ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 29/07/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

كتب

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


فلسفة الإرهاب في الفكر الصهيوني

جمال عليوة - الجزائر

" و يدفعهم الرب إلهك أمامك و يوقع بهم اضطرابا عظيما حتى يفنوا . و يدفع ملوكهم إلى يدك فتمحو اسمهم من تحت السماء . لا يقف إنسان في وجهك حتى تفنيهم "

سفر التثنية ، إصحاح 7

" إن إسرائيل لا يمكن أن تعيش إلا بالقوة و السلاح "

ديفيد بن غوريون

" لو لا مجزرة دير ياسين لما كان هناك مجال لوجود إسرائيل "

مناحيم بيغين

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة

الصهيونية حركة إرهابية . هذه حقيقة لا لبس فيها . و تستمد ممارساتها الإرهابية من عقيدتها العنصرية التي تجد دعائمها الفكرية في الأدبيات اليهودية الصهيونية الدينية و السياسية.

لقد ارتبطت الصهيونية بالارهاب منذ نشأتها . فالإرهاب منهج طبقه الصهاينة لتنفيذ مشروعهم المشؤوم ، ولم يكن هذا المنهج ممارسة تكتيكية و لا حتى استراتيجية لديهم فقط ، بل عقيدة راسخة في فكرهم الممتد إلى آلاف السنين . فالإرهاب لدى الصهاينة عقيدة و فلسفة و فكر يصبغ كل جوانب حياتهم الدينية و الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية في معاملاتهم مع الغير .

إن الصهيوني لا يمكن إلا أن يكون إرهابيا بطبيعته لان الصهيونية هي العقيدة التي تعتبر أرض فلسطين ملك لليهود وحدهم بوعد من الله ، كما يقول المتدينون منهم ، أو بالاغتصاب وطرد سكانها الأصليين منها ، كما يعتقد كل الصهاينة سواء كانوا متدينين أو غير متدينين ، و هو الاعتقاد الذي يحاولون تنفيذه منذ وجدوا و الذي تجسد في كيانهم البغيض و اللاشرعي الذي أقاموه منذ سنة 1948 في فلسطين .

إن مجرد اغتصاب أرض و طرد شعبها منها دون وجه حق و إنكار عليه مجرد الانتماء إلى هذه الأرض يعد أقسى درجات الإرهاب ولو لم يفعل الصهاينة إلا هذا لعدوا من أكبر الإرهابيين والمجرمين .

إن كل من يعتقد أن لليهود الحق في أرض فلسطين فهو صهيوني و كل صهيوني أتى إلى فلسطين و استوطن فيها بعد طرد أهلها فهو إرهابي سواء مارس العنف أم لم يمارسه .

لا ريب أن الصهيونية هي مرحلة متقدمة من اليهودية و لا يمكن فصل الصهيونية عن اليهودية بأي حال من الأحوال . فالدين اليهودي يشكل المصدر الرئيسي للأفكار الصهيونية التي ستفقد كل دعائمها الإيديولوجية إذا ما أفرغت من محتواها الديني التوراتي . فالكتب الدينية اليهودية ، خاصة التوراة و التلمود ، تشكل المنطلق الفكري و العقائدي الأول للفكر الصهيوني لأن الفكرة الصهيونية السياسية تنطلق أصلا من مقولة " حق اليهود الإلهي " الدينية . فإذا جردت الفكرة الصهيونية من هذه الركيزة الأساسية ، فإنها تفقد كل دعائمها الأخرى .

لقد قامت الدولة الصهيونية استنادا إلى " حق تاريخي " ( * ) لليهود على أرض فلسطين و هذا " الحق " منحة إلهية لشعب الله المختار و بالتالي فهي أرضهم وحدهم دون غيرهم من الأمم .

ـــــــــــــــــــ

( * ) يقول ميخا جوزيف بيرديشفسكي ( 1865 - 1921 ) Micah Joseph Berdichevsky :

" صحيح أن ماضينا هو الذي يمنحنا الحق التاريخي و الإسم لكي نحيا في المستقبل "

الفكرة الصهيونية ، ص 182

 

إن الإرهاب الصهيوني إذا ، ليس وليد الظروف والحسابات السياسية و الاستراتيجية لقادة الحركة الصهيونية فقط ، و إنما يستند إلى عقيدة تستمد جذورها من مصادر الفكر الصهيوني الدينية و السياسية المختلفة بدأ بالتوراة و التلمود وصولا إلى أدبيات الحركة الصهيونية .

لقد اعتمدنا في بحثنا هذا على أهم مصادر الفكر الصهيوني انطلاقا من فرضية أن الصهيونية هي أعلى مراتب اليهودية .

لقد حاول بعض المفكرين ( منهم مع الأسف عربا و مسلمين ) الفصل بين اليهودية و الصهيونية باعتبار هذه الأخيرة حركة استعمارية أوروبية مثلها مثل باقي الحركات الاستعمارية التي ظهرت بين القرنين 15 و 19 استعملت اليهود و اليهودية كذريعة لتحقيق أهدافها الاستعمارية .

إننا نعتقد أن اليهودية و الصهيونية مرتبطتين ارتباطا وثيقا و تكادان تكونان شيئا واحدا ، و الفصل بينهما يفقد كلا منهما معناه الحقيقي بحيث لا معنى لليهودية دون الصهيونية و لا معنى للصهيونية دون اليهودية . إن فكرة " صهيون و العودة إلى صهيون " تأتي في صميم العقيدة اليهودية و لا نتصور وجود يهودي لا يؤمن بهذه الفكرة الدينية و إنما يختلفون في كيفية تجسيد هذا الإيمان .

و نتيجة لذلك ، نعتقد أن كل يهودي هو صهيوني بالقوة و تنتقل هذه القوة إلى الفعل حسب ظروف الزمان والمكان بالممارسة العملية و لا وجود فعلا ليهودي " معادي للصهيونية " و إنما يختلفون في الطريقة التي يبرزون بها صهيونيتهم و يتقاسمون الأدوار فيما بينهم ليقال أن الصهاينة فيهم الجيد و السيئ و فيهم المعتدل و المتطرف و فيهم الحمائم والصقور و الواقع أن فيهم الصهيوني و الصهيوني و لا شيء غير ذلك.

فمنهم الصهيونيون الدينيون الذين يربطون تأسيس الدولة اليهودية بمجيء المسيح المنتظر و قد يصل الأمر ببعضهم إلى الاعتقاد بعدم شرعية " دولة إسرائيل " الحالية ( على عكس الكثير من العرب ) و منهم من يعتقد أن مجيء المسيح المنتظر ليس شرطا لتأسيس الدولة اليهودية و هم الصهيونيون السياسيون و لكن كلهم يتفقون على ضرورة إقامة الدولة اليهودية في فلسطين و طرد العرب منها و حق اليهود في ذلك . و الظريف ( و ليس غريبا ) انه حتى أولئك الذين يعادون الدولة اليهودية الحالية يعيشون في فلسطين المحتلة مغتصبين أرض و بيوت غيرهم دون وجه حق تحت حماية قوانين الدولة التي لا يؤمنون بشرعيتها .

يجب التأكيد على أننا لا نعادي اليهود كيهود و لا الدين اليهودي كدين و إنما نعادي الصهيونية ، و لا نعادي الصهيونية " النظرية " و لا الصهيونية الروحية التي يعتقد بها بعض اليهود ( و هم أقلية لا تكاد تذكرو لا تأثير لهم على التوجه العام للحركة الصهيونية ) و التي لا تهدف إلى تأسيس دولة يهودية في فلسطين أو غير فلسطين ( على الأقل على المدى المنظور ) ، فالناس أحرار في أفكارهم و معتقداتهم ، و إنما نعادي و نقاوم ( و لنا كل الحق في ذلك ) الصهيونية " العملية " ( سواء كانت دينية أو سياسية ) و التي أفرزت مأساة فلسطين و شعب فلسطين و تجسدت في الاحتلال و القتل و الطرد من الأوطان و الاستيلاء على الممتلكات أو تدميرها و غيرها من الجرائم التي لا تقبل بها كل الشرائع .

إن المشروع الصهيوني مشروع قديم . فمنذ ظهر اليهود على مسرح الأحداث و هم يخططون لتنفيذ هذا المشروع المشؤوم .

يمكن القول إن المشروع الصهيوني يرتكز على ركيزتين أساسيتين : الاستيلاء على أرض فلسطين و طرد أهلها منها ، ثم السيطرة على العالم و إخضاع جميع الشعوب لسلطة اليهود المباشرة .

فإذا كان هؤلاء هم الصهاينة و ذلك هو مشروعهم المشؤوم ، فماذا علينا أن نفعل لمواجهة ذلك ؟

باختصار ، علينا بالمقاومة ثم المقاومة ثم المقاومة . إن مقاومة هذا المشروع هي واجبنا و قدرنا و أعلى مراتب المقاومة ، المقاومة المسلحة التي يقوم بها الشرفاء من الأمة في فلسطين و لبنان ، و أقلها مرتبة ( و هو أضعف الإيمان ) عدم الاعتراف بشرعية

دولة إسرائيل . و بين هذا و ذاك طرق عديدة و وسائل كثيرة للمقاومة ، بالكلمة و القلم لفضح أبعاد هذا المشروع الخطير و الحث على عدم الاستسلام للأمر الواقع ، ومقاطعة البضائع " الصهيونية " و غيرها من أشكال المقاومة .

فالاحتجاج بالأمر الواقع هو احتجاج الضعفاء و الجبناء و المتخاذلين و المتواطئين .

ألم يكن الاستعمار أمرا واقعا ؟ و كان النظام العنصري في جنوب إفريقيا ، الشبيه بالنظام الصهيوني العنصري في إسرائيل ، أمرا واقعا . و كان نظام الشاه المستبد في إيران أمرا واقعا .

لكن الشعوب في هذه البلدان لم ترض بالأمر الواقع فقاومته و غيرته بقوة إرادتها فخلقت أمرا واقعا آخر أفضل .

كذلك مصير الأمر الواقع في فلسطين . سوف يتغير بإذن الله تعالى و إرادة شعوب المنطقة رغم أنف الأنظمة و القوى الكبرى .

" فإذا جاء وعد الآخرة ليسوءوا وجوهكم و ليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة و ليتبروا ما علوا تتبيرا " صدق الله العظيم .

و إن كنا لا نملك الطائرات ، و لا نملك الدبابات ، و لا نملك الصواريخ ، فإننا نملك التاريخ .

التاريخ الذي يمنحنا الحق و يمنحنا القوة لاسترجاع ذلك الحق .

 

الفصل الأول

أبعاد المشروع الصهيوني

إن عناصر المشروع الصهيوني متكاملة في مختلف المصادر الفكرية و العقائدية التي يستمد منها الصهاينة أفكارهم و تبريرات ممارساتهم العدوانية و الإجرامية تجاه الشعوب الأخرى .

إن النواة الأولى للمشروع الصهيوني نجدها في التوراة ( الكتاب المقدس الأول عند اليهود و مصدر عقيدتهم ) و قد نسجت مختلف عناصر هذا المشروع انطلاقا من تلك النواة و بالتالي ، فإن جميع التفصيلات إنما هي تفرعات لما جاء في التوراة .

إن سبب و جود اليهود كأمة ( كما جاء في التوراة ) ووظيفتهم التاريخية هي تنفيذ مشروع ضخم يقوم على الأركان التالية :

1 – التميز والتعالي على الشعوب و الأمم الأخرى مما ولد لدى كل يهودي الشعور و الإعتقاد بأنه مميز عن غيره و أفضل من غيره و هي النظرة التي لا يمكن إلا أن توصف بالنظرة العنصرية .

 

2 – الاستيلاء على ما أسموه بأرض إسرائيل و التي تمتد من النيل إلى الفرات .

3 – أما الركن الثالث ، و هو غاية اليهود الصهاينة الكبرى ، فهو السيطرة على العالم بأسره و إقامة حكومة يهودية صهيونية عالمية يرأسها ملك يهودي .

 

أولا - أبعاد المشروع الصهيوني في التوراة :

إن البعد الديني للمشروع الصهيوني هو البعد الأكثر أصالة من بين الأبعاد الأخرى السياسية و الاقتصادية و غيرها ، و بالتالي ، فان التوراة تعد المصدر الأول للفكر الذي ينظّر للمشروع الصهيوني و النواة الأولى للأفكار الصهيونية و للأفكار الإرهابية التي يؤمن بها اليهود الصهاينة .

إن الفصل بين التوراة و الصهيونية مستحيل حتى بالنسبة لمن يسمون أنفسهم بالصهيونيين العلمانيين لأن التوراة هي روح اليهودية و الأساس الأول لمبادئها و عقائدها . فعندما نتصفح التوراة ، نجد المشروع الصهيوني في شكله الخام و هو " المادة " والمنطلق لكل التفرعات الأخرى .

 

يستند المشروع الصهيوني في التوراة إلى ثلاثة مبادئ رئيسية :

  الوعد الإلهي .

  الاستيلاء على الأرض .

  السيطرة على بقية الأمم .

 

1 - الوعد الإلهي :

يدعي اليهود أن إلههم يهوه قد وعد إبراهيم إعطاءه أرض كنعان ( فلسطين ) له و لذريته من بعده . و يشكل هذا الوعد نقطة الانطلاق للفكرة الصهيونية و يعتمد عليه جميع الصهاينة ، بما فيهم العلمانيون و حتى " الملحدون " ، لإضفاء الشرعية على مشروعهم اللاشرعي .

و الغريب أن العالم المتحضر و المتمدن و الذي يفصل الدين عن السياسة قد منحهم تلك الشرعية بناء على هذا المبدأ الديني .

جاء أول ذكر لأرض كنعان ( فلسطين ) في التوراة في سفر التكوين ( السفر الأول) في الإصحاح الحادي عشرة :

" و أخذ تارح أبرام ابنه و لوطا بن هاران ابن ابنه و ساراي كنته امرأة أبرام ابنه فخرجوا معا من أور الكلدانيين ليذهبوا إلى أرض كنعان " ( 1 ) .

كما جاء أول ذكر " للمنحة الإلهية " في الإصحاح الثاني عشرة :

" و قال الرّب لأبرام اذهب من أرضك و من عشيرتك من بيت أبيك إلى الأرض التي أريك " ( 2 )

و لما وصل إبراهيم إلى أرض كنعان ، تذكر التوراة أن الأرض لم تكن خالية من السكان بل عامرة :

" و خرجوا ليذهبوا إلى أرض كنعان . فأتوا إلى أرض كنعان و أجتاز أبرام في الأرض إلى مكان شكيم إلى بلوطة مورة . و كان الكنعانيون حينئذ في الأرض " ( 3 ) .

و رغم ذلك ، تقول التوراة أن الرب ظهر لإبراهيم و منحه هذه الأرض دون أي اعتبار لأهلها و ساكنيها :

" وظهر الرّب لأبرام و قال لنسلك أعطي هذه الأرض " ( 4 ) .

و هو أول ذكر في التوراة للوعد الإلهي المزعوم .

و توالى ذكر " الوعد الإلهي " في التوراة مرّات متلاحقة :

ـــــــــــــــــــــــ

( 1 ) تكوين : 11 -31 ، 32

( 2 ) تكوين : 12 – 1

( 3 ) تكويــــن: 12 – 5 ، 6

( 4 ) تكوين : 12 – 7

 

" و قال له أنا الرب الذي أخرجك من أور الكلدانيين ليعطيك هذه الأرض لترثها " ( 1 ) .

" و في ذلك اليوم قطع الرّب مع أبرام ميثاقا قائلا لنسلك أعطي الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات " ( 2 ) .

" و لمّا كان أبرام ابن تسع و تسعين سنة ظهر الرّب لأبرام و قال له أنا الله القدير ، سر أمامي و كن كاملا فأجعل عهدي بيني و بينك و أكثّرك كثيرا جدا . فسقط أبرام على وجهه و تكلم الله معه قائلا أما أنا ، فهو ذا عهدي معك و تكون أبا لجمهور

من الأمم فلا يدعى اسمك بعد أبرام بل يكون اسمك إبراهيم لأني أجعلك أمما وملوك منك يخرجون و أقيم عهدي بيني و بينك و بين نسلك من بعدك و أعطي لك أرض غربتك كل أرض كنعان ملكا أبديا و أكون إلههم " ( 3 ) .

" فذهب إسحاق إلى ابيمالك ملك الفلسطينيين الى جرار و ظهر له الرب و قال لا تنزل إلى مصر ، أسكن في الأرض التي أقول لك . تغرب في هذه الأرض فأكون معك و أباركك لأني لك و لنسلك أعطي جميع هذه لبلاد و أفي بالقسم الذي أقسمت لإبراهيم أبيك و أكثر نسلك كنجوم السماء و أعطي نسلك جميع هذه البلاد و تتبارك في نسلك جميع أمم الأرض( 4 ) .

إن هذا الوعد الثاني هو استدراك للوعد الأول الذي أعطي لإبراهيم . و الدليل على زيف الادعاء الصهيوني هو التناقض الواضح بين الوعدين .

فبينما الوعد الأول يشمل جميع أبناء إبراهيم بمن فيهم أبناء إسماعيل ، فان الوعد الثاني يحصر " المنحة الإلهية " في أبناء إسحاق وحدهم و هذا التناقض هو نتيجة لحرص اليهود على تحريف التوراة لجعلها تخدم مآربهم ومصالحهم الخاصة و وضع اللبنة الأولى لمشروعهم المشؤوم .

و غلوا في عنصريتهم واستعلائهم ، حصروا ميراث إبراهيم في يعقوب( إسرائيل ) ولد إسحاق بعد أن نسجوا مؤامرة دبرتها أم يعقوب لاستبعاد أخيه البكر عيسو ( و هو ابنها كذلك ! ) من بركة أبيه و بالتالي من ميراثه ، و قد وردت قصة هذه المؤامرة في الإصحاح السابع و العشرين من سفر التكوين :

" و حدث لما شاخ إسحاق و كلت عيناه عن النظر أنه دعا عيسو ابنه الأكبر و قال له يا ابني فقال له ها انذا فقال إنني قد شخت و لست أعرف يوم وفاتي فالآن خذ عدتك جعبتك و قوسك و أخرج إلى البرية و تصيد لي صيدا و اصنع لي أطعمة كما أحب و أتني بها لآكل حتى تباركك نفسي قبل أن أموت.

و كانت رفقة ( زوجة إسحاق ) سامعة إذ تكلم إسحاق مع عيسو ابنه فذهب عيسو

ـــــــــــــــــــــــ

( 1 ) تكوين : 15 – 7

( 2 ) تكوين : 15 – 18

( 3 ) تكوين : 17 - 1 ، 8

( 4 ) تكوين: 16 - 1 ، 3

 

إلى البرية كي يصطاد صيدا ليأتي به . وأما رفقة فكلمت يعقوب ابنها قائلة إني قد

سمعت أباك يكلم عيسو أخاك قائلا ائتني بصيد و اصنع لي أطعمة لآكل و أباركك أمام الرب قبل وفاتي. فالآن يا ابني اسمع لقولي فيما أنا آمرك به ، اذهب إلى الغنم و خذ لي من هناك جديين من المعزى فأصنعهما أطعمة لأبيك كما يحب فتحضرها إلى أبيك ليأكل حتى يباركك قبل وفاته " ( 1 ) .

ففعل يعقوب كما أمرته أمه و تنكر في زي أخيه و دخل على أبيه إسحاق و أخذ منه بركته .

 " فدخل على أبيه و قال يا أبي فقال ها أنذا ، من أنت يا ابني فقال يعقوب لأبيه أنا عيسوبكرك قد فعلت كما كلمتني ، قم أجلس و كل من صيدي لكي تباركني نفسك " ( 2 ) .

" فقدم له فأكل فأحضر له خمرا فشرب فقال له إسحاق أبوه تقدم و قبلني يا بني فتقدم وقبله فشم رائحة ثيابه و باركه وقال أنظر رائحة ابني كرائحة حقل قد باركه الرب فليعطك الله من ندى السماء و من دسم الأرض و كثرة حنطة وخمر . ليستعبد لك شعوب و تسجد لك قبائل " ( 3 ) .

و بعد أن بارك إسحاق يعقوب و نسله و جعلهم " سادة " الشعوب و القبائل ، " منحه " أرض فلسطين ملكا له و لأبنائه من بعده " و يعطيك بركة إبراهيم لك و لنسلك معك لترث أرض غربتك التي أعطاها الله لإبراهيم " ( 4 ) .

و الغريب أن إبراهيم ( عليه السلام ) ، على الرغم من الوعد و المنحة الإلهيين ، فانه لما ماتت سارة زوجته اشترى أرضا ليدفنها فيها . و هو دليل آخر على زيف الادعاءات الصهيونية .

" و كانت حياة سارة مائة و سبعا و عشرين سنة سني حياة سارة . و ماتت سارة في قرية أربع التي هي حبرون ( * ) في أرض كنعان . فأتى إبراهيم ليندب سارة و يبكي عليها . و قام إبراهيم من أمام ميته و كلم بني حث قائلا : أنا غريب و نزيل عندكم ، أعطوني ملك قبر معكم لأدفن ميتي من أمامي . فأجاب بنو حث إبراهيم قائلين له : اسمعنا يا سيدي ، أنت رئيس من الله بيننا . في أفضل قبورنا ادفن ميتك . لا يمنع أحد منا قبره عنك حتى لا تدفن ميتك . فقام إبراهيم و سجد لشعب الأرض ( ** ) لبني حث و كلمهم قائلا : إن كان في نفوسكم أن أدفن ميتي من أمامي فاسمعوني و التمسوا لي من عفرون ابن صوحر أن يعطيني مغارة المكفلية التي له التي في طرف حقله بثمن كامل يعطيني إياها في وسطكم ملك قبر . و كان عفرون جالسا بين بني حث .

ـــــــــــــــــــــــ

( 1 ) تكوين : 27 – 1 ، 10

( 2 ) تكوين : 27 - 18 ، 19

( 3 ) تكوين : 27 - 25 ، 29

( 4 ) تكوين 28 - 4

( * ) مدينة الخليل .

( ** ) و أجازوا لأنبيائهم أن يسجدوا لغير الله ‌‌‍‍.

 

فأجاب عفرون الحثي إبراهيم في مسامع بني حث لدى جميع الداخلين باب مدينته قائلا : لا يا سيدي ، اسمعني ، الحقل و هبتك إياه و المغارة التي فيه لك وهبتها لدى عيون بني شعبي وهبتك إياها . ادفن ميتك . فسجد إبراهيم أمام شعب الأرض و كلم عفرون في مسامع شعب الأرض قائلا : بل إن كنت أنت إياه فليتك تسمعني . أعطيك ثمن الحقل . خذ مني فأدفن ميتي هناك . فأجاب عفرون إبراهيم قائلا له : يا سيدي اسمعني ، أرض بأربع مائة شاقل فضة ما هي بيني و بينك ، فادفن ميتك . فسمع إبراهيم فسمع

إبراهيم لعفرون و وزن إبراهيم لعفرون الفضة التي ذكرها في مسامع بني حث ، أربع مائة شاقل فضة جائزة عند التجار " ( 1 ) .

لسنا بصدد مناقشة صحة أو عدم صحة هذه القصة ، فهذا ليس موضوعنا ، و إنما نناقش استثمار اليهود الصهاينة لها من أجل مشروعهم القديم .

إن هذه القصة ، سواء كانت حقيقية أم لا ، تعطي الانطباع بان لليهود حق ( إن لم يكن "الحق " ) في هذه الأرض و تأتي لتدعم الوعد الإلهي الذي أعطي لإبراهيم ( في نظرهم ) .

إنها تحتمل عدة معان أهمها معنيان اثنان .

أول هذه المعاني أنها تسقط الادعاء الصهيوني بأن الله قد منح هذه الأرض إلى إبراهيم و نسله ملكا أبديا و تضع هذا الادعاء في تناقض واضح . فلو كانت الأرض ملكا له بصك من الله و هو صك مقدس ، لماذا اضطر لشراء بقعة صغيرة ليدفن زوجته فيها و يصر على دفع ثمنها لأصحابها الشرعيين رغم إصرارهم على منحها إياه دون ثمن . و هذا يوحي بأن إبراهيم (عليه السلام ) فهم الوعد الإلهي ( إن كان هذا الوعد صحيحا ) بأنه حق في الهجرة إلى هذه الأرض و الإقامة فيها و ليس التملك و التسلط على أهلها دون وجه حق .

المعنى الثاني ، هو ادعاء اليهود أنهم ليسوا غرباء عن هذه الأرض و أنها أرضهم لأن جدهم إبراهيم " اشترى " قطعة منها و دفع ثمنها . و هو ادعاء سخيف لأن امتلاك قطعة أرض في بلد ما لا يعطي حقا في كل البلاد .

و سواء أخذنا بعين الاعتبار هذا المعنى أو ذاك ، فان هذه القصة تدحض المزاعم الصهيونية و تبطلها .

إن الوعد الإلهي الذي قطعه الله مع إبراهيم و إسحاق و يعقوب ( و من خلالهم الشعب اليهودي ) هو الأساس الديني الذي تبني عليه الصهيونية العالمية كل مخططاتها العدوانية و تمنح لنفسها الحق في الاستيلاء على أرض فلسطين و طرد أهلها منها بدعم من العالم " المتحضر" و " الحر" و الذي يتباهى بإنجازاته " العلمانية " .

ـــــــــــــ

( 1 ) تكوين : 23 - 1 ، 16

 

2 – الاستيلاء على الأرض :

إن القصة السالفة الذكر تشرع للصهاينة سياسة الاستيلاء على الأرض عن طريق الشراء ، و هي السياسة التي سارت عليها الحركة الصهيونية في بداياتها الأولى .

إن هذه السياسة ( سياسة شراء الأراضي ) لا تثبت سلمية و حسن نية الحركة الصهيونية لأنها سياسة مرحلية حين كانت هذه الحركة ضعيفة لا تملك القوة العسكرية اللازمة للاستيلاء على الأرض غصبا و عنوة . و حين ملكت القوة العسكرية و السياسية كشفت عن وجهها الحقيقي.

إن محرفي التوراة أرادوا أن يضعوا الخطوات الواجب اتباعها للاستيلاء على الأرض و هي نفس الخطوات التي اتبعتها الحركة الصهيونية . و اليهود منذ وجدوا ، وضعوا نصب أعينهم أرض كنعان و خططوا لذلك منذ القدم .

الاستيلاء على الأرض هو الهدف الأول للصهيونية و أول حدث هام في تاريخ اليهود ( و الذي يؤرخ للبداية الحقيقية لهذا التاريخ ) هو " الوعد الإلهي " بإعطائهم هذه الأرض .

فالفكرة الرئيسية في التوراة تدور حول استيلاء اليهود على أرض فلسطين بكل الوسائل السلمية و غير السلمية . إننا نجد مشاهد في التوراة تحتوي على جميع هذه الأمور منذ الدخول الأول لإبراهيم و أفراد عائلته القلائل ، و كان دخولا سلميا ، إلى الغزو الدموي الرهيب الذي مارسه اليهود في عهد يشوع .

و سواء كانت هذه القصص حقيقية أم لا ، فإن واضعي التوراة الحالية ( و هي غير التوراة التي أنزلها الله على موسى ( عليه السلام) بكل تأكيد أو على الأقل ، تختلف عنها اختلافا كبيرا ) و ضعوا بذلك السياسة التي يجب على اليهود اتباعها تجاه سكان فلسطين بشكل خاص و تجاه جميع الأغيار بشكل عام .

إن الإرهاب الذي يمارسه الصهاينة على سكان فلسطين يمتد لآلاف السنين و الذنب الوحيد الذي اقترفه هؤلاء السكان انهم وجدوا على تلك الأرض محل الأطماع الصهيونية منذ القدم.

إن إبراهيم ، في نظر الصهاينة ، هو أول " يهودي " ( * ) فتح باب الإستيلاء التدريجي على الأرض .

و أكثر من ذلك ، فإن التوراة حددت بدقة الحدود الجغرافية لهذه الأرض التي على اليهود أن يستولوا عليها . و قد شكلت هذه الحدود المرجع الرئيسي للمشروع الصهيوني

ـــــــــــــــــــــــ

( * ) هذا في اعتقاد اليهود الصهاينة لأن إبراهيم ( عليه السلام ) لم يكن يهوديا كما جاء في القرآن الكريم " ما كان إبراهيم يهوديا و لا نصرانيا " صدق الله العظيم .

 

بحيث لا يقتصر هذا المشروع على الإستيلاء على فلسطين فقط و لكن تشمل السيطرة الأرض التي تمتد من مصر شرقا إلى العراق غربا ( ** ) .

و رد ذكر هذه الحدود أول ما ورد في الإصحاح الخامس عشر من سفر التكوين:

" في ذلك اليوم قطع الرب مع أبرام ميثاقا قائلا : لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات " ( 1 ) .

لقد حثت التوراة اليهود على السيطرة على فلسطين و الاستيلاء عليها دون وازع من حق أو أخلاق أو أي اعتبار لساكنيها إلى درجة أن قادة لحركة الصهيونية كانوا يعتبرونها خالية من السكان و الاستيلاء عليها لا يترتب عنه أي إجحاف بأي كان و رفعوا شعارهم المشهور " أرض بلا شعب لشعب بلا أرض " .

لقد اتبع اليهود الصهاينة منذ القدم استراتيجيتين للاستيلاء على فلسطين : استراتيجية التغلغل السلمي و الاستيلاء " القانوني " عن طريق الشراء باستعمال كل الوسائل المشروعة و غير المشروعة ، و استراتيجية الغصب عن طريق استعمال القوة والبطش و الإجرام ، و كلا الإستراتيجيتين مذكورتين في التوراة .

الاستراتيجية الأولى حسب التوراة استعملها إبراهيم عندما جعل لليهود موطئ قدم في فلسطين و سن لهم شراء الأرض رغم أن الله قد ملكهم إياها حسب زعمهم و الاستراتيجية الثانية اتبعت ، كما سبق و ذكرنا سابقا ، في عهد يشوع بن نون عندما استولى اليهود بالقوة على فلسطين و حاولوا إبادة أهلها ( كما يحاول أحفادهم في العقيدة أن يقوموا به في العصر الحديث ) .

و مما جاء في التوراة عن الاستيلاء على الأرض بالقوة و إبادة أهلها ( على أن نستعرض ذلك بشيء من التفصيل في الفصول القادمة عند تطرقنا لمسألة الإرهاب الصهيوني ) ما يلي :

" و كان بعد موت موسى عبد الرب أن الرب كلم يشوع بن نون خادم موسى قائلا : موسى عبدي قد مات فالآن قم اعبر هذا الأردن أنت وكل هذا الشعب إلى الأرض

التي أنا معطيها لهم أي لبني إسرائيل . كل موضع تدوسه بطون أقدامكم لكم أعطيته كما كلمت موسى من البرية و لبنان هذا إلى النهر الكبير نهر الفرات جميع أرض الحثيين و إلى البحر الكبير نحو مغرب الشمس يكون تخمكم " ( 2 )

إن عبارات التوراة هذه واضحة كل الوضوح و هي خير رد على كل من يعتقدون أن اليهود الصهاينة قد تخلوا عن مشروعهم القديم و أنهم قد يكتفون بالأراضي التي احتلوها سنة 1948 إلا إذا اعتبرنا انهم في الوقت نفسه قد تخلوا عن توراتهم و عقيدتهم !

ـــــــــــــــــــــــ

 ( 1 ) تكوين : 15 – 18

( ** ) الأحداث الأخيرة ( احتلال العراق من قبل الصهاينة الأمريكيين ) تسير في هذا السياق و وفق المخطط المرسوم منذ آلاف السنين و من المؤسف القول أن حدود " إسرائيل " و صلت فعلا إلى النيل باتفاقية كامب ديفيد و إلى الفرات بغزو العراق .

( 2 ) يشوع : 1 - 1 ، 4

 

إن التوراة تأمرهم أن يستولوا على أرض فلسطين بجميع الوسائل و بالتالي اصبح الإستيلاء على هذه الأرض واجبا دينيا مقدسا لدى جميع اليهود أقرته شريعتهم وأمرت به .

إن مشروعهم يشمل فلسطين و سوريا و الأردن و لبنان و العراق و مصر و لا يمكن أن يتخلوا عنه في يوم من الأيام إلا إذا تخلوا عن عقيدتهم لأنهم يعتبرون كل هذه المنطقة لهم وحدهم و على من فيها أن يرحلوا أو يخضعوا لسيطرتهم :

" فقال يشوع لبني إسرائيل تقدموا إلى هنا و اسمعوا كلام الرب إلهكم ثم قال يشوع : بهذا تعلمون أن الله الحي في وسطكم و طردا يطرد من أمامكم الكنعانيين و الحثيين و الحويين و الجرجاشيين و الأموريين و اليبوسيين " ( 1 )

و خير دليل على زيف ما جاء في التوراة بهذا الصدد و " خرافيته " أن الله تعالى لم يطرد أحدا ممن كانوا يسكنون هذه الأرض بل اليهود ( الذين وعدهم الله بمنحهم إياها خالصة لهم وحدهم ) هم الذين طردوا منها و يحاولون الآن العودة إليها و قد حققوا جزء من مشروعهم باستيلائهم على فلسطين و سعيهم الدءوب للسيطرة على المنطقة بأسرها باستعمال مختلف الوسائل العسكرية ( الحرب و الغزو و الاعتداءات ) و السياسية ( " اتفاقيات " الاستسلام ) .

إن أول مجزرة قام بها اليهود الصهاينة ( حسب ما جاء في التوراة ) حدثت عندما استولوا على أريحا :

" و حرموا كل ما في المدينة من رجل و امرأة من طفل و شيخ حتى البقر و الغنم و الحمير بحد السيف . و قال يشوع للرجلين الذين تجسسا الأرض ( * ) ادخلا بيت المرأة الزانية و اخرجا راحاب و أباها و أمها و اخوتها و كل مالها و أخرجا كل عشائرها و اتركاهم خارج محلة إسرائيل و أحرقوا المدينة بالنار مع كل ما بها " ( 2 ) ( ** ) .

إن فلسفة التوراة تقوم على الاستيلاء على الأرض و إبادة أهلها حتى تكون خالصة لليهود وحدهم و القتال عند اليهود الصهاينة هدفه الاعتداء و السيطرة و قتل الآخرين و لم يكن في يوم من الأيام غايته نشر العقيدة الموسوية في العالم و بين الناس ( *** ) لأن كل ما عدا اليهود ليس له أي اعتبار بل هم دون مستوى البشرية يجب قتلهم و إبادتهم و إذا لم يقتلوا فلأن في حياتهم مصلحة لليهود و للمشروع الصهيوني .

إن التوراة تأمر اليهود بإبادة سكان الأرض التي يستولون عليها .

" فقال الرب ليشوع لا تخف و لا ترعب . خذ معك جميع رجال الحرب و قم اصعد

ـــــــــــــــــــــــ

( 1 ) يشوع : 3 – 9 ، 10

( 2 ) يشوع : 6 - 21 ، 24

( * ) انظر الإصحاح الثاني من سفر يشوع .

( ** ) ما أشبه اليوم بالبارحة . كأن التوراة تحكي ما يحدث بالذات اليوم في فلسطين من قتل للأطفال و النساء و الشيوخ و تدمير للبيوت و حرق للممتلكات .

( *** ) إن حقدهم و بغضهم للغير جعلهم يبخلون عليهم حتى بعقيدتهم و دينهم .

 

إلى عاي أنظر قد دفعت يدك ملك عاي و شعبه و مدينته و أرضه فتفعل بعاي و ملكها

كما فعلت بأريحا و ملكها " ( 1 ) .

" و دخلوا المدينة و أخذوها و أسرعوا و أحرقوا المدينة بالنار . فألتفت رجال عاي إلى ورائهم و نظروا و إذا دخان المدينة قد صعد إلى السماء . فلم يكن لهم مكان للهرب هنا أو هناك و الشعب الهارب إلى البرية انقلب على الطارد . و لما رأى يشوع و جميع إسرائيل أن الكمين قد أخذ المدينة و أن دخان المدينة قد صعد ، إنثنوا و ضربوا رجال عاي وهؤلاء خرجوا من المدينة للقائهم فكانوا في وسط إسرائيل هؤلاء من هنا و أولئك من هناك . و ضربوهم حتى لم يبق منهم شارد و لا منفلت " ( 2 ) .

" كان لما انتهى إسرائيل من قتل جميع سكان عاي في الحقل و البرية حيث لحقوهم و سقطوا جميعا بحد السيف حتى فنوا ، أن جميع إسرائيل رجع إلى عاي و ضربوها بحد السيف فكان جميع الذين سقطوا في ذلك اليوم من رجال و نساء اثني عشر ألفا جميع أهل عاي " ( 3 ) .

إن اليهود الصهاينة لا يعرفون سوى القتل و الإرهاب لأنهم يحقدون على جميع البشرية بطبيعتهم و تكوينهم النفسي و رسالتهم التي يدعون أنهم جاءوا بها للعالم مكتوبة بالدماء . إنهم يريدون منذ القدم أن يستولوا على العالم انطلاقا من استيلائهم على فلسطين و يسخروا البشرية جمعاء لخدمة مصالحهم و مآربهم .

ـــــــــــــــــــــــ

( 1 ) يشوع : 8 – 1 ، 3

( 2 ) يشوع : 8 - 19 ، 22

( 3 ) يشوع : 8 – 24 ، 25

 

3 – التحكم في بقية الأمم :

إن البعد الثالث للمشروع الصهيوني في التوراة ( و في غير التوراة ) بعد الوعد الإلهي و الاستيلاء على الأرض هو السيطرة على العالم و التحكم في بقية الأمم و الشعوب و تسخيرها لخدمة مصالح اليهود .

لقد نهض اليهود و نشأوا على هذه الفكرة على أساس أنهم شعب الله المختار و أن بقية الأمم هي أقل درجة منهم بل و دون مستوى البشرية لأنهم يعتبرون أنفسهم هم البشر الحقيقيون و ما الشعوب الأخرى إلا بهائم في شكل آدمي و ما خلقت إلا لخدمة اليهود .

فالتوراة صريحة في هذا الشأن . إن الأمم الأخرى يجب أن تستعبد من طرف اليهود. و الغريب أن التوراة تغلو في هذا الشأن إلى درجة أن الاستعباد يبدأ حتى بين أبناء الأم الواحدة و الأب الواحد إسحاق .

فعندما كانت رفقة امرأة إسحاق حاملا بتوأميها عيسو و يعقوب ( الذي سمي فيما بعد إسرائيل ) ، تقول التوراة :

" فقال لها الرب في بطنك أمتان و من أحشائك يفترق شعبان . شعب يقوى على شعب و كبير يستعبد لصغير " ( 1 )

يقصد بالصغير هنا يعقوب لأنه جاء بعقب أخيه فهو أصغرهما ( و إن كانا توأمين ! ) كما يقصد به كذلك شعب إسرائيل ( أبناء يعقوب ) الذي يشكل أقلية بين الشعوب الأخرى و التي تعطيه التوراة الحق في استعبادها .

فأما الذين لم يقتلوا و لم يبادوا ، فإما لأنهم لم تطلهم يد اليهود الصهاينة أو أن في حياتهم مصلحة لليهود ( لجعلهم في خدمتهم و خدمة مصالحهم ) .

كما جاء في سفر التكوين فيما قال إسحاق لابنه يعقوب :

" فليعطك الله من ندى السماء ومن دسم الأرض و كثرة حنطة و خمر و ليستعبد لك شعوب و تسجد لك قبائل " ( 2 ) .

إن تكوين الشخصية اليهودية الصهيونية مبني على هذا الاستعلاء الذي على أساسه تقوم كل تصرفاتهم تجاه الشعوب الأخرى .

إن هذا الموقف و التصرف الاستعلائيين يمران عبر درجات مختلفة من التطرف في العنصرية .

فاقل هذه الدرجات عنصرية تعتبر الشعوب الأخرى أقل درجة من اليهود و إن كانت تشركها جميعا في نوع البشرية . بينما أكثرها تطرفا في العنصرية تلك التي تخرج

ـــــــــــــــــــــــ

( 1 ) تكوين : 25 – 23

( 2 ) تكوين : 27 – 29

 

الشعوب الأخرى من الآدمية التي تحصرها فقط في اليهود وحدهم و تصفهم بالبهيمية بل و حتى بالجماد .

إن الفكر اليهودي الصهيوني يقوم على العنصرية و العنصرية الصهيونية هي مقدمة منطقية و مبرر " أخلاقي " للممارسات الإجرامية و الإرهابية التي يقوم بها اليهود الصهاينة تجاه الشعوب الأخرى .

يمكن الاستخلاص مما سبق أن المشروع الصهيوني الذي يستمد مبادئه الأساسية من التوراة تتلخص أبعاده في صيغتها التوراتية على النقاط التالية :

1 – حق اليهود الإلهي في أرض فلسطين و المنطقة بأسرها من النيل إلى الفرات و هذا الحق لا يجب منازعتهم عليه لأنه نتاج للوعد الإلهي الذي أعطي لإبراهيم و إسحاق و يعقوب و للشعب اليهودي بأسره .

2 – حق اليهود في الإستيلاء على تلك المنطقة بكل وسيلة متاحة و أفضلها عندهم إبادة السكان الأصليين و إخراجهم منها و تدمير ممتلكاتهم أو استعبادهم و السيطرة على قدراتهم الاقتصادية وثرواتهم .

3 – الاستعلاء على الشعوب الأخرى و حقهم في استعبادها تسخيرها لخدمة مصالحهم .

هذا ما جاء في التوراة حول المشروع الصهيوني القديم و هو المنطلق للأفكار الصهيونية التي تفرعت من الأصل التوراتي في شكل شروحات و تفصيلات ( كما جاء في التلمود ) ، أو مخططات قابلة للتنفيذ ( كما جاء في " بروتوكولات حكماء صهيون " و فكر الحركة الصهيونية المعاصرة .

 

ثانيا – أبعاد المشروع الصهيوني في التلمود :

يعتبر التلمود ( * ) أهم كتاب عند اليهود بعد التوراة ( و ربما أهم من التوراة ) لأنه يضم جميع المعاملات الدينية لليهود و خاصة ( و هو ما يهمنا الآن ) معاملاتهم مع الأغيار ( غير اليهود ) و نظرتهم إليهم .

لا يحتوي التلمود على تفاصيل عن المشروع الصهيوني بمعناه الدقيق ، و إنما يحتوي على عناصر هامة ساعدت اليهود الصهاينة في و ضع مخططاتهم و تنفيذها ، وقد لجأوا إليها فعلا في مختلف المراحل .

و تتمثل هذه العناصر في أسلوب التعامل مع الأغيار و النظرة إليهم و يتلخص هذا الأسلوب في الموقف العنصري المتطرف تجاه هؤلاء الأغيار و الأمر بممارسة العنف والإرهاب و القتل في حقهم و هو أسلوب اتبعته الحركة الصهيونية العالمية تجاه كل من وقف عقبة في وجه مخططاتها و من لم يقف .

لن نطيل الحديث عن هذا و نرجئه للفصول القادمة عندما نتحدث عن الإرهاب الصهيوني و نكتفي ببعض النماذج مما جاء في التلمود بهذا الصدد .

ـــــــــــــــــــــــ

( * ) و هو الكتاب الذي يحتوي على التعاليم اليهودية و يشرحها و يتكون في الواقع من عدة كتب .

 

1 – الاستيلاء على أموال غير اليهود :

يقوم الفكر اليهودي على مبدأ " الاختيار " و هو المبدأ الذي يعتبر اليهود " شعب الله المختار" و أن الله أبرم عهدا مع الشعب اليهودي و خلق من أجله الكون و كل شيء على وجه الأرض هو ملك لليهود و حق لهم يمكن لهم الاستيلاء على أي شيء مهما كانت الوسيلة .

جاء في التلمود :

" الحقيقة المقررة عند الرابيين أنه يمكن لليهودي أن يأخذ أي شيء يخص المسيحيين أيا كان السبب ، حتى بالاحتيال ، و لا يمكن أن يعتبر هذا العمل لصوصية لأنه ( أي اليهودي ) لم يأخذ سوى ما يخصه هو " ( 1 ) .

" جميع ما يخص الغويم ( * ) هو كالصحراء ، يستطيع أن يدعي أنها ملكه أول من يسرع مستوليا عليها " ( 2 ) .

حتى البشر من غير اليهود فهم ملك لليهود . ألم تقل التوراة أن الأمم يجب أن تستعبد للشعب اليهودي ؟

يقول التلمود :

" إن حياة الغويم و جميع قواه الجسدية هي ملك لليهودي " ( 3 ) .

" يجوز ليهودي المجيء إلى الآكوم ( ** ) . . . والتعامل معه ، للإحتيال عليه و اقتناص ماله . . . لأن ثروة الآكوم يجب أن تعتبر مشاعة الملكية تخص أول من يفوز بها ( من اليهود طبعا ) " ( 4 ) .

ـــــــــــــــــــــــ

( 1 ) فضح التلمود . الأب آي . بي . براناتيس . ص 131

( 2 ) نفس المصدر ، ص 131

( 3 ) نفس المصدر ، ص 131

( 4 ) نفس المصدر ، ص 133

( * ) و هو التعبير الذي يطلق على غير اليهود .

( ** ) تعبير يطلق على المسيحيين .

 

2 - قتل الأغيار و إبادتهم :

إن حقد اليهود على الأغيار يعمي بصيرتهم يجعلهم يأملون إبادتهم و كتبهم الدينية ، التي ألفها حاخاماتهم على مدى آلآف السنين تأمرهم ببغضهم و السعي إلى إيذائهم و إبادتهم خاصة إذا شكلوا عقبة أمام مشروعهم المشؤوم .

" يجب إلقاء المهرطقين و الخونة و المرتدين في البئر و الامتناع عن إنقاذهم " ( 1 ) .

" سكان عالم الحياة الفانية هم وثنيون ، ومكتوب عنهم : ليبادوا عن وجه الأرض " ( 2 ) .

" من المؤكد أن أسرنا سيدوم ما لم نحطم أمراء الأغيار الذين يعبدون الأوثان"( 3 ) .

" لأنه حين تتحطم روما ، سوف تستعيد إسرائيل الحياة " ( 4 ) .

هذا القليل مما جاء في التلمود و هو اقدس كتاب عند اليهود بعد التوراة يدرّسهم كيف يتعاملون مع غير اليهود . و أقل ما يأمرهم به هو بغضهم و الحقد عليهم ، و إذا سنحت لهم الفرصة ، قتلهم و إبادتهم إلا إذا كانت حياتهم فيها مصلحه لمشروعهم .

" إن الكوثائيين و هم ليسوا أعدائنا ، الذين يرعون الخراف الإسرائيلية ،ليس من الضروري قتلهم في الحال ، لكنهم يجب ألا ينقذوا من الموت " ( 5 ) .

" يقول الرابي يهودا للرابي شيزكيا : يجب الثناء على من يقدر تحرير نفسه من عدو إسرائيل، و من حقه الثناء عليه أكثر فأكثر الذي يتحرر منهم ( الغويم ) و يقاتل ضدهم . سأل شيزكيا كيف يجب مقاتلتهم ؟ فقال الرابي يهودا بالخطة الحكيمة تستطيع محاربتهم . ما نوع الحرب ؟ نوعها هي أن على كل ابن رجل مقاتلة أعدائه ،بالطريقة التي استخدمها يعقوب ضد عيسو ، بالخداع و المقاتلة ، كلما كان ذلك ممكنا . عليهم الاستمرار في المقاتلة بدون كلل و لا توقف ،إلى أن يعاد النظام الصحيح ( * ) . و هكذا ، فإنني أقول باقتناع أنه يجب أن نحرر أنفسنا منهم و نسيطر عليهم " ( 6 ) .

هذه هي حقيقة المشروع الصهيوني . ليست الغاية منه تحرير اليهود من سيطرة و اضطهاد الغير ، كما يقولون في أدبياتهم العلنية ، و إنما السيطرة على العالم و شعوب العالم و خيرات العالم و تسخيرها لخدمة مصالح اليهود الصهاينة وحدهم .

ـــــــــــــــــــــــ

( 1 ) نفس المصدر ، ص 139

( 2 ) نفس المصدر ، ص 142

( 3 ) نفس المصدر ، ص 144

( 4 ) نفس المصدر ، ص 145

( 5 ) نفس المصدر ، ص 138

( 6 ) نفس المصدر ، ص 136

( * ) أي دولة اليهود الصهيونية العالمية .

 

3 – تسخير الغير لخدمة اليهود :

يعلم التلمود اليهود أن الله خلق الشعوب الأخرى كبهائم في أشكال آدمية لغاية واحدة هي خدمة اليهود و الشعب اليهودي لأن كل ما في الكون هو في خدمة اليهود و بالتالي يحق لليهود ( بل عليهم أن يعملوا لذلك ) أن يسخروا تلك الشعوب لهذه الخدمة .

جاء في ميدراش تالبيوث :

" خلقهم الله في أشكال آدمية لتمجيد إسرائيل . إلا أن الآكوم خلقوا لغاية وحيدة هي لخدمتهم ( لخدمة بني إسرائيل ) ليل نهار . و هم لا يستطيعون التخلص من هذه الخدمة. و من اللائق أن يقوم على خدمة ابن ملك ( إسرائيلي ) حيوانات بأشكال طبيعية ، فالحيوانات الكائنة بأشكال إنسانية عليها أن تخدمه " ( 1 ) .

 

ـــــــــــــــــــــــ

( 1 ) فضح التلمود ، ص 92 .

 

ثالثا - أبعاد المشروع الصهيوني في بروتوكولات حكماء صهيون :

يعتبر كتاب " بروتوكولات حكماء صهيون " ( نشر لأول مرة سنة 1905 ) من أكثر الكتب إثارة للجدل في تاريخ الحركة الصهيونية الحديثة .

لقد اختلفت فيه المواقف من إنكار نسبته إلى اليهود أو التشكيك في هذه النسبة إلى التأكيد على صحة إنتساب هذا الكتاب الغريب و الخطير إلى الصهيونية العالمية و أنه يمثل حقيقة المشروع الصهيوني في بعده العالمي .

يتميز المشروع الصهيوني ببعدين أساسيين : بعد إقليمي و بعد عالمي .

البعد الإقليمي يتمثل في سعي اليهود الصهاينة الدؤوب للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط ( أو ما يسميه المستعمرون الغربيون بمنطقة الهلال الخصيب ) . أما البعد العالمي فيتمثل في سعيهم إلى السيطرة على العالم بأسره و إقامة حكومة يهودية صهيونية عالمية و يتضمن كتاب البرتوكولات تفاصيل خطيرة عن ذلك .

لسنا بصدد مناقشة صحة نسبة هذا الكتاب إلى الصهيونية العالمة أم لا ، فهذا ليس موضوعنا ، إلا أننا ننطلق من فرضية إن كتاب البرتوكولات صحيح النسبة إلى اليهود وإلى الصهيونية العالمية و ذلك لسببين اثنين :

السبب الأول : إن ادعاء أن المخابرات الروسية القيصرية هي التي ألفته لإيجاد المبرر لإبادة اليهود في روسيا هو ادعاء ضعيف لأن المخابرات الروسية و السلطة الروسية الاستبدادية في نهاية القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين لم تكن بحاجة إلى مبرر لارتكاب مجازر بحق الشعوب التي كانت ترزح تحت هيمنتها ( و قد قامت بذلك فعلا ) ولم تكن بالتالي بحاجة إلى تأليف مثل هذا الكتاب الدقيق و المفصل لهذا الغرض .

أما السبب الثاني ، فهو توافق محتويات الكتاب مع الكثير مما جاء في الكتب الدينية اليهودية ( خاصة التوراة و التلمود ) الصريحة النسب لليهود و الكثير من الكتب الصهيونية الأخرى .

إن ما جاء في البروتوكولات من تفاصيل حول حقيقة المشروع الصهيوني يرقى إلى مستوى المؤامرة ليس على فلسطين و المنطقة فقط و إنما على العالم بأسره .

إن كتاب " بروتوكولات حكماء صهيون " يوضح ، دون لبس ، البعد العالمي للمؤامرة الصهيونية و لذلك فإن ما حدث و يحدث في فلسطين والمنطقة ما هو إلا خطوة بسيطة نحو سيطرة اليهود الصهاينة على العالم و إقامة دولة يهودية عالمية .

إن عناصر المؤامرة ( * ) الصهيونية يمكن حصرها في النقاط التالية :

-  إقامة دولة يهودية في فلسطين .

ــــــــــــــــــــــ

( * ) نتحدث هنا عن المؤامرة لأن كتاب البروتوكولات يبين الوجه الحقيقي للمشروع الصهيوني.

 

-  السيطرة على منطقة الشرق الأوسط ( من النيل إلى الفرات ) إما عسكريا أو سياسيا أو اقتصاديا .

-  السيطرة على العالم و الهيمنة على الشعوب الأخرى و حكوماتها و تسخيرها لخدمة الصهيونية العالمية و المشروع الصهيوني .

-  إقامة حكومة يهودية صهيونية عالمية .

إن اليهود الصهاينة لا يتورعون عن استخدام كل الوسائل و خاصة الإجرامية و الإرهابية منها من أجل الوصول إلى أهدافهم و غاياتهم المنشودة و يتجلى ذلك بكل وضوح على مدى بروتوكولات الكتاب الأربع و العشرون . فلا يكاد بروتوكول واحد يخلوا من أحد هذه العناصر أو جميعها .

إن الفكرة الأولى التي ينطلق منها الكتاب هي أن " قانون الطبيعة هو : الحق يكمن في القوة " ( 1 ) .

و نستعرض فيما يلي القليل مما جاء في هذا الكتاب و الذي يفضح الكثير من مخططات الصهيونية العالمية .

 

ـــــــــــــــــــــــ

( 1 ) البروتوكول الأول .الخطر اليهودي . ص 124 .

1 ــ إثارة الفرقة بين الأمم و الدول لإضعافها و السيطرة عليها :

إن الخطوة الأولى التي يقوم بها اليهود الصهاينة للسيطرة على العالم تمهيدا لإقامة الحكومة اليهودية الصهيونية العالمية تتمثل في السعي للسيطرة عل العالم و ذلك بإضعاف الحكومات الوطنية بالتغلغل إلى مراكز قوتها الحيوية و إيجاد عناصر الضعف فيها ثم الإمساك بزمام الأمور إما مباشرة أو بشكل غير مباشر كي تصبح تلك الحكومة تسير وفق المخطط الصهيوني .

" بين أيدينا خطة عليها خط استراتيجي موضح و ما كنا لننحرف عن هذا الخط إلا كنا ماضين في تحطيم عمل قرون " ( 1 ) .

كل شيء مرسوم و مخطط له من قبل الصهيونية العالمية منذ قرون ( أي منذ ظهور اليهود على مسرح التاريخ ) .

" إن أزمة الحكومة المتروكة خضوعا لقانون الحياة ستقبض عليها يد جديدة . و ما على الحكومة الجديدة إلا أن تحل محل القديمة التي أضعفتها التحررية ، لأن قوة الجمهور العمياء لا تستطيع البقاء يوما واحدا بلا قائد " ( 2 ) .

" و سواء أنهكت الدولة الهزاهز الداخلية أم أسلمتها الحروب الأهلية إلى عدو خارجي ، فإنها في كلتا الحالتين تعد قد خربت نهائيا كل الخراب و ستقع في قبضتنا . و إن الاستبداد المالي ( و المال كله في أيدينا ) سيمد إلى الدولة عودا لا مفر لها من التعلق به ، لأنها ( إذا لم تفعل ذلك ) ستغرق في اللجة لا محالة " ( 3 ) .

تتمثل خطتهم دائما في إضعاف الدول من الداخل عن طريق خلق أسباب الضعف من خلافات داخلية و قلاقل و أزمات سياسية و اقتصادية . ثم يظهرون على مسرح الأحداث كمنقذين لتلك الدول فيحكمون سيطرتهم عليها . و كانت هذه دائما سياسة الصهيونية العالمية ( التي تقودها أمريكا ) مع الدول المختلفة التي تحدث فيها أزمات خطيرة و حروب ( بتدبير مباشر أو غير مباشر منها ) لتتدخل سياسيا و اقتصاديا و حتى عسكريا و تقيم القواعد العسكرية بحجة حماية تلك الدول من التهديدات الخارجية .

" أستطيع اليوم أن أؤكد لكم أننا على مدى خطوات قليلة من هدفنا ، و لم تبق إلا مسافة قصيرة كي تتم الأفعى الرمزية - شعار شعبنا - ( * ) دورتها . و حينما تغلق هذه الدائرة ستكون كل دول أوربا محصورة فيها بأغلال لا تكسر " ( 4 ) .

 

 " و نحن نحكم الطوائف باستغلال مشاعر الحسد و البغضاء التي يؤججها الضيق و الفقر ، و هذه المشاعر هي وسائلنا التي نكتسح بها بعيدا كل من يصدوننا عن سبيلنا " ( 5 ) .

ـــــــــــــــــــــــ

( 1 ) نفس المصدر ص 128

( 2 ) نفس المصدر ص 124

( 3 ) نفس المصدر ص 125

( 4 ) البرتوكول الثالث . نفس المصدر ص 138

( 5 ) نفس المصدر ص 140 ( * ) و شعار الماسونية العالمية

 

2 ــ إقامة الحكومة الصهيونية العالمية :

إنهم يثيرون الفرقة بين دول و شعوب العالم لكي يتمكنوا من السيطرة عليهم و على قدراتهم الاقتصادية و السياسية و العسكرية ، ليقيموا سلطة عالمية تبدو في ظاهرها ائتلافا و تعاونا لهذه الدول و الشعوب و لكنها في الواقع سلطة تحركها أيادي الصهيونية العالمية الخفية لكي تتحول فيما بعد إلى حكومة صهيونية عالمية .

" و حينما يأتي أوان تتويج حاكمنا العالمي سنتمسك بهذه الوسائل نفسها ، نستغل الغوغاء كيما نحطم كل شيء قد يثبت أنه عقبة في طريقنا " ( 1 ) .

" إننا سننظم حكومة مركزية قوية ، لكي نحصل على القوى الإجتماعية لأنفسنا . و سنضبط حياة رعايانا السياسية بقوانين جديدة كما لو كانوا أجزاء كثيرة جدا في جهاز . و مثل هذه القوانين ستكبح كل حرية ، و كل نزعات تحررية يسمح بها الأمميون ( * ) ، و بذلك يعظم سلطاننا فيصير استبدادا يبلغ من القوة أن يستطيع في أي زمان و أي مكان سحق الساخطين المتمردين من غير اليهود " ( 2 ) .

" ثم ما الفرق بالنسبة للعالم بين أن يصير سيده هو رأس الكنيسة الكاثوليكية ، و أن يكون طاغية من دم صهيون ؟

و لكن لا يمكن أن يكون الأمران سواء بالنسبة إلينا نحن " الشعب المختار " . قد يتمكن الأمميون فترة من أن يسوسونا و لكنا مع ذلك لسنا في حاجة إلى الخوف من أي خطر ما دمنا في أمان بفضل البذور العميقة لكراهيتهم بعضهم بعضا ، و هي كراهية لا يمكن انتزاعها .

لقد بذرنا الخلاف بين كل واحد و غيره في جميع أغراض الأمميين الشخصية و القومية ، بنشر التعصبات الدينية و القبلية خلال عشرين قرنا . و من هذا كله تتقرر حقيقة : هي أن أي حكومة منفردة لن تجد لها سندا من جاراتها حين تدعوها إلى مساعدتها ضدنا ، لأن كل واحدة منها ستظن أن أي عمل ضدنا هو نكبة على كيانها الذاتي ( ** ) .

نحن أقوياء جدا ، فعلى العالم أن يعتمد علينا و ينيب إلينا . و إن الحكومات لا تستطيع أبدا أن تبرم معاهدة و لو صغيرة دون أن نتدخل فيها سرا ...

... إننا نقرأ في شريعة الأنبياء أننا مختارون من الله لنحكم الأرض . و قد منحنا الله العبقرية ، كي نكون قادرين على القيام بهذا العمل . إن كان في معسكر أعدائنا عبقري فقد يحاربنا ، و لكن القادم الجديد لن يكون كفؤا لأيد عريقة كأيدينا " ( 3 ) .

ـــــــــــــــــــــــ

( 1 ) ص 141

( 2 ) البروتوكول الخامس ص 147

( * ) غير اليهود .

( ** ) و هذا ما يحدث فعلا في العلاقات الدولية التي تهيمن عليها الصهيونية العالمية و المتمثلة في أمريكا وإسرائيل . فعندما تهاجم الصهيونية العالمية إحدى الدول الخارجة عن طوعها ( كما حدث مؤخرا مع العراق ) فإن هذه الدولة لن تجد من يساندها حتى من أقرب المقربين إليها .

( 3 ) البروتوكول الخامس ص 149

 

" إننا نعتمد على اجتذاب كل الأمم للعمل عل تشييد الصرح الجديد الذي وضعنا نحن تصميمه . و لهذا السبب كان من الضروري لنا أن نحصل على خدمات الوكلاء المغامرين الشجعان الذين سيكون في استطاعتهم أن يتغلبوا على كل العقبات في طريق تقدمنا .

و حينما ننجز انقلابنا السياسي سنقول للناس : لقد كان كل شيء يجري في غاية السوء ، و كلكم قد تألمتم ، و نحن الآن نمحق سبب آلامكم ، و هو ما يقال له القوميات و العملات القومية و أنتم بالتأكيد أحرار في اتهامنا ، و لكن هل يمكن أن يكون حكمكم نزيها إذا نطقتم به قبل أن تكون لكم خبرة بما نستطيع أن نفعله من أجل خيركم ؟ ( * ) .

حينئذ سيحملوننا على أكتافهم ( ** ) عاليا في انتصار و أمل و ابتهاج " .

أما الهدف الأسمى فهو إقامة الحكومة الصهيونية العالمية و على رأسها ملك يهودي .

" و نحن من ذلك الحين نقود الأمم قدما من خيبة إلى خيبة ، حتى أنهم سوف يتبرءون منا ، لأجل الملك الطاغية من دم صهيون ، و هو الملك الذي نعده لحكم العالم " ( 1 ) .

ـــــــــــــــــــــــ

( * ) ليس غريبا أن يكون هذا ما يقوله الساسة الأمريكيون الصهاينة للعراقيين و للعالم هذه الأيام .

( ** ) و هذا ما توقعوه من العراقيين عندما بدؤوا عدوانهم على العراق .

( 1 ) البروتوكول الثالث ، ص 143

 

رابعا – أبعاد المشروع الصهيوني في خطاب الحركة الصهيونية :

يعتبر خطاب الحركة الصهيونية المفسر و الشارح لتفاصيل المشروع الصهيوني و الواضع له في إطاره التنظيمي و التنفيذي .

لقد شهدت الحركة الصهيونية العالمية ( * ) على مدى قرون رجالا عديدين وضعوا اللمسات التفصيلية لهذا المشروع و اتفقوا جميعا على الخطوط الرئيسية و إن اختلفوا حول التفاصيل و طريقة التنفيذ .

إن الفكر الصهيوني بشقيه الديني و السياسي يكمل بعضه بعضا . إن الحركة الصهيونية حركة دينية و إن اتخذت شكلا سياسيا في أغلب الأحيان لأن أصل الفكرة الصهيونية ديني .

لقد ركز قادة الحركة الصهيونية و مفكريها في كتاباتهم و أقوالهم أكثر ما ركزوا على مشروع الدولة اليهودية في فلسطين ( باستثناء ما جاء في كتاب بروتوكولات حكماء صهيون الذي ركز على البعد العالمي للمشروع الصهيوني ) و السبب الرئيسي أن هذه الحركة نشأت و ترعرعت في " الشتات " فكانت الأولوية لتجميع جزء من اليهود في مكان واحد ( و ليس كل اليهود ! ) ( ** ) و إنشاء دولة يهودية صهيونية و إمدادها بكل أسباب القوة العسكرية و السياسية و الاقتصادية و جعلها تحت حماية النظام العالمي الذي تتحكم فيه الصهيونية العالمية ، لتكون المنطلق نحو تحقيق الهدف الأسمى ( و الغير المعلن ) و هو إقامة الحكومة اليهودية الصهيونية العالمية .

في مؤتمر المجلس العالمي لعمال صهيون الذي انعقد في زوريخ في صيف سنة 1937 قال ديفيد بن غوريون مؤسس الدولة الصهيونية في فلسطين و أول رئيس وزراء لها ، معبرا عن حقيقة المشروع الصهيوني و كون إقامة الدولة اليهودية في فلسطين مجرد حقبة في طريق تحقيق ما أسماه بـ " الهدف الصهيوني " :

" للمرة الأولى سنحت لنا الفرصة لنسمع من فم اللجنة الملكية الآتية من إنكلترا بأن الوعد الذي أعطي للشعب اليهودي ( أي وعد بلفور ) يتضمن إمكانية تحولنا إلى أكثرية و إنشاء دولة يهودية مستقلة ليس في جزء واحد من البلد ، على أرض إسرائيل التاريخية ( على الرغم من أن الوعد لم يلتزم بذلك صراحة ) . في الواقع إن حدود هذه الدولة غير مرسومة . لقد تبدلت حدودها و تحولت من زمن إلى آخر و لكن لا شك في أنها تشمل شرقي الأردن و ليس ذلك القسم من شرقي الأردن الذي أعطي لعبد الله ليحكمه فحسب ، بل أيضا القسم الشمالي منه عبر اليرموك الذي أعطي للانتداب الفرنسي .

 هذه الدولة اليهودية التي يقترحونها علينا ــ حتى مع التعويضات الممكنة و التحسينات الآتية لصالحنا ـــ ليست الهدف الصهيوني . إذ أنه لا يمكن حل المشكلة

ـــــــــــــــــــــــ

( * ) نقصد الحركة الصهيونية الحديثة .

( ** ) على عكس ما تصرح به علنا الحركة الصهيونية من سعيها لتجميع كل اليهود في فلسطين لتجنيبهم الاضطهاد المزعوم الذي تمارسه في حقهم الشعوب الأخرى .

 

اليهودية على هذه الرقعة . و لكن لا بد لهذه الدولة من أن تشكل مرحلة حاسمة على طريق تنفيذ الهدف الصهيوني الأكبر " ( 1 ) .

لقد ادعت الحركة الصهيونية أنها تريد تحرير اليهود من الاضطهاد و اللاسامية التي يعانون منها في " الشتات " بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين و تجميعهم فيه و الغريب أنه بعد آلاف السنين من " الشتات " و " العذاب " و بعد خمس و خمسين سنة من إنشاء الوطن القومي المنتظر ، لم يهاجر إليه أغلب اليهود في العالم ! .

فإما أنهم لم يقتنعوا بالمشروع الصهيوني " القومي " ( * ) ، و إما أن المشروع الصهيوني " العالمي " ( ** ) يقتضي منهم البقاء في بلاد إقامتهم لمتطلبات أهم .

إن تنفيذ المشروع الصهيوني واجب ديني و قومي لليهود ، هذا ما ركزت عليه الحركة الصهيونية العالمية لحث جميع يهود العالم للانخراط في هذا المشروع لإنجاحه و تحقيق الغاية التي وجد اليهود كأمة من أجلها .

يقول الحاخام صموئيل موهيليفر ( 1824 – 1898 ) Samuel Mohilever :

" يجب على جميع (( أبناء صهيون )) أن يقتنعوا كليا و يؤمنوا إيمانا تاما بأن عودتنا للإقامة في بلادنا - أي شراء الأراضي و تعمير البيوت و زرع البساتين و فلاحة الأرض - هي إحدى وصايا التوراة الأساسية ، حتى أن بعض حكمائنا الأوائل يعتبرون هذه العودة بمثابة الناموس بأكمله لأنها هي أساس وجود شعبنا ( *** ) ، و كل محب حقيقي لصهيون هو ذلك الإنسان الذي يؤمن بهذه الوصية بكل قلبه و روحه ، و أن كل من يساعدنا و لا يؤمن بها يكون كمن يتبرع من أجل قضية لا يؤمن بها " ( 2 )

و في هذا الصدد ، يمكن حصر أفكار الحركة الصهيونية في أربع نقاط أساسية تدور حولها جميع التفصيلات الأخرى :

  العودة إلى صهيون .

  " إحياء " أرض فلسطين و تعميرها .

  طرد السكان الفلسطينيين من بلادهم

  إقامة الدولة اليهودية الصهيونية .

ـــــــــــــــــــــــ

( 1 ) من الأرشيف الصهيوني . إسرائيل شاحاك . ص 13 . مركز الأبحاث لمنظمة التحرير الفلسطينية ـ بيروت 1975

( * ) إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين .

( ** ) إقامة الحكومة اليهودية الصهيونية العالمية .

( *** ) أي لا يمكن لليهودي أن يتخلى المشروع الصهيوني إلا إذا تخلى عن التوراة و الناموس ( الشريعة ) .

( 2 ) الفكرة الصهيونية ، ص281

 

1 – العودة إلي صهيون :

إن فكرة " العودة إلى صهيون " تشكل الأساس الذي تقوم عليه كل أفكار الحركة الصهيونية و أصل هذه الفكرة ديني بحت .

جاء في الطبعة الفرنسية للكتاب المقدس لـ "ALLIANCE BIBLIQUE UNIVERSELLE " لسنة 1991 حول معنى كلمة صهيون " SION " ما يلي :

" في الأصل كانت كلمة صهيون تمثل القسم القديم لمدينة أورشليم . فيما بعد أصبحت الكلمة تعبر عن مساحة أوسع تضم الهيكل ، الذي يعتبر مسكن الله ، و كل مدينة أورشليم " ( 1 ) .

إن صهيون هو القلب النابض للتاريخ اليهودي قديما و حديثا . إنه يعيش في وجدان كل يهودي ويشكل الرابط الذي يربط يهود العالم فيما بينهم و الحلم الذي يحلمون بالعودة إليه و السعي إلى ذلك بكل الوسائل . إن أمنية كل يهودي أن " يعود " إلى صهيون .

يقول شائيم بوتوك Chaim Potok ( يهودي أمريكي ) :

" إن صهيون ليست فقط مكان مقدس أو مقصد لليهود و لكنها كذلك الجغرافيا التي حدث فيها التاريخ اليهودي في الماضي و الذي سوف يستأنف في المستقبل " ( 2 ) .

يقول آرون ديفيد غوردون ( 1856 – 1922 ) Aaron David Gordon عن أهمية فلسطين في المشروع الصهيوني :

" إننا نقوم بعمل خلاق لا مثيل له في التاريخ : وهذا العمل هو بعث شعب و إعادة إسكانه بعد أن اقتلع و تفرق و اندثر في مهب الريح . إنه شعب نصف ميت ، و الجهد لإعادة خلقه يتطلب من خالقه تركيزا خالصا . أما مركز عملنا القومي ، و قلب شعبنا فهو هنا ، في فلسطين ، فمع أننا أقلية ضئيلة ، ولكن ينبوع حياتنا هنا . هنا ، في هذه البقعة المركزية ، تختبئ القوة الحيوية لقضيتنا و قدرتها على النمو . هنا ، بدأ شيء

يزهر شيئا له أهمية إنسانية أكبر و تشعبات أكثر مما يتصور صانعو تاريخنا ، و أن هذه الفكرة تنمو بعمق من الداخل ، كشجرة بدأت تظهر من بذرتها . هنا في فلسطين تكمن القوة التي تجذب جميع الخلايا المتفرقة لتتحد في كائن عضوي قومي حي . . .

. . . إن هدفنا هو أن تصبح فلسطين اليهودية الوطن الأم ليهود العالم ، و أن تكون الجاليات اليهودية في الشتات مستعمرات لها و ليس العكس ( * ) " ( 3 ) .

ـــــــــــــــــــــــ

( 1 ) La Bible , Ancien et Nouveau Testament , ALLIANCE BIBLIQUE UNIVERSELLE , 1991

( 2 ) CHAIM POTOK , Une Histoire du peuple juif , p. 433

( * ) نلمح هنا جليا فكرة جعل تأسيس الدولة اليهودية القومية في فلسطين قاعدة و منطلقا لتأسيس الدولة اليهودية العالمية .

( 3 ) الفكرة الصهيونية ، ص 266

 

 جاء في كتاب " السعي لصهيون " الذي ألفه الحاخام زفي هيرش كاليشر ( 1795 – 1874 ) Zvi Hirsh Kalischer سنة 1862 ما يلي :

" خلاص إسرائيل الذي نسعى إليه ، يجب ألا يصور بأنه معجزة فجائية . لن يهبط القدير ، تبارك اسمه ، فجأة و يأمر شعبه بالتقدم . و لن يبعث الرب المسيح المنتظر من السماء بلمحة عين لينفخ بالبوق لإسرائيل المبعثرة و يجمعها في القدس ، و لن يطوق الله المدينة المقدسة بسور من النار و لن يدع الهيكل المقدس يهبط من السماء . . . عزيزي القارئ ، الق جانبا الفكرة التقليدية القائلة بأن المسيح المنتظر سينفخ بالبوق العظيم فترتعد منه كل الأرض . بل على العكس ، فالخلاص سيبدأ بمساندة المحسنين و بكسب موافقة الأمم على لمّ شمل بعض الإسرائيليين في الأرض المقدسة . . .

عبر النبي أشعيا ( 27 : 6 ، 12 – 13 ) عن هذا الرأي ، قال : في المستقبل يتأصل يعقوب . يزهر و يفرع إسرائيل و يملأون وجهه المسكونة ثمارا . . . و يكون في ذلك اليوم أن الرب يجني من مجرى النهر إلى وادي مصر . و أنتم تلقطون واحدا واحدا يا بني إسرائيل .و يكون في ذلك اليوم أنه يضرب ببوق عظيم فيأتي التائهون في أرض أشور و المنفيون في أرض مصر و يسجدون للرب في الجبل المقدس في أورشليم .

إذن ، هكذا يبين لنا الله أن بني إسرائيل سوف لا يصعدون من المنفى كلهم معا ، و إنما سيجتمعون بالتدريج تماما كما تجمع حبات القمح من السنابل . و معنى هذا (( في المستقبل يتأصل يعقوب )) في الآية المذكورة أعلاه أن الله القدير سيجعل هؤلاء الذين جاءوا أولا - في بداية الخلاص - بمثابة الجذور التي تزرع في الأرض لتنتج أغصانا كثيرة . ومن ثم ستزهر إسرائيل في الأرض المقدسة ، و تتحول هذه الأزهار إلى براعم و من ثم إلى ثمار و تتكاثر إلى أن تملأ وجه البسيطة . هذا المفهوم نفسه مشار إليه في قول اشعيا ( 11 : 11 ) (( يكون في ذلك اليوم أن السيد يعيد يده ثانية ليقتني بقية شعبه التي بقيت من أشور و من مصر )) يظهر بوضوح أن تجمعا ثانيا هو الشيء المقصود : سيكون التجمع الأول بمثابة استكشاف للأرض و من ثم يلي هذا ازدهار إسرائيل إلى درجة عظيمة " ( 1 ) .

يظهر مما سبق أن زعماء الحركة الصهيونية يستمدون مبادئ حركتهم و خططها من كتبهم الدينية .

فاحتلال فلسطين ( أو العودة إلى صهيون ) كخطوة أولى للسيطرة على العالم و التي هي الفكرة الأساسية التي تدور حولها تقريبا معظم المبادئ الدينية اليهودية ، تأتي في قلب أهداف الحركة الصهيونية العالمية .

لقد ذكرنا فيما سبق أن خطة الحركة الصهيونية العالمية ليست تجميع يهود العالم في فلسطين . و هذا ليس بسبب عدم واقعية هذا الهدف فقط ، و إنما بسبب المخاطر التي يمكن أن يتعرض لها اليهود إذا تجمعوا في مكان واحد ( و هم يعون ذلك جيدا و يؤكده ما يتعرض له الصهاينة في فلسطين على يد أبطال المقاومة الفلسطينية . فالوطن القومي

"الآمن" الذي وعدت به الحركة الصهيونية يهود العالم أصبح المكان الأقل أمنا لهم و

ـــــــــــــــــــــــ

( 1 ) الفكرة الصهيونية ، ص 14 .

 

الأكثر خطورة عليهم ) و كذلك ( و هو الأهم ) بسبب كون المشروع الصهيوني في بعده العالمي يتطلب بقاء معظم اليهود في " مواقعهم " ليؤدوا الأدوار المنوطة بهم .

و بهذا الصدد يقول المفكر الصهيوني الألماني موسى هس M oses Hess :

" إننا عندما نتكلم عن إقامة مستعمرات في الشرق لا نعني بأن يهاجر يهود الغرب كلهم إلى فلسطين . ذلك أن أغلبية اليهود الذين يعيشون في بلدان متمدنة في الغرب لا بد أن يبقوا حيث هم حتى بعد تأسيس دولة يهودية " ( 1 ) .

أما الحاخام يهوذا ليون ماغنس ( 1877 – 1948 ) Judah Leon Magnes فقد كان أكثر وضوحا عندما قال :

" إن فلسطين هي مركز هذا الجسم ولكنها ليست كله بأي شكل من الأشكال . فالتشتيت و فلسطين ضروريان من أجل النمو الكامل للشعب اليهودي .هذا الشعب الفريد من نوعه لا يمكن أن يرضى بأي منهما لوحده .هذا الجسم الذي له طابعه الخاص و الذي نسميه الشعب اليهودي هو بحاجة إلى مثل هذه الأشكال الشاملة و المعقدة – يحتاج إلى مركز ثقل قوي كما يحتاج إلى مناطق خارجية قوية أيضا - فالخلاص التام و القوة الفعالة لليهودية تعتمد على هذين الأمرين معا " ( 2 )

إن تأسيس الدولة اليهودية القومية في فلسطين ، إذن ، ليس الهدف منه إنهاء الشتات اليهودي في العالم و تجميع اليهود و خلاصهم من الاضطهاد ، و إنما الهدف منه خلق مركز قوي و قاعدة خلفية يستطيع اليهود ، انطلاقا منها ، تحقيق هدفهم الأسمى و هو السيطرة على العالم و تأسيس الدولة اليهودية العالمية .

لقد وظف قادة الحركة الصهيونية العالمية المبادئ الدينية التوراتية و التي تدور في معظمها حول " العودة إلى صهيون " في سبيل أهدافهم السياسية الإجرامية في زمن يؤمن فيه العالم ، الذي أيدهم و ساندهم و قدم لهم كل الدعم ، بفكرة فصل الدين عن السياسة و حتى عن الحياة .

هذه الفكرة ( فصل الدين عن السياسة ) نوقشت في جميع الميادين و المجالات ما عدا فيما يتعلق بمشروع الحركة الصهيونية .

يقول الحاخام يهودا القلعي Yehudah Alkalai ( 1789 – 1878 ) في كتابه ( الخلاص الثالث ) الذي ألفه في سنة 1843 :

" مكتوب في التوراة : (( ارجع يا رب إلى ربوات الوف إسرائيل )) ( 3 ) و قد علق الحاخامون على هذه الآية في التلمود بما يلي : إنها تبرهن بأن الشعور بالحضور الإلهي يتم فقط إذا تم وجود اثنين و عشرين ألفا من اليهود معا . و مع هذا نصلي كل يوم :

ـــــــــــــــــــــــ

( 1 ) الفكرة الصهيونية ، ص 41

( 2 ) الفكرة الصهيونية ، ص 320 .

( 3 ) العدد : 10 - 36

 

(( دع عيوننا تشاهد عودتك برحمة إلى صهيون )) ( * ) . فعلى من سيقع الحضور الإلهي ؟ على العصي و الحجارة ؟ إذن كخطوة أولى لخلاص نفوسنا يجب أن نعمل على إعادة اثنين و عشرين ألفا إلى الأرض المقدسة . فهذه تهيئة ضرورية لحلول دلالات أخرى من معروفه .

(( ثم أتى يعقوب سالما إلى مدينة شكيم و ابتاع قطعة الحقل التي نصب فيها خيمته )) ( 1 ) . يجب أن نسأل : لماذا اشترى يعقوب قطعة الأرض هذه طالما كان في طريقه إلى والده إسحاق و لم يكن في نيته السكن هناك ؟ إنه قام بهذا العمل كي يعلم نسله أنه يجب شراء تربة الأرض المقدسة من مالكيها غير اليهود .

نحن كشعب ، يليق بنا أن نلقب بإسرائيل فقط إذا كنا في أرض إسرائيل " ( 2 ) .

" هناك نوعان من العودة : العودة الفردية و العودة الجماعية . . . و تعني العودة الجماعية أن إسرائيل كلها يجب أن تعود إلى الأرض التي هي إرث آبائنا ، لإستلام الأمر الإلهي و لقبول نير السماء . و قد تنبأ بهذه العودة الجماعية كل الأنبياء ، و بالرغم من عدم استحقاقنا بالسماء ستساعدنا من أجل أسلافنا المقدسين .

أمنيتنا دون شك هي لم شمل منفيينا من أطراف العالم الأربعة كي يصيروا كتلة واحدة ( ** ) " ( 3 ) .

إن الهدف الأول و المعلن للحركة الصهيونية العالمية كان منذ إعادة تشكيلها في العصر الحديث ( *** ) هو ما أسموه بـ " العودة إلى أرض إسرائيل " لتأسيس كيانهم

اليهودي ليكون المنطلق للسيطرة على العالم و التحكم في دوله و شعوبه و تسخيره لخدمة مصالحهم و مآربهم .

فالمشروع الصهيوني له أبعاد عالمية و بالتالي يتطلب تنظيما عالميا لجميع اليهود تمثل فيه " العودة إلى صهيون " مجرد مرحلة ( بالرغم من أهميتها القصوى لليهود الصهاينة ) .

يقول الرابي القلعي في نفس الكتاب : " سيبدأ الخلاص بجهود اليهود أنفسهم ، يجب عليهم أن ينتظموا و يتحدوا و أن يختاروا القادة ، و يغادروا أرض المنفى .

ـــــــــــــــــــــــ

 * ) صلاة العميدة ( العبادة الصامتة ) تصلى ثلاث مرات يوميا .

( 1 ) تكوين 33 : 18 - 19

( 2 ) الفكرة الصهيونية ، ص 10

( ** ) هذا ما يقولونه في العلن لأنهم في واقع الأمر لا يريدون لم شمل جميع اليهود في مكان واحد ، و إن كان هذا المكان ما يعتبرونه أرضا مقدسة . فبعد أكثر من خمسين سنة من قيام الكيان الصهيوني الغاصب و اللاشرعي ، لم " يعد " إلى فلسطين سوى الأقلية القليلة من يهود العالم رغم زوال جميع العقبات التي كانت تحول بينهم و بين ذلك بل على العكس من ذلك ، هناك الكثير ممن يقومون بالهجرة المعاكسة إلى خارج فلسطين .

( 3 ) الفكرة الصهيونية ، ص 11

( *** ) نحن نعتقد أن الحركة الصهيونية وجدت منذ وجد اليهود و إنما أعيد تشكيلها و

تنظيمها في العصر الحديث لتتلاءم مع المعطيات و الظروف الجديدة .

 

و بما أنه لا يوجد مجتمع دون جسم حاكم ، فإن أول قضاء سيتم بتعيين حكماء ( * ) كل مقاطعة من رجال ورع وحكمة ، كي يرعوا شؤون المجتمع . أقترح بتواضع بأن يكون هذا لمجلس ــ مجلس حكماء ــ الشيء الذي ينطوي عليه الوعد الذي أعطانا إياه المسيح

المنتظر ابن يوسف . يجب اختيار هؤلاء الشيوخ على يد الذين نعتمد عليهم من قادتنا .

 

 فتنظيم جسم يهودي عالمي ( ** ) هو في حد ذاته خطوة أولى للخلاص ، لأنه من هذا التنظيم سيتكون مجلس حكماء معتمد ، و من مجلس الحكماء هذا سيظهر المسيح المنتظر ابن يوسف " ( 1 ) .

" سوف لا يكسب إيماننا قوته إلا بتعيين هؤلاء الحكماء . و حتى قبل عودتنا إلى الأرض المقدسة ، التي إليها و بعون الله سنعود ، يجب علينا أولا تعيين حكماء كي يعملوا على مراقبة الوصايا التي ستطبق ، و خاصة في الأرض المقدسة ، مثل قانون ترك

الأرض بورا في السنة السابعة ، لأن النعم التي ستحل علينا من الأرض تعتمد على إيماننا الذي يلازم هذه القوانين . إنه ليس من المستحيل أن نطبق هذه الوصايا للعودة إلى الأرض المقدسة .

إنني أسأل اخوتنا أن ينظموا شركة ، على غرار شركات السكك الحديدية . دعوا هذه الشركة ترفع الأمر إلى السلطان كي يعيد إلينا أرض أجدادنا مقابل إيجار سنوي (*** ) . و عند إعادة تطبيق اسم إسرائيل على أرضنا سيتحمس اليهود أجمعين لمساعدة هذه الشركة بكل وسيلة يملكونها . مع أن هذه المجازفة ستبدأ متواضعة إنما مستقبلها سيكون عظيما " ( 2 ) .

من الواضح أن مشروع الحركة الصهيونية يتجاوز كونه مجرد " العودة إلى صهيون " و الإقامة فيها لأسباب دينية ، و إنما إقامة كيان سياسي يكون القاعدة الخلفية لليهود الصهاينة في سعيهم للسيطرة على العالم .

إن المشروع الصهيوني ( في صيغته العملية ) مشروع سياسي ( إقامة الدولة اليهودية الصهيونية ) و استعمال المعاني الدينية ما هو إلا وسيلة لاستدراج اليهود المتدينين ( و هم الأغلبية الساحقة ) و إضفاء صفة القداسة على هذا المشروع بحيث يصبح جزء من الإيمان و تنفيذا لأمر الله و كل من لا يسير فيما ترسمه الحركة الصهيونية ( و هي حركة سياسية ) يكون خارجا عن الإيمان .

يقول الرابي زفي هيرش كاليشر :

" إذا ظهر الله في المستقبل فجأة ، بمعجزة لا يمكن إنكارها ، فهذا ليس باختبار . ما الشيء الذي سيضعف إيماننا في وجه المعجزات و العجائب التي تتعلق بالأمر

ـــــــــــــــــــــــ

 ( *) هذا يذكرنا بحكماء صهيون .

( ** ) و هو الهدف الأسمى للصهيونية العالمية .

( 1 ) الفكرة الصهيونية ، ص 12

( *** ) كل الوسائل جيدة للوصول إلى الهدف .

( 2 ) الفكرة الصهيونية ، ص 12

 

السماوي الذي يأمرنا أن نرث الأرض و ننعم بخيراتها ؟ و من لا يذهب تحت هذه الظروف عن محبة الله فسيذهب محبة بنفسه ( * ) . البداية الطبيعية للخلاص هي منذ الاختبار الحقيقي للذين يبدأون في عملية الخلاص و يجب تركيز الجهود و نبذ البيت و الثروة للعيش في صهيون قبل سماع (( صوت الفرح )) و (( صوت الغبطة )) أنه لا يوجد فضيلة أو اختبار أعظم من هذا .

لقد وجدت مؤازرة لهذا الرأي في كتاب دروب الإيمان ( ** ) : (( عندما يتطوع يهود كثيرون ، ورعون و متعمقون في التوراة ، للذهاب إلى أرض إسرائيل و السكن في أورشليم ، بدافع الرغبة للخدمة ، و لروح الطهارة و القدسية ، و عندما يذهب هؤلاء أفرادا و أزواجا من أطراف الدنيا الأربعة ، و عندما يسكن هناك الكثيرون منهم و تتزايد صلواتهم على جبال أورشليم ــ عندها فقط يسمع الله لهم و يسرع في يوم خلاصهم )) .

و حتى يتحقق كل هذا يجب أن يتمم الاستيطان اليهودي في الأرض المقدسة، إذ كيف سيتم جمع الشمل دون هذا الإستيطان ؟ " ( 1 ) .

إن المشروع الصهيوني مشروع ديني – سياسي في نفس الوقت تمتزج فيه الأهداف السياسية و الدينية و يتحالف فيه المتدينون و العلمانيون . إن العلمانيين الصهاينة استعملوا الدين لأهدافهم السياسية و المتدينون الصهاينة استعملوا السياسة لأهدافهم الدينية و الحركة الصهيونية هي الحركة الوحيدة التي سمح لها باستعمال الدين لأغراض سياسية و استعمال السياسة لأغراض دينية و لم تشكل مشكلة لدى دعاة العلمانية الحريصين على ضرورة فصل الدين عن السياسة .

لقد قامت الحضارة الغربية الحديثة على فكرة فصل الدين عن السياسة و هي الفكرة التي فرضت ( بقوة السلاح في الكثير من الأحيان ) على جميع أمم العالم ما عدا اليهود و هذا دليل واضح على أن اليهود الصهاينة هم وراء هذه الفكرة المدمرة لأن إبعاد الدين عن حياة الأمم الإجتماعية و السياسية هو سبب من أسباب ضعف قوتها أمام مخططات

الصهيونية العالمية. و قد ركز دعاة العلمانية ( المتحالفون مع الصهيونية العالمية ) أكثر ما ركزوا على المسيحية ( *** ) و الإسلام لأنهما الدينين الوحيدين الذين يشكلان عقبة حقيقية أمام مشروع الحركة الصهيونية العالمية .

إن التحالف الوثيق بين دعاة العلمانية و الصهيونية العالمية يظهر من خلال صمتهم على دينية المشروع الصهيوني السياسي و دعمهم له دون تحفظ .

ـــــــــــــــــــــــ

( * ) هذا كلام يقوله رجل دين . إستغلال البعد الديني واضح و في نفس الوقت عدم أهمية هذا البعد بالنسبة للحركة الصهيونية . فعلى اليهود إن يعودوا إلى صهيون ( أي ينخرطوا في المشروع الصهيوني ) سواء تم ذلك عن محبة الله أو عن محبة النفس ، المهم الغاية !

( 1 ) الفكرة الصهيونية ، ص 15

( ** ) شيفيلي إيمونه ، ألفه الحاخام اليهودي الإسباني مئير بن الدابي سنة 1360 م

( *** ) الكاثوليكية بشكل خاص . نلاحظ أن الدول البروتستانتية اقل علمانية من الدول الكاثوليكية لأن الكنيسة البروتستانتية أكثر تحالفا مع الصهيونية العالمية . بريطانيا البروتستانتية هي التي أقامت الكيان الصهيوني في فلسطين و أمريكا البروتستانتية هي أكبر حليف لإسرائيل .

 

يقول المفكر الصهيوني موسى هس ( 1812 – 1875 ) :

" و لكي نبعث الأمة اليهودية إلى الحياة ثانية يتوجب علينا أن نبقي فكرة البعث السياسي لأمتنا حية أولا ، و أن نوقظ هذا الأمل حيث بدأ يغط في سبات عميق ثانيا . و عندما تتهيأ الظروف السياسية في الشرق لتنظيم عودة الدولة اليهودية للحياة ، ستكون هذه العودة بتأسيس مستعمرات في أرض أجدادنا و لا شك أن المساعي الفرنسية ستمد

لنا يد العون . ستكون فرنسا صديقتنا الحبيبة ( * ) ، المخلص الذي سيعيد لشعبنا مكانته في التاريخ العالمي .

. . . و سأقتبس الآن بعض الصفحات من هذا الكتاب ، (( المسألة الشرقية الجديدة )) لمؤلفه ارنست لاهاران ( ** ) (( لا يستطيع أي فرد من الجنس اليهودي بأن يتخلى عن حق شعبه الأساسي الذي لا ينكر ، في ملكية أرض أسلافه من أن ينكر ماضيه و أجداده .إن عملا مثل هذا لا يمكن تصوره في وقت لا تعيقه فيه أحوال أوربا السياسية بل ستعمل على تحقيق هذا العمل .

أية قوة أوربية ستمنع اليوم فكرة أن يشتري اليهود ، متحدين في مؤتمر ، أرض أجدادهم ثانية ؟

من سيعارض اليهود لو أعطوا حفنة من الذهب إلى تركيا لتقوي من عزيمتها الواهنة و قالوا إليها : ردي إلينا وطننا و استعملي هذه الدراهم كي تحدي من تداعي إمبراطوريتك ؟ )) " ( 1 ) .

العودة إلى صهيون شكلت الهاجس الأول لزعماء الحركة الصهيونية .

يقول اليعازر بن يهوذا El iezer Ben Yehudah ( 1858 – 1923 ) في رسالة بعث بها إلى مجلة هاشاحار (( الفجر )) سنة 1880 :

" قد نكون اليوم في حالة نزاع إنما غدا سنعود إلى الحياة ، قد نكون اليوم في أرض غريبة إنما غدا سنسكن في أرض آبائنا و قد نتكلم اليوم لغات غريبة إنما غدا سنتكلم اللغة العبرية . . .

. . . و هل اتبع حكماء التلمود آراء ارمياء عندما قالوا : كل من يعيش خارج أرض إسرائيل فهو كرجل لا إله له ؟

. . . أرض آبائنا هي بانتظارنا ، فلنستعمرها ، و عندما نصبح أسيادها نكون قد صرنا مثل بقية الشعوب .

ـــــــــــــــــــــــ

( * ) فرنسا الثورة ، العلمانية و المعادية للكاثوليكية

( ** ) فرنسي صهيوني كان سكرتيرا خاصا لنابليون الثالث ألف كتابه (( المسألة الشرقية الجديدة – إعادة بناء الأمة اليهودية )) .

( 1 ) الفكرة الصهيونية ، ص 38

 

. . . و سوف لا تحيا اللغة العبرية إلا إذا بعثنا الأمة إلى الحياة و أرجعناها إلى وطن الآباء . هذا هو السبيل الوحيد لتحقيق الخلاص . و من غير هذا الحل سنضيع إلى الأبد .

. . . لكن الأمة لا تستطيع العيش إلا في أرض وطنها . فقط في هذه الأرض ستعود الأمة إلى الحياة و تثمر كثيرا كما كانت في القدم " ( 1 ) .

يقول موشيه لايب لينينبلوم Moshe Leib Lilienblum ( 1843 – 1910 ) :

" لنعط الأسئلة الخاصة أهمية ثانوية ، سواء كانت أسئلة دينية أو أسئلة اقتصادية . فالمسألة الأهم لنا هي (( أن يحمي الله إسرائيل و يعطيها الخلاص الأبدي )) . اتحدوا و اجمعوا القوى ، فلنجمع شعبنا المشتت في أوربا و نذهب إلى وطننا بفرح ( * ) ، و ليقل كل من هو مع الله و مع شعبه : أنا مع صهيون " . ( 2 )

إن الهدف من إقامة الوطن " القومي " لليهود في فلسطين هو إيجاد مركز تستجمع فيه قوى اليهود الصهاينة السياسية و الاقتصادية و العسكرية و قاعدة خلفية من أجل تنفيذ بقية الأبعاد العالمية لمشروعهم المشؤوم .

يقول ليو بينسكر Leo Pinsker ( 1821 – 1891 ) :

" إن الأمة اليهودية تفتقر إلى كل الصفات التي تتصف بها الأمة ، فهي تفتقر إلى صفات الحياة القومية ، إذ لا يمكن أن تكون أمة دون لغة مشتركة و عادات مشتركة و

كذلك أرض مشتركة و الأمة اليهودية لا تملك وطنا أصليا رغم أنها تسكن أوطانا مكتسبة. كذلك تفتقر الأمة إلى نقطة استجماع قواها و إلى مركز للجاذبية كما أنه ليس لها حكومة

تمثلها أو حتى ممثلين لها . هي في كل مكان كالضيف لا مكان لها تشعر فيه بأنها في وطنها " . ( 4 ) .

ـــــــــــــــــــــــ

( 1 ) الفكرة الصهيونية ، ص 65

( 2 ) الفكرة الصهيونية ، ص 73

( 3 ) الفكرة الصهيونية ، ص 73

( * ) هدف الحركة الصهيونيـة الحديثـة الأول هـو حـل " مشكلة " يهود أوربا ( الأشكينازيم ) ، و لم يكن اليهود الشرقيين ( السفارديم ) أبناء البلاد الإسلامية إلا وسيلة و أداة لخدمة مشروع اليهود الغربيين . لم تكن هناك " مشكلة يهودية " في البلاد العربية و الإسلامية . لقد عاش اليهود بين إخوانهم في الوطن بأمان مدة آلاف السنين ( خاصة منذ مجيء الإسلام الذي ضمن لهم حقوقا و كفل لهم كرامة لم ينعموا بها في أي من البلاد الأخرى ، خاصة في أوربا ) . لقد كان مشروع الحركة الصهيونية نقمة حقيقية على اليهود الشرقيين . تركوا بلادهم و ممتلكاتهم ليحصلوا على مواطنة من الدرجة الثانية في الوطن اليهودي الموهوم .

يقول شائيم بوتوك في كتابه (( تاريخ للشعب اليهودي )) ، ص 433 " إن هلال الأمويين في إسبانيا كان شمسا و نشيدا ، استطاع اليهود تحت لوائه البقاء على عهدهم القديم و اكتشفوا عوالم جديدة من الجمال و ا لحقيقة "

( 4 ) نفس المصدر ، ص 82

 

هدف المشروع الصهيوني مقارعة كل الأمم و السيطرة على قدراتها و خيراتها خدمة للأهداف الصهيونية لأن اليهود الصهاينة يمقتون الأمم الأخرى بسبب عنصريتهم المتطرفة . إن علاقتهم بالآخرين اتسمت دائما بالحرب في العلن و الدسائس في السر و لم يتعاملوا معهم إلا فيما يخدم مصلحتهم فقط .

" فلقد أعلنا أقدس كفاح ضد كل شعوب الأرض التي حاولت أن تتخلص منا و أن تفنينا . إن هذه الحرب التي أعلناها - و الله وحده يعرف كم ستطول – ليس للحصول على أرض أجدادنا بل لمجرد الإبقاء على حياة الملايين المحطمة من (( اليهود المتجولين )) " ( 1 ) .

أما ثيودور هرتزل Theodor Herzel ( 1860 – 1904 ) ، و هو مؤسس الحركة الصهيونية السياسية الحديثة و واضع المخطط الصهيوني الذي أدى إلى إقامة الدولة اليهودية في فلسطين على أساس أن فلسطين هي أحد الخيارين مع الأرجنتين ( هذا في الظاهر فقط لأن الحركة الصهيونية لم تكن لتتخلى عن مشروعها القديم للإستيلاء على فلسطين ) لكسب التعاطف مع القضية الصهيونية و لصرف الأنظار عن المخطط الحقيقي لاحتلال فلسطين لأن احتلال فلسطين و إقامة الكيان الصهيوني فيها كان منذ القدم الهدف الأوحد و الوحيد للحركة الصهيونية العالمية ، فيقول :

" إن الأرجنتين هي من أخصب بلاد العالم و تمتد فوق مساحات شاسعة سكانها غير كثيفين كما أن مناخها معتدل. و سيكون من مصلحة جمهورية الأرجنتين أن تقبلنا في أراضيها " ( * ) .

ثم يستدرك بسرعة معبرا عن الوجه الحقيقي للمشروع الصهيوني المستهدف لفلسطين ( و هو دليل على أن طرح خيار الأرجنتين ما هو إلا ذر للرماد في العيون لتمرير مشروع فلسطين ) قائلا :

" فلسطين هي وطننا التاريخي الذي لا يمكننا نسيانه . و مجرد الاسم هو صرخة

جامعة عظيمة . لو يعطينا جلالة السلطان ( ** ) فلسطين لكنا نأخذ على عاتقنا إدارة مالية تركية كاملة مقابل ذلك " ( 2 ) .

إن الصهاينة لا يتورعون من استعمال كل الوسائل للوصول إلى أهدافهم من ترهيب و ترغيب . لقد حاولوا شراء ذمة السلطان العثماني عبد الحميد ( رحمه الله ) لإعطائهم فلسطين مقابل التكفل بمشاكل تركية المالية ، مستغلين الأزمة الخطيرة التي كانت تعيشها السلطنة العثمانية في تلك الأيام ، لكن السلطان رفض عروضهم المغرية ( و التي قدمها له هرتزل شخصيا ) .

ـــــــــــــــــــــــ

( 1 ) نفس المصدر ، ص 88

( * ) نلمس من وراء هذه العبارة تهديدا مبطنا للأرجنتين فيما إذا رفضت قبول هجرة

اليهود إليها .

( 2 ) نفس المصدر ، ص 120

( ** ) يقصد السلطان العثماني

 

لم تغفر الحركة الصهيونية للدولة العثمانية موقفها هذا و تآمرت عليها عن طريق يهود الدونمة الأتراك ( و كان على رأسهم أتاتورك ) و أطاحوا بالسلطنة و أقاموا

الجمهورية العلمانية المعادية للإسلام و المسلمين و المتحالفة مع الصهيونية العالمية و إسرائيل .

زعم هرتزل أن الدولة اليهودية ضرورة لابد منها ليس لليهود فقط و إنما للعالم كله ( يقصد العالم الغربي طبعا ) .

يقول هرتزل :

" إن العالم يحتاج إلى الدولة اليهودية لذلك يجب أن تقوم " ( 1 ) .

يجب ألا ننسى أن العالم بالنسبة لليهود الصهاينة هو ملك لهم وأن عليهم أن يحكموه بأنفسهم و أن تكون كل الشعوب في خدمتهم و تحت سلطتهم . من هنا تأتي الحاجة إلى الدولة اليهودية و ليس لأن الصهاينة تهمهم مصلحة العالم و شعوب العالم .

فدعا الدول الغربية الاستعمارية لتأييد و دعم مشروعه في إقامة الدولة اليهودية مؤكدا أن مشروعه مشروع استعماري لا يخرج عن نطاق سياسة الدول الغربية الاستعمارية في ذلك الوقت ( خاصة فرنسا و بريطانيا ) و أنه سيساعد في تدعيم تلك السياسة و ذلك بجعل الدولة اليهودية ( في فلسطين طبعا ) مركزا متقدما للغرب في منطقة الشرق الأوسط و حاجزا منيعا أمام ردات الفعل المعادية للاستعمار.

" نقيم هناك جزء من حائط ( * ) لحماية أوربا في آسيا يكون عبارة عن حصن منيع للحضارة في وجه الهمجية . و يتوجب علينا كدولة محايدة أن نبقى على اتصال مع أوربا التي ستضمن وجودنا بالمقابل " ( 2 ) .

لم يكن هناك ما يهدد الحضارة الغربية في الأرجنتين ! و بالتالي فإن ضرورة الدولة اليهودية للعالم الغربي لا تكون إلا في فلسطين .

لقد أدرك هرتزل أنه لا يمكن تحقيق مشروع الدولة اليهودية من دون دعم الدول الغربية الإستعمارية ( ألد أعداء اليهود حسب نظرية اللاسامية (ANTI-SEMITISME ) ) .

يقول ، مستعطفا الأوربيين لتأييد مشروعه :

" و يمكن وضع الأماكن المسيحية المقدسة تحت إشراف لجنة دولية و سنؤلف

ـــــــــــــــــــــــ

( 1 ) الفكرة الصهيونية ، ص 103

( * ) لا يستطيع اليهود أن يتخلصوا من عقدة الحائط و الغيتو ، فهي تطاردهم في كل مكان . حتى الوطن القومي الموعود فقد حولوه إلى غيتو كبير داعمين إياه بالجدار الأمني

الذي يقيمونه هذه الأيام حول الأراضي التي احتلت سنة 1948 من فلسطين و التي تسمى كذبا (( إسرائيل )) .

( 2 ) نفس المصدر ، ص 120

 

حرس شرف لهذه المنطق المقدسة ( * ) مقابل وجودنا هناك . ستكون حراسة الشرف هذه رمزا عظيما لحل المسألة اليهودية " ( 1 ) .

إن هاجس السيطرة على العالم و على ثروات العالم و شعوب العالم لم يغب عن فكر الصهاينة ، و على رأسهم هرتزل ، لأنه غايتهم الأولى و هدفهم الأسمى ، و ما الدولة اليهودية في فلسطين إلا مرحلة و خطوة بسيطة من خطوات هذا المشروع الضخم الذي وجد اليهود كأمة من أجله و لن يتخلوا عنه أبدا ما لم يقف في وجههم أحرار هذا العالم .

 

يقول هرتزل ، معبرا عن هذا الهاجس ، تحت ستار تحرير العالم :

" أخيرا سنعيش أحرارا على أرضنا و سنموت في وطننا بسلام . سيتحرر العالم بحريتنا ، و سيغنى بثروتنا و سيعظم بعظمتنا . و مهما نحقق هناك لفائدتنا سيعود بالخير و الفائدة على كل الجنس البشري ( ** ) " ( 2 ) .

يعتقد اليهود الصهاينة بأن البشرية جمعاء يجب أن تكون في خدمتهم و تساعدهم في تحقيق مشروعهم و تمنحهم ما يريدون .

يقول فلاديمير جابوتينسكي Vladimir Jabotinsky ( 1880 – 1940 ) ، الأب الروحي لليمين الصهيوني :

" واجب على البشرية أن تقدم لليهود منطقة يستطيعون أن يبنوا فيها كيانهم الاجتماعي دون أي إزعاج من إنسان " ( 3 ) .

إن المنطقة التي على البشرية أن تقدمها لليهود لكي يقيموا عليها دولتهم القومية ( *** ) هي فلسطين و لم يفكر الصهاينة في غير فلسطين .

من غير الممكن فصل الصهيونية عن فلسطين و أطماع الصهاينة في كل المنطقة المحيطة بفلسطين .

ـــــــــــــــــــــــ

 ( * ) لم يحترم الصهاينة هذه الوعود و لم يعيروا أي احترام للأماكن المقدسة سواء كانت مسيحية أو إسلامية و قد شهد العالم كله ماذا فعلوا في أقدس مكان للمسيحيين ( المكان الذي ولد فيه السيد المسيح عليه السلام ) كنيسة المهد في بيت لحم عندما حاصروها و قصفوها بالدبابات على أيدي (( حرس الشرف )) الذين و عد بهم هرتزل الأوربيين (( المسيحيين )) .

( 1 ) الفكرة الصهيونية ، ص 120

( 2 ) نفس المصدر ، ص 123

( ** ) لا ننسى أن التلمود يعتبر اليهود هم الوحيدين الممثلون للجنس البشري . جاء في التلمود عن الأغيار : خلقهم الله في أشكال آدمية لتمجيد إسرائيل . إلا أن الآكوم ( غير اليهود ) خلقوا لغاية وحيدة هي لخدمتهم ( لخدمة بني إسرائيل ) ليل نهار .و هم لا يستطيعون التخلص من هذه الخدمة. و من اللائق أن يقوم على خدمة ابن ملك ( إسرائيلي ) حيوانات بأشكال طبيعية ، فالحيوانات الكائنة بأشكال إنسانية عليها أن تخدمه ( كتاب فضح التلمود ، ص92 ) . و جاء أيضا : من يصب زيتا فوق غوي ( الغير يهودي ) ، و فوق أجساد ميتة ، يعفى من العقاب . هذا شرعي بالنسبة للحيوان ، لأنه ليس بشرا . لكن كيف يمكن القول أن صب الزيت على غوي يعفي من العقاب ، مع أن الغوي هو أيضا من البشر ؟ إن ذلك ليس صحيحا و لا شرعيا ، حسب ما هو مكتوب : انتم قطيعي ، و قطيع مرعاي هم بشر ( حزقيال 31 ، 34 ) . انتم ، إذن تدعون بشرا ، لكن الغويم ليسوا كذلك ( نفس المصدر ، ص 92 ) .

( 3 ) الفكرة الصهيونية ، ص 432 ( *** ) كخطوة أولى لإقامة الدولة العالمية .

 

إن صهيون هو روح الصهيونية ، سواء كانت صهيونية دينية أم صهيونية سياسية و حل ما سمي بالمسألة اليهودية لا يتم إلا بالاستيلاء على فلسطين و إقامة الدولة اليهودية القومية تمهيدا لإقامة الدولة اليهودية العالمية .

يقول هرتزل :

" أول نتيجة لحركتنا هذه يمكن رؤيتها بصورتها العامة الآن ، هي تحويل المسألة اليهودية إلى مسألة صهيون " ( 1 ) .

إن قلب المسألة اليهودية ( * ) منطقة الهلال الخصيب ( من النيل إلى الفرات ) أو ما يسمى الآن بمنطقة الشرق الأوسط ، و قلب منطقة الشرق الأوسط الشام و قلب الشام فلسطين و قلب فلسطين جبل الزيتون ( ** ) و قلب جبل الزيتون المسجد الأقصى الذي يدعي اليهود الصهاينة أنه أقيم في مكان الهيكل ( *** ) و يسعون إلى إعادة بناءه على أنقاض المسجد .

واهم من يعتقد أن الصهاينة سيتخلون عن صهيونيتهم المرتبطة بفلسطين . و ما دعوتهم للسلام ( نتيجة لضربات المقاومة الموجعة التي حولت الجيش الصهيوني حقيقة إلى جيش دفاع بعد أن كان منذ نشأته جيش عدوان ) إلا لاستعادة الأنفاس و إعادة صياغة المشروع الصهيوني في شكله الجديد و هو ما سمي بالشرق أوسطية التي تسعى إلى إدماج إسرائيل في المنطقة عن طريق " التعاون " الثقافي و السياسي و الاقتصادي لكي

تصبح إسرائيل مقبولة ثقافيا و سياسيا و اقتصاديا ، و هو الإدماج الذي ستكون فيه إسرائيل المسيطرة و المهيمنة بفضل الهيمنة الثقافية و الاقتصادية و السياسية للصهيونية العالمية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ، بعد أن تأجل ( و لم يلغى ) ما كانت تسعى إليه من سيطرة عسكرية و سياسية مباشرة .

لقد وعدت غولدا مائير الصهاينة بمحو كلمتي فلسطين و الشعب الفلسطيني من ذاكرة العالم بعد خمسين سنة من تأسيس " إسرائيل " .

فقد صرحت بتاريخ 15 جوان 1969 لجريدة الساندي تايمز البريطانية :

" لا وجود للفلسطينيين . و ليست المسألة مسألة وجود شعب في فلسطين يعتبر نفسه الشعب الفلسطيني ، و ليست المسألة أننا أتينا و طردناهم و أخذنا بلادهم . لا ، إنهم لم يوجدوا أصلا " .

لقد خاب ظنها و أملها ( و هي تتقلب الآن في حفرتها ! ) . مرت الخمسون سنة الموعودة و ما زال العالم لا يذكر فقط فلسطين و الشعب الفلسطيني و بل يعيش قضيتهما يوميا بفضل مقاومة و تضحيات هذا الشعب البطل .

ـــــــــــــــــــــــ

( 1 ) الفكرة الصهيونية ، ص 125

( * ) نقصد بالمسألة اليهودية ما يخطط له اليهود و يسعون إليه منذ دخلوا التاريخ .

( ** ) جبل صهيون عند اليهود . ( *** ) هيكل سليمان .

 

2 - " إحياء " أرض فلسطين و تعميرها :

تقوم فلسفة الصهيونية على فكرة أن فلسطين أرض خالية من السكان و أن واجب اليهود إعمارها و واجب البشرية تأييدهم و مساعدتهم في ذلك على أساس أن البشرية جمعاء في خدمة اليهود و مشروع اليهود .

لقد ارتبط مشروع إقامة الدولة اليهودية القومية في فلسطين بمقولة ( أرض بلا شعب لشعب بلا أرض ) المشهورة و هي المقولة التي بنى عليها الصهاينة كل مخططاتهم و ممارساتهم العدوانية تجاه سكان فلسطين .

لقد اعتبر الصهاينة كذبا أن أرض فلسطين صحراء خالية من السكان و أن مجيئهم سوف يجعل هذه الأرض عامرة و يحققون فيها " معجزة " و يحولونها إلى " جنة " ( لليهود طبعا ) ( * ) .

إن فكرة الأرض الخالية ( خاصة من السكان ) ، التي عششت في مخيلة المفكرين الصهاينة و سيطرت على تفكيرهم و مخططاتهم ، اصطدمت بواقع أن هذه الأرض لم تكن خالية من السكان و لم تكن خربة و لم تكن صحراء و مستنقعات بل كانت بلاد عامرة بسكانها و مدنها و غنية بخيراتها و زراعتها و صناعتها و يعترفون بذلك .

يقول الحاخام زفي هيرش كاليشر Rabi Zvi Hirsh Kalisher :

" هذه السياسة أيضا ستعمل على كسب احترام الأمم إذ أنهم سيقولون أن بني إسرائيل لديهم الإرادة أن ينقذوا أرض أجدادهم التي هي قاحلة و متروكة " ( 1 ) .

بينما نجده يعترف ، بضعة أسطر قبل ذلك ، بوجود مزارع و كروم و ثمار عندما قال :

" إنني أقترح بأن تؤسس منظمة هدفها تشجيع الاستيطان في الأرض المقدسة و ذلك بشراء المزارع و الكروم وجني ثمارها " ( 2 ) .

لقد صدق اليهود هذه الكذبة و حاولوا إقناع العالم بها لتأييدهم في مشروعهم المشؤوم وتمنوا لو كانت حقيقة . و لأنها لم تكن كذلك ، سعوا إلى تحقيقها على أرض الواقع عن طريق محاولة تهجير السكان الفلسطينيين بالإرهاب و القتل و الإبادة بكل الوسائل .

لقد عبر زعيمهم هرتزل عن هذه الأمنية موحيا إلى ما يجب فعله لتحقيقها ( و معبرا عما يتمناه و يسعى إليه كل صهيوني ) عندما قال :

ـــــــــــــــــــــــ

( * ) لقد حولها الشعب الشبح ( الغير موجود ‍‌‍‍! ) إلى محرقة و هولوكوست حقيقي للصهاينة المغتصبين .

( 1 ) الفكرة الصهيونية ، ص 17

( 2 ) نفس المصدر ، ص 16

 

" فلنفترض على سبيل المثال أننا أجبرنا أن نخلي بلدا ما من الوحوش ( * ) . يجب علينا أن لا نقوم بهذا العمل وفقا لأسلوب الأوربيين في القرن الخامس كأن نأخذ

الرمح و نذهب كل على حدة للبحث عن الدببة . يجب علينا تأليف حملة صيد كبيرة و من ثم نجمع الحيوانات ( ** ) كلها معا و نلقي في وسطها القنابل المميتة " ( 1 ) .

من الواضح أن هرتزل لا يتحدث هنا عن نزهة صيد في بلد ما من العالم يدعو إليها أصدقائه و لكن عن مخطط يسعى إليه الصهاينة لإفراغ فلسطين من سكانها و تحقيق مقولة

" أرض بلا شعب لشعب بلا أرض " .

لقد خاب ظن الصهاينة و أملهم . فلم تكن فلسطين آهلة بالسكان فقط ، بل شكلت لهم عائقا أمام تحقيق حلمهم القديم . لقد استعصى شعب فلسطين عن الاستسلام لواقع الاحتلال و التسليم .

لقد حلم الصهاينة بالسيطرة على المنطقة كلها من النيل إلى الفرات ( و لا يزالون يحلمون بذلك و يسعون إليه و يخططون له ) إلا أن حلمهم اصطدم بجدار صلب شيدته ( من الداخل ) مقاومة الشعب الفلسطيني الشرسة لمشروع التوسع الصهيوني مما اضطر الصهاينة ( تكتيكيا ) إلى المطالبة بـ " السلام " الذي يضمن لهم " الحق " في جزء بسيط من " أرض إسرائيل الكبرى " و هي الأراضي التي احتلوها سنة 1948 ( من دون التخلي في السر ، و حتى في العلن ، عن مشروعهم القديم ) .

إن أنجع سلاح قاوم به الشعب الفلسطيني مشروع الهيمنة الصهيونية هو سلاح البقاء على أرضه الذي أسقط مقولة " أرض بلا شعب " التي روج لها الصهاينة كثيرا و كشف للعالم الوجه الحقيقي للإرهاب الصهيوني في محاولته إبادة الشعب الفلسطيني و تهجيره عن أرضه تحقيقا لتلك المقولة .

إن غيظ الصهاينة من عدم تحقق تلك المقولة الكاذبة جعل الحاخام عوفاديا يوسف ، الزعيم الروحي لحركة شاس الصهيونية الدينية المتطرفة ، يقول أن العرب يتكاثرون كالنمل و يجب قتلهم و إبادتهم .

إن حلم الصهاينة بإقامة دولة قومية خالصة لليهود وحدهم قد تبدد . إن العرب الفلسطينيين يقضون مضاجع اليهود حتى في " عقر دارهم " ( و هي ليست دارهم ولن تكون دارهم مهما فعلوا ) أي فيما يسمى بـ " دولة إسرائيل " التي يعترف بها رسميا ( الأراضي التي احتلت سنة 1948 ) .

لقد سيطرت فكرة إعادة إحياء الأرض المقدسة على عقول المفكرين الصهاينة .

ـــــــــــــــــــــــ

( * ) يقصد السكان الأصليين لذلك البلد .

( 1 ) الفكرة الصهيونية ، ص 118

( ** ) لا ننسى أن التلمود يعتبر غير اليهود حيوانات في أشكال بشرية . إن الثقافة التلمودية حاضرة في وجدان كل يهودي حتى و لو كان مثقفا " علمانيا " مثل هرتزل .

 

نعرض فيما يلي بعض ما جاء من أقوالهم بهذا الشأن .

يقول موسى هس Moses Hess :

" سيعيد رأسمالكم الحياة للأرض القاحلة و سيحول عملكم و صناعتكم التربة القديمة إلى وديان مثمرة و ستستخلصون الأرض من براثن الصحراء ، ومن ثم ستعيد شعوب العالم الإحترام لأقدم أمة بين الشعوب " ( 1 ) .

" و بدون شك ، فإن سنين عديدة سوف تمر قبل أن نخلص هذه الأراضي المهجورة من جذام صخورها و من عفن مستنقعاتها . . .

. . . إن آلافا من شبابنا يتدفقون من زوايا الأرض الأربع ملبين نداء قلوبهم من أجل تخليص هذه البلاد من العزلة و الخراب . إنهم على استعداد لصب آمالهم و حنينهم لإفراغ قوة شبابهم في حضن هذه الأراضي البور و ذلك من أجل إحياءها . إنهم يقتلعون الصخور و يجففون المستنقعات " ( 2 ) .

" يجب أن نبذل أقصى جهدنا لإقناع مديري جمعية الاستيطان اليهودية بتخصيص مبلغ كبير من الأموال التي في حوزتهم من أجل إعادة تعمير الأراضي المقدسة . . .

. . . من اللائق لهذا المؤتمر أن يوجه رسالة شكر إلى المحسن الكبير ، البارون إدموند دي روتشيلد لجهوده الجبارة نحو إعادة تعمير أرضنا . أليس هو أول من هب للعمل من أجل قضيتنا ؟ فقد أنفق عشرة ملايين فرنك على هذا العمل النبيل و إنه على استعداد ليفعل أكثر من ذلك لإعادة الحياة للأراضي البور في بلادنا " ( 3 ) .

يقول لويس دمبيتز برانديس (1856 – 1941 ) Louis Dembitz Brandeis :

" إن هذه الأرض التي كانت غير مشجرة منذ جيل مضى و كان مفترضا أنها قاحلة و جرداء و لا أمل فيها ، ظهرت بأنها غير مشجرة و قاحلة نتيجة لإساءة الإنسان استعمالها( * ) . و لقد برهنت الآن أنها أرض باستطاعتها أن تصبح مرة أخرى (( أرض العسل و اللبن )) و يمكنك الآن أن تشاهد مزروعا فيها بكثرة البرتقال و العنب و الزيتون و اللوز و القمح و حبوبا أخرى " ( 4 ) .

ـــــــــــــــــــــــ

( 1 ) الفكرة الصهيونية ، ص 38

( 2 ) حاييم نخمن بيالك ( 1873 – 1934 ) Chaim Nachmann Bialik ، الفكرة الصهيونية ص 179 .

( 3 ) الحاخام صموئيل موهيليفر ، الفكرة الصهيونية ، ص282 .

( * ) فقط اليهود يحسنون استعمال الأرض المقدسة !

( 4 ) الفكرة الصهيونية ، ص 389

 

 يقول حاييم وايزمن ( 1874 – 1952 ) Chaim Weizmann وهو أول رئيس لدولة إسرائيل :

" لقد كانت الصهيونية في مراحلها الأولى كما أسسها الرواد عبارة عن حركة تعتمد كليا على عوامل ميكانيكية : هناك بلد اسمه فلسطين و هو بدون شعب ، و من ناحية أخرى هناك الشعب اليهودي و هو بدون بلاد . إذن ، فمن الضروري وضع الجوهرة في الخاتم أي جمع الشعب في الأرض " ( 1 ) .

هذه هي الفكرة الأساسية التي تنطلق منها الحركة الصهيونية في تخطيطها للاستيلاء على فلسطين . فجميع زعماء هذه الحـركـة العنصرية و الإرهابية يؤمنون بهذه " المسلمة " و بنوا عليها جميع استراتيجياتهم . فإذا كان الواقع يخالف ذلك سعوا إلى تحقيقها بجميع الوسائل . لا بد أن تكون أرض فلسطين خالية من السكان ، هذا ما يسهل عليهم مهمتهم .

لقد خيبت فلسطين أملهم . فبعد أكثر من خمسين سنة من تأسيس كيانهم العنصري ، لا تزال عامرة بسكانها الذين تشبثوا بأرضهم رغم كل أنواع الإرهاب التي مورست ، و لا تزال تمارس ، في حقهم من قتل و تشريد و سجن و تدمير بيوت و ممتلكات .

أما دافيد بن غوريون ( 1886 - 1973 ) David Ben- Gurion مؤسس الدولة الصهيونية في فلسطين ، فيقول :

" نحن الآن ، أكثر من أي وقت مضى ، بحاجة إلى قوة مخلصة و رائدة . إن صحراء بلادنا تنادينا و فناء شعبنا يستصرخنا . و لكي ننقذ من تبقى – ونحن جميعا الآن نشكل البقية بما في ذلك جاليتنا هنا في إسرائيل – فإن عملنا يجب أن يتم ضمن خط محدد . فالمهمات الملقاة أمامنا بحاجة إلى جهود رائدة لم نعرف شبيها لها . علينا أن نستثمر الأراضي البور ( في جبال الجليل و سهول النقب ووادي الأردن و كثبان الرمل على الشاطئ و جبال يهودا ) ( * ) " ( 2 ) .

ـــــــــــــــــــــــ

( 1 ) الفكرة الصهيونية ، ص 444

( * ) أي كل فلسطين !

( 2 ) نفس المصدر ، ص 485

 

3 - طرد السكان الفلسطينيين :

إن طرد السكان الفلسطينيين من أرضهم و تهجيرهم عن وطنهم ، تحقيقا للمقولة المشهورة ، شكلت دائما السياسة الرئيسية لقادة الحركة الصهيونية .

إن فلسطين لم تكن خالية من السكان و هذا ما أزعج الصهاينة الذين كانوا يدعون أمام العالم أنها أرض بلا شعب .

أن إقامة دولة إسرائيل لشعب إسرائيل تقوم على إنكار وجود فلسطين و شعب فلسطين.

إن الدولة اليهودية في المشروع الصهيوني تقوم على العنصرية و النقاء العرقي . إنها دولة لليهود وحدهم . و بالتالي ، على غير اليهود أن يرحلوا منها و يغادروها إما بإرادتهم أو قسرا .

لقد شكل طرد السكان الفلسطينيين من أرضهم و ترحيلهم جزء هاما من مخططات القادة الصهاينة . إن إقامة الدولة اليهودية القومية المثالية تفترض عدم وجود أقليات غير يهودية داخل حدود هذه الدولة و بالتالي سعى الصهاينة قبل و بعد تأسيس دولة إسرائيل إلى التخلص من غير اليهود بكل الوسائل .

إن محاولة التخلص من الوجود العربي في فلسطين لم تكن نتيجة تكتيكات مرحلية و طارئة لجأ إليها الصهاينة عند تأسيس دولتهم العنصرية أملتها عليهم الظروف ، و إنما كان عن سابق تخطيط و إصرار .

إن نجاح مشروع الدولة الصهيونية حسب ما خطط له هو رهن التخلص من السكان العرب في فلسطين .

إن الصهاينة لم يقتنعوا يوما بتقسيم فلسطين بينهم وبين العرب و إنما " وافقوا " على ذلك خداعا لكي يكون لهم موطئ قدم " شرعي" في المنطقة .

يقول بن غوريون :

" إنني لا أرى في الدولة اليهودية المقترحة ( * ) حلا نهائيا لكافة مشكلات الشعب اليهودي كذلك لا أنظر إلى التقسيم على أنه الحل الأخير لمشكلة أرض إسرائيل . إن أعداء التقسيم كانوا على حق عندما ادعوا بأن هذا البلد لم يعط لنا كي نقسمه لأنه لا يشكل و حدة من الناحية التاريخية فحسب ، بل من الناحية الطبيعية و الاقتصادية أيضا " ( 1 ) .

ـــــــــــــــــــــــ

( * ) أي على جزء من فلسطين حسب قرار التقسيم .

( 1 ) من الأرشيف الصهيوني ، إسرائيل شاحاك ، ص 14

 

إن عدم الرضا بالتقسيم ، حتى من قبل مؤسس الدولة الصهيونية على أساس القرار الصادر عن الجمعية العمومية للأمم المتحدة بتاريخ 29 نوفمبر 1947 الذي قضى بتقسيم فلسطين إلى دولتين يهودية و عربية ، و اعتبار دولة إسرائيل دولة يهودية خالصة ، فرض على الصهاينة التفكير في إفراغ فلسطين من سكانها العرب و التخطيط لذلك و محاولة تنفيذه ( * ) بكل الوسائل و كانت الوسيلة المفضلة لديهم ( و ما تزال ) هي الإرهاب الذي يمارس ضد المواطنين الفلسطينيين يوميا لإجبارهم على ترك أرضهم .

يقول إيديلسون :

" ربط بن غوريون مستقبل استيطاننا في أرض إسرائيل بعد تقسيمها بإمكانية تفريغها من العرب " ( 1 ) .

إن تفريغ فلسطين من سكانها العرب جزء لا يتجزأ من المخطط الصهيوني . لقد أظهر الصهاينة ذلك صراحة أمام العالم و لم يروا فيه ما يخالف الأخلاق . و عندما بدؤوا تنفيذ هذا المخطط ، لم يتضايق العالم المتحضر من ذلك و لم ير فيه مسا بحقوق الإنسان بل غض الطرف في العلن و ساهم في ذلك المخطط في السر.

يقول بيرل لوكر ( رئيس الوكالة اليهودية في الخمسينات و الستينات ) :

" لقد بنى بن غوريون تصوره على أساسين رئيسيين : الاستقلال و نقل السكان . يفهم الإنسان مما قاله بن غوريون بأن نقل السكان ضرورة لا بد منها ، وأن حدوثها مضمون في حال تقسيم البلد " ( 2 ) .

قال بيدل كاتسنلنسون :

" لقد أثارت مسألة نقل السكان نقاشا بيننا : هل يجوز ذلك أم لا ؟ ضميري مرتاح كليا حول هذه النقطة لأن الجار البعيد أفضل من العدو القريب . لن يخسر العرب من عملية نقلهم ، كما أننا بالتأكيد لن نخسر نحن أيضا . في التحليل الأخير هذه العملية هي بمثابة إصلاح سياسي في الاستيطان يأتي لصالح الطرفين . كنت دائما أحمل الرأي القائل بأن هذا الحل هو أفضل الحلول ، و في الأيام الكئيبة كان يتقوى وعيي بفكرة قدوم هذا الحل في يوم ما . إلا أنني لم أتصور أبدا أن نقلهم إلى (( خارج إسرائيل )) يعني ضواحي نابلس . كنت و ما زلت أعتقد بأن مصيرهم هو الذهاب إلى سوريا و العراق " ( 3 ) .

يقول يوسف وايتز في كتاب ( يومياتي و رسائلي إلى البنين ) - 1965 :

 

 " يجب أن نكون بمنتهى الوضوح فيما بيننا بأنه لا يوجد مكان للشعبين في هذا البلد . ما من خطة للتنمية ستقربنا من هدفنا : و هو أن نكون شعبا مستقلا في هذا

ـــــــــــــــــــــــ

( * ) نتكلم عن " محاولة " لأنهم فشلوا في ذلك فشلا ذريعا و يعانون تبعات فشلهم إلى الآن .

( 1 ) من الأرشيف الصهيوني ، ص 15

( 2 ) نفس المصدر ، ص 18

( 3 ) نفس المصدر ، ص 18

 

البلد الصغير . إذا غادره العرب سيكون البلد كبيرا و مفتوحا أمامنا تماما . و لكن إذا بقي العرب سيبقى البلد ضيقا و بائسا . . .

. . . المشروع الصهيوني كان جيدا و ناجحا في زمانه و إلى حد كان بإمكان المشروع الاكتفاء بشراء الأرض ، و لكن هذا وحده لن يحقق دولة إسرائيل ، يجب أن يتم ذلك بضربة واحدة و كأنه الخلاص . هذا هو سر فكرة (( المخلص المنتظر )) . لا يوجد سبيل آخر سوى نقل العرب من هنا إلى البلدان المجاورة . نقلهم جميعا باستثناء ربما بيت لحم و الناصرة و القدس القديمة ( * ) ـــ يجب ألا تبقى قرية واحدة أو قبيلة واحدة . يجب أن تتجه عملية النقل هذه نحو العراق و سوريا و حتى شرقي الأردن ( ** ) . . .

. . . عملية النقل هذه هي التي ستمكن البلد من استيعاب الملايين من إخواننا و حل المسألة اليهودية نهائيا . و لا سبيل آخر غير ذلك " ( 1 ) .

لا يمكن تنفيذ المشروع الصهيوني ( كما خطط له منظرو الحركة الصهيونية ) مع بقاء السكان العرب في فلسطين . إن نقلهم وترحيلهم من وطنهم ضرورة حيوية لنجاح هذا المشروع اللئيم . و لذلك ، فإن مفهوم الصهيونية لا يمكن أن يتعارض مع هذه الضرورة و بالتالي ، فإن كل الصهاينة متفقون على ذلك و إن كان بعضهم يقول العكس مضطرين تحت وطأة خيبة الأمل دون التخلي عن ذلك في السر .

إن الصهاينة يخططون لهذا المشروع منذ آلاف السنين و لن يتخلوا عنه أبدا إلى آلاف السنين . لقد تراجعوا تكتيكيا في بعض مراحل تاريخهم فأعادوا الكرة كلما سنحت لهم الفرصة .

إن مشروعهم لن يكتفي بما يسمى " دولة إسرائيل " الحالية التي أقيمت على جزء بسيط من " أرض إسرائيل " التي يطمحون إليها ( و لن يتخلون عنها أبدا إلا إذا تخلوا عن صهيونيتهم و يهوديتهم ) ، و ما حديثهم عن " السلام " و " التعايش " إلا ذر للرماد

ـــــــــــــــــــــــ

( * ) هذا تملقا للأوربيين لأن هذه المدن الثلاث تضم عدد كبير من العرب المسيحيين كما تحوي على الأماكن المقدسة المسيحية مثل كنيسة المهد في بيت لحم و كنيسة القيامة في القدس و الناصرة حيث نشأ السيد المسيح عليه السلام . نلاحظ عبارة " ربما " ، لأن هذه المدن ضمن المخطط و لو على المدى البعيد .

( ** ) إن المخطط الصهيوني يعتمد على المرحلية . المرحلة الأولى تأسيس الدولة اليهودية على (( جزء بسيط )) من أرض إسرائيل ( التي تمتد من النيل إلى الفرات ) . إن عبارة (( و حتى شرق الأردن )) تعبر عن الضرورة الملحة لإفراغ الأراضي التي أقيمت عليها دولة إسرائيل " المؤقتة " من السكان العرب لأن المنظرين للمشروع الصهيوني يعتبرون شرقي الأردن جزء لا يتجزأ من أرض إسرائيل و لم يتخلى عنه مؤسسو دولة إسرائيل إلا تكتيكيا . و بالتالي فإن نقل السكان سوف يتم تدريجيا بالتوازي مع التوسع الصهيوني في المنطقة تنفيذا للوعد التوراتي المشهور : " ثم قال يشوع : بهذا تعلمون أن الله الحي في وسطكم و طردا يطرد من أمامكم الكنعانيين و الحثيين و الحويين و الجرجاشيين و الأموريين و اليبوسيين " ( يشوع : 3 – 9 ، 10 ) .

( 1 ) من الأرشيف الصهيوني ، ص 22

 

في عيون بعض العرب ممن وثقوا في بيريز و رابين ( ذوي الماضي الإرهابي العتيد ) ( * ) و غيرهم ممن يسمون كذبا بـ " دعاة السلام " .

إن مشروع إقامة دولة يهودية في فلسطين لا يتوافق مع وجود " مواطنين " عرب ( ** ) في هذه الدولة التي لا يمكن أن توصف حسب ما خطط له الصهاينة إلا بأنها دولة عنصرية .

لقد عطل الشعب الفلسطيني هذا المشروع بتمسكه بأرضه و تشبثه بوطنه و خلق في داخل إسرائيل واقعا يتعارض مع ما كان يحلم به الصهاينة و يخططون له و سبب مشكلة هوية حقيقية في داخل كيانهم العنصري فأصبح النقاش حادا بين الصهاينة أنفسهم فيما إذا كانت دولة إسرائيل دولة يهودية أم لا .

يقول يوسف وايتز في نفس الكتاب :

" لا خلاص لنا ما لم يجر تفريغ البلد من العرب من أجلنا . نقل السكان العرب مسألة لا مناص لنا منها إذا أردنا أن نتقدم بمطلب لحل حقيقي و إذا كنا ننوي حل المسألة اليهودية و مشكلة الدين اليهودي الخ . في رأيي ينبغي أن يكون نقل العرب هو المطلب الذي نتقدم به إلى مؤتمر السلام . . .

. . . أجريت محادثة طويلة مع كاتنلسون في بيت هاكيريم ( عين كارم ) . تناولنا موضوع " نقل السكان " . تبين أنه من مؤيدي الفكرة منذ عدة سنوات و هو ، بالإضافة إلى ذلك ، يشارك في رأيي القائل بأن هذا هو الحل الوحيد لمشكلتنا في هذا البلد . فهو يعتقد أن الضرورة السياسية ، كما تبرز بعد الحرب ، ستجبر قادة العالم على القبول بهذا الحل ، و إن لم يكن ذلك بالنسبة لأرض إسرائيل كلها ( *** ) فبالنسبة لجزء منها على أقل تقدير " ( 1 ) .

" في محادثتي مع شرتوك في وزارة الخارجية أثرت أربعة تساؤلات : أ – الترحيل اللاحق : هل ينبغي علينا أن نقوم بعمل ما كي نحول خروج العرب من البلد إلى واقع نهائي بحيث لا يعودون إليه بعد ذلك ؟ إذا كان الجواب بالإيجاب هل سيكون من الصواب مطالبة اللجنة الثلاثية المسؤولة عن الشؤون العربية في الإدارة الصهيونية بأن تضع خطة عمل للترحيل ؟ كان جوابه أنه يبارك مبادرتي في هذا الشأن ويرى أنه ينبغي علينا أن نعمل بصورة تحول خروج العرب إلى واقع قائم ، و أنه سيتشاور مع بن غوريون " ( 2 ) .

ـــــــــــــــــــــــ

( * ) أليس رابين من أمر بتكسير عظام المقاومين الفلسطينيين ( و قد شهد العالم " إنجازاته " مباشرة عبر شاشات التلفزيون ) عندما كان وزيرا للدفاع أثناء الانتفاضة الأولى و بيريز من أمر بقتل الأطفال و النساء و الشيوخ في مقر للأمم المتحدة في قانا في جنوب لبنان أثناء عدوان " عناقيد الغضب " ( غضب الصهاينة على بطولة و شجاعة مقاومة الشعب اللبناني و عدم استسلامه للاحتلال الصهيوني ) عندما كان رئيسا للوزراء ؟

( ** ) ممن يسمون بـ " عرب إسرائيل " .

( *** ) التي تمتد من النيل إلى الفرات .

( 1 ) من الأرشيف الصهيوني ، ص 24

( 2 ) نفس المصدر ، ص 27

 

4 – إقامة الدولة اليهودية القومية :

إن إقامة الدولة اليهودية في فلسطين هو الهدف الأول للمشروع الصهيوني كما صاغه قادة الحركة الصهيونية الحديثة وهي مرحلة هامة و أساسية في مراحل المخطط الصهيوني .

إن التاريخ اليهودي ( * ) ( و المشروع الصهيوني ) يبدأ بالوعد الإلهي بإعطاء فلسطين لأبناء إبراهيم من اليهود ( أبناء إسرائيل – يعقوب ) و هجرة إبراهيم و أهله إلى فلسطين و من أهم مراحله دخول بني إسرائيل بقيادة يشوع بن نون إلى فلسطين و استيلائهم عليها بالقتل و الإرهاب .

إن التوراة لم تكتف فقط بالأمر بالاستيلاء على الأرض و إنما حددت لهم الحدود الجغرافية لهذه الأرض و التي أصبحت فيما بعد شعارا للحركة الصهيونية " حدودك يا إسرائيل من النيل إلى الفرات " و قد جاء ذكر ذلك في سفر التكوين في الإصحاح الخامس عشر : " في ذلك اليوم قطع الرب مع أبرام ميثاقا قائلا : لنسلك أعطي الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات " ( 1 ) .

إن أطماع اليهود في فلسطين أطماع قديمة قدم وجودهم وقد صاغت الحركة الصهيونية الحديثة بقيادة هرتزل هذه الأطماع في شكل مشروع إقامة الدولة اليهودية القومية في فلسطين لحل " المسألة اليهودية " و " تحرير" اليهود من الاضطهاد الذي تمارسه في حقهم الشعوب الأخرى .

يقول هرتزل في كتاب ( الدولة اليهودية ) سنة 1895 :

" الفكرة التي عالجتها في هذا الكتيب هي فكرة قديمة تتعلق ببعث الدولة اليهودية .

إن الذي بعث هذه الفكرة النائمة إلى الحياة هو العالم الذي تألب ضد اليهود . أنا لا أدعي اكتشاف أمور جديدة ، فليلاحظ هذا من خلال مناقشتي ، أنا لم أكتشف لا الحالة اليهودية كما بلورها التاريخ و لا الطريقة لعلاجها . . .

. . . لذا أقول بوضوح و تأكيد بأنني أؤمن بإمكان تحقيق الفكرة رغم أني أعترف بأني لم أكتشف الشكل الذي ستتخذه . إن العالم يحتاج إلى الدولة اليهودية لذلك يجب أن تقوم " ( 2 ) .

بهذه العبارات لخص هرتزل صياغته لمشروع الدولة اليهودية انطلاقا من فكرة

ـــــــــــــــــــــــ

( * ) كما صاغته التوراة التي تشكل المصدر الوحيد لهذا التاريخ المزعوم و لا توجد مصادر تاريخية أخرى مستقلة تثبت ما جاء في التوراة . إن الدراسات التاريخية " العلمية " التي تؤرخ لليهود كلها دراسات توراتية .

( 1 ) تكوين : 15 - 18

( 2 ) الفكرة الصهيونية ، ص 102 ، 103

 

قديمة نائمة ( أو مشروع قديم ) يمكن تحقيقها و يجب تحقيقها لأن العالم ( الذي يحلم به اليهود ) بحاجة إليها .

لقد ادعى قادة الحركة الصهيونية أن إقامة الدولة اليهودية في فلسطين ضرورة لحل المسألة اليهودية و تخليص اليهود من الاضطهاد الذي يعانون منه من الشعوب التي يعيشون بينها و ذلك بتجميع اليهود في فلسطين .

لقد صدقوا عندمـا ادعوا أن إقامـة الدولـة اليهوديـة فـي فلسطيـن هـو لحــــل " المسألة اليهودية " ( * ) ، ليس بتجميع كل يهود العالم في مكان واحد و تخليصهم من "الاضطهاد " ، لأن هذا مستحيل من الناحية العملية و خطر من الناحية الاستراتيجية ، و إنما لجعل هذه الدولة ( التي سيسخر كل العالم ( ** ) لدعمها و حمايتها و إمدادها بكل أسباب القوة السياسية و الاقتصادية و العسكرية ) قاعدة خلفية للسيطرة على العالم ( عن طريق سلاح " معاداة السامية " الناجع و الرادع ) ( *** ) وتنفيذ البعد العالمي للمشروع الصهيوني .

يقول أحد عاهام :

" الحقيقة قاسية و لكن قسوتها أفضل من التضليل . أيجب أن نعترف أن " تجميع المنفيين " بطريقة طبيعية أمر غير معقول . ربما استطعنا و بطرق طبيعية أن نؤسس يوما دولة يهودية ، و قد يتكاثر اليهود و يزدادون داخل هذه الدولة اليهودية إلى " أن تمتلئ الأرض " بهم لكن حتى في مثل هذا الوقت سيبقى القسم الأكبر من شعبنا متفرقا في بلاد أجنبية . إن " جمع شمل المتفرقين من أطراف الأرض الأربعة " ( كما يقول كتاب الصلاة ) شيء مستحيل ، لا يستطيع إلا الدين ، الذي يعلم بالإيمان بخلاص     يأتي بواسطة معجزة ، أن يعد بتحقيق مثل هذا الأمر .

لكن إذا كان الأمر كذلك ، إذا كانت الدولة اليهودية لا تعني " جمع شمل المنفيين " إنما فقط توطين قسم من شعبنا في فلسطين ، فكيف يؤدي هذا إلى حل المشكلة المادية لجماهير اليهود في أرض الشتات ؟

لن تنتهي المشكلة المادية ببناء الدولة اليهودية . و أن حل هذه المشكلة حلا كليا ليس باستطاعتنا .على أن المشاكل المادية اليهودية ستعتمد ، سواء أسسنا دولة يهودية

ـــــــــــــــــــــــ

( * ) أي المشروع الصهيوني ، لأنه من الواضح أن " المسألة اليهودية " التي يتحدث عنها قادة الحركة الصهيونية ما هي إلا تعبير مختلف عن ذلك المشروع القديم .

( ** ) ممثلا في هيئة الأمم المتحدة بقيادة رأس الصهيونية العالمية أمريكا التي حمت و تحمي إسرائيل حتى من الانتقاد و التنديد ( عن طريق الفيتو ) ناهيك عن فرض العقوبات عن الجرائم الفاضحة التي ارتكبتها و ترتكبها تجاه شعوب المنطقة .

( *** ) إن أقوى سلاح تملكه إسرائيل هو هذا السلاح الذي يرعب قادة العالم ( خاصة القادة الغربيين ) و يتحكم في مواقفهم تجاه إسرائيل و سياسات إسرائيل بحيث لا يجرؤ أحد على انتقادها إلا شهر في وجهه هذا السلاح الفتاك .

 

أم لم نؤسس ، ستعتمد في الأساس على الحالة الاقتصادية و المستوى الثقافي للأمم

المختلفة التي يتفرق بينها شعبنا " ( 1 ) .

إن الادعاء أن تأسيس الدولة اليهودية القومية في فلسطين جاء لحل مشكلة اليهود في الشتات ، و ذلك بتجميعهم في داخل هذه الدولة ، ما هو إلا كذبة كبيرة لزعماء الحركة الصهيونية للحصول على الدعم لتنفيذ مشروعهم . إذن ، ما الفائدة المرجوة من تأسيس هذه الدولـة إذا كـان مـن المستحيـل أن تضـم ضمـن حدودهـا جميـع يهـود العالـم ؟

( و هذا باعترافهم ) .

إن حل المشكلة اليهودية ( أي المشروع الصهيوني ) يكمن في تأسيس دولة قومية يهودية قوية في فلسطين يستوطن داخلها قسم فقط من اليهود على أن يبقى القسم الأكبر في بلدانهم و جعل هذه الدولة قاعدة لتنفيذ بقية المشروع الصهيوني ( في بعده العالمي ) .

لقد أصبحت إسرائيل " أقوى " دولة في المنطقة ، عسكريا و اقتصاديا و سياسيا ، كما أريد لها أن تكون في المشروع الصهيوني .

إن الأنظمة العربية انهزمت أمام " قوة " إسرائيل و زعمت أن " التوازن الاستراتيجي و العسكري " لصالح إسرائيل و سلمت بـ " شرعية " وجـود إسرائيـل ( و هي أشد هزيمة ) بحجة " الأمر الواقع " .

إن مسألة القوة و الضعف مسألة نسبية . لا وجود للقوة المطلقة و لا للضعف المطلق في العلاقات بين الدول و الشعوب . فالقوي قوي بالنسبة للضعيف و الضعيف ضعيف بالنسبة للقوي .

إن الدولة القوية تحمل عناصر الضعف في داخلها و الدولة الضعيفة تحمل عناصر القوة في داخلها .

ألم تكن إسرائيل " أقوى " دولة في المنطقة و لبنان " الأضعف " فحدث ما حدث في أيار مايو سنة 2000 عندما انهزمت إسرائيل القوية أمام لبنان الضعيف فخـرج جيشها ( الذي وصف لنا بأنه " الجيش الذي لا يهزم " ) ذليلا في جنح الظلام تحت ضربات المقاومة اللبنانية البطلة .

أليست أمريكا " أقوى " دولة في العالم ، فحدث لها ما حدث في فيتنام و لبنان و الصومال و يحدث لها ما يحدث الآن في العراق ؟

ألم يكـن الاستعمـار " الأقـوى " فخـرج مهزومـا مـن البلـدان المستعمـرة

 " الأضعف " ؟

إن الدولة التي خطط الصهاينة لإقامتها في فلسطين هي من " أغرب " الدول بحيث تتميز بـ " الحيوية " و التوسع حسب الظروف التاريخية و السياسية و العسكرية ، ضمن إطار جغرافي معين حددته لهم توراتهم المقدسة ( من النيل إلى الفرات ).

ــــــــــــــــــــــ

( 1 ) الفكرة الصهيونية ، ص 156

 

لم يجرؤ أحد من قادة الحركة الصهيونية على تعيين حدود واضحة للدولة المنشودة بل اعترفوا جميعهم على أن هذه الدولة " ليس لها حدود " ! و هذا له دلالة تحتمل معنيين أساسيين في المشروع الصهيوني .

المعنى الأول : ترك المجال مفتوحا لهذه الدولة كي تتوسع في المنطقة حسب الظروف .

أما المعنى الثاني فهو كون غاية المشروع الصهيوني النهائية حكم العالم و بالتالي تكون الدولة اليهودية القومية مقدمة للدولة اليهودية العالمية فلا ضرورة للحدود .

يقول بن غوريون :

" في الواقع أن حدود هذه الدولة غير مرسومة . لقد تبدلت حدودها و تحولت من زمن لآخر " ( 1 ) .

هذا بالمطلق ما يؤمنون به كي يتركوا مجالا مفتوحا للتأويلات اللاحقة و يسمحوا لأنفسهم بالاستيلاء على ما تقع عليه أيديهم من أراضي المنطقة التي يعتبرونها " أرض إسرائيل التاريخية " و التي تمتد من مصر إلى العراق ، أي الأرض التي عاش عليها شعب إسرائيل تاريخيا .

إن الدولة اليهودية في المشروع الصهيوني تتميز بخاصية غريبة لا نجدها في أي دولة أخرى : و هي كونها تحدها حدود " مطاطية " تتوسع كلما دعت الحاجة و الإمكانية إلى ذلك و تنكمش إذا اضطرتها الظروف إلى ذلك .

يقول أ. هاملين :

" لقد عبر الرفاق عن قلقهم إزاء كون الحدود التي سيجري رسمها حدود دائمة و لكن من بيننا يعلم ماذا ستكون عليه الحال بعد 10 أو 15 سنة ؟ من يستطيع أن يتنبأ بأن الحدود لن تتوسع بالعنف ؟ أنا أعرف من تاريخ أمريكا ( * ) أن ولايات و مناطق كبيرة جرى الحصول عليها بواسطة المال . . .في تصوري سيكون باستطاعتنا نحن أيضا توسيع حدودنا بواسطة الرأسمال و الطاقات المتوفرة لنا ( ** ) . . . فإذا زاد عددنا و جعلنا أنفسنا أقوياء اقتصاديا و ماليا ستنشأ عندئذ إمكانية لقيام علاقات سلمية مع الجالية

ـــــــــــــــــــــــ

( 1 ) من الأرشيف الصهيوني ، ص 13

( * ) من الغريب أن تكون هناك نقاط " تشابه " كثيرة بين تأسيس الدولة الأمريكية و تأسيس الدولة اليهودية في فلسطين :

 - تأسيس الدولتان سيطرت عليـه العقيـدة التوراتيــة الصهيونيـة المتطرفــة

( البروتستانتية في أمريكا و اليهودية في فلسطين ) و فكرة " أرض الميعاد " .

-  قامت الدولتان على الاستيطان الأوربي .

-  قامت الدولتان على سياسة إبادة السكان الأصليين ( بنتائج متفاوتة ) .

-  قامت الدولتان على التوسع .

( ** ) و هي الفكرة الرئيسية في مشروع الشرق أوسطية الجديدة الذي طرحه مجرم قانا شيمون بيريس ( صاحب جائزة نوبل للسلام ! ) .

 

العربية و إمكانية لتوسعنا و توسيع حدودنا ( * ) " ( 1 ) .

كما يقول أ. رايس :

" لقد أثيرت مسألة الحدود التي يرسمها التقسيم . الحدود ليست مقدسة . . . لا شك أن انتهاك حدود بلد مأهول هو عمل إجرامي ، بل إنه الإمبريالية بعينها . لكن يجب ألا ننظر إلى حدود قطعة من الأرض المهجورة على أنها أبدية وقت تكون فيه المستوطنة المجاورة تعاني من فائض في السكان و مليئة بالطاقات المنتجة . ألسنا الآن أمام عملية انتهاك للحدود في الظرف الحالي ؟ هل دعانا العرب للمجيء إلى أرض إسرائيل ؟ و هل يوافقون على ما يجري ؟ مع ذلك مازلنا مستمرين لأنه لنا الحق الأخلاقي في المشروع الذي أخذناه على عاتقنا في أرض إسرائيل " ( 2 ) .

هكذا وجدوا و هكذا يفكرون و هكذا ينظرون إلى الغير . إن كل تصرفاتهم تحكمها عقيدتهم التي تعلمهم إياها كتبهم الدينية ( خاصة التوراة و التلمود ) . إنهم لا ينظرون إلى الغير على أنه موجود بل هو عدم و لا شيء موجود إلا الشعب اليهودي و مصالح الشعب اليهودي و مشروع الشعب اليهودي . فالأرض مهجورة أمامهم و السكان لا وجود لهم و حتى و إن اعترفوا بوجودهم ، فهم ليسوا بحاجة إلى دعوتهم و لا بحاجة إلى موافقتهم ولهم كل الحق للاستيلاء على ما يريدون ( ألم يعلمهم التلمود بأن كل ما عند الغير هو ملك لهم ؟ ) .

يقول ي. تابنكين :

" عندما تم تقسيم البلد في 1922 جرى ارتكاب خيانة إزاء الصهيونية ( ** ) و إمكانية تطور البلد و ذلك من وجهة نظر هدفنا الجوهري . . . كان هذا الاقتطاع موجها ضد الصهيونية فقط . ضد الوطن القومي اليهودي في هذا البلد "

" و يشكل تثبيت الحدود السياسية بين الجزء ين الشرقي و الغربي من البلد ، و بين أجزاء الضفة الغربية لنهر الأردن انتهاكا لتطوره " ( 3 ) .

إن تقسيم فلسطين لم يكن ضمن المشروع الصهيوني و إنما تم ذلك بـ " خيانة " القوى العظمى التي كان من المفترض أن تسير وفق المخطط الذي وضعه قادة الحركة الصهيونية العالمية نتيجة لحسابات و مصالح أخرى .

ـــــــــــــــــــــــ

( * ) هذا ما يفضح نواياهم في " السلام " . إنهم لم يدعوا للسلام إلا عندما خابت آمالهم في التوسع العسكري . لقد كان " السلام " ضمن " الخطة البديلة " للحرب منذ البداية . أما الهدف فلم يتغير و لن يتغير أبدا ، وهو التوسع .

( 1 ) من الأرشيف الصهيوني ، ص 18

( 2 ) نفس المصدر ، ص 18

( ** ) الخيانة ارتكبت من قبل بريطانيا و هذا دليل على أن بريطانيا شريك في المشروع الصهيوني لأن الخيانة لا تكون إلا من الداخل .

( 3 ) نفس المصدر ، ص 19

 

فالتقسيم شكل عائقا كبيرا أمام التوسع الصهيوني . إن قادة الصهاينة كانوا يطمحون في الحصول على كل " أرض إسرائيل التاريخية " ثم يتوسعوا خارجها إلا أن مقاومة الشعب العربي في فلسطين حالت دون ذلك و اضطرت القوى العظمي ، المسيطرة على عصبة الأمم ( لدى تقاسم منطقة الشرق الأوسط بين فرنسا و بريطانيا ) و الأمم المتحدة ( عند تقسيم فلسطين بين العرب أصحاب الأرض و اليهود الوافدين ) ، اضطرتها إلى التسليم بالأمر الواقع ( استحالة إفراغ فلسطين من سكانها ) و دعت إلى تقسيم البلاد ليس حبا في العرب الفلسطينيين و لا حرصا على مصالحهم و إنما إنقاذا للمشروع الصهيوني .

إن الدولة اليهودية القومية المخطط لها في المشروع الصهيوني تتميز بخاصيتين أساسيتين فيما يخص تطورها أفقيا و عموديا .

إن التطور مسألة طبيعية و ضرورية لأي دولة و هو على نوعين ، تطور أفقي ( التوسع الجغرافي ) و تطور عمودي ( أي تطور اقتصادي و علمي و تقني و عسكري الخ . . . ) .

فالدولة الحديثة تتميز بتطورها العمودي على عكس الدول في العصور القديمة التي كانت تفضل التوسع الجغرافي و تسعى إليه عن طريق الحروب .

أما الدولة الصهيونية ، فهي الدولة الحديثة الوحيدة التي خطط لها و أقيمت على أساس التوسع الجغرافي ( أي التطور الأفقي ) على حساب الأراضي المجاورة " المهجورة " بالإضافة إلى تطورها الاقتصادي و التقني و العسكري الخ . . .

إن كون فلسطين و الأراضي المحيطة بها " أرض إسرائيل " مسألة لا نقاش فيها بالنسبة لقادة الحركة الصهيونية العالمية ، و تقسيمها بين العرب و اليهود فيه إجحاف للشعب اليهودي " صاحب الأرض الشرعي " و منح العرب حق ليس لهم .

لقد قلنا أن القادة الصهاينة وافقوا ( في العلن ) على تقسيم فلسطين بينهم و بين العرب مضطرين إنقاذا للمشروع الصهيوني و إذعانا للأمر الواقع .

 

 يقول تابنكين :

" لأول مرة في تاريخ هذا البلد نجد أنه في طريقه لأن يصبح دولة عربية مستقلة . حتى الآن لم يكن البلد مستقلا إلا في الفترات التي كان اليهود يستوطنونه إذ أننا وحدنا هذه الأرض كبلد و أعطيناها طابعها الخاص كما أنها حولتنا إلى شعب . و لم يكن هذا البلد بالنسبة للعرب مركزهم القومي أبدا .يتضمن الاسم " أرض إسرائيل " حقيقة منطقية و حقيقة تاريخية . و يجب علينا ألا ننظر إلى الدولة اليهودية التي يريدون إنشاءها فقط ، بل علينا أن ننظر إلى الدولة العربية أيضا إذ يتضمن اقتراح التقسيم بلورة الوجود العربي ضمن إطار دولة . لقد أعطي العرب بذلك سلطة لا تمثل قدراتهم الاستيطانية ( * ) . و مع بروز " دولة عربية " على أرض إسرائيل يكون قد تم تثبيت

ـــــــــــــــــــــــ

( * ) إن وقاحـة الصهاينـة جعلـت مـن العـرب الفلسطينييـن ، السكـان الأصلييـن ،

 " مستوطنين " في بلدهم و حولهم احتلالهم فلسطين إلى لاجئين و مقيمين غير شرعيين في بلدهم أو " مواطنين غير يهود " أي من الدرجة الثانية .

 

واقع معين في عالم السياسة الدولية ليس كجزء ملحق بجنوب سوريا أو غرب السعودية أو غرب العراق ، بل كدولة عربية على الأرض الإسرائيلية " ( 1 ) .

لقد اختصروا تاريخ و جغرافية فلسطين في فترة وجودهم و حكمهم لها و التي لم تتجاوز " فترات معينة " باعترافهم ( * ) ، لا تكاد تذكر بمقياس التاريخ و لا توجد شواهد أثرية تذكر عن هذه " الفترات " و لا مصادر تاريخية مستقلة عن التوراة ، فأصبحت الأرض " أرض إسرائيل " و أصبح التاريخ تاريخ إسرائيل رغم أن غير اليهود سكنوا آلاف السنين قبلهم و آلاف أخرى بعدهم .

يقول بن غوريون :

" ليس لأرض إسرائيل أي وجود محدد ككيان سياسي أو جغرافي خارج التاريخ اليهودي ، خلال 400 سنة من الحكم التركي كان البلد " موحدا " كجزء من الإمبراطورية العثمانية . بعد الغزو البريطاني جرى تقسيم البلد إلى أربعة أقسام ( ** ) : 1 – القسم الشمالي من غربي إسرائيل – من الحدود الشمالية لمنطقة الانتداب حتى نهر الليطاني – و هو الآن جزء من دولة لبنان . 2 – جزء آخر من شمال البلد باتجاه الشرق – حوران و الجولان و الباشان – و هو جزء من دولة سوريا . 3 - شرقي الأردن و من جنوب نهر اليرموك حتى حدود الحجاز ، و قد أعطي إلى الأمير عبد الله ليحكمه مع أن الانتداب البريطاني يسيطر عليه . 4 - منطقة الانتداب في غربي أرض إسرائيل و التي تنطبق عليها وحدها بنود الانتداب المتعلقة بالوطن القومي . ( هنا قال بيرل : هناك أيضا سيناء الواقعة بين أيدي المصريين ) و عندما تسأل أوساط المعارضين للدولة ( *** ) ماذا سيحدث للمناطق الواقعة خارج الدولة ؟ فإنهم ينسون أنه بإمكاننا أن نوجه لهم ذات السؤال : ماذا سيحدث للمناطق الواقعة خارج حدود الانتداب البريطاني ؟ إذ أن الوطن القومي وفقا للانتداب لا يشمل إسرائيل الكبرى ( **** ) . هل تنازلنا عن حقنا في استيطان تلك الأجزاء من أرض إسرائيل الواقعة خارج حدود الانتداب ؟ " ( 2 ) .

هذه هي حدود " البلد " كما يراها بن غوريون كناطق باسم جميع الصهاينة . هذا ما يمثل الأطماع الصهيونية في المنطقة ( و التي لا يمكن أن يتخلوا عنها ) .

إن " إسرائيل " الحالية ، التي أقيمت على الأراضي التي احتلت سنة 1948 و التي يعترف بها العالم بأسره ( بعربه و عجمه ‍‌‌‌‍‍‌‍) إلا القليل من الدول ، لا تمثل إلا جزء صغير من الطموح و الأطماع الصهيونية في المنطقة .

ـــــــــــــــــــــــ

( 1 ) من الأرشيف الصهيوني ، ص 20

 ( * ) يقول بن غوريون : " وحدة البلد غير موجودة في الوقت الحاضر . لم يكن البلد وحدة سياسية إلا في أيام استقلالنا السياسي . و حتى في ذلك الوقت كان كذلك في فترات معينة فقط " من الأرشيف الصهيوني ، ص 20 .

( ** ) يتجاهل بن غوريون عمدا الحكم العربي – الإسلامي الذي استمر أكثر من ألف سنة ( إذا استثنينا ، على رأي بن غوريون ، الحكم " التركي " ) .

( *** ) أي معارضي الدولة على أساس التقسيم .

( **** ) من النيل إلى الفرات .

( 2 ) نفس المصدر ، ص 21

 

 لم يكن من السهل التطرق إلى موضوع الإرهاب الصهيوني دون إعطاء صورة مفصلة عن أبعاد المشروع الصهيوني كما جاءت على لسانهم و في كتبهم الدينية و غير الدينية .

 يمكن حصر هذه الأبعاد فيما يلي :

-  البعـد الدينــي .

-  البعـد التاريخــي .

-  البعـد الجغرافــي .

-  البعـد السياســي .

-  البعـد العالمــي .

 

 1 - البعد الديني :

إن البعد الديني هو البعد الأكثر أصالة بين أبعاد المشروع الصهيوني الأخرى . إنه الركيزة التي ترتكز عليها تلك الأبعاد .

تقوم العقيدة اليهودية على " العهد الإلهي " الذي وعد من خلاله الله شعــب إسرائيل ، بواسطة إبراهيم و إسحاق و يعقوب ( إسرائيل ) ، بمنحه أرض كنعـان ( فلسطين ) و الذي يشكل البداية الحقيقية للتاريخ اليهودي و هو الوعد الذي بنيت عليه الفكرة الصهيونية .

2  - البعد التاريخي :

يعتبر اليهود الصهاينة أن لهم حق تاريخي ( و أخلاقي ) في فلسطين عل أساس الوعد الإلهي دون غيرهم من الشعوب و إن أقامت هذه الشعوب في فلسطين آلاف السنين قبل و بعد اليهود .

لقد وضع المشروع الصهيوني على أساس هذا " الحق " الذي شرع لهم احتلال فلسطين بدعم و تواطؤ من القوى العظمى التي أقرت لهم بهذا الحق .

3  – البعد الجغرافي :

" الوعد الإلهي " منح اليهود " الحق " في " أرض الميعاد " ، أرض إسرائيل الكبرى التي تمتد من النيل إلى الفرات .

4  – البعد السياسي :

البعد السياسي يعتبر البعد العملي للمشروع الصهيوني و الذي يتمثل في مشروع تأسيس دولة يهودية قومية في فلسطين و ما يسمى بأرض إسرائيل الكبرى .

5  – البعد العالمي :

إن غاية اليهود الصهاينة الكبرى السيطرة على العالم و إقامة حكومة يهودية عالمية على رأسها ملك يهودي و هي آخر مرحلة للمشروع الصهيوني .

إنهم يسعون منذ وجدوا ، كما تقول التوراة ، إلى السيطرة على الأمم الأخرى و استعبادها و تسخيرها لمصالحهم و لتنفيذ مشروعهم .

إن كل هذه الأبعاد يكمل بعضها بعضا و تتناسق تناسقا تاما ، تجعل من المشروع الصهيوني مشروعا متكاملا يمكن تلخيصه فيما يلي :

يسعـى اليهـود منـذ وجـدوا ، بنـاء علــى الوعــد الإلهــي بإعطائهــم أرض الميعــاد و تحقيقــا لـ " الحــق التاريخــي " الــذي منحــوه لأنفسهــم ، إلــى الاستيـــــلاء علــى الأرض المقدســة و إقامــة دولــة يهوديــة قوميــة تمهيــدا لتأسيــس الحكومــة اليهوديــة العالميــــة .

--------------------

هذا الكتاب يعبر عن رأي كاتبه

 

 

السابقأعلى الصفحة

 

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ