح تيَّار الرومانسيَّة في إخراج النَّظرة إلى الإسلام من دائرة اللاهوت والصِّراع الديني، فإنَّ تيار التاريخانيَّة (الأب الروحي للاستِشْراق وعلم التاريخ الحديث)، على حدِّ تعبير المؤلف، قد "ناضل طويلاً لكي يكون جزءًا من التقليد التاريخي الإنساني" (ص13)، ممَّا حدا بهم إلى اعتبار فقه اللغة المدْخل الموضوعي للمعرفة التاريخيَّة للإسلام، وبدت التَّرجمات والنصوص اللغويَّة الطريق الأمثل لمعرفة الشرق واكتناهه.

 

تبلور الاستشراق الألماني:

يسرد (السيد) بعد ذلك بعضًا من أهم نتاجات المستشرقين الألمان، بدءًا من كتاب "منهج النقد التاريخي"، الذي ترجمه عبد الرحمن بدوي في خمسينيات القرن الماضي، مرورًا بكتابي (بارت) "النبي محمد: حياته وتعاليمه" و "مدخل تاريخي نقدي إلى القرآن"، وكتاب (ولدكه): "تاريخ القرآن"، ومؤلفات كلٍّ من (ريمر)، و(غولدزيهر)، و(هورعرونيه)، وغيرهم، موضحًا عدم وجود وعْيٍ نقدي بالإشكالات التي يُعاني منها الاستشراق بوجْهٍ عامٍّ في ذاك الوقت، واعتبار المستشرقين الألمان أنفُسَهم محظوظين بتخصُّص له كل هذه المصادر الكتابية القديمة.

 

الاستشراق الألماني والدعم الرسمي:

يعتبر (السيد) - خلافًا لإدوارد سعيد -: أنَّ المستشرقين الألمان كانوا فاعلين في خدمة الدولة الألمانية وسياساتها الخارجيَّة، وأنَّ المؤسَّسة الرسميَّة وحركتها الاستعماريَّة في العالمين العربي والإسلامي كانت عاملاً رئيسًا في دعْم توجُّهاتِهم ودراساتهم، إلاَّ أنَّه يردُّ ضعف ذلك بالمقارنة مع الفرنسيِّين والبريطانيين بتأخُّر قيام الوحدة الألمانية أصلاً حتَّى عام 1870م، فيما كانت وحدة الفرنسيِّين والبريطانيِّين منجزة قبل ذلك بكثير، ويحلِّل المؤلِّف مشروع الدولة الألمانيَّة التوسُّعي، والذي ينصُّ في أحد بنودِه الرئيسة على ضرورةِ إيجاد "إستراتيجيَّة صداقة وتحالف مع الدَّولة العثمانية، في مواجهة المثلَّث المتنافس والمحتكِر لمصائر الرَّجُل المريض: إنكلترا وفرنسا وروسيا" (ص31)؛ لكنَّ الضربة التي تلقَّاها المشروع الاستِعْماري الألماني في الحربيْن العالميتين، وصعود نجم النازيَّة في ألمانيا ذات النَّظرة الدونيَّة للشُّعوب الشرقيَّة ولغاتها السَّامية، ووقوع الشرق خارج نطاق أوروبا، محطّ اهتمام النَّازية ومجالها الحيوي الأساس - قد جعل الاستشراق الألماني يعود إلى أحْضان الأكاديميَّة التقليديَّة العريقة للجامعات والمعاهد الألمانيَّة.

 

انتشار الدراسات الإسلامية وذيوعها:

تَميَّزت الدِّراسات الاستِشْراقيَّة، أو ما عُرِف بعد الحرب الثَّانية بالدراسات الإسلاميَّة، بتحولها من التاريخانيَّة إلى دراسة التاريخ الثَّقافي للحضارة العربية الإسلاميَّة، وبعد انقسام ألمانيا إبَّان الحرب الثانية، لم تهتمَّ ألمانيا الشرقيَّة بهذا النوع من الدراسات فيما جارت جارتُها الغربية بقية الدول الأوروبية، وبضغْط من الولايات المتَّحدة، في الاهتمام بما سمي بـ (الإسلاميَّات التطبيقية)، إلا أنَّ ذلك الاهتمام ظلَّ حبيس الجامعات والمعاهد، وقد فسر (السيد) انصِراف الألمان شبه التام عن الاهتمام بالسياقات الإسلامية الحديثة: بأنَّ "اعتناق منهج التاريخ الثقافي للثقافات والحضارات في عالم الإسلام (يفترض) تجنُّب الخوض في العلائق المعقدة بين الدولة والثقافة، واعتبار التاريخ الثقافي تخصصًا يقتضي عملاً دؤوبًا يُلْهِي عمَّا عداه" (ص46).

 

بيد أنَّ الحال بعد الحرب العالميَّة الثَّانية - وبالذات في ألمانيا الغربيَّة - قد تغيَّر، وظهرت دراسات عديدة لكل من (ريتر)، و(ماير)، و(آنا ماري شيمل)، و(جوزف فان أس)، الذين تولَّوا مسؤولية كرسي الدِّراسات الإسلامية في الجامعات الألمانية بعد الحرب.

 

أثر الاستشراق الألماني في الدراسات العربية:

يحاول (السيد) في هذا الفصل رصْد بدايات العلاقة بين العرب والألمان، والتي ردَّها إلى قيام أحد المستشرقين الألمان بترْجمة الجزء الثَّاني من كتاب جرجي زيدان (تاريخ التمدُّن الإسلامي) إلى الألمانيَّة (ص53)، ويربط بين العلاقة الجيِّدة التي كانت بين المصريِّين والألمان ومثيلتها العثمانية، وأثر تولِّي العديد من الألمان إدارة المكتبات الحكوميَّة في تكوين الفكر المصري ورجالاته (أحمد زكي باشا، أحمد تيمور باشا، يحيى نامي، السيد يعقوب بكر)، معتبرًا أنَّ الأثر الأكبر في التَّرويج لشعبية ألمانيا بين المثقَّفين المصريين يعود إلى عبدالرحمن بدوي وجهوده في التَّرجمة عن الألمانيَّة.

 

ثم يسرد بعد ذلك كمًّا كبيرًا من منجزات المستَشْرِقين الألمان في المجال التاريخي والحضاري "تاريخ القرآن" و"أمراء غسان" لنولدكه، وفي المجال الأدبي "عيون الأخبار" و "الكامل" للمبرد، و "الاشتقاق" لابن دريد، فضلاً عن المجال الفلسفي "نهضة الإسلام" آدم متز، وكتاب دي بور "تاريخ الفلسفة في الإسلام"، ونشر (ريتر) كتاب "مقالات الإسلاميين" للأشعري.

 

مستقبل الاستشراق ومآلاته:

على الرَّغم من إعجاب المؤلف بروْعة وغزارة ما حقَّقه المستَشْرِقون الألمان طوال قرنين من الزمن، إلا أنَّه يعتبر أنَّ الاستشراق الألماني لم يعانِ من مشكلات الاستِشْراق بعامَّة فقط؛ بل كانت لغته من بين أسباب قصور تأثيره وذيوعه إبَّان فترة ازدهاره، ويرى المؤلف أنَّ الاستشراق الألماني يحاول مراجعة مشكلاته، والتوصُّل إلى الانضواء في أحد أربعة تخصُّصات: "التاريخ، والأنثروبولوجيا، والسيسيولوجيا، وعلم الدين والدِّراسات شرق الأوسطية ... وما تزال بالجامعات الألمانيَّة عشرون كرسيًّا تقريبًا تُعْنى بالدراسات الإسلامية والعربية" (ص80)، وأنَّ تطوُّرين مهمَّين قد طرأا على الاستِشراق بوجه عام: "الأول: ازدِهار دراسات الإسلام المعاصر لفهْم واستيعاب ظاهرة الأصوليَّة الإسلاميَّة، وازدِهار الدِّراسات الأدبيَّة المعنيَّة بالتراث الأدبي العربي والفارسي والتركي، والثَّاني: قيام معاهد وكراسي لدراسة الدين الإسلامي بكلِّيَّات اللاهوت، أو مراكز الدراسات المسيحيَّة/ الإسلامية، في حين تصرُّ جامعات عريقة قليلة على مسمَّى (الدِّراسات الإسلاميَّة)، أو (علم الإسْلام)، أو (الدراسات العربية)" (ص83)، ليخلص (السيد) إلى أنَّ الاستشراق بالمعنى المتعارف عليه قد انتهى، وبدأت سلسلة من التطوُّرات التغييريَّة كما في سائر مناحي العلوم الإنسانية والاجتماعية.

ـــــــــ

نقلاً عن الألوكة الثقافية 24/5/2010

--------------------

هذا الكتاب يعبر عن رأي كاتبه

 

 

السابقأعلى الصفحة

 

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ