ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
أهميّة
الدعاية وخطورتها في تغيير مزاج
الرأي العام كتاب
للمؤلف الأمريكي: نعومي تشومسكي رؤية
الكتاب يحاول
المؤلف من خلال هذا الكتاب كما
يقول الالتزام بالفترة
الحديثة، وقول بعض الكلمات حول
كيفية تطور التصور الديمقراطي،
وحول كيفية دخول مشكلة الإعلام
والحرمان من المعلومات إلى ذلك
السياق وسببه. إن كانت
الدعاية الإعلامية قد بدأت كعلم
يُدرَّسُ في الجامعات والمعاهد
الإعلامية والسياسية المتخصصة،
فإن البحث فيها مازال مستمراً
اليوم أمام الحالات التطبيقية
لهذا العلم.. وبين مفهومين
ومعنيين من معاني الديمقراطية
لمجتمعٍ ما يحاول "نعوم
تشومسكي" من خلال كتابه (هيمنة
الإعلام .. الإنجازات المذهلة
للإعلام) بيان أهميّة الدعاية
وخطورتها في تغيير مزاج الرأي
العام،وتحويله لخدمة أهداف
النخبة السياسية. تاريخ
الدعاية المبكر يستعرض
المؤلف تاريخ الدعاية المبكر،
من خلال استخدامها في عهد إدارة
الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون
عام 1916م؛ إذ بدأ عهده السياسي
تحت شعار (سلام بدون انتصار) إذ
كان الشعب الأمريكي نازعاً إلى
الهدوء، ولا يرى سبباً في
التورط في حرب أوروبية، ولأن
إدارة ويلسون التزمت فعلاً
بالحرب، وكان لا بد من عمل شيء
تجاهها فقد أُسست لجنة دعاية
حكومية أُطلق عليها اسم لجنة (كريل
Creel) التي نجحت في غضون ستة شهور أن
تغير مزاج الشعب الأمريكي الذي
ينزع إلى الهدوء واللاعنف إلى
شعب هستيري مهووس بالحرب
ويروِّج لها، ويريد تدمير كل
شيءٍ ألماني وتمزيقه، وقد
استخدمت لهذا الغرض من قبل
اللجنة الدعائية وسائل متعددة
واسعة النطاق؛ منها على سبيل
المثال اختلاق قدر كبير من
الأعمال الوحشية التي ارتكبها
الهون (الألمان)، ومن صور
الأطفال البلجيكيين الذين
مُزِّقت أذرعهم، ومن كل أنواع
الأمور المروّعة التي مازال
المرء يقرؤها في كتب التاريخ،
والتي حققت نتائج كبيرة بسبب
دعم طبقة المثقفين لها، وتعلم
منها هتلر الشيء الكثير. ديمقراطية
المشاهدين يريد (نعوم
تشومسكي) من خلال هذا الكتاب
الإجابة عن التساؤل التالي: "أي
عالم ذلك الذي نرغب الإقامة
فيه؟ وأي مجتمع ذاك الذي نرغب
العيش فيه؟" وبصورة أدقّ: "بأي
معنى من معاني الديمقراطية نريد
لهذا المجتمع أن يكون
ديمقراطياً؟". وبناءً على ذلك
فهو يقوم بالمقابلة بين تصوّرين
للديمقراطية: أحدهما:
أن المجتمع الديمقراطي هو ذاك
الذي يتمتع فيه الناس بوسائل
المساهمة بطريقة معقولة في
إدارة شؤونهم وبوسائل إعلام
مفتوحة وحرة. أما
التصور البديل للديمقراطية فهو
منع الجماهير من إدارة شؤونهم،
وإبقاء الإعلام تحت هيمنة صارمة
ضيقة. وتتضمن
الديمقراطية وظيفتين: الوظيفة
التنفيذية التي يقوم بها
مسؤولون من طبقة متخصصة، أي
إنهم يفكرون ويخطّطون ويفهمون
المصالح العامة. ووظيفة
الرّعاع، وهي مشاهدة ما يجري
دون المشاركة فيه، بيد أنّ لهم
وظيفة أكثر من ذلك بفضل وجودهم
في إطار ديمقراطي، إذ يُتاح لهم
بين الفينة والأخرى أن يُلقوا
بثقلهم إلى جانب عضو أو آخر من
أعضاء الطبقة المتخصصة،
وبعبارة أخرى، يُتاح لهم القول:
"نريدك زعيماً لنا" ذلك لأن
الدولة التي يعيشون فيها
ديمقراطية وليست شمولية فاشية. ذلك هو
ما يُعرف بالانتخاب، ولكن ما إن
ينتهوا من مهمة إلقاء ثقلهم إلى
جانب هذا العضو أو ذاك من الطبقة
المتخصصة حتى يعودوا إلى وضعهم
الطبيعي كمشاهدين لما يجري،
وليسوا مشاركين فيه، تلك هي
الديمقراطية العاملة بصورة
مناسبة. العلاقات
العامة تُعَدّ
الولايات المتحدة رائدة صناعة
العلاقات العامة، وكان
التزامها هو (السيطرة على الرأي
العام) كما قال زعماء هذه
الصناعة. إذ تعلموا كثيراً من
نجاحات لجنة كريل (Creel commission) والنجاحات في خلق (الرعب الأحمر) وما
ينجم عنه. توسعت
صناعة العلاقات العامة توسّعاً
هائلاً في ذلك الوقت، وأفلحت
لفترة من الزمن في إخضاع الشعب
تماماً إلى سلطة الأعمال خلال
عشرينيات القرن العشرين، وكان
ذلك مغالياً جداً، بحيث شرعت
لجان الكونغرس بالتحقيق في
الأمر لدى دخولنا ثلاثينيات
القرن العشرين، ومن هناك تسرب
قدر كبير من المعلومات. ويرى (تشومسكي)
بأن المشرفين على صناعة
العلاقات العامة لا يعبثون،
إنهم يعملون بجد، ويحاولون غرس
القيم الصحيحة؛ إذ لديهم، في
الواقع، مفهومهم لما ينبغي أن
تكون عليه الديمقراطية: ينبغي
أن تكون نظاماً تتدرب فيه طبقة
المتخصصين على خدمة السادة
الذين يملكون الشعب، أما بقية
الشعب فينبغي تجريدهم من أي شكل
من أشكال التنظيم، لأن التنظيم
يخلق المشاكل. لقد خرج
أحد أعضاء لجنة كريل البارزين،
وهو إدوارد بيرنيز من اللجنة،
كان جزءًا منها وتعلم فيها
دروساً، ثم خرج لينشئ ما أسماه (هندسة
القبول) والتي وصفها بأنها (جوهر
الديمقراطية). إن القادرين على (هندسة
القبول) هم أولئك الذين يملكون
الموارد والسلطة على إنجاز ذلك،
إنه مجتمع رجال الأعمال، الذين
تعمل أنت لصالحهم. هندسة
الرأي ومزاعم بوصفها حقيقة يرى
المؤلف إلى أن من الضروري دفع
الشعب إلى تأييد المغامرات
الخارجية؛ إذ يكون الشعب عادة
نزّاعًا للهدوء، تماماً كما كان
في أثناء الحرب العالمية
الأولى، فليس هناك من سبب يجعل
الشعب ينخرط في مغامرات خارجية،
قتلاً وتعذيباً، ولهذا لابد من
إثارتهم وتحريكهم، ولتحقيق ذلك
لابد من تخويفهم. أيضاً
يضيف لابد كذلك من تزوير كامل
للتاريخ، فتلك وسيلة أخرى
للتغلب على المشاعر المرضية،
لتجعلنا نبدو كأننا نهاجم وندمر
شخصاً نحمي أنفسنا منه، وندافع
عنها ضد معتدين ووحوش كبار، وما
إلى ذلك، ومازالت تُبذل جهود
ضخمة منذ الحرب الفيتنامية
لإعادة بناء تاريخ ذلك الحدث،
إذ بدأ الكثيرون يفهمون ما كان
يجري فعلاً، بما في ذلك جنود
وشباب كثر ممن انخرطوا في حركة
السلم، وسواهم. الثقافة
المعارضة، واستعراض الأعداء يرى (نعوم
تشومسكي) بأنه رغم كل تلك
الوسائل المستخدمة إلا أنه
مازالت الثقافة المعارضة
موجودة، ونمت كثيراً منذ
ستينيات القرن العشرين، إذ لم
يكن هناك احتجاج ضد حرب الهند
الصينية حتى إلى ما بعد بدء
الولايات المتحدة بقصف فيتنام
الجنوبية، وعندما نمت كانت حركة
معارضة ضيقة تتألف في غالبيتها
من الطلاب والشباب، بيد أن ذلك
تغير كثيراً بحلول سبعينيات
القرن العشرين.. ويخلص
إلى أن خطر الديمقراطية يكمن
فيما إذا تطورت المنظمات ونمت،
وإذا لم يعد الناس مُحَجَّرين
أمام شاشات التلفزيون، فإن هذه
الأفكار المضحكة سوف تتسلل إلى
رؤوسهم، مثل فكرة الحظر المرضي
لاستخدام القوة العسكرية. ثم يقفز
المؤلف من الحديث عن تداعيات
الحرب الأخيرة إلى التهيّؤ
لقراءة الحرب القادمة، فإن
التهيؤ -كما يقول- أفضل من ردة
الفعل، فيبدأ باستعراض ما
تعانيه الولايات المتحدة
الأمريكية من مشاكل تفاقمت فيها
في غضون السنتين اللتين قضاهما
جورج بوش من ولايته، حيث هبط
ثلاثة ملايين طفل آخرون إلى ما
تحت خط الفقر، كما ازداد الدين،
وهبطت مستويات التعليم،
وانتكست أجور غالبية الناس إلى
المستوى الذي كانت عليه في
خمسينيات القرن العشرين، وما من
أحد يعمل شيئاً تجاه ذلك. ففي
مثل هذه الظروف لابد من صرف
أنظار الرعاع عن هذه المشكلات؛
لأنهم لن يكونوا راضين لو
عرفوها، فهم الذين يعانون منها،
كما أنه لا يكفي توجيههم إلى
مشاهدة المباريات الرياضية
والمسلسلات الترفيهية؛ إذ لا بد
من إثارة الخوف في نفوسهم من
الأعداء. ولهذا يقول: كنا خلال
السنوات العشر الماضية، ننشئ
وحشاً ضخماً كل سنة أو سنتين
يتوجب علينا الدفاع عن أنفسنا
ضده، وكان هناك عدو جاهز وموجود
دائماً: ذلك هو (الروس)، وبما
أنهم أخذوا يفقدون جاذبيتهم
كأعداء، وأصبح استخدامهم يزداد
صعوبة يوماً بعد يوم، فكان لابد
من استدعاء أعداء جدد. الإدراك
الانتقائي، وحرب الخليج من خلال
مذكرات السجين الكوبي (أرماندو
فالاداريز) المُفرَج عنه عام 1986م
يستشهد المؤلف كيف تتم عملية
الإدراك الانتقائي عند قراءة
مذكرات ذلك السجين من خلال
تقديم شاهدين على انتقائية هذه
القراءة، ما بين قراءة وسائل
الإعلام للمذكرات بقولها: "وصف
دقيق لنظام التعذيب والسجون
الهائل الذي يُعاقب بموجبه
كاسترو المعارضة السياسية
ويمحوها"، وقراءة فيما نشرته
الواشنطن بوست، ونيويورك
تايمز؛ حيث وصف كاسترو بأنه "أحمق
دكتاتوري" وكشف كتاب مذكرات (فالاداريز)
الأعمال الوحشية التي ارتكبها
كاسترو، كشفاً حاسماً مقنعاً،
بحيث لا يمكن أن يدافع عن كاسترو
سوى خفيفي العقول وباردي الدم
من المفكرين الغربيين، كما قالت
الواشنطن بوست. ومن
خلال استعراض مطوّل للمقارنة
بين القراءتين يصل "نعومي"
إلى قوله: هذا يبين لك الطريقة
التي يعمل بها نظام صناعة
القبول جيد الأداء. تُعدّ
مذكرات (فالاداريز) حصاة من جبل
بالمقارنة مع ما كشف عنه في
السلفادور. ثم
ينتقل إلى حرب الخليج، ويوضح
كيف أنها أظهرت كيف تعمل أنظمة
الدعاية ذات الأداء الجيد، إذ
يعتقد الشعب أننا عندما نستخدم
القوة ضد العراق والكويت، إنما
يكون ذلك بسبب مراعاتنا لمبدأ
ضرورة مواجهة الاحتلال غير
المشروع، وانتهاك حقوق الإنسان
بالقوة. ولكن الناس لا يرون ماذا
يعني ذلك إذا ما طُبّقت تلك
المبادئ على سلوك الولايات
المتحدة. ويُعَدّ مثل هذا
التمويه نجاحاً رائعاً للدعاية.
ويواصل
"نعومي" قوله: ولننظر في
حالة أخرى، إذا ما ألقينا نظرة
على تغطية الحرب بدءًا من أغسطس
(آب) من العام 1990، سوف نلاحظ غياب
صورتين قويتين، فمثلاً هناك
معارضة عراقية ديمقراطية،
شجاعة، قوية. إنهم يقيمون في
المنفى؛ لأنهم لا يستطيعون
البقاء أحياء في العراق. يقيمون
أساساً في أوروبا، وهم معروفون
واضحون، لهم أصوات تسمع، وألسنة
تتكلم. عندما كان صدام حسين
مازال صديقاً محبباً إلى جورج
بوش وشريكاً له في التجارة،
ذهبت المعارضة العراقية في
فبراير الماضي إلى واشنطن-كما
ذكرت بعض مصادر المعارضة
العراقية- يحملون التماساً
يطلبون فيه دعماً لأحد مطالبهم
وهو إقامة ديمقراطية برلمانية
في العراق، فرُدوا خائبين
تماماً؛ لأنه لم يكن للولايات
المتحدة مصلحة في ذلك. ولم يحدث
أي رد فعل على هذا السلوك
الأمريكي في السجل العام (أي في
وسائل الإعلام). ثم ينتقل المؤلف
ليتساءل عن المعارضة
الديمقراطية العراقية الحقيقية
في أوروبا، ولماذا يتم تجاهلهم
رغم ما أصدروه من بيانات
ومواقف، فيجيب بقوله: لأنهم ضدّ
صدام حسين، وفي الوقت نفسه، ضد
الحرب ضد العراق، فهم لا يريدون
لبلدهم أن يُدمَّر، كل ما
يريدونه حلاً سلمياً، ويدركون
تماماً أن ذلك قابل للتحقيق. هذا
إنجاز رائع للدعاية – يقول "تشومسكي"
– فأولاً: إبعاد أصوات
الديمقراطيين العراقيين
تماماً، وثانياً: لم ينتبه إلى
ذلك أحد. هذا أمر ممتع أيضاً، إذ
يتطلب الأمر شعباً ثُقِّف
وعُلِّم ألا يُلحظ أننا لا نسمع
أصوات المعارضة العراقية
الديمقراطية وأننا لا نطرح
السؤال، لماذا؟ ومن ثم نجد
الجواب الواضح: لأن
الديمقراطيين العراقيين لهم
أفكارهم الخاصة، ويتفقون مع
حركة السلم العالمية، ولهذا
استبعدوا. ـــــــ المصدر
: مركز صقر للدراسات ---------------- هذه
الكتاب يعبر عن رأي كاتبه
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |