ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
أبو
صفوح ذو الوجه الصبوح الشيخ
محمد الحجار الشيخ كمال خطيب* ما من زائر لطيبة الطيبة ، مدينة
رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
ولما يكتب الله له الدخول الى
المسجد النبوي الشريف وزيارة
قبر رسول الله صلى الله عليه
وسلم وصاحبه ابي بكر وعمر عليهم
السلام ، فإنه ومع كثرة ما يراه
من حلقات العلم والذكر التي تعج
بها جنبات المسجد وزواياه ، ومع
ما يراه ويلقاه من أهل الفضل
والصالحين الذين تطفح وجوههم
بملامح البشر والتقوى ولا سيما
الصلاح ، إلا أن زاوية تقع في
المنطقة الوسطى من الجهة
الغربية للبناء القديم تتميز عن
غيرها من زوايا المسجد وجنباته. انهم مثل الفراشات الجميلة تحوم
حول زهرة ،وانهم مثل الكواكب
الدرية تدور في فلك قمر منير ،
بين مستمع وبين سائل وبين زائر
وبين من لا شغل له سوى النظر الى
ذلك الوجه الصبوح ، انه وجه إبي
صفوح وانهم تلاميذه ومحبوه. انه العالم الجليل العابد الزاهد
الشيخ محمد محمود الحجار ، ابن
مدينة حلب الشهباء في سوريا . في رحلة العمرة الأخيرة لي والتي
كانت نهاية شهر تموز من العام
الماضي جاءني أحد الأخوة ممن
أكرمهم الله بتلك الزيارة ،
ولفت انتباهي الى تلك الزاوية
من جنبات مسجد رسول الله صلى
الله عليه وسلم وقد قاده حظه
السعيد الى أن يجلس متحلقاً مع
من جلسوا حول رجل فاضل يشع وجهه
نوراً وتفيض من بين شفتيه الدرر
من فيوض العلم يعلم بها الناس ،
وكان أحد الشبان ممن حول الشيخ
الفاضل قد عرفه بأن هذا الشيخ هو
من مشاهير علماء الشام واسمه
محمد الحجار وأنه يسكن المدينة
المنورة منذ مطلع ثمانينات
القرن الماضي 1980، وان كثرة من
يأتون لزيارة هذا الشيخ الفاضل
تشير الى علو شأنه ، فما من قادم
من سوريا عموما ومن مدينة حلب
خصوصا الى المدينة المنورة الا
ويزور هذا الشيخ الرباني
النوراني وتشرّف بمصافحته
وتقبيل يديه ، ويطلب منه الدعاء
له . وكان نصيب أخي في الله الذي
أخبرني خبر الرجل ،انه وبعد ان
سلم عليه وعرفه انه من أهل
فلسطين من أكناف المسجد الأقصى
المبارك ، فكان أن أهداه كتابه
الذي هو تحقيق لكتاب " بستان
العارفين" للإمام النووي ،
وفي اليوم التالي رجع الأخ الى
تلك البقعة المباركة من المسجد
المبارك ومعه زجاجة من زيت
الزيتون وعلبة فيها الزعتر
قدمها هدية للشيخ الفاضل ، وكم
كانت فرحته بأن هذا الزيت من
شجرة الزيتون المباركة من الأرض
المباركة من أكناف القدس الشريف
. وللتأكيد على أن الرجل الصالح
النوراني "أبو صفوح" من أهل
التقوى والورع وأنه مستجاب
الدعوة كما عرفه وعرف عنه الناس
، فأن أخانا الذي اهداه الزيت
والزعتر قد حدث عنه بعدما رجع من
العمرة أخا آخر كتب الله له أن
يذهب للعمرة في رمضان الأخير . يحدث هذا الأخ فيقول : اقتربت من
الزاوية التي يجلس فيها ذلك
الشيخ ومع انني لم أره من قبل
ولم أعرفه ، الا انني لم أجد
صعوبة في الجزم والحزم بأنه هو
المقصود لما عليه من مظاهر
الهيبة ومعاني الوقار لاسيما
الصلاح ونورانية الوجه ، انه
ابو صفوح ذي الوجه الصبوح . وبعد السلام ولكنها قلة الكلام
من الشيخ لأنه كبير السن ، الا
ان الأخ الحَّ عليه وطلب منه
الدعاء لولده بالهداية وان يشرح
الله صدره للطاعة والعبادة ،
حيث كان ما يزال مقصراً فيها ،
أما الشيخ فرفع يديه مستقبلا
القبلة ودعا بما ألهمه الله من
الدعاء . يقول هذا الأخ الفاضل :فوالله ثم
والله لما رجعت من العمرة ، فما
مرت أيام الا وابني الذي دعا له
الشيخ يقول لأمه انني سأبيت
الليلة خارج البيت ولن أرجع إلا
في الصباح ، أما والدته فقالت له
غاضبة: ولماذا وأين ستذهب وكيف
ستبيت خارج البيت ، وأخبرت
والده الذي وقبل ان يغضب ويتصرف
بحزم ضد هذا الأبن فإن
الابتسامة جاءت من فم الأبن
الذي قال لأمه وأبيه أنه سيذهب
هذه الليلة في حافلة مسيرة
البيارق مع الشبان الذين يذهبون
كل ليلة جمعة لصلاة الفجر في
المسجد الأقصى المبارك لكون هذه
أول صلاة له في المسجد الأقصى
المبارك ، وهكذا كان والحمد لله
، فقد شرح الله صدره للطاعة
والهداية ، وإنني أجزم ان هذه
كانت استجابة لدعاء صاحب الوجه
الصبوح" ابو صفوح" الرجل
الصالح مستجاب الدعوة ،إذ ان
النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (
ان من الناس من لو أقسم على الله
لأبره) أي لاستجاب له ، وكذلك
وبلا شك دعوات الوالد الصالح
بأذن الله . ولعل سائلا يسأل : ولماذا اكتب عن
هذا الرجل النوراني ، لا بل
والله اني كتبت هذه الكلمات
وهذه المقالة بعد منتصف ليلة
الخميس 1-2-2007 لما وقعت بين يدي
صباح الاربعاء تلك الصحيفة التي
تصدر في لندن ، فأستوقفني فيها
نص بعنوان " إنّا لله وإنا
إليه راجعون " وقد كتب تحته
التالي: (توفي قبيل فجر يوم الخميس 6 -
محرّم - 1428وفق 25/1/2007 العالم
العامل العابد الزاهد فضيلة
الشيخ محمد الحجار رحمه الله
تعالى عن عمر يناهز التسعين
عاماً في المدينة المنوّرة، وهو
زوج الشقيقة الكبرى للأخ
الأستاذ علي صدر الدين
البيانوني - المراقب العام
لجماعة الإخوان المسلمين في
سوريا، وقد تمت الصلاة عليه في
المسجد النبوي بعد صلاة ظهر يوم
الخميس، حيث شُيّع الى مثواه
الأخير في جنّة البقيع. ولقد كان رحمه الله تعالى
أنموذجاً نادراً في العلم
والعمل والعبادة والزهد والصبر
والدعوة والوفاء. عرضوا عليه مرّات عديدة العودة
الى سوريا معززاً مكرّماً إلا
أنه أصرّ ألا يعود في ظل نظام
الاستبداد والفساد. استشهد ولده الكبير صَفوح على
أيدي عصابات القتل والإجرام
في عهد ا حافظ الأسد عام 1980واعتقل
ولداه الآخران أسامة ويمان في
العام نفسه، وانقطعت آثارهما
كحال آلاف المفقودين في السجون
السورية، وكان الشيخ رحمه الله
تعالى مثلاً رائعاً في الصبر
والاحتساب والوفاء والأمل،
نسأل الله سبحانه وتعالى أن
يسكنه فسيح جناته ويخلفنا فيه
خيراً ويرزق آله الصبر والسلوان). فهل عرفتم الآن من يكون هذا الرجل
الفاضل، ولماذا هو من حلب بينما
كان نزيل المدينة المنوّرة على
ساكنها أفضل الصلاة والسلام،
إنه الفرار بدينه من ظلم
البعثيين في سوريا، الذين
أعلنوها حرباً على الإسلام في
سبعينات وثمانينات القرن
الماضي، وقد قتل ابن الشيخ
وفَقَد ابنين آخرين لم يُعرف
الى الآن مصيرهما. وإنه لعلوّ فضله ومكانته وحبّ
الناس له في سوريا عموماً وفي
حلب الشهباء خصوصاً، وبعد بعض
الخطوات قام بها النظام في
سوريا لمحاولة تصحيح أخطائه
وجرائمه، فقد عرضوا عليه
وأرسلوا من يقنعه أنه بإمكانه
العودة الى سوريا معزّزاً
مكرّماً، تماماً مثلما فعلوا مع
الشيخ الفاضل عالم الشام الأول -
الشيخ المرحوم عبد الفتاح أبي
غدة في حياته، وحتى بعد مماته،
فقد بعث الرئيس الأسد طائرة
لنقله ليدفن في سوريا، إلا أنّ
أهله رفضوا وأصرّوا على أن
يُدفن في المدينة المنوّرة،
وهكذا الشيخ الفاضل محمد
الحجار، فقد رفض العودة في ظل
نظام الاستبداد والفساد، ومات
ودفن في مدينة رسول الله صلى
الله عليه وسلم. وهل عرفتم لماذا أسميته أنا أبو
صفوح ذو الوجه الصبوح، فلأن
ولده الأكبر كان اسمه صفوح، وهو
من الصفح والتسامح والعفو،
وكذلك كانت صفات الشيخ رحمه
الله أبو صفوح، إنه اسم على
مسمّى. أبو صفوح ذلك الوجه الصبوح رحمه
الله، له من المناقب والمزايا
وخلال الخير الكثير، وإن كان من
عظيم شأنه ما ورّثه من كتب منها
كتاب "الصحوة القريبة"،
وتحقيقه لكتاب "بستان
العارفين" للإمام النووي،
وكتاب "سمير المؤمنين" هذا
الكتاب الذي زاده شرفاً على
شرفه أنّ كاتب مقدمته علاّمة
الهند - المرحوم الشيخ أبو الحسن
الندوي، الذي قال في بعض مقدمته:(
أما بعد، فقد اطلعت على كتاب
سمير المؤمنين لفضيلة الشيخ
محمد الحجار، من علماء حلب،
وأنا في مدينة الرسول صلى الله
عليه وسلم، وأجّلت النظر في
محتوياته، فوجدت أنّ الإسم قد
طابق المسمى، والكتاب كحديقة
زاهية متنوعة الأزهار
والرياحين، ينتقل الإنسان فيها
من جميل الى أجمل، ومن مفيد ممتع
الى مفيد أمتع، فلا يسأم ولا
يملّ، وهذا شأن السمير النافع
الحاذق...). أما كتابه بستان العارفين للإمام
النووي فقد حققه وشرحه شيخنا
المرحوم تحقيقاً علميا رائعا،
وختم مقدمته بقوله، ولله درّ
القائل: كرِّر عليّ حديثهم يا حادي
فحديثهم يجلو الفؤاد
الصادي وكيف لا يجلو الفؤاد الصادي
حديثُ الصالحين والأتقياء
أمثال الإمام النووي، صاحب كتاب
بستان العارفين، الذي ألّف
عشرات الكتب، ولعلّ أشهرها،
والذي لا أظنّ بيتاً من بيوت
المسلمين يخلو منه وهو كتاب "رياض
الصالحين"، أقول ألّف عشرات
الكتب، رغم أنّه مات وهو ابن خمس
وأربعين سنة بعد أن رجع من زيارة
الى بيت المقدس ودفن في بلدته
"نوى" في منطقة حوران من
أرض الشام، وهو الذي حفظ القرآن
الكريم كله قبل أن يناهز
العاشرة من عمره. ولنعود الى صاحب الوجه الصبوح
أبي صفوح الذي قال فيه شاعر
المدينة المنوّرة - الأستاذ
ضياء الدين الصابوني: لله درّك يا حجّـار
مـن عَلَـم
يهوى المعالي ولا يرضى بها
بدلاً يا خـادم العلم
أبقـاك الإله لنا
حصناً حصيناً مدى الأيـام
مكتملا هذي جهودك لا تخفى على أحدٍ
أصبحت حقاً لطـلاب الهدى
مثلاً نزلت في طيبة الزهراء في رغدٍ
فحبّـذا منـزلاً
وحبّ مـن نزلا إنني أعترف بأنّني لا أجيد
المديح ولا الرثاء، وإنني
بكلماتي هذه ما أردت رثاء ذلك
الرجل الرباني النوراني، فما
مثله يُرثى ولا يُبكى، وهو من
أهل الفضل والصلاح، وصاحب الزاد
الكثير إن شاء الله، ولكنني
أقرّ وأعترف بشعوري بدافع كان
يدفعني لأكتب عن هذا الرجل
وفيه، وهذا ما كان مني في الساعة
الواحدة إلا خمس دقائق بعد
منتصف ليلة أمس الخميس 1/2/2006. ولعلّ تفسيري لذلك الدافع ليس
إلا شعوري بمقدار الخسارة
الكبيرة التي خسرتها لما أنّني
حُدّثت من أخي الذي جالسه، ولقد
أتيته ذلك اليوم لأنال حظّي من
مجالسة ذلك الرجل الصالح،
فمنعني ما رأيت حوله من ازدحام
طلاب العلم، فقلت ارجع مرة
ثانية، ولكنها الظروف
والمقادير حالت دون ذلك، ولعله
طمعي في أن أنفرد به وعلى الأقل
مع قليل من الناس، ولكن وكما قال
المثل (الطمع ضرّ ما نفع)، وشعرت
بعظم مصابي وخسارتي لما عرفت
مكانة الرجل عند ربه سبحانه بعد
أن قصّ علي الأخ الآخر قصته مع
ابنه، فقلت في نفسي: كلهم ربحوا
وفازوا إلا أنا، فلا حول ولا قوة
إلا بالله. فاللهم ربّنا إن كنّا حُرمنا
مجالسة ومصافحة الرجل الصالح ذي
الوجه الصبوح أبي صفوح في
الدنيا وفي مسجد رسول الله صلى
الله عليه وسلم ، فنسألك اللهم
أن تعوضنا بدلاً منها مجالسته
ومصافحته على حوض رسول الله صلى
الله عليه وسلم يوم القيامة. اللهم لعلنا لسنا في مقام وصلاح
أبي صفوح، اللهم فاجعل عزاءنا
أنّنا نحب الصالحين وإن كنّا
لسنا منهم: أحبّ الصالحين ولست منهم
لعلّي أن أنال بهم شفاعة فارحم يا ربّنا نزيل المدينة
المنورة أبي صفوح، وأنلنا يا رب
ّشفاعة صاحب القبر تحت القبّة
الخضراء سيدنا محمد صلى الله
عليه وسلم. يا بارئ الكـون في عـزّ وتمكين
وكل أمر جرى بالكاف
والنـون يا من لطفـت بحالـي قبل تكويني
لا تجعل النار يوم الحشر
تكويني ياربّ إن ذنوبي في الورى عظمت
وليس لي عمل في الحشر ينجيني فلقد أتيتـك بالتوحيـد يصحبــه
حُبّ النبي وذاك
القدر يكفينـي رحم الله قارئا دعا لنفسه.. ولي..
ولصاحب الوجه الصبوح أبي صفوح
بالمغفرة. (والله غالب على أمره ولكنّ أكثر
النّاس لا يعلمون) ------------------- *نائب
رئيس الحركة الإسلامية 03/02/2007
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |