ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 22/11/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


كيف لا ندحر القاعدة

الستاندرد الأسبوعية

تشرين أول 2009

فريدريك. دبليو. كاجان*

كيمبرلي كاجان

ترجمة : قسم الترجمة في مركز الشرق العربي

لقد أعلن الرئيس أوباما عن عزمه على إعادة النظر للاستراتيجية الأمريكية في أفغانستان من المبادئ الأولى قبل أن يقرر ما إذا كان سيقبل باستراتيجية الجنرال ستانلي المقترحة وطلبه المزيد من القوات. إن إعادة النظر هذه تعلق القرار. فإذا ما امتد التأجيل لفترة أطول، فإنه سيدفع القادة العسكريين إما إلى الإسراع بإعادة انتشار بطريقة تزيد الضغط على الجنود وعائلاتهم أو خسارة الفرصة للتأثير على معسكر الربيع.

إن إصرار الرئيس على التأكد من سياسته قبل الالتزام بإرسال الـ40.000 جندي أو نحو ذلك المطلوبين وفق خطة معسكر الجنرال ماك كريستال هو رغم ذلك، مفهوم. فالصراع في أفغانستان معقد، وإن من المهم أن نفهم ما الذي نحاول فعله.

في قلب التعقيد سؤال بسيط بشكل مخادع. فإذا ما كانت الولايات المتحدة تقاتل منظمة إرهابية /القاعدة/ فلماذا ينبغي علينا أن ندير حملة لمواجهة التمرد في أفغانستان ضد جماعتين /Quetta shura Taliban/ الكويتا شورى طالبان، وشبكة الحقاني.. الذين ليس لهم لا الهدف ولا القدرة لمهاجمة الولايات المتحدة خارج أفغانستان؟ ألا يتوجب علينا أن نقاتل منظمة إرهابية باستراتيجية مضادة للإرهاب، والتي تعرف عادة بالاعتماد على الأسلحة الدقيقة الطويلة المدى وغارات القوات الخاصة لاغتيال زعماء الإرهابيين؟ لماذا ينبغي أن يتم جرنا إلى السياسات والفساد الوظيفي الاجتماعي لخامس أفقر دولة في العالم؟ طبعاً، فإن بعض المحيطين بالرئيس أوباما يبدو أنهم يجادلون بأنه قد يكون أكثر منطقية أن نحصر عملياتنا بشكل ضيق بالهدف الذي نهتم له بصورة أكبر: هزيمة الإرهابيين وبالتالي منعهم من قتل الأمريكيين.

يعتمد هذا النقاش على افتراضيين أساسيين: أن القاعدة هي بشكل أساسي جماعة إرهابية وأنها منفصلة عن الجماعة الإرهابية التي تعيش بينها والتي تعمل من خلالها. دعونا ندرس هذين الافتراضين.

إن السماح لحلفاء القاعدة بالنجاح سيقوض بشكل جدي مهمة مضادة الإرهاب وسيجعل نجاح هذه المهمة غير مرجح بتاتاً. القاعدة منظمة ايديولوجية إلى درجة بعيدة وهي توضح أهدافها ووسائلها العامة بشكل مفتوح. إنها تسعى إلى استبدال الحكومات الموجودة في العالم الإسلامي، والتي تعتبرها حكومات مارقة، بحكومات مرتكزة على تفسيراتها الخاصة للقرآن وللتعاليم الإسلامية. إنها تعتمد على قراءة لبعض التعاليم الإسلامية المبكرة لتبرير حقها في إعلان ارتداد المسلمين إذا لم يتصرفوا وفق تفسيرهم الخاص للإسلام وقتلهم إذا ما اقتضت الضرورة.

إن هذه القراءة هي في الواقع مطابقة لاعتقاد تطور في السنوات الأولى للإسلام بعد محمد (صلى الله عليه وسلم)، والتي رفضها غالبية المسلمين سريعاً باعتبارها ضلالاً، (حركة الخوارج)، وقد بقيت مضللة بالنسبة للأكثرية الغالبة من المسلمين اليوم. إن قضية المشروعية الدينية لقتل المسلمين تتسبب بتوترات في داخل القاعدة وبين القاعدة والمسلمين الآخرين، وأدت إلى جدل حول حكمة قتال (العدو القريب) أي الحكومات الإسلامية (المرتدة) في المنطقة، أو (العدو البعيد) أي الغرب وخصوصاً الولايات المتحدة، والتي تعتقد القاعدة أنها تقدم دعماً ضرورياً لهذه الحكومات (المارقة). لقد نتج هجوم 11/9 عن النصر المؤقت لمدرسة (العدو البعيد).

فوق كل شيء لا ترى القاعدة نفسها كمنظمة إرهابية. فهي تعرف عن نفسها بأنها طليعة الجيش بالمعنى اللينيني. وهي حركة ثورية هدفها الاستيلاء على السلطة عبر العالم الإسلامي. إنها منظمة متمردين ذات أهداف عالمية. إن استخدامها للإرهاب (والذي قد طورت له تبريرات دينية مسهبة وغامضة) هو ببساطة انعكاس لوضعها الحالي. إذا ما كانت لدى القاعدة القدرة على إدارة حرب عصابات بنجاح، فإنها سوف تفعل ذلك. إذا ما استطاعت شن حرب تقليدية، فإنها ستفعل ذلك على الأرجح. لقد وضحت فعلاً أنها ترغب في شن حرب كيميائية، وبيولوجية، ونووية عندما يكون ذلك ممكناً.

من هذه الجهة، فإن القاعدة مختلفة تماماً عن جماعات إرهابية مثل الجيش الايرلندي (آي.آر.إيه)، وإيتا، وحتى حماس. فهذه الجماعات استخدمت أو تستخدم الإرهاب في السعي وراء أهداف سياسية محصورة في منطقة محددة.. طرد البريطانيين من شمال إيرلندا، وإنشاء أرض باسك مستقلة أو ذات حكم ذاتي، وطرد إسرائيل من فلسطين. لم يسع رجال المعطف (Ulstermen) إلى تدمير بريطانيا أو السيطرة على لندن، وليس الباسك في صراع إبادة مع الإسبانيين، وحتى حماس تسعى فقط لإخراج اليهود من فلسطين، لا إبادتهم في أنحاء العالم. القاعدة بالمقابل، تسعى إلى حكم جميع المسلمين في العالم والبالغ تعداهم (1.5) بليون مسلم، والحط من غير المسلمين. بالنسبة للقاعدة، فإن الإرهاب بداية وليس غاية، وليس حتى وسيلة مفضلة. لا حاجة للقول إن الولايات المتحدة والغرب ستواجه عواقب كارثية إذا ما تمكنت القاعدة من الحصول على قدرة شن حرب بوسائل مختلفة. يتطلب دحر القاعدة ما هو أكثر من تشتيت خلايا زعمائها بحيث لا يستطيعون التخطيط وتنفيذ هجمات في الولايات المتحدة. كما يتطلب كذلك منع القاعدة من الحصول على القدرات التي تسعى إليها لشن حرب حقيقية بعد ضرباتها الإرهابية.

إن القاعدة لا تتواجد في فراغ مثل الشبح في أفلام جيمس بوند. لقد عملت دائماً بتنسيق متين مع حلفاء. لقد كان الجهاد ضد السوفييت في ثمانينات القرن العشرين هو البوتقة التي تلاحم فيها قادة القاعدة مع الشركاء الذي سيأوونهم في أفغانستان. لقد اجتمع أسامة بن لادن مع جلال الدين حقاني، والذي تقاتل شبكته الآن قوات الولايات المتحدة الأمريكية في أفغانستان الشرقية، عندما كان كلاهما يستحث الدعم في السعودية العربية للمجاهدين في عقد الثمانينات. ثم قاما بعد ذلك بقتال السوفييت سوية. وعندما انسحب الجيش السوفييتي في عام 1989 (والذي كسب بن لادن عليه عرفاناً لا فضل له فيه)، استولى حقاني على مدينة خوست الأفغانية وأنشأ سيطرته على الأقاليم المحيطة لخوست، وباتيكا، وباكتيكا، احتفظ حقاني كذلك بالقاعدة في باكستان.. قرب ميران شاه شمال وزيرستان، والتي قاتل السوفييت منها. وقد أسس مدرسة هناك أصبحت خاملة لتعليمها الشباب في خيام الميليشيات الإسلاموية. سيطر حقاني على باكتيا الكبرى، كما يطلق على الأقاليم الثلاثة، ودعا ابن لادن لإنشاء قواعد هناك في عقد التسعينات ليدرب فيها كوادره الخاصة. وعندما انتظم عقد الطالبان تحت قيادة الملا محمد عمر في أواسط التسعينات (مع قدر كبير من المساعدة الباكستانية)، تحازب حقاني مع هذه الجماعة، والتي اشتركت في رؤيته الايديولوجية والدينية وبدا من المرجح أنها ستسيطر على أفغانستان. لقد أصبح وزيراً في حكومة الطالبان، والتي رحبت وسهلت لاستمرار وجود ابن لادن ومخيمات تدريبه.

لم يكن ابن لادن والقاعدة ليعملوا كما فعلوا في عقود التسعينات دون الدعم الفعلي للملا عمر وحقاني. لقد قدم الطالبان ومقاتلو حقاني الحماية لابن لادن، وأطعموه وجنوده، وسهلوا حركة القاعدة ومقاتليها، والمتطوعين الجدد. لقد زودوه كذلك بشبكة اجتماعية دينية بشرية عززت لعودة ابن لادن وفريقه ولامتدادهم المنظماتي.

لقد كانت الثورة الإسلاموية دائماً نشاطاً لجماعات عششت داخل مجتمعات، ولم تكن حزمة أفراد معزولين. وكما اكتشف المحققون الأمريكيون سريعاً في العراق، فإن الطريقة الأسرع لحمل مقاتل قاعدة أسير على الحديث كانت بعزله عن أقرانه. بالمقابل، تقاسم ابن لادن ثروته مع الطالبان، وأرسل مقاتليه بعد ذلك إلى المعركة للدفاع عن نظام الطالبان ضد هجوم التحالف الشمالي الذي تساعده الولايات المتحدة بعد 11/9. لقد كانت العلاقة التي تطورت ما بين ابن لادن والملا عمر عميقة وقوية. ذلك يساعد في تفسير سبب رفض الملا عمر طرد ابن لادن بعد 11/9 رفضاً قطعياً، حتى بعد أن عرف أن عدم فعله ذلك قد يؤدي إلى تدمير دولة طالبان.. كما حصل فعلاً. بالمقابل كان ابن لادن يلقب الملا عمر بـ(أمير المؤمنين) وهو لقب ديني استخدمته الطالبان لإكساب الشرعية لنشاطاتها ولدولة الظل التابعة لها. وقد بقي التحالف ما بين القاعدة والحقانيين (الذين يقودهم الآن سراج الدين، خليفة والده المعمر والمريض، جلال الدين)، قوياً. ماتزال شبكة حقاني تدعي منطقة باتيكا الكبرى، وتستطيع التخطيط لهجمات في كابل، ويبدو أنها تسهل أنواعاً من الهجمات المدوية في أفغانستان تحمل علامة القاعدة، تدريباً وتقنية. لا يوجد أي سبب كائناً ما كان، للاعتقاد بأن الملا عمر أو أسرة الحقاني.. والذين تبقى رؤاهم الدينية والسياسية متقاربة في صف واحد مع القاعدة.. لن تقدم ضيافة متجددة لصديقهم وحليفهم لعشرين عاماً، ابن لادن.

إن الملا عمر وأسرة الحقانيين ليسوا هم من يستضيفون القاعدة اليوم، برغم ذلك، فإنه وبما أن تواجد قوات الولايات المتحدة والناتو في أفغانستان قد جعل هذه الدولة خطيرة للغاية على ابن لادن ورجاله، فإنهم يستقرون الآن بمعظمهم في الطرف الآخر من خط ديوراند، بين خليط من المتمردين المعادين للحكومة والجماعات الإرهابية التي تعيش في مناطق قبلية تدار فيدرالياً وفي إقليم الجبهة الشمالية الغربية من باكستان. هذه الجماعات.. وهي تتضمن حركة طالبان باكستان، والتي كان يقودها (بيت الله محسود) حتى اغتياله مؤخراً في غارة، (ثبت أنه ما زال حيا وظهر على شاشات الفضاء – قسم الترجمة ) وحركة نفاذ الشريعة المحمدية، ومعسكر طيبة، ويستمر الملا عمر في تقديم المساعدة، إضافة إلى ذلك، بالتدخل في خلافات بين الجماعات الباكستانية الأكثر مشاكسة ليحاول إبقاء التماسك فيما بين الحركة. لقد نسقت جميع هذه الجماعات نشاطاتها، إضافة إلى ذلك، وكان لمهاجميها أصوات في داخل مجلس بيشاور للشورى. إنهم ليسوا جماعات معزولة، بل بالأحرى شبكة من الشبكات، تدار بتجمع سياسي واجتماعي، بطريقة البشتون، من قبل عدد من مجالس الشورى، والتي هي بارعة نظرياً في بيشاور.

كل هذا، يدفعنا للقول إن الصورة الشائعة عن قادة القاعدة وهم يهربون مثل خفافيش من كهف إلى كهف في الأراضي الوعرة في باكستان غير دقيقة. إن زعماء القاعدة ينزرقون زرقاً ودونما شك ينامون أحياناً في الكهوف ولكنهم يفعلون ذلك كضيوف من صديق إلى صديق في مناطق يحكمها حلفاؤهم. يزودهم حلفاؤهم بالمأوى والطعام والتحذير من الهجمات، مع وسائل التحرك السريع. يقدم لهم حلفاؤهم خدمات الاتصال واستخداماً لأنظمة الاتصال الأحدث لمساعدة قادة القاعدة الكبار لتجنب ترك آثار اليكترونية تستطيع قواتنا استخدامها لتعقبهم واستهدافهم. يقدم لهم حلفاؤهم وسائل لنقل المال والمصادر الاستراتيجية الأخرى، وكذلك وسائل تقاسم المعرفة الضرورة (مثل خبراء المتفجرات). يقدم لهم حلفاؤهم دعماً إعلامياً مساعدين في توصيل الرسالة للقاعدة وثم يعملون كحجرة صدى لتضخيمها عبر مصادرهم الإعلامية الخاصة.

هل تستطيع القاعدة القيام بجميع هذه الوظائف بنفسها، دون مساعدة حلفاء محليين؟ إنها تستطيع ذلك على الأرجح. في العراق، على نحو مؤكد أسست منظمة القاعدة قواعدها الإدارية واللوجستية والتدريبية والتجنيدية وقواعد دعم تحت تعليمات من حكومتها الخاصة.. حكومة العراق الإسلامية. لبعض الوقت عمل هذا النظام بشكل جيد للإرهابيين، لقد دعم حملة إرهاب مشتركة في بغداد وحولها غير مسبوقة فعلياً في اتساع نطاقها وشراستها. مع ذلك، أوجد كذلك إمكانات تعرض خطيرة للإصابة للقاعدة في العراق.

إن تأسيس هذا الاستقلال، والذي هو قاعدة تدار أجنبياً تركت صدعاً ما بين القاعدة في العراق والشعب المحلي وقادته. وطالما استمر الشعب في كونه في ثورة عصيان مفتوحة ضد الولايات المتحدة والحكومة العراقية، فإن هذا الصدع لم يكن مدمراً بشكل خطير للقاعدة. ولكن وبينما بدأ القادة المحليون بالتخلي عن عمليات التمرد، أصحبت القاعدة في العراق مكشوفة. بشكل خطير وفي النهاية، أصبح ينظر إليها كعدو من قبل نفس الشعوب التي دعمتها سابقاً.

لم يكن هناك صدع كهذا في أفغانستان قبل 11/9. فلم تحاول القاعدة أن تسيطر على أراض أو أن تدير الشعب هناك. لقد تركت كل تلك النشاطات في أيدي الملا عمر وجلال الدين حقاني. إنها ماتزال تعتمد على هذه الجماعات في وزيرستان وإقليم المنطقة الشمالية الغربية لوزيرستان للقيام بالحكم والإدارة في الوقت الذي تركز فيه على الحرب العالمية. إن تفاعل الأفغان مع القاعدة هو تفاعل ضئيل للغاية ولذلك فليس لديها سبب للإنقلاب على الجماعة. الكلام نفسه ينطبق على باكستان اليوم. إن مثابرة الحلفاء الذين يهدفون إلى الحكم والإدارة، وكذلك ببساطة التحكم بالأرض، تحرر القاعدة من مسؤوليات اليوم الثقيلة، وتساعد في حماية المنظمة من ردة الفعل الذي عانت منه في العراق. إن ذلك يقلل من قابلية المنظمة للإصابة وتعقد بشكل كبير من الجهود لهزيمتها أو تدميرها.

إن النظرية التي يقترحها البعض في البيت الأبيض والصحافة بأن حملة خارج البلاد مضادة للإرهاب قد تدمر شبكة إرهابية مثل القاعدة هي مشحونة بافتراضات ثقيلة. إن القيام بقتل الإرهابيين المهرة بالغ الصعوبة. إن أقواهم وأكثرهم خطورة يتجنبون استخدام الهواتف الخلوية، والحواسيب، والوسائل الأخرى التي تترك آثاراً اليكترونية واضحة. ويتطلب تعقبهم استغلال أخطاءهم في استخدام وسائل كهذه أو بتوظيف استخبارات بشرية عن أماكن تواجدهم من مصادر على الأرض. وعندما يعمل الإرهابيون بين سكان ودودين نسبياً، فإن الحصول على استخبارات بشرية مفيدة قد يكون صعباً بشكل كبير إذا لم يكن مستحيلاً. وكلما كان السكان أكثر وداً للإرهابيين كلما ازادات البيوت الآمنة التي قد يختبئون فيها، وكلما قل عدد الناس الذين قد يرغبون حتى بإعلام الولايات المتحدة أو تابعيها حول موقع قادة الإرهابيين، وزاد عدد الناس الذين يحتمل أن يخبروا الإرهابيين عن أي واشين أو معاقبة مر بالغ ال  المخبرين، وزاد عدد الذين يستطيعون إخفاء حركة قادة الإرهابيين ورسلهم، وهكذا..

تقوم القوات المضادة للإرهاب بأفضل عمل لها عندما يتوجب على الإرهابيين العمل بين سكان محايدين وتحت ضغط عسكري حاد، بما في ذلك من قبل جنود على الأرض. إن ضغطاً كهذا يجبر قادة الإرهابيين لكي يعتمدوا بصورة أكبر على معدات الاتصال للدفاع عن النفس وللتنسيق بجهد أكبر. وهو يقيد قدرة الإرهابيين للتجول بصورة كبيرة، ويجعل منهم هدافاً أسهل، ولتلقي وتوزيع المال، والأسلحة، والمجندين. هذا هو السيناريو الذي تطور في العراق أثناء وبعد تعزيز الجنود، وقد زاد ذلك من قابلية الإصاب بشكل كبير لدى الجماعة الإرهابية من قبل الضربات الأمريكية (والعراقية).

إن ترافق العزل والضغط لا يجعلان الزعماء الكبار أكثر تعرضاً للإصابة وحسب، ولكنه يكشف كذلك المدراء متوسطي الرتب. إن مهاجمة أشخاص مثل هؤلاء هو أمر هام لسببين: فهو يعيق قابلة المنظمة للعمل بشكل كامل، ويقضي على بعض الأشخاص الذين يترجح أن يحلوا محل قادة كبار قد قتلوا. إن مهاجمة المدراء ذوي الرتبة الوسط يقلل بشكل كبير من مدونة منظمة إرهابية، كما يقلل كذلك من فعاليتها. رغم ذلك، إن المتطلبات الاستخباراتية لهجمات كهذه هي متطلبات مثبطة. إن تعريف وتحديد موقع القيادة الرئيسية لجماعة ما شيء، وإيجاد الأشخاص الذي يجمعون التبرعات، ويوزعون المال والسلاح، ويجندون، ويديرون خلايا الـ آي إيه دي وغير ذلك، شيء آخر تماماً. إلا إذا كان لدى القوة المضادة للإرهاب فعلياً وجود ومعنى على الأرض بين الناس.

إن التحدي العملياتي الأكثر خطورة للمقاربة الخالصة المضادة للإرهاب، مع ذلك، هي للقضاء على الأشخاص السيئين بأسرع مما يمكن استبدالهم. إن عمليات القتل المنفردة لقادة كبار، منتشرة عبر شهور أو سنين، نادراً ما تحدث أذى منتظماً خطيراً لمنظماتهم. أفضل مثال معروف لذلك هو مقتل أبو مصعب الزرقاوي، مؤسس وزعيم القاعدة في العراق، في حزيران 2006، والذي أدى فحسب إلى تزايد فعالية وفتك هذه الجماعة. ويبقى أن نرى التأثير الذي سيتركه مقتل (بيت الله محسود) رغم أن من الواضح أن تواجد الجيش الباكستاني على الأرض قد يساعد تصويب التكنولوجيا العالية التي قتلته. بقدر قوة الجماعات التي كان يسيطر عليها فإن موته أحدث صراعاً قوياً بين نائبيه. سؤال واحد أساسي يتوجب على مناصري مقاربة مكافحة الأرهاب وحده، وهو: هل تستطيع الولايات المتحدة مسارعة المعدل الذي تحدد به قواتنا، وتستهدف، وتقتل زعماء كباراً ومن الرتب المتوسطة بشكل كبير؟ إن جهودنا للقيام بذلك قد فشلت حتى هذا التاريخ، رغم إلتزام مصادر مهولة بهذه المشكلة عبر ثمان سنوات على حساب تحديات أخرى. هل بإمكاننا القيام بما هو أفضل؟ إن العامل الذي يحدد معدل الإنهاك الذي نستطيع فرضه على قيادة العدو الرئيسية هو قدرتنا على إيجاد الاستخبارات الضرورية، وليس قدرتنا على وضع المعدن على الهدف. قد تكون هناك طريقة لزيادة معدل الإنهاك، إذا كان ذلك كذلك فإن مناصري هذه المقاربة لديهم إلتزام بتوضيحها. كما أن عليهم توضيح كيف أن إبعاد قوات الناتو والولايات المتحدة عن المسرح لن يجعل من جمع الاستخبارات المؤقتة أمراً أصعب حتى.. مما يبطئ بشكل فعلي من معدل الاستنزاف. إن جدلهم مضاد للبصيرة في أحسن أحواله.

إن الانهماك في استراتيجية مضادة للتمرد ضد جماعات الطالبان وحقاني، والتي هي، استخدام القوات الأمريكية لحماية السكان منهم في الوقت الذي نبني فيه مقدرات الجيش الأمريكي.. يبدو للوهلة الأولى مقاربة غير مباشرة لدحر القاعدة. فمن حيث المبدأ فلا الطالبان ولا شبكة حقاني تشكلان خطراً حثيثاً على الولايات المتحدة. لماذا إذن ينبغي علينا أن نقاتلهم؟

يتوجب علينا أن نقاتلهم لأنهم عملياً مرتبطون مع القاعدة تكميلياً. إن السماح للطالبان ولشبكة حقاني بتوسيع مناطق سيطرتهم وتأثيرهم سيقدم فرصاً جديدة للقاعدة والتي يبدو أن قادتها مصرون على استغلالها. كما أنه سيخفف الضغط على القاعدة، مما يمنح ناشطيها مجالاً أكبر لحماية أنفسهم في الوقت الذي يعملون فيه على استعراض قوتهم وتأثيرهم حول العالم. كما أنها ستقلل من كمية الاستخبارات القابلة للاستخدام والتي سيكون بمقدورنا توقع تلقيها، مما يقلل بالتالي من المعدل الذي قد نستهدف به قادة مهمين. إن السماح لقادة القاعدة بالنجاح سيقوض بشكل خطير من مهمة مكافحة الإرهاب وستجعل من نجاح هذه المهمة أمراً غير محتمل إلى درجة بعيدة.

ــــــــــ

*فريدريك. دبليو. كاجان: باحث مقيم في معهد الانتربرايز الأمريكي وهو رئيس (معهد دراسة الحرب).

-----------------

نشرنا لهذه المقالات لا يعني أنها تعبر عن وجهة نظر المركز كلياً أو جزئياً

 

  السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ