ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 04/10/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

رجال الشرق

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


صفحات من حياة الشيخ

(أبو الأمين) محمود عبد الرؤوف القاسم

كتبه: عدنان الصوص

    عرف الشيخ (ابو الأمين) محمود عبدالرؤوف القاسم، الجبل، الفذ، المجدد، العالم النحرير بنفس زكية مِلْؤها الحرص على دين الله تعالى– نحسبه كذلك -. يقول الله تعالى :{إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً ولم يك من المشركين}. ويقول عليه الصلاة والسلام: "العلماء هم ورثة الأنبياء، فإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، ولكن ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر".

 

مولده ونبذة عن حياته:

الشيخ المجدد محمود عبد الرؤوف القاسم، سوري الجنسية، ولد في عام 1927م، في قرية (طفس) في منطقة درعا، وأصله من إحدى قرى نابلس في فلسطين، وأخواله من الأكراد، عايش منذ صغره نشأة الحركة الشيوعية في الشام. وقد حصل على الترتيب الأول في دراسته الاعدادية قديما، الثانوية حديثا على مستوى القطر السوري. درس الفيزياء في فرنسا مما أتاح له التجول في أوروبا بشقيها. وبعد عودته من فرنسا ذهب في إعارة للعمل في الكونغو مدرساً قبل أن يعود إلى الشام.

 وكانت تربطه علاقة قوية بكثير من العلماء والادباء والدعاة، على رأسهم علامة دمشق الشيخ بهجت البيطار، ومجدد علم الحديث فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، حيث كان يزوره كثيرا في المكتبة الظاهرية،  والشيخ نسيب الرفاعي، والشيخ على الطنطاوي والدكتور عمر الحكيم، رحمهم الله جميعا.

  وبسبب حملة التصفيات التي قام بها النظام البعثي للاسلام  والإسلاميين هرب إلى الأردن عبر لبنان، ثم صدر في حقه حكم الإعدام غيابيا من قبل النظام الاشتراكي في سوريا، بحجة المؤامرة على النظام.

كان الشيخ أبو الأمين رحمه الله نموذجا حيا يعيش بيننا لكثير من الشخصيات التي نسمع عنها في التاريخ، فقد عاش وحيدا في الأردن، حيث لم يكتب له الزواج طيلة حياته، واستمرت هذه الوحدة معه حتى وفاته، وكان يعتمد فيها على نفسه في أمور حياته الخاصة فكان عصامياً من الطراز الأول في تعليم نفسه وتثقيفها وتدبير أمورها.

 وقد شاهد بعينه التسهيلات التي قدمتها في بلده طلائع الحركة الشيوعية ومنهم أخواله للشيوعيين اليهود، حيث كانوا ينزلون ضيوفا في بيوتهم لنشر الأفكار الماركسية ويتسترون عليهم لحين ترتيب أمور نقلهم وهجرتهم إلى فلسطين.

 

عقيدته ودعوته

كان الأمين (أبو الأمين) محمود عبد الرؤوف القاسم، رحمة الله تعالى عليه، متمسكا وداعيا الى الكتاب والسنة، على فهم الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، لاختيارهم من الله تعالى لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، فكانوا أعمق الناس فهما لمقاصد الشريعة واحكامها. وقد كانت دعوته رحمه الله تعالى منطلقة من الأصول العلمية للدعوة السلفية وهي:

التوحيد

 ويشمل: توحيد الالوهية وتوحيد الربوبية وتوحيد الاسماء والصفات، وذلك تحقيقا لشطر كلمة التوحيد الاول: (أشهد أن لا إله إلا الله)، وتجنب ما يضادها من الشرك.

الاتباع

وهو: إفراد الرسول صلى الله عليه وسلم بالاتباع، وذلك تحقيقاً لقوله‏:‏ ‏"‏أشهد أن محمداً رسول الله‏" ‏‏ وتجنب ما يضادها من البدع والمحدثات في الدين

التزكية

 وهي تطهير النفس، وتنقيتها من القبائح؛ فالنفس الزكية‏:‏ هي الطيبة الطاهرة البعيدة عن كل ما يدنس النفوس من كذب وغش وحقد وحسد وظلم وغيره‏.‏

 

منهجه في التغيير:

قام منهج الشيخ الأمين (ابو الأمين) في التغيير على فكرة نبذ صنمية الحاكم والتمحور حولها والانشغال بتغييره لاستئناف الحياة الإسلامية، بل طالما سمعت منه عبارته المشهورة في ذلك: "الانشغال بالحاكم مرض زوال الأمم" وكان يقول: "أيما أمة انشغلت بحكامها زالت من الوجود" وكان رحمه الله يربط بين هذا المرض وقوى الظلام والشر التي تتربص بالامة الإسلامية. وقد انطلقت رؤيته رحمه الله في التغيير من الكتاب والسنة وفهم الصحابة رضوان الله عليهم ومن تبعهم باحسان الى يوم الدين، وذلك بالتركيز على إصلاح الفرد المسلم، والأسرة المسلمة باعتبارها اللبنة الأساسية لضمان صلاح المجتمع، انطلاقا من قوله تعالى: )إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ(، ـ حيث كانت هذه الآية الكريمة معلقة في مجلس الضيوف في بيته ـ، وقوله تعالى: )وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ( [النور:55].

وقوله تعالى: )وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ [الأعراف:96].

 

كيفية تغيير ما بالنفس:

ولكي يتحقق التغيير المنشود لما في النفس البشرية، كان الامين (ابو الأمين) رحمه الله يرى ضرورة تحقيق ما يلي:

1-              التربية: وتشمل بناء العقيدة الاسلامية، وتعلم أحكام الشريعة.

2-              التصفية: وتشمل تصفية الإسلام عقيدة وشريعة.

3-               التزكية: وتشمل صقل النفس بالاخلاق الحميدة وعلى رأسها الصدق والامانة، وتجنب الصفات الذميمة وخاصة صفات المنافقين.

4-               فهم الواقع: وقد خصه رحمه الله تعالى بالعناية للحاجة الماسة إليه ويشمل معرفة الواقع معرفة صحيحة بعيدا عن أساليب التضليل الاعلامي المقصود، الذي يقلب الحقائق ويجعل من المسلمين غثاء كغثاء السيل، وتصفية التصورات الغلط عن الواقع وخاصة الواقع السياسي، وتصحيح مفاهيم السياسة الشرعية.

 

فقه الواقع

اتسمت رؤية الشيخ الأمين (أبو الأمين) للواقع المعاصر بالواقعية والشفافية ودقة المعلومة وذلك بالاعتماد على دراستها أولا من مصدرها ومن الموروث الفكري لأصحابها، كما ظهر ذلك من خلال دراسته للفكر الصوفي والفكر الاشتراكي وفكر حزب التحرير. وقد كان حريصا على عدم الخلط بين الحقائق المجردة ورأي محلليها، فكان يكرر مقولته المشهورة في ذلك: (خذ الحقائق واترك رأي الكاتب أو استأنس به)، وبهذا كان يغلق باب التقليد الأعمى للرأي الآخر، ويشجع على إعمال الفكر والنظر في المسائل الحادثة، والتحرر من سطوة الإرهاب الفكري السائد في سواد هذه الأمة، خاصة هذا الزمان.

 

وهذه هي أهم عناصر رؤيته لفقه الواقع المعاصر:

1-           قوة الامة الاسلامية بقوة عقيدتها وبصحة فهمها للواقع، فإن ضعفت الامة في ذلك أصبحت غثاء كغثاء السيل، لا ينفع حينها كثرة عدد ولا عدة، وستتكالب عليها الامم كما تتكالب الاكلة على قصعتها.كما في وصف الرسول صلى الله عليه وسلم للامة في آخر الزمان ، (غثاء كغثاء السيل). يأتي السيل فيجرف الغثاء، فلا يعرف الغثاء نفسه من أين جاء؟ لأنه غثاء، ولا يعرف إلى أين هو ذاهب؟ لأنه غثاء، ولا يعرف إن كان هناك سيل؟ لأنه غثاء. وكان يعتبر سيل الفكر الاشتراكي هو المسؤول عن جعلنا غثاءا.

2-           القوى المعادية للاسلام عديدة وعلى درجات، فمنها المهاجم ومنها المتربص ومنها المسالم، او المعاهد، فلا يجوز للامة الانشغال بالعدو المتربص او المعاهد أو المسالم عن العدو الغازي الداهم. وكان يكثر من الاستشهاد بقوله تعالى: «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين، انما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين واخرجوكم من دياركم وظاهروا على اخراجكم ان تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون». وقوله تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)

3-           من أخطر عقائد اليهود التي حوتها التوراة والتلمود: (اليهود شعب الله المختار والارض ملك لهم والبشر بهائم خلقوا لخدمتهم)، وهذه العقيدة واجبة التطبيق عندهم ، ولكن تنوعت طرقهم في تطبيقها فمن اليهود من كان يرى انتظار مسيحهم المنتظر، ومنهم من كان يؤمن بالسعي لتطبيقها على أرض الواقع من خلال صناعة الحدث.

4-           اوجدت اليهودية الماركسية، لتطبيق العقيدة اليهودية، او لحل المسألة اليهودية، وتعرف المسألة اليهودية بأنها الطريق الامثل لتحقيق العقيدة اليهودية في التوراة والتلمود. وكان الشيخ رحمه الله يعرف الشيوعية باختصار شديد  فيقول هي: (التطبيق العملي لاسطورة الشعب المختار). وكان يرى أن أقوى ذراع لليهودية هي الماركسية بمختلف أسمائها، لعدد من الأسباب، منها النظري ومنها العملي التطبيقي.

5-           الماركسية تتستر بمختلف اليافطات والشعارات، فاسماؤها كثيرة وحقيقتها واحدة وان اختلفت في التكتيك وفي الزمان والمكان، وتستخدم العديد من القوانين والقواعد للوصول الى أهدافها، وان سياسة البيروسترويكا هي الأخطر.

6-           مفاهيم ونظرات حزب التحرير تقوم على الفلسفة الماركسية في الصراع الطبقي والدولي، المعتمدة على قلب الحقائق لتضليل الراي العام، وكان يقارن ما بين مبادىء الماركسية وقوانينها، وأفكار حزب التحرير، وكان يقول ان حزب التحرير هو قمة القمة فيما توصل إليه علم الجاسوسية عند اليهود. وانه قلب عامة المفاهيم السياسية المرتبطة بالواقع لدى عامة المسلمين دون شعور منهم.

7-           عامة الحركات الجهادية (القتالية) موجهة توجيها كاملا في قتالها لضرب أعداء الماركسية من الدول العربية والاسلامية والغربية، وذلك بتوجيه مسبق شارك فيه كل من  حزب التحرير والقيادات الفكرية الاشتراكية.

 

موقفه من الصراع الدولي (سنة التدافع)

كان يرى رحمه الله، أن من فضل الله تعالى على العالمين تدافع وتصارع القوى الدولية الفاعلة في المجتمعات الإنسانية فيما بينها، كي لا يعم الشر والفساد في الأرض وتندثر قوى الخير التي هي بمثابة صمام الأمان لاستمرار الحياة الإنسانية، وكان ينتقد البعض ممن لا ينظر إلى هذه السنة ـ وعلى راسها تدافع الشرق الثوري الاشتراكي والغرب الديموقراطي الصليبي ـ إلا من خلال النظارة السوداء لأنها تخالف تصوراته المقلوبة، وعلى الرغم أن خيار الصراع   الأمم خيار طاريء وليس أصليا ـ إذ الأصل في الشعوب التعارف والتعاون على الخيرـ إلا إننا مضطرون له في كثير من الأحيان، وخاصة في ظل حالة الضعف والهوان التي أصابت الامة الاسلامية بما كسبت، بل قد يكون في هذا الصراع الخير لقوله تعالى: (لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم(.

لذا فقد اقتضت حكمة الله تعالى خيار سنة التدافع الكونية للجم بعض قوى التمرد الهادفة لاستعباد الخلق بعد أن خلقهم الله تعالى أحرارا، قال تعالى: (‏ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين(

ففي ضوء ما سبق فان العالم اليوم يشهد مزيدا من الصراعات الدولية والإقليمية تقف خلفها قوى الظلام المتصهينة الهادفة لرسم خارطة جديدة للعالم لحساب اجندتها، ويتمثل هذا الصراع حسب رؤيته رحمه الله بين القوى الاشتراكية الصهيونية من جهة والقوى الغربية الصليبية من جهة أخرى، وبينهما العالم الاسلامي الضعيف والمختلف في التوجهات والمشارب الفكرية فمنهم من يؤيد المعسكر الشرقي الاشتراكي، ومنهم من يؤيد المعسكر الغربي الصليبي.

 

لذا فقد طالب الكثيرين من المسلمين المؤيدين لسياسة الشرق أو الذين أشربوا في قلوبهم بغض كل ما هو غربي ، طالبوا بعدم تدخل الغرب وعلى الأخص أمريكا فيما يجري في العالم وخاصة في دول العالم الثالث، ودعوها الى الانكفاء على الذات. وكان الشيخ أبو الامين رحمه الله، يرى الحل لهذه الاشكالية القيام بتفعيل قواعد الفقه الإسلامي وفقه الموازنات، وتحييد الاعداء قدر الممكن وعدم فتح جبهات جديدة ضد الاسلام سواء عن قصد ام عن جهل. لذا فهو يرى ان الخطر الاشتراكي لا زال قائما بصفته الخطر الاكبر وهاجما على الامة الاسلامية باساليب جديدة محدثة عميت على المسلمين في ظل الدعاية الكاذبة المدعية زورا وبهتانا موت الاشتراكية وانتهاء خطرها، ولذلك كان يرى ضرورة تشجيع الغرب واستمراره بمقاومة الخطر الاشتراكي،  والتحالف معه متى اقتضى الامر، لما سيترتب على خروج القوى الغربية من حلبة الصراع الدولي الى نتائج كارثية على العالم كله ومنه العالم الاسلامي، وفيما يخص العالم العربي فان ذلك سيؤدي الى قيام دولة إسرائيل الكبرى على الفور، وذلك لتفرغ  دول اليسار المرتبطة باسرائيل للقيام بهذا العمل باقل مقاومة تذكر.

وليس في كلامه هذا اي دعوة لموالاة الغرب كما قد يتخيل بعض الغثاء، فللغرب جرائمه، حيث   استعمر بالامس القريب العالم العربي، ولكن الأمر يفهم من باب دفع الشر الأكبر (الاشتراكي الثوري الصهيوني) بالشر الأصغر (الغربي الديموقراطي الصليبي)، وهذه من القواعد الأصولية الهامة الواجب تفعيلها في السياسات الدولية. فقد قال في ذلك:

 

أنا في سردي لهذه الحقائق، لا أسردها دفاعاً عن أميركا أو تنزيهاً لها، لكني مسلم، والإسلام يأمرنا أن نعطي كل ذي حق حقه، وأن نقول الحق ولو كان مراً، وألا نتبع الهوى في إصدار أحكامنا، وأن ندافع عن إسلامنا وبلادنا وأعراضنا وأنفسنا ضد من يفتننا في ديننا ويمزق أجسامنا بالسياط وينهب ديارنا وأموالنا ويشردنا ويبيدنا، وأن يكون دفاعنا بالأسلوب الصحيح الذي يقود إلى النصر، لا بالأسلوب الغلط الغوغائي الذي يدفعنا الماركسيون إليه بدعاياتهم المنهجة، فنحن من عقود كثيرة ونحن بقيادة علمائنا ووعاظنا نتبع نفس الأسلوب الذي ما قادنا، ولا يقودنا إلا إلى انتكاس بعد انتكاس، رغم أننا نقرأ قوله سبحانه: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد:11]. وقوله: {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}[محمد:7]. ونعرف أن نصرنا لله سبحانه هو باتباع سننه في شرعه وسننه في خلقه، هو بالسير في الطريق الصحيح في الأمور الدينية والدنيوية.

إن انتكاساتنا المتتابعة يجب أن تكون دليلاً لنا، إن كنا نؤمن بأن القرآن من عند الله سبحانه على أن ما بأنفسنا غلط يجب أن يغيَّر، وأننا لا ننصر الله سبحانه بأفكارنا وأساليبنا التي نتبعها، وأننا لا نسير في الطريق الصحيح"  أ هـ (قتلوا من المسلمين مئات الملايين)

وهذا الموقف منه رحمه الله كان يستدل عليه بقوله تعالى: (ألم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين) ، وبقوله تعالى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (المائدة:82).

 

صفاته

كان الأمين (ابو الأمين) رحمه الله، دائم الدعوة للتمسك بمكارم الأخلاق، ـ بل دعوة الدعاة لحض الناس على التمسك بها ـ وعلى رأس هذه الصفات الحسنة، صفتا الصدق والامانة، اللتان كان يتحلا بهما ويخصهما ولو بدقيقتين قبل كلمته وذلك لأهميتهما في التغيير المنشود. ومن خالط هذا الشيخ كان أول ما يرى فيه، حبه الشديد التمسك بالسنة مهما كانت في نظر الآخرين، ونبذ البدع والخرافات، وكذلك صفة التواضع، حيث لم يسمح لنفسه التميز عن الآخرين، أو الظهور عليهم أبدا، ولم يكن من عادته التحدث عن مآثره وصفاته، الا ما ندر ولمناسبة تمر بنا، بل كنت أفاجأ أحيانا بمعرفة بعض مآثره.

 ومن صور تواضعه أنني قد استأذنته يوما أن أكتب سيرته الذاتية في حياته فأبى عليّ. أما الزهد في الدنيا والحرص على تطبيق قوله تعالى: (وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين)، فكانت لا تفارقه حيث حل أو ارتحل. وكان فصيح اللسان، قوي البديهة، قوي الذاكرة، قوي الحافظة مولعا بحب القراءة، ويعمل رحمه الله على زرعها في الناس، لأهميتها في الوصول إلى طلب العلم الصحيح وفقه الواقع، منطلقا من قوله تعالى: (اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم)، فاكسبته هذه الصفات صفة الموسوعية لكثرة ما اطلع عليه من مختلف العلوم، فكان يشد انتباه جليسه لسعة اطلاعه، فكنا غالبا إذا عجزنا عن الوصول الى معلومة ما، نجد له فيها علما، وكان يحفظ خمسة عشر ألف بيت من الشعر، وله قصائد شعرية.

 ومن همته العالية وكلماته التي أيقنت بعدها بقدراته الكبيرة، أنه بعد امتلاكه لجهاز الحاسوب في أواخر عمره، أخذ يتعلم على استخدامه من الصفر، فحين تبين له حجم الخدمات التي يقدمها هذا الجهاز لطالب العلم من العلوم والمعارف وسهولة الاتصال بالجماهير: قال لي: "لو كان عندي هذا الجهاز وأنا شاب لتغير وجه التاريخ". فكانت هذه الكلمة كأنها دعوة منه للاهتمام بهذه التقنية الكبيرة وتسخيرها لخدمة الدين وأهله وخاصة إذا أضيف اليها شبكة الاتصال الالكترونية (الانترنت) التي قد امتلكها مؤخرا.

وكان مع قلة نصيبه المادي في الدنيا كريما، عزيز النفس وعفيفها، عصاميا بمعنى الكلمة، حيث اكتسب من وحدته في الحياة الاعتماد على النفس. وعلى الرغم من شيخوخته في آخر حياته وما أصابه من أمراض في ركبتية (روماتيزم)، وآلآم في الظهر (ديسك)، الا أنه كان مبادرا الى تناول حاجاته بنفسه وهو يقول: "إتعب سيقانك، ولا تتعب لسانك"، وكأني به في هذه الصفة متمسكا بسنة الصحابة الكرام رضي الله تعالى عنهم، الذين كانوا لا يسألون الناس شيئا من أمور الدنيا، حتى لو أن أحدهم سقط سوطه من يده، لنزل عن ظهر دابته وتناوله، دون أن يطلب ذلك من أخيه!!!

وقد تكرر مبيتي في منزله كثيرا، فكان قبل نومه، يجلس على مكتبه المتواضع ينشغل بالقراءة تارة وبالتأليف تارة أخرى، فإذا غلبه النوم آوى الى فراشه ذاكرا الله تعالى. وفي وقت السحر كان يحرص على قيام الليل وذكر الله.

وكان من عادته ان يتجهز للصلاة مبكرا قبل الأذان، فإذا توضأ سبقنا إلى المسجد.

 

مؤلفاته

للشيخ الامين  (أبو الأمين) العديد من المؤلفات القيمة والنادرة في مجالها منها:

 

1- كتاب: " الكشف عن حقيقة الصوفية لأول مرة في التاريخ " طبع في 900 صفحة من الحجم الكبير، يعد عمدة للباحثين في هذا المجال لا يستغنى عنه، تناول فيه المؤلف بيان حقيقة الصوفية وأنها قائمة على سر، وأن هذا السر واجب الكتمان، وإفشاؤه كفر، وهو: عقيدة وحدة الوجود، وهي عقيدة كفرية. وبين كذلك تاريخ التصوف وعدد طرقه، وأصل كلمة الصوفية، وحقيقة الجذبة الصوفية ودور مادة الأندرفين التي يفرزها الدماغ في شطحات الصوفية ومشابهتها لما يحدث للحشاشين ومتناولي المخدرات، وخصص فصلا عن كرامات الصوفية المزعومة وما فيها من زندقة وارتكاب للمحرمات.

2- الشيخ (أبو الأمين)رحمه الله، كان أول من ألّف في العالم الاسلامي في موضوع الاعجاز العلمي في القرآن، فقد أصدر في ذلك سلسلة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنّة، في أربعة مجلدات، كان أولها صدورا كتاب: ( براهين على أن الاسلام هو الدين الذي يبحثون عنه) عام 1971م. وكان رحمه الله يعتبر اكتشاف الحقائق العلمية في الكون المذكورة في القرآن الكريم والسنّة النبوية، هى سلاح أقوى من القنبلة الهيدروجينية عند غير المسلمين، إذا استخدمت بشكل سليم. وقد لاحظ رحمه الله أن بعض الكتّاب ممن ألفوا في هذا المجال يستشهدون ببعض الآيات القرانية التي لا تعبر عن حقيقة الاعجاز العلمي، كآيات القسم بالشمس والقمر والليل والنهار وغيره،  فكان يخشى ان يُضرب الاعجاز العلمي في القرآن والسنّة بإسم الاعجاز العلمي في القرآن وبالتالي يميّع الاعجاز العلمي وتذهب قوة تأثيره، وقد ألف مخطوطا في ذلك فيه رد على هؤلاء وعلى رأسهم الدكتور زغلول النجار.

 

3-  كتاب: ( من جغرافية القصص القرآني : مصر ليست مصر وغيرها)  وهو بحث في جغرافية القصص القرآني من جهة علم التاريخ والجغرافيا وهو جانب تندر الكتابات فيه، فمعلوم أن علوم الجغرافيا والتاريخ خاصة ما يتعلق بمنطقتنا تستند إلى مفاهيم " الكتاب المقدس " وقد ثبت اليوم بطلان هذه المفاهيم ، كما في أبحاث الدكتور كمال الصليبي والدكتور زياد منى وأحمد داوود وهالة العوري والعشرات من علماء التاريخ والوثنيات ( الميثولوجيا ) في الشرق و الغرب! كطوماس طمسن مؤلف كتاب الماضي الخرافي التوراة والتاريخ و كيث وايتلام أستاذ الدراسات الدينية ورئيس القسم بجامعة استيرلنج، صاحب كتاب اختلاق إسرائيل القديمة .

وقد كانت محاولة الدكتور الصليبي في كتابه: " التوراة جاءت من جزيرة العرب " أن يستخرج نظرية أخرى لكن بالاعتماد على نصوص التوراة ، وهو ما رفضه الشيخ أبو الأمين لأن التوراة الموجودة اليوم محرفة ومن أدلة تحريفها مخالفتها للواقع التاريخي والجغرافي !!

لذلك قام الشيخ أبو الأمين بالاعتماد على نصوص القرآن الكريم لتحديد موقع قصة موسى عليه السلام ومصر، وقد توصل إلى تحديد مكان مصر القرآن أنها تقع على الساحل الشمالي الشرقي للبحر الأحمر جنوب مدينة العقبة وشمال غرب مدينة تبوك.

واشتمل الكتاب على أبحاث إضافية كتحديد مكان مدينة إرم وحقيقة طوفان نوح عليه السلام ومكان سفينته.

4-  كتاب: " قتلوا من المسلمين مئات الملايين " جاء ليسلط الضوء على جرائم مروعة ومجازر رهيبة تعرض لها المسلمون على يد الأنظمة الماركسية والشيوعية والاشتراكية دون أن تلقى العناية والاهتمام الكافي، فقد نشر فيه إحصائيات نادرة عن أعداد المسلمين في العديد من الدول الاسلامية التي تعرضت للاحتلال الماركسي، ظهر من خلالها كم تناقصت هذه الأعداد الضخمة بعد سنوات قليلة من احتلالها.

لقد توصل أبو الأمين في كتابه هذا إلى أن الشيوعية قد قتلت من المسلمين أكثر من 200 مليون مسلم في أقل من 80 سنة !!!! من قبل أنظمة ماركسية عربية وغير عربية . ولا تزال هذه الجرائم الماركسية والشيوعية قائمة بحق المسلمين ولا تجد من التغطية الإعلامية ما يناسبها !! كما يجرى للمسلمين اليوم في الشيشان أو الجمهوريات المستقلة عن الاتحاد السوفيتي ـزعموا ـ، أو ما يتعرض له المسلمون في الصين أو تايلند وغيرها فمن المسؤول عن تغييب حق هؤلاء المسلمون ومن المستفيد من ذلك ؟؟

5- كتاب: " اللغة الفرنسية لغة عروبية " فهو من أوائل الأبحاث في هذا المجال وقد اعتمد في كتابه هذا على معرفته بعلم اللغات خصوصا اللغة اللاتينية واللغة الفرنسية حين درس في فرنسا، وقد فسر سبب هذا التشابه اللغوي بأنه نابع من هجرة قبائل عربية من الجزيرة قبل الاسلام وصلت إلى أوروبا و فرنسا، وقد زاد على طبعته الأولى ضعف المفردات الموجودة فيها ضمن المخطوط الجديد الذي انتهى من إعداده، قبل وفاته، وقد عزم على نشره قبل أيام من وفاته.

6- كتاب: (إهدموا السد قبل حدوث الكارثة) تحدث فيه رحمه الله عن الخطر الجسيم الذي سيلحقه بناء السد العالي على الوضع الزراعي والبيئي في مصر، وما سينتج عن انهياره من تدمير كامل لكل ما هو قائم على النيل ودلتا النيل المقدر بحوالي (95)% من مصر، حسب تقديرات وزارة الزراعة في مصر. وقد بين رحمه الله ان قرار بناء السد اتخذه عبد الناصر على الرغم من نتائج دراسات الجدوى الفنية والاقتصادية التي قامت بها شركات اجنبية ومصرية، والتي أوصت بعدم إنشاء السد، ورجح الشيخ ابو الأمين رحمه الله اصرار عبدالناصر على ذلك، كان تلبية لما تنص عليه التوراة من أن الرب سيدمر مصر من أسوان الى المجدل، وبالفعل بُني السد جنوب أسوان بحوالي (5)كم. وقد طبع هذا الكتاب لاول مرة في سوريا، ولكن للأسف قام الناشر باختصاره اختصارا مخلاً، خوفا من ردة فعل النظام البعثي الاشتراكي السوري.

 

المخطوطات

ترك رحمه الله العديد من المخطوطات التي عانى كثيرا في تأليفها في الاردن، بعد ان امتلك من المراجع ما عوضه عن بعض مراجعه في مكتبته القيمة التي كانت في حوزته في سوريا، وعلى الرغم مما تسبب له القراءة من ألم في الراس يقعده عن القراءة والكتابة الساعات بل الايام الطوال، الا انه ثابر وترك للامة إرثا قيما قد خطه بيده، وهذه هي المخطوطات التي لم تطبع بعد:

1-             الوحي الواقع

2-             الجزء الثاني من كتابه المطبوع: اللغة الفرنسية لغة عروبية

3-             نسف الاعجاز العلمي في القرآن باسم الاعجاز العلمي فيه، ينتقد فيه الدكتور زغلول النجار.

4-             المدخل إلى فهم الواقع...

5-             حاولوا ويحاولون: هدم الاسلام باسم الاسلام، وإبادة المسلمين باسم المسلمين

6-             الوصية والاوصياء

 

وفاته

ضعف جسده وقل طعامه في آخر أيامه، فقد احتاج الى عربة خاصة للتنقل بها داخل البيت،  ولم يعد يقدر  على الذهاب للصلاة كعادته في المسجد، وكان على الرغم من نصيحة الاطباء له بالصلاة في البيت، كان يمشي على عكازته متحاملا على نفسه لأداء صلاة الجمعة. وفي آخر صلاة جمعة له جاهد نفسه كثيرا في الذهاب والإياب الى المسجد الذي يقع مقابل بيته حتى ظن بعض تلاميذته انه قد حدث له أمر لطول مدة عودته، المقدرة بنصف ساعة. توفي رحمه الله تعالى، في منزله المستأجر في العاصمة الاردنية (عمّان) على أثر نوبة قلبية حادة، بعد أداء صلاة العصر في بيته مباشرة من يوم الثلاثاء العاشر من شهر ذي القعدة من عام 1428 للهجرة، الموافق العشرون من شهر تشرين الثاني من عام 2007 للميلاد، عن عمر ناهز الثمانين عاما، حيث فارقت روحه الطيبة جسده الطيب، لترقى إلى العلياء عند بارئها، لتنعم بنعيم أهل الجنة ـ فيما نحسب ـ.

 

 

 

 

 

 

 

من أقواله:

 

1- حقيقة الماركسية

 

يقول: "الماركسية كفر واحد، تعددت أسماؤها لخداع الغثاء ((شيوعية، ناصرية، حزب بعث، اشتراكية، اشتراكية قومية، قومية عربية (يسارية) ، اشتراكية دولية، اجتماعية، راديكالية...)) ، أسماء متفرقة لمسمى واحد.

وقد عرّف مرة أكرم الحوراني الاشتراكية في محاضرة له أمام شباب من حزبه بقوله: ((الشيوعية ما عَمْ يقبلوها، عَم نعطيهم إياها برشامة ورا برشامة))

والماركسية هي التطبيق العملي لأسطورة الشعب المختار التي تقول: ((اليهود شعب الله المختار، الأرض ملك لهم، البشر بهائم خلقوا لخدمتهم((

فإذا فكرنا وفكرنا وفكرنا، وجئنا بعشرات الملايين من البشر ليفكروا معنا كيف يمكن تحقيق هذه العقيدة؟ لما وجدنا إلا طريقة واحدة، هي أن يستلم اليهود الحكم ويجعلوا وسائل الانتاج الثابتة والمتحركة وما يتبعها أو يتعلق بها ملكاً لهم. وهذا ما سمّوه "التأميم".

منذ أن اخترع بعض كتاب "التوراة" هذه العقيدة وأدخلها في بعض أسفارها، وآمن بها قومها، وهم يحاولون تطبيقها في كل بلد استطاعوا التحرك في.

قلت: ثم عدّد رحمه الله امثلة من التاريخ دلل من خلالها على ان اليهود حيثما استلموا الحكم طبقوا المباديء الاشتراكية (التأميم)، ثم قال:

 

ومنذ القرن السابع عشر الميلادي، صار مفكروا اليهود يضعون النظريات والتخطيطات لتحقيق أسطورة الشعب المختار، وقد ساعدهم في ذلك كثير من البروتستانت.

ويؤكد المؤرخون الغربيون على أن بعض علماء اللاهوت البروتستانت هم الذين كانوا يحرضون اليهود للتحرك على أنهم شعب الله المختار، وأن كثيراً من البروتستانت، أو أكثرهم، كانوا يساعدون أو يعملون على إيجاد وجود يهودي في فلسطين من أجل تحقيق عقيدة القيامة عند المسيحيين، والتي تتلخص بما يلي:ينزل المسيح باعتباره الإله الابن، إلى جوّ الأرض، ويسحب المؤمنين به إليه ليجتمعوا عنده، فتأتي نار تحرق نصف اليهود الموجودين في فلسطين، أو ثلثيهم، وعندئذ يؤمن الباقون بالمسيح الإله، ويؤمن كل البشر، فينزل المسيح إلى الأرض ليحكم العالم من القدس طيلة الف سنة، حيث يسود السلام والوئام وتزول الحروب والشرور، ثم يبعث الموتى من القبور للدينونة أمام المسيح، فيُدخل المؤمنين به إلى الجنة، ويدخل الكافرين إلى جهنم.    

وقد استغل زعماء اليهود هذه العقيدة في اختراق النصارى، ونجحوا في مساعيهم في هذا الباب نجاحاً كبيراً بين البروتستانت، وقد ساعدهم على هذا الاختراق كون البروتستانت يعتمدون العهد القديم (التوراة) مثل اعتمادهم العهد الجديد (الأناجيل وأعمال الرسل والرسائل). بل يظهر من مذهبهم المحدثة الكثيرة الكثيرة، ومن كتاباتهم الدينية أنهم يقرأون العهد القديم أكثر من قراءتهم للعهد الجديد. 

أما الكاثوليك فقد كانوا على عكس ذلك، حيث كانت قراءة العهد القديم مقصورة على رجال الدين، أو على كبارهم فقط، وكانوا يفسرون نصوصه بما يتفق ومعطيات العهد الجديد. وكان اختراق اليهود للكنيسة الكاثوليكية بطيئاً واصطدم بعدة صعوبات..."أ هـ عن كتابه: (قتلوا من المسلمين مئات الملايين)

 

2-هل انتهت الماركسية؟

يقول: الامين أبو الامين رحمه الله:

"جملة صرنا نسمعها كثيراً من ذوي النظرة الطفولية: ))انتهت الماركسية! انتهت الشيوعية!))، يقولها قائلهم بهدوء وتؤدة وكأنها صادرة عن عمق في التفكير! أو يقولها بإصرار وقوة كأنها صادرة عن بصير منفتحة على الواقع! يقولها وكأنه لا يرى الماركسيين يسيطرون على سورية وعلى العراق وعلى ليبيا وعلى الجزائر وعلى السودان باسم الإسلام وعلى الصومال، وكأنه لا يرى أن النظام الإيراني الذي يسمونه إسلامياً يتحالف مع الماركسية تحالفاً يكاد يكون ربطاً عضوياً. وكأنه لا يرى الماركسيين يسيطرون على الصين وعلى فيتنام، وعلى كل أوروبا ما عدا ألمانيا والنمسا وسويسرا. وعلى المكسيك وكوبا وعدة دول من أميركا الجنوبية. وكأنه لم يقرأ أو يسمح أن الحزب الشيوعي في روسيا هو أقوى الأحزاب. وكأنه لم يسمع تصريح "حسب اللطيف" الشيشاني الذي كان رئيس مجلس السوفيات الأعلى، عندما زار الأردن قبل سنوات وقال: إن استقلال البلاد الإسلامية شكلي. وكأنه لم يسمع أو يقرأ أن الجيوش الروسية التي يقودها ضباط ماركسيون موجودة في كل الدول الإسلامية السوفياتية التي تقول إنها مستقلة، وأن أجهزة المخابرات فيها تدار كلها من موسكو، وأن اليهود يسيطرون على الأحزاب في روسيا، سواء على الحزب الشيوعي الذي ينافس يلتسين وحزبه، أو يلتسين نفسه وحزبه ورئيس وزرائه الجديد.

إن الماركسية لم تنته، كما يظن ذوو النظرة الطفولية؟ وإنما جاءت بثوب جديد قديم شعاره "يجب أن ننبثق من خصوصيات المجتمع" واسمه "البيروسترويكا" التي تعني "الترميم الثاني" أو "إعادة البناء" كما جرت على الألسنة، والمعنى واحد.    

 

منذ سنة 1919، حتى الثمانينات من القرن نفسه، كانت الماركسية بجميع أسمائها الخداعية ((شيوعية، ناصرية، حزب بعث، اشتراكية، قومية عربية يسارية ..))، كلها تنتهج القواعد التي تبناها المؤتمر الذي انبثقت منه "الأممية الثالثة" ومنها "الطريق الروسي إلى الاشتراكية" الذي نهج له في زمن لينين، وعدل قليلاً جداً في زمن ستالين. وهي طريقة الانقلابات العسكرية التي دمرت الأقطار التي حدثت فيها، وطريقة التهيئة لتلك الانقلابات. ومنها "حرق المراحل" ويعنون بها المراحل الافتراضية التي تخيلوها، أو التي وضعها ماركس لخداع الغافلين، والتي تخيلها كما يلي: ((مرحلة المشاع ـ ثم الرعي، الرق، الإقطاع، الرأسمالية البورجوازية، الثورة الاشتراكية، الشيوعية)). ويعنون بحرق المراحل القفز فوق مرحلة الرأسمالية والبرجوازية والقيام بالثورة الاشتراكية، ومنها الهجوم على التدين والمتدينين بكل الوسائل: بالهزء والسخرية والإشاعات البذيئة منها وغير البذيئة، وبالقتل والسجن والتشريد والتعذيب عندما يمكنهم ذلك .. إلى آخر القواعد التي يراها القارئ في بروتوكلات حكماء صهيون وفي كتب لينين.

سجَّل الأسلوب الروسي في الانتقال إلى الاشتراكية نجاحات هائلة في المجتمعات المختلفة والمستعمرة (بفتح الميم الثانية) ثم أخذت تتلاشى شيئاً فشيئاً، وكان آخر انقلاب ناجح هو انقلاب ليبيا بقيادة القذافي.

ثم لم تقف المسالة عند التلاشي فقط، بل صارت تحدث الانقلابات المضادة التي كان أبرز أوائلها ما حدث في إندونيسيا سنة 1965، ثم حدث أصعب شيء على الحلم الصهيوني، وهو القضاء على الماركسية الناصرية في مصر، لكنها الآن بدأت تعود.     

 

وكان أمل الصهيونية كبيراً في مركسة أفغانستان، حيث كان المخطط هو الانتقال منها إلى السيطرة على باكستان، ثم بمساعدة إيران الخميني احتلال السعودية والكويت، والقطر الصعب من الأقطار الأربعة ((السعودية، والأردن، ولبنان، والكويت))، الداخلة في ما يسمونه "أرض الميعاد" والمستعصية على التمركس.     

 

وإذا فشلت كل هذه المحاولات وافتضحت دجليات الأنظمة الماركسية حتى على كثير من معتنقيها الذين كانوا من المتحمسين لها، إذن، فيجب إعادة النظر في أساليب الدعاية لها.

وقد وضع لينين لهم الأسس التي يجب أن يطبقوها في مثل هذه الحالة، فلنقرأ بعض أقواله:

يقول لينين: ((علينا أن نكون مستعدين لكل لون من ألوان التضحية، وإذا استلزم الأمر فإننا نمارس كل شيء ممكن، فالحيل وفنون المكر وكل الأساليب غير الشرعية، جميعها مباحة، وكذلك السكون وإخفاء الحق، وموجز القول أننا نستخلص الآداب من مصالح حرب الطبقات))

 

ويقول أيضاً:     

((.. ولكننا تعلمنا أيضاً .. فناً آخر لا غنى عنه في الثورة: فن أن نكون مرنين، أن نعرف كيف نغيّر تكتيكنا بسرعة، بفجأة، آخذين بالظروف الموضوعية المتغيرة بعين الاعتبار، مختاريه سبيلاً جديداً للوصول إلى هدفنا، إذا تبين السبيل القديم في هذه الفترة من الزمن، غير ملائم، غير صالح( ).   

ويقول: ((ونحن الذين تعلمنا قليلاً، في هذه السنوات الثلاث أو الأربع، كيف نقوم بانعطافات فجائية (حين يقتضي الحال انعطافاً فجائياً)).                                       

ويقول:

((.. فإن دولة العمال، دون أن تلجأ البتة إلى إبطال التأميم، تؤجر هذه المناجم أو تلك، هذه الغابات أو تلك، آبار البترول هذه أو تلك ..الخ. من الرأسماليين الأجانب، لكي تحصل منهم على مزيد من الأعتدة والآلات التي ستمكننا من إنهاض صناعتنا السوفيتية الضخمة بأسرع وقت. إن دولة العمال إذ تمنح أصحاب الامتيازات قسماً من هذه المواد الثمينة جداً على سبيل الأجرة، تدفع بلا ريب جزية للبورجوازية العالمية، وعلينا ألا نطمس في شيء هذا الأمر، وأن ندرك جيداً في الوقت نفسه أنه مفيد لنا)) اهـ.

وأقوال لينين في هذا المعنى كثيرة في كتبه ومقالاته، ولنلاحظ أنهم في البيروسترويكا، يتحركون داخل إطار هذه التعاليم، فقد تبين أن السبيل القديم في هذه الفترة من الزمن، أصبح غير ملائم وغير صالح، فغيروا التكتيك بفجأة، قاموا بانعطاف مفاجئ. فاتحين بلادهم للرأسماليين الأجانب، مع الإبقاء على المصانع والمزارع مؤممة.    

هذا، ونرى أن المؤتمر الثاني والعشرين المنعقد في تشرين أول 1961 في الكرملين في موسكو، كان قد رسم الصورة الواضحة الأولى للبيروسترويكا حسب رؤيتهم في ذلك الوقت:

- فقد اتخذ قراراً بالتنازل، عند الضرورة، عن النظام الفيدرالي (أي سنة 1961) للاتحاد السوفياتي والاستعاضة عنه بدولة اتحادية واحدة ذات قوميات كثيرة( ) اهـ.

وطبعاً تطورت النظرة في الثمانينات عنها في أول الستينات، مع تطور الظروف الداخلية في الاتحاد السوفياتي والخارجية.       

والنتيجة أن الشيوعية لم تنته كما يظن الغافلون والحالمون، وإنما هو أسلوب جديد قديم، أسلوب عنوانه "يجب أن ننبثق من خصوصيات المجتمع" ومن هذا الانبثاق المناداة بالإسلام في المجتمعات الإسلامية، ويحضرني هنا قول القائل (كم يخيفني الشيطان عندما يأتي ذاكراً اسم الله(.أ هـ عن كتابه: (قتلوا من المسلمين مئات الملايين)

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين،

     

 السابق

أعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ