ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت  06/12/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


فن الحكم في الشرق الأوسط

(3)

الإسرائيليون والفلسطينيون

دنيس روس.

الواشنطن الكوارترلي الفصلية / صيف 2008

ترجمة : قسم الترجمة في مركز الشرق العربي

رغم أن التأثير على الوقائع على الأرض هام إذا ما كان هناك أي أمل لصنع تقدم حقيقي لتسوية القضايا الجوهرية للنزاع ـ القدس، واللاجئون، والحدود، والأمن ـ إلا أن تركيز الإدارة كان أكبر بكثير على إنشاء أفق سياسي أو نهاية سياسية للعبة بدلاً من محاولة تغيير وقائع الحياة اليومية لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين. لقد شعرت وزيرة الخارجية كوندليزا رايس، خصوصاً بعد استيلاء حماس على غزة في حزيران من العام 2007،  أنها إذا ما استطاعت تدبير أفق سياسي حيث يستطيع كلا الطرفين رؤية محددات الاتفاقية الأخيرة، فإن الرئيس محمود عباس سيكون قادراً على إظهار قدرة السلطة الفلسطينية على تحقيق الطموحات القومية الفلسطينية وأن حماس لا تستطيع، مما ينتج عنه من وجهة نظرها، وسائل لتحجيم قاعدة حماس السياسية بين الفلسطينيين.

لسوء الحظ، فإن لهذه المقاربة ثلاث نقاط ضعف أساسية. الأولى، أنه إذا ما بقي الواقع اليومي للفلسطينيين سيئاً ولم يتغير ـ وإنهم لا يستطيعون الحركة بسبب نقاط التفتيش الإسرائيلية والاقتصاد محبط ـ  فلماذا سيصدقون الوعود الكبرى حول ما سيحصلون عليه في نقطة ما في المستقبل؟ ثانياً، بالنسبة للإسرائيليين، ليس هناك سبب لإزالة نقاط التفتيش إذا لم يتحرك الفلسطينيون ضد الإرهاب والدافع أقل حتى لتقديم تنازلات ملموسة بعيدة المدى حول قضية القدس والحدود إذا ما كانت حماس تستطيع منع تنفيذها وقد تستطيع تولي السلطة لاحقاً حتى في الضفة الغربية. ثالثاً، حتى إذا ما كان الزعماء من كلا الطرفين، رئيس الوزراء إيهود أولمرت وعباس، جادين حول إرادة التفاوض على القضايا الجوهرية، فإن مقدرتهم على التسليم بها محدودة طالما كان شعباهما منكرين وغير مصدقين لإمكانية السلام. هذا هو السبب في كون التأثير على الوقائع التي تشكل المدركات اليومية لكلا الشعبين بالغ الأهمية. إن ذلك يتطلب استراتيجية ووسائل مرتبطة بأهداف أكثر قابلية للتحقق. إنه يتطلب فن حكم لا فن عرض ـ تنظيم عرض لأحداث مصممة لخلق صورة محددة. قد يكون فن العرض مفيداً في جذب الانتباه والتغيير النفسي. قد يساعد في إيجاد قوة دافعة لسياسة، ولكنه لا يستطيع أن يكون هو السياسة. إن بإمكان فن العرض أن يكون داعماً يدعم فن الحكم ولكنه لا يستطيع أن يكون بديلاً له. لقد كان مؤتمر تشرين الثاني في 2007 في أنابولس مثالاً على فن عرض. لتجسيد فن الحكم، ينبغي أن يتم إعداده بشكل جوهري، وينبغي أن تكون هناك استراتيجية (اليوم الآخر)، ولم تقم الإدارة بأي من ذلك. لقد أطلق اجتماع أنابولس مفاوضات رسمية حول الوضع الدائم، ولكن لم تكن هناك أسس متفق عليها للمفاوضات، إذا ما كانت الإدارة ستدعو خمسين دولة تقريباً للمشاركة، ألن يكون من المعقول أن تودع بعضاً من (مبادئ أنابولس) التي اعتنقها الجميع. باعتبارها تقود العملية؟ بالتأكيد، فإن ذلك سيتطلب جهداً دبلوماسياً مكثفاً حتى يتم إنتاجه، ولكن المؤتمر كان ليصبح شيئاً آخر أكثر من مجرد حدث. لقد كان من الممكن أن يكون تطوراً تاريخياً حيث ينشئ جميع المشاركين فيه التزامهم. بحل الدولتين ويؤيدون المبادئ الضرورية لتحقيقه. بدلاً من ذلك، كان حدث أنابولس (مصدراً لكل الافتتاحيات المصورة) بكلمات أحد المشاركين الإسرائيلين. حتى هذا كان يمكن أن يكون فيه بعض الفائدة إذا ما تم استخدامه حينها لإطلاق بداية جديدة. ومع ذلك، فإن ذلك كان يتطلب تحقيق شيء بسرعة كبيرة بعد المؤتمر لإظهار أن هذا كان تحولاً حقيقياً وأن الحياة كانت الآن في طريقها للتغيير. وهنا كانت الفرصة لإعطاء الشعبين الإسرائيلي والفلسطيني سبباً لإلقاء نظرة ثانية على صنع السلام. لقد أظهرت الاستفتاءات أن كلا الشعبين كان مؤيداً للذهاب إلى أنابولس ولكن متشككاً إلى درجة كبيرة حول ما إذا كان أي شيء سينتج عن ذلك. لقد أظهر دعمهم أنهم كانوا يهتمون. كان ينبغي على الأطراف الإفادة من هذا لإصدار تغييرات فورية يمكن رؤيتها والشعور بها. بالنسبة للفلسطينيين، لماذا لم يكن هناك خطط لتوليد أعداد كبيرة من الوظائف في قطاع إنشاء المساكن فوراً بعد مؤتمر أنابولس؟ على نحو مشابه، لماذا لم تكن هناك خطة لتطوير التجارة للفلسطينيين المتأهبين ما قبل المؤتمر بحيث يلاحظونه بعده مباشرة؟ (إن توظيف التكنولوجيا في نقاط العبور من قبل الإسرائيليين ربما يكون قد سهل حركة البضائع والمواد ولا يتطلب من الإسرائيليين المخاطرة الأمنية برفع نقاط التفتيش على عبور الناس). في حال تم التخطيط لخطوات كهذه وتم تطويرها مقدماً، فإن الفلسطينيين كانوا سيلاحظون على الأقل وجود تطورات اقتصادية جلية بعد مؤتمر أنابولس. في اقتصاد حيث انخفض فيه الدخل الفردي بما يزيد عن نسبة 40% منذ بداية الانتفاضة في عام 2000، فإن هذا كان سيكون دفعة نفسية هامة. بدلاً من ذلك، ما الذي رآه الفلسطينيون على الأرض حيث لا تغيرات اقتصادية أو في قابلية التحرك بعد مؤتمر أنابولس. ورغم أن مؤتمراً للمانحين قد عقد في باريس بعد أسبوعين من المؤتمر حيث تُعهد بقدر كبير من المساعدة للسلطة الفلسطينية (ما قيمته 7.7 بليون دولار للمشاريع الأساسية) فإن أياً من هذه المشروعات لا يحتمل تجسده في أي وقت قريب. وهناك وقد بدأت الدمدمة فعلاً حول ما حدث للمال. لم يكن الفلسطينيون وحدهم هم الذين لم يروا شيئاً. فالإسرائيليون كذلك رأوا الوضع كالمعتاد في القضية التي تهمهم أكثر: فقد قتل ثلاثة إسرائيليين في هجومين إرهابيين مختلفين في الضفة الغربية في أول شهرين بعد المؤتمر. في كلا الحالتين فإن أولئك المسؤولين عن عمليات الاغتيال كانوا على صلة بقوات الأمن الفلسطينية. ورغم أنهم لم يتم تفويضهم من تلك القوات، فإن الإسرائيليين لم يروا استعداداً كبيراً من طرف قوات الأمن الفلسطينية للاعتراف بمن كان المسؤول حتى قارب الإسرائيليون القوات الأمنية بمعلوماتهم الخاصة. وكما قال لي أحد كبار مسؤولي الدافع الإسرائيلي (ما الذي تغير؟) سألني الفلسطينيون السؤال ذاته. على الرغم من تصريح رايس بأننا سنعمل مع الأطراف لتطبيق تعهداتهم للمرحلة الأولى خارطة الطريق، وهي تعهدات تطالب الإسرائيليين لتخفيف قبضتهم الأمنية على المناطق المحتلة والفلسطينيين ليتحركوا ضد الإرهاب ويبدؤوا تفكيك البنية التحتية للإرهاب، إلا أن شيئاً لم يحدث في الواقع.

إن الفجوة بين الأهداف الخطابية والوقائع العملية آخذة في التزايد وفي جعل تحقيق معاهدة السلام مستحيلة بحلول كانون الثاني من عام 2009. وللحقيقة، فإنها لم تكن لتصبح ممكنة نظراً للفجوات بين الأطراف، ولعدم الإيمان لدى الشعبين، وللاعتراف الإسرائيلي العسكري بأن الدروس المستوحاة من السنوات السبع الفائتة وارتفاع التهديدات الآتية من حزب الله وحماس قد جعلت مطالبهم الأمنية أكبر بكثير مما كانت عليه في السابق. من هنا، فإن هدف الإدارة كان قد صيغ مرة أخرى بتقويم للظروف مرتكز على الاعتقاد، لا تقويم مرتكز على الواقع. ومع ذلك فإن تقويماً مرتكزاً على الواقع لا يتوجب أن يقود إلى الشلل والاستسلام. فهناك شيء ينبغي العمل معه: قائدان، واللذان هما للمرة الأولى منذ اتفاقيات أوسلو، يؤمنان فعلاً بالتزام كل منهما الحقيقي للتوصل للسلام. وكون كل منهما ضعيف سياسياً ومحاط بأولئك الأكثر تشككاً بكثير تجاه محاولة القضايا الجوهرية حتى على مستوى العمومية، لا يحول دون تقدم ذي معنى في 2008.

إذن ما هو الهدف المعقول هذه السنة؟ إن المفتاح هو التركيز على إعادة بناء إيمان كاف لدى الشعبين بحيث يستطيع أولمرت وعباس أن يشعرا بتفويض أكبر للتوصل إلى اتفاقية لدى مقايضة القضايا الجوهرية على الأقل على مستوى المبدأ أو العمومية. ينبغي على الإسرائيليين أن يتقبلوا أنه إذا كان من المحتم لهم الحصول على تنازلات فلسطينية في حق العودة، والأمن، ومجموعة المستوطنات في الحدود المعدلة، فإن عليهم أن يتجاوبوا مع حاجات الفلسطينيين في القدس والحدود. بالمقابل ينبغي أن يتقبل الفلسطينيون أنهم، ليحصلوا على ما يريدون في القدس والحدود ـ عاصمة في الأحياء العربية في القدس الشرقية للدولة الفلسطينية وحدوداً مرتكزة على خطوط 1967 مع تعديلات ومقايضات للأرض ـ فإن عليهم أن يوافقوا على هذا، حتى على مستوى من المبادئ، الذي يتطلب من كلا الطرفين أخذ التاريخ والأساطير بعين الاعتبار. على كل أن يواجه رواياته الأساسية وأن يستعد للتسوية على ما قالوا عنه تاريخياً أنهم لا يستطيعون التسوية بشأنه أي القدس واللاجئين للفلسطينيين. قد يكون هذا أكبر من قدرات كلا القائدين. وإذا كان الأمر كذلك فقد يكون هناك تراجع في الأهداف لاتفاقية مبدئية على الحدود للدولة الفلسطينية في مقابل عملية متفق عليها لمقابلة المخاوف الأمنية الإسرائيلية أو حتى انسحاب إسرائيلي جزئي في مقابل مقاربة عملية ومعلنة في موضوع الأمن.

بغض النظر عن الهدف، حتى ولو كان اتفاقية في القضايا الجوهرية في المبدأ أو اتفاقية أقل حول الأرض والأمن وعملية مستمرة في المفاوضات، كلا القائدين ينبغي أن يشعرا بأنهما مخولين للقيام بقفزة. على الصعيد النفسي والسياسي، سيكون من الصعب بالنسبة لهم القيام بذلك إذا لم يستطيعا منح شعبيهما سبباً لإلقاء نظرة ثانية على صنع السلام. وكلما آمن الشعبان الإسرائيلي والفلسطيني ثانية بصنع السلام، كلما سيشعر القائدان بأنهما يستطيعان القيام بتنازلات وحمل شعبيهما على القبول بها.

إن الطريقة الوحيدة لحمل الشعبين على إلقاء نظرة ثانية على صنع السلام هو بالنسبة لكل جانب اتخاذ خطوات ممكنة سياسياً في سياقهم الداخلي الخاص ومايزال ذو مغزى للجانب الآخر. على سبيل المثال، فبالرغم من أن تفكيك البنية التحتية للإرهاب هو وراء قدرة وإرادة السلطة الفلسطينية في هذه المرحلة، فإن بإمكانها أن تطلق حملة عامة ممنهجة ضد التحريض على إسرائيلي في الإعلام الفلسطيني، والمدارس والمساجد. من جهتهم لن يستطيع الإسرائيليون إزالة نقاط التفتيش، ولكن بإمكانهم تسهيل الحركة عبرها فقط بفتح كل المعابر عند كل نقطة تفتيش. على نحو مشابه، فإن بإمكانهم كذلك تجميد نشاط الاستيطان في المستوطنات المتاخمة للمدن الفلسطينية، والمحافظات، والقرى. إن كلاً من هذه التحركات ستتم رؤيته من قبل الشعب الفلسطيني، الذي سيعرف أن شيئاً كان آخذاً في التغير، وأن المفاوضات كانت ذات تأثير بعد كل شيء. إن هذه الوسائل المتاحة سياسياً يمكن توظيفها هذا العام لتغيير نفسية كلا الشعبين. إنهم يمثلون نقاط بدء هامة، ولكن ينبغي مواجهة الأمن كذلك. فبدون شيء عملي يحدث في موضوع الأمن، سيكون من الصعب التفاوض على اتفاقية على مستوى الأوليات. ارفع توقعاتك كثيراً ولن يحدث أي شيء. بدلاً من ذلك، فإن عملية ينبغي أن تبدأ في موضوع الأمن. لماذا لا يتم حمل الجيش الإسرائيلي والقوات الأمنية الفلسطينية على إعادة تأسيس مجموعة عمل مشتركة في موضوع الأمن؟ كل المساعي المشتركة في موضوع الأمن توقفت في 2001 بينما كانت الانتفاضة تتحول إلى حرب. لقد شعر الجيش الإسرائيلي، والذي قبل الكثير من ضباطه بعملية أوسلو وعملوا مع قوات الأمن الفلسطينية في حينها، شعروا بالخيانة من قبل الانتفاضة ولا يصدقون أنهم سيلتزمون بمبادئهم الأمنية. هم كذلك، ينبغي أن يروا أن القوات الأمنية الفلسطينية تعلن الشعارات وحسب عن الأمن بل ستتصرف كذلك وفق التزاماتها. إن البدء بفريق مشترك تكون مهمته نشر خطة أمنية وحملهم كذلك على الاتفاق على خطوات تطبيقها. إذا لم ينجح ذلك، فلن يكون هناك اتفاقيات، وإذا ما نجح فإن رهان الجيش الإسرائيلي وإيمانه بصنع السلام سيتجدد.

إن كلا هذه الخطوات أو الوسائل العملية، بإمكانها أن تدعم عملية التفاوض على القضايا الجوهرية ويخول القادة بشكل فعال للقيام بتسويات. وسواء كان التوجه نحو الهدف الأكثر طموحاً بالتوصل إلى إطار اتفاقية أو الهدف الأقل طموحاً بالاتفاقية الجزئية مع استمرار التفاوضات، فإن هذه الوسائل ستجعل التقدم ممكناً وتقدم مساهمة للسلام الإسرائيلي ـ الفلسطيني.

ـ ربط الأهداف والوسائل:

في النهاية، فإن فن الحكم هو حول وضع أهداف واقعية ومعرفة كيفية استخدام الوسائل وأشكال القوة المختلفة لتغيير التصرفات. في عامها الأخير من الواضح أن الإدارة الحالية تريد ترك إرث أكثر استحساناً في قضايا العراق، وإيران، والصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني. للقيام بذلك، عليها توضيح أهدافها وجعلها أكثر واقعية. فيما إذا نجحت أخيراً في الربط بين الوسائل والأهداف في هذه القضايا، فإن الإدارة التالية سترث مجموعة أقل إرهاقاً من التحديات في الشرق الأوسط. يتطلب فن الحكم تفكيراً واضحاً لا أمانيّ. لقد متعت الإدارة الحالية نفسها كثيراً بما تريد أن يكون عليه الوضع. إلا أن الإدارة التالية لن يكون لديها الترف نفسه.

-----------------

نشرنا لهذه المقالات لا يعني أنها تعبر عن وجهة نظر المركز كلياً أو جزئياً

 

  السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ