ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 23/02/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

سيد قطب ضد العنف

الحلقة الرابعة : تدمير الإخوان المسلمين تحقق بنجاح

منير محمد الغضبان*

لم أطرح هذا العنوان من عندي. إنما هو كلام سيد رحمه الله في مرافعته يقول: ( ... غير أن هذا كله يزيد في نفسي شعوراً من ناحية أخرى بأن السياسة المخططة من جانب الصهيونية والصليبية الاستعمارية لتدمير حركة الإخوان المسلمين في المنطقة تحقيقاً لمصالح ومخططات تلك الجهات، قد تحققت بنجاح. وأنه في الوقت ذاته لا بد من محاولة الرد على تلك المخططات بإعادة حياة ونشاط الحركة الإسلامية حتى ولو كانت الدولة لسبب أو أكثر لا تريد، فالدولة تخطئ وتصيب ) لماذا أعدموني : /16.

تضخيم خطر الإخوان المسلمين:

ومن صميم واقع الاعتقالات التي انتهت بإعدام ستة من قيادات الإخوان المسلمين يتضح هذا التخطيط. حيث يتحدث سيد عن الاعتقالات بقوله:

( .. كما أنها كانت تملأ نفسي شعوراً بالظلم الذي أصاب آلاف الأفراد وآلاف الأسر والبيوت، بناءً على حادث واضح جداً تدبره، وبناءً على الرغبة في حماية النظام القائم من خطر ضخمته أجهزة غريبة لأهداف واضحة كذلك من كتبهم وجرائدهم وتقريراتهم وفي مقدمتها تقرير جونستون عن نهر الأردن ... ) لماذا أعدموني / 16.

ماذا عن تقرير جونستون:

لم نجد ضالتنا حول هذا الموضوع إلا عند الأستاذ محمد قطب في كتابة القيم : (واقعنا المعاصر) حيث يحدثنا بإسهاب وتفصيل عنه:

(في 26 أكتوبر 1954 افتعلت مسرحية الاسكندرية، وتم على إثرها اعتقال أكثر عن عشرين ألفاً من شباب الإخوان وشيوخهم في السجن الحربي وغيره من السجون. ووقع عليهم من ألوان التعذيب الوحشي ما تعجز كل الكلمات عن وصفه، مهما تكن دقة المتكلم عن الوصف، وبراعته في التعبير. وكانت أداوت التعذيب قد أقيمت في السجن الحربي ابتداءً من يونيو 1954 ، أي قبل الحادث بخمسة أشهر. وأخذ الزبانية يدربون على استعمالها بواسطة خبراء من (النازي) الذين كان يستخدمهم هتلر في معسكرات الاعتقال الألمانية، استؤجروا خصيصاً لهذا الأمر من ذلك التاريخ. كان ما حدث للإخوان المسلمين في عام 1954 وثيق الصلة بأمر آخر غير مسرحية الاسكندرية، وكان وثيق الصلة بتقرير (جونستون) المندوب الخاص للرئيس إيزنهاور في (الشرق الأوسط)، والمكلف ببحث القضية الفلسطينية، وتقديم تقرير للرئيس إبزنهاور عن الحل الأمثل للقضية. وقد قام جونستون بالمهمة التي كلف بها، فجال خلال المنطقة، وقابل العرب واليهود، ثم قدم تقريراً مفصلاً مبنياً على ثلاث نقاط رئيسة) واقعنا المعاصر لمحمد قطب/ 397-398.

التقرير:

 ( النقطة الأولى: هي تقسيم مياه نهر الأردن بين العرب واليهود بالنسب التالية:

10% تقريباً لكل سورية ولبنان باعتبار أن منابع النهر تجري في كل من البلدين، و40% تقريباً لكل من الأردن وإسرائيل. فأما إسرائيل فتأخذ هذا القدر لاستصلاح صحراء النقب لإيواء ثلاثة ملايين من المهاجرين اليهود الجدد. وأما الأردن فتأخذ هذا القدر لاستصلاح ثلاثة ملايين دونم (في الضفة الغربية) لتوطين اللاجئين العرب.

النقطة الثانية: هي أنه نظراً لعدم وجود حدود واضحة بين إسرائيل والبلاد العربية المحيطة بها فإنه كثيراً ما يدخل العربي الأراضي الإسرائيلية وهو بظن أنه لا يزال في الأرض العربية، أو يدخل الإسرائيلي الأرض العربية وهو يظن أنه ما زال في الأرض الإسرائيلية. فيحسن تحديد حدود ولو مؤقتة بين إسرائيل والبلاد العربية. تحدد نهائياً فيما بعد.

النقطة الثالثة: هي أنه إذا بقيت أمور أخرى مختلف عليها بين العرب واليهود. فيجلس العرب واليهود على مائدة مستديرة لحل هذه الخلافات....

وكانت الجملة الختامية على هذا النحو:

" ولكن طالما أن جماعة الإخوان المسلمين، وهي جماعة قوية مسلحة متعصبة يبلغ تعدادها حوالي المليون في مصر والبلاد العربية، طالما أن هذه الجماعة باقية بقوتها، فلن يمكن تنفيذ هذا الحل، ولن تستقر الأمور في الشرق الأوسط."

وكان المعنى واضحاً بكل تأكيد، معناه: اقضوا لنا على هذه الجماعة لكي يمكن تنفيذ الحل ولكي تستقر الأمور في الشرق الأوسط. ورفع التقرير في يونيو 1954 إلى الرئيس إيزنهاور . فوافق عليه .. ) واقعنا المعاصر 398-399.

لقد كان بين حادث المنشية المدبر وبين تقرير جونستون عدة أشهر فقط، لتنفيذ المؤامرة والتخلص من الإخوان المسلمين.

تغذية الصراع بين الاتجاه القومي والاتجاه الإسلامي:

فالأمر ليس مرتبطاً فقط بتدمير الإخوان المسلمين. إنما مرتبط كذلك بالبديل المعد الذي يحمل فكر القومية العربية العلمانية.

(كتب مر بروجر في عام 1962 في كتابه "العالم العربي اليوم":

(( .... وكانت أشد صورة لتجدد هذا الصراع بين الاتجاه الديني والاتجاه العلماني هي التي حدثت في مصر بعد عام 1954، ذلك أن الإخوان المسلمين المتطرفين لما رأوا أن الحركة العلمانية اللادينية تزداد قوة انقلبوا على زملائهم السابقين في السلاح الذين استولوا على السلطة عام 1952. ولقد قام النظام والحاكم في مصر بقمع الإخوان المسلمين بلا رحمة، وقمع دعوتهم إلى الوحدة الإسلامية التي يقفون بها ضد الدعوة القومية اللادينية ... ))

ثم قال في الصفحة التالية:

(( إن الصراع بين الاتجاه الديني والاتجاه القومي اللاديني هو صراع حتمي، ولكن يمكن تأجيله بعض الوقت. ولكن الغلبة في ذلك الصراع ستكون للاتجاه القومي اللاديني)).

ثم كتب ( ص 385-387) كلاماً طويلاً عن التغير الاجتماعي في روسيا وتركيا ومصر خلص منه في النهاية بأن جمال عبد الناصر قد أحدث اتجاهاً إلى العلمانية (اللادينية) في مصر عن طريق تغيير مناهج التعليم، وتشجيع الصناعة، وتعليم المرأة، وتغيير علاقات الأسرة ... الخ. قد يكون بطيئاً ولا رجعة فيه ). واقعنا المعاصر لمحمد قطب عن كتاب (العالم العربي اليوم) الطبعة الثانية 1964، نيويورك.

 

لا بد من إعدام القيادات لنجاح الإبادة:

فمنذ الثورة العربية وقبلها لم يعهد الوطن العربي هذا العنف في العداء. ولذلك أطلق على جمال باشا جمال السفاح لأنه قام بإعدام أكثر من 16 شخصية قومية، ودعيت الذكرى بعيد الشهداء، فجاءت عملية الإعدام جزءاً سياسياً من الصراع بحيث تتأرث الأحقاد بين التيارين الإسلامي والقومي ويصلا إلى مرحلة اللاعودة، وهو التنفيذ للمخطط الأمريكي الذي حدثنا عنه الأستاذ محمد قطب، والذي لا بد من العودة له بصفته شاهد مرحلة، وهو يتحدث عن مخطط الإعدام بقوله:

( قال لي المحقق أثناء التحقيق الذي أجري معي في السجن الحربي في الاعتقال الثاني عام 1965 ( وهو مثبت في ملفات التحقيق) : لقد قلت أمام مجموعة من الناس إن حادثة الاسكندرية كان مسرحية.

قلت: لم أقل ذلك.

قال: فماذا قلت؟ 

قلت: قلت لهم إنه سواءً كان حادث الاسكندرية حقيقياً أم كان حادثاً مفتعلا ، فقد كان معداً للإخوان كل ما حدث لهم بالفعل.

قال مستنكراً : وما دليلك على ذلك؟

قلت: لقد كان لي صديق "حسن السيد" وهو عديل الضابط أحمد أنور مدير سجون الحربية فزرته ذات مساء في أواخر يوليو 1945 في مكتبه (وكان يعمل محامياً)، ووجدت عنده زبونين أنهى أمرهما بسرعة وقال: تعال إنما أريدك في أمر مهم. وأغلق باب مكتبه بالمفتاح من الداخل مع أنه لا يمكن فتحه من الخارج. وقال:

أريدك في أمر على غاية من الأهمية. نريد أن نوقف الصدام بين الإخوان والحكومة بأي شكل. قلت: إن الصدام قد وقع بالفعل، فكيف يوقف ؟

قال: فليكفوا عن نقد المعاهدة

(يقصد المعاهدة التي أجريت بين الحكومة وبين الإنجليز في ذلك العام. وكان للإخوان عليها جملة من الاعتراضات)

قلت: لقد أعلنوا رأيهم فيها بالفعل. فما العمل ؟

قال: فلينسحبوا من السياسة ويعلنوا أنفسهم جماعة دينية.

قلت: ألحماية أشخاصهم يفعلون ذلك؟ ويدمرون في الوقت نفسه الأساس الذي قاموا عليه ؟ لقد قاموا على أساس ممارسة الإسلام بمعناه الشامل، والسياسة جزء منه، فإذا انسحبوا اليوم من السياسة، فماذا بقي لهم من مبادئهم يرتكزون عليه ؟

قال: مؤقتاً حتى تمر الأزمة. فإنك لا تدري ماذا سيحدث لهم.

قلت مستفسراً: ماذا سيحدث لهم؟

فتردد في الإجابة . فكررت عليه السؤال: ما الذي سيحدث لهم ؟

فقال: أنا أعيش في وسطهم (أي الحكومة) ، وأعلم ماذا سيحدث.

يعني: حين يأخذون المرشد. والأشخاص البارزين في الجماعة فيعدمونهم. ويأخذون كذا ألف شاب فيعذبونهم على طريقة إبراهيم عبد الهادي ... تكون الدعوة قد انتهت.

قلت: لا تنتهي الدعوة بهذا.

قال محتداً: أظن ستقول لي إن الاضطهاد يذكي الدعوات! أنا أحفظ هذا الكلام أكثر منك ولكن أمامك مائة سنة أخرى حتى تعود الدعوة من جديد.

قلت: إن هذا عصر تتتابع فيه الأحداث بسرعة، ولا مجال لشيء فيه يأخذ مئات السنين. ومع ذلك فماذا بوسعي أن أفعل ؟

قال: تلتقي بأخوك سيد وتطلب منه وقف الصدام مع الحكومة بأي شكل.

قلت له : أفعل.

ولم ألتقِ بأخي حتى كانت الاعتقالات.

يتابع الأستاذ محمد قطب: قلت ذلك للمحقق فارتبك ارتباكاً شديداً لم يستطع إخفاءه. وظل ما يقرب من نصف دقيقة لا يجد ما يقول. ثم قال متلعثماً: في يوليو ألم يكن الحادث (حادث المنشية) ؟

قلت: لا . لقد وقع في 24 أكتوبر.

قال: نعم لقد كان الإخوان يومئذ قد بدأوا يشاغبون.

وبعد أسبوعين طلبني المحقق. وقال:

لقد استدعينا حسن السيد ، وسألناه، فأقر بما ذكرته في التحقيق) واقعنا المعاصر ، محمد قطب هامش ص 397، 398

 

لماذا يريد الغرب تدمير الإخوان حسب رأي سيد :

هناك جوانب أشار لها تقرير جونستون، حيث لا يمكن أن يتم الاستسلام بوجود الإخوان المسلمين، وهناك جوانب أخرى تحدث عنها سيد بصراحة في مرافعته وهي أقرب منها للمشاعر أو حدس العالم الفيلسوف، الذي يعرف حركة المستقبل ويستشرفها، وندع له الحديث عنها:

( وبناء على الرغبة في حماية النظام القائم من خطر ضخمته أجهزة غربية لأهداف واضحة كذلك من كتبهم وجرائدهم وتقريراتهم، وفي مقدمتها تقرير جونستون عن نهر الأردن، ثم تضخم هذا الشعور. وأنا أرى النتائج الواقعية في حياة المجتمع المصري من انتشار هائل للأفكار الإلحادية وللانحلال الأخلاقي نتيجة لتدمير حركة الإخوان المسلمين، ووقف نشاطها التربوي، وكأنما كان وجود هذه الجماعة سداً قد انهار، وانطلق بعده التيار.

وكنت أسمع ذلك في السجن. ولما خرجت وجدت أن كل ما سمعت كان دون الحقيقة بكثير، لقد تحول المجتمع إلى مستنقع كبير.

إن المسألة أكبر بكثير مما يبسطها الذين ينظرون لما حدث على أنه مجرد تطور للعناصر البشرية في المنطقة. بحيث تصبح هذه الملايين حطاماً منهاراً لا يملك المقاومة حتى لو وضعت في يده أقوى الأسلحة. فالرجال هم الذين يحركون الأسلحة، وليست الأسلحة هي التي تحركه الرجال، والمجتمعات حين تنهار عقيدياً وخلقياً تصبح الملايين فيها غثاءً لا يقف في وجه التيار) لماذا أعدموني/ 16-18

وليت سيد رحمه الله حي ليرى صدق نبوءته سلباً وإيجاباً.

لقد كان في الجامعة المصرية فتاة محجبة واحدة في الستينات هي بنت المرشد العام حسن الهضيبي، وكانت مكان تندر من السلطة الحاكمة في إحدى خطب عبد الناصر. لم تعد أي فتاة تجرؤ على الحجاب لأنها ستساق إلى السجن بتهمة انتمائها للأخوات المسلمات.

ولقد زرت في مصر عام 1969/ حيث كنت أدرس هناك. ويشهد الله أني لم أر امرأة محجبة في شوارع القاهرة كلها إلا القادمات من الصعيد. وحين أقنعت فتاة بالحجاب بكل ما لدي من زخم ورحت أبحث عن قطعة قماش تدعى عندنا بالشام (إشار أو إشارب) فلم أجد. فأحضرته لها من الشام، ولم تثبت أكثر من أسبوعين حتى خلعته.

وفي الإسكندرية زرت في العام نفسه أحد أساتذة الجامعات فيها، وكان عند ابنته امتحان الشهادة الثانوية. وكانت ابنته كاشفة الشعر والصدر واليد إلى المنتصف. فسألته بخفوت: لم لا تحجب ابنتك؟ قال: إنها محافظة لا تلبس (المشلح) أبداً. أي لا تكشف إلا ذراعيها. قلت له: الحجاب الواجب شرعاً فيه تغطية الشعر والذراع والصدر. تنهد قليلاً وقال بخفوت: أتسمع بالإخوان المسلمين؟ قلت: هؤلاء الذين يريدون أن يهدموا الجسور ويحرقوا السينمات ، ويقتلوا الفنانين والفنانات. قال: لا تصدق هذا الكلام لكن إذا سمعت بعودة الحرية للإخوان المسلمين، عندها تجد جواب سؤالك.

ومر عام واحد فقط عام 1970 وتابعت دراستي بالقاهرة، فصرت أرى بعض المحجبات عند مواقف الباصات. ثم زرتها عام 1985 ، وبعد عودة الإخوان المسلمين ورأيت نصف الناس على بلاج الاسكندرية محجبات. وفي هذا العام 1985 بلغني أن الفتاة التي درستها في امتحان الثانوية قد جاءت إلى الدمام في السعودية مع زوجيها وهي منقبة وليست محجبة فقط. واعتذرت عن مقابلتي حيث قابلت زوجها.

وما يصدق على الحجاب يصدق على اللحية، فقد كنت وحدي في الجامعة لي لحية فقط بين جميع الأساتذة والطلاب عام 1970 .

تدبير وتدمير آخر: مذبحة ليمان طرة

ما كان لي أن أتعرض له ، لولا أن سيد رحمه الله أصر على ذكره في مرافعته، واعتبره مفتعلاً مثل حادثة المنشية: إنه مذبحة ليمان طرة:

ويقول:

ملاحظة:

تذكرت الآن حادثة تضاف إلى حادثة المنشية وظروفها، تقع ما بين سنتي 1955-1957 ....

مذبحة طرة : إنه بعد كل ما قاساه الإخوان المسلمون بعد حادثة المنشية من اعتقال الألوف منهم وتعرضهم لألوان من التعذيب الطويل ، وسجن المئات منهم وهو حوالي الألف (أي صدرت بحقهم أحكام ومحاكمة) وتخريب بيوتهم، وتشريد أطفالهم، ونسائهم الذين لم يشتركوا بأي نشاط دون أية كفالة من الدولة، ولا حتى معونة للبيوت التي قطعت أرزاقهم. وللأطفال والنساء الأبرياء بعد هذا كله رأيت أن هناك محاولات تبذل لخلق ظروف وملابسات يمكن بها إيقاع مذبحة كبرى للمسجونين والمعتقلين تحت ستار كستار حادثة المنشية.

حوالي إبريل ومايو / نيسان ومايس 1955 كان الإخوان المسلمون مقسمين على ثلاثة سجون: ليمان طرة وبه حوالي 400 أو أقل أو أكثر لا أتذكر. وسجن نصر وبه حوالي هذا العدد، والسجن الحزبي وبه أكثر من ألفين ممن لم يقدموا لمحاكمة، أو حكم عليهم مع إيقاف التنفيذ.

في مجموعة طرة كان هناك بعض الضباط السابقين: فؤاد جاسر، وحسين حمودة، وعبد الكريم عطية ، وجمال ربيع. وفي السجن الحزبي كان معروف الخضري ولا أذكر أحداً غيره.

المهم أن جمال ربيع أخذ يعرض مشروعاً يتلخص في محاولة موحدة التوقيت بين المجموعات الثلاث في السجون الثلاثة للخروج بالقوة من السجون بعد الاستيلاء على أسلحة الكتائب بها، ثم التجمع مع بقية الأخوان في الخارج – حسب خطته العسكرية التي لا أفهم في تفصيلاتها الفنية – وبعد عبور النيل لمحاولة عمل انقلاب بعد الاتصال بوحدات عسكرية يتصل هو بها أو هو على اتصال بها (( لا أتذكر تماماً لأني لم أعر الموضوع اهتماماً جدياً من هذه الوجهة)).

عرض هذا المشروع – كما قال لي – على فؤاد جاسر، وحسين حمودة فلم يوافقا، وعرض على الأستاذ صالح أبو رقيق فشتمه وعنفه كما قال لي فيما بعد الأستاذ صالح، وعرضه جمال ربيع علي قائلاً أنه لا يجد في الإخوان خمسين رجلا قلوبهم حديد لتنفيذ خطته، ومع عدم خبرتي بالمسائل الفنية العسكرية، فقد أحسست أنها محاولة انتحار جنونية لا يجوز التفكير فيها، لكنه أخذ يلح علي إلحاحاً شديداً في ضرورة التفكير الجدي في الخلاص، وفق خطته التي يضمن نجاحها من الوجهة الفنية.

في ذلك الوقت أنا كنت في طرة معتقلاً، ولم يصدر علي حكم بعد، ولم أحاكم، وذلك بسبب تمزق في الرئتين ونزيف حاد اقتضى نقلي من السجن الحزبي في 25 يناير 1955 إلى مصحة ليمان طرة للعلاج. وفي إبريل 1955 كانت حالتي قد تحسنت نوعاً ما، وتقرر إعادتي إلى السجن الحزبي لتقديمي للمحاكمة. فجاءني جمال ربيع قائلاً: إنه تدبير الله أن أذهب الآن إلى السجن الحربي لمقابلة معروف الخضري هناك، وعرض خطته عليه. ومع عدم اقتناعي بخطة واحدة بجدية خطة كهذه، فقد عرضت المسألة على معروف، وقبل أن يعلم مني من هو صاحب الخطة قال في عصبية:

دي دسيسة لتدبير مذبحة كبرى للإخوان الذين في السجون والذين في الخارج جميعا.

ثم سأل عن صاحب هذه الخطة؟ فقلت له: جمال ربيع. وكنت أعرف أنهما صديقان، وأن معروف اعتقل هو وجمال في بيت خال الأخير. وهنا قال لي: لا تقولوا له، دي خطة انتحارية ولا يجوز التفكير فيها أصلا.

ثم حوكمت وعدت إلى ليمان طرة . وأبلغت جمال رأي معروف. ولكنه ظل كما علمت يحاول إقناع الإخوان بضرورة تنفيذ الخطة حيث لم يستجيبوا له.

وفي ذلك الوقت كان قائد كتبية ليمان طرة وهو الصاغ عبد الباسط البنا وقد رأيته يزور مصحة الليمان ثلاث مرات ويسلم علي – على غير معرفة سابقة – ويحدثني في ضرورة تخليص الإخوان الذين في السجون لأنهم هكذا يستهلكون تماماً وخصوصاً هؤلاء الذين يقطعون الأحجار في جبل طرة مع كبار المجرمين. ومع معرفتي أنه لم يكن يوماً من الإخوان في حياة أخيه الشهيد حسن البنا، فقد سألته وكيف ذلك؟ فقال:

إنه كقائد لكتيبة يضع نفسه وأسلحة الكتيبة تحت تصرفنا، لأنه لم يعد يطيق منظر طابور الإخوان في الجبل.

وهنا تذكرت خطة جمال ربيع  ، ورنت في أذني كلمات معروف الخضري العصبية:

دي دسيسة لتدبير مذبحة للإخوان الذين في السجون والذين في الخارج جميعا. وقلت له: إحنا متشكرين على عواطفك، ولكن نحن نرى أننا أدينا واجبنا، وانتهت مهمتنا بدخول السجون، ولم نعد نستطيع عمل شيء، فمن أراد أن يعمل غيرنا فليعمل...

وانقطعت زيارته عني بعد ذلك. ثم نقل من الكتيبة ، ورحل بعدها عدد من الإخوان، وفيهم كبار المسؤولين، وكل أعضاء النظام الخاص كما سمعت أو معظمهم، ولم يبق من كبار الإخوان إلا الأستاذ منير دلة، وكان جمال ربيع فيمن رحلوا إلى الواحات، وقد ظل هناك كما علمت من الأستاذ صالح أبو رقيق فيما بعد يحاول محاولته بين الإخوان) لماذا أعدموني/ 20-24

محاولة أخرى :

يقول سيد رحمه الله: (لم تفلح المحاولة للمذبحة على هذا النطاق الواسع. ولكن محاولة أخرى قد أفلحت في ليمان طرة عام 1965، كان هناك ضابط برتبة ملازم أول في ذلك الوقت أو يوزباشي اسمه عبدالله ماهر على علاقة ظاهرة بالخمسة الشبان اليهود المسجونين في حادث جاسوسية، يؤدي لهم خدمات واضحة حتى ليحمل لهم الطعام الآتي من بيوتهم بنفسه، الأمر غير المعهود في الليمان، ويحتفي بأخت واحد منهم حفاوة مكشوفة للسجانين والنوبتجية من المذنبين. هذا الضابط بدأ التحرش والاستفزاز للإخوان بشكل ظاهر، مما أدى شيئاً فشيئاً إلى خلق جو مشحون بالتوتر بين إدارة الليمان والإخوان، ثم اندفع معه ضابط آخر برتبة صاغ لا يحضرني اسمه الآن حتى احتك بمجموعة من الشبان الطائشين المعروفين بين إخوانهم ولإدارة السجن بطيشهم – وكان الأستاذ منير قد أفرج عنه ولم تعد لمجموعة الشباب الباقية في الليمان أية قيادة عاقلة مجربة – ووقع بين ذلك الضابط وبين هؤلاء الشبان تماسك بالأيدي فعلا، ثم انتهت المسألة بوضع عدد من الإخوان في التأديب .

وظلت خطة الاستفزاز وشحن الجو بالتوتر من جانب الضابط عبدالله ماهر ورئيسه هذا حتى جاء يوم علم الإخوان الذين يخرجون إلى الجبل أن هناك خطة لضربهم بالرصاص بالجبل بحجة محاولتهم التمرد أو الهرب. فرأوا تفويتاً لهذه الخطة أن يعتصموا بالزنازين في اليوم التالي ويطلبوا حضور النيابة لإخطارها بما وصل إلى أسماعهم من تلك الخطة التي تدبر لهم. وهنا أمرت الكتيبة بضربهم بالرصاص، داخل عنبرهم بل داخل الزنازين بالنسبة لعدد كبير منهم، وقتل 21 وجرح حوالي ذلك). لماذا أعدموني / ص 24-26

تحليل سيد رحمه الله للمذبحة:

(وواضح أنه كان بالإمكان وهم داخل عنبر مغلق اتخاذ إجراءات أخرى إذ يكفي في هذه الحالة سحب السجانة القلائل من العنبر، وإغلاقهم من الخارج، وقطع الماء والزاد عنهم 24 ساعة فقط. وهنا يستسلمون حتى لو كان فعلاً متمردين . ولكن الإجراء الذي اتخذ وفي ظل ذلك الخط المتسلسل من الحوادث يدل بوضوح على أنها خطة مذبحة متصلة وراءها يد مدبرة لا يهمني الآن تبيينها بقدر ما يهمني ما تركته من شعور في نفسي عميق بأن حركة الإخوان المسملين مقصود بالذات القضاء عليها لصالح جهات أجنبية، وأن شتى التدبيرات تتخذ وشتى الوسائل لتدمير أشخاصها بالتعذيب أو تذبيحهم أو تخريب بيوتهم للقضاء في النهاية على الاتجاه من أساسه.

ولعله لم يكن من المصادفات كذلك أن يكون السيد صلاح دسوقي هو المشرف على التحقيق في مذبحة طرة، وقد شاع بين الإخوان في ذلك الحين أن التحقيق الذي تجريه النيابة كان يتجه في أول الأمر إلى اعتبارهم مجنياً عليهم. وأنه بعد حضور السيد صلاح وحضور محقق آخر اتجه التحقيق إلى اعتبارهم جناة، ولا يهم الآن تقدير قيمة هذا الذي شاع. ولكن يهم سير الأحداث حتى أدت إلى تلك النتيجة، وما تتركه في النفس من شعور بمؤامرة على الإخوان لا من الإخوان فيها) لماذا أعدموني / 26.

سيد قطب ضد العنف:

حرصت على أن أنقل كامل كلام سيد رحمه الله. فليس بين يدي منذ عام 1954 الاعتقال الثاني حتى عام 1957 إلا ما حدثنا فيه عن نفسه. فليس هناك كتب ولا مقالات نستنبط منها فكره وشخصه إلا ما ذكره في مرافعته. ونخلص من خلال ما تقدم إلى النتائج الهامة التالية:

1. كان يرى أن التصادم بين الإخوان المسلمين والنظام الحاكم خطة أجنبية مدبرة (وقد حاولت في وقتها منع التصادم الذي كنت ألمح بوادره. ولكني عجزت... ).

2. قرر أن ينحاز إلى الحق ضد الباطل مع معرفته بالتكاليف الباهظة لهذا الانحياز (وكانت نتيجة هذه الظروف مجتمعة انضمامي بالفعل سنة 1953 إلى جماعة الإخوان المسلمين).

3. ومع القرار الصعب الذي اتخذه آمن أن موقعه الحقيقي كمصلح سياسي واجتماعي هو في صف الجماعة (وفي الوقت نفسه كانت علاقتي بجماعة الإخوان المسلمين تتوثق باعتبارها في نظري حقلاً صالحاً للعمل للإسلام على نطاق واسع)

4. كان عمله في صف الإخوان المسلمين هو جهاد الكلمة ( ... إلا أن مجال العمل بالنسبة لي في نظرهم كان في الأمور لقسم الأمور الثقافية لقسم نشر الدعوة ودرس الثلاثاء .. أما الأعمال الحركية كلها فقد ظللت بعيداً عنها).

5. نفيه لتهمة وجوده في الجهاز السري ورئيس قسم المنشورات فيه، وهو الذي يمثل العمل العسكري للجماعة (واتهمت بأني في الجهاز السري ورئيس لقسم المنشورات فيه ، ولم يكن شيء من هذا كله صحيحاً ) لماذا أعدموني ؟ /13

6. كان يرى أن حادث محاولة اغتيال عبد الناصر ، حادث مدبر لإكمال التصادم الضخم بين الثورة والإخوان ( كان شيء ما يلح على تفكيري بأنه مدبر لتكملة الخطة التي تنتهي بالتصادم الضخم بين الثورة والإخوان تحقيقاً لأهداف أجنبية ).

7. كان يرى أن الخطة التي وضعتها أمريكا لضرب الحركة الإسلامية لتضخيم خطرها من خلال تقرير جونستون وافتعال حادث المنشية هي الذريعة المناسبة لذلك، وقد تحققت بنجاح (السياسة المخططة من جانب الصهيونية الاستعمارية لتدمير حركة الإخوان المسلمين في المنطقة تحقيقاً لمصالح ومخططات تلك الجهات قد تحققت بنجاح).

8. حرص الغرب على تدمير حركة الإخوان المسلمين هو لتدمير المقومات الأساسية للعناصر البشرية في المنطقة (بحيث تصبح هذه الملايين حطاماً منهاراً لا يملك المقاومة) و (الانتشار الهائل للأفكار الإلحادية والانحلال الأخلاقي نتيجة لتدمير الإخوان المسلمين).

9. مذبحة ليمان طرة مؤامرة جديدة لذبح قيادات الإخوان المسلمين الموجودين في السجون وفي الخارج.

10. التفكير بالانقلاب من داخل السجن محاولة انتحارية جنونية لا يجوز التفكير فيها (ومع عدم خبرتي بالمسائل العسكرية الفنية، فقد أحسست أنها محاولة انتحارية جنونية لا يجوز التفكير فيها).

11. عرض قائد كتيبة ليمان طرة - وهو أخو حسن البنا - أن يضع الكتيبة وأسلحتها تحت تصرف قيادة الإخوان وبحسه وحدسه البعيد أدرك أن دسيسة تدبر للقيام بمذبحة كبرى للإخوان في السجون والذين في الخارج.

12. اعتبر مهمته أن يقول كلمة الحق ويصدع فيها، ويتحمل مسؤوليتها من اعتقال أو سجن أو إعدام، وهنا تنتهي مهمته. وهكذا أجاب الصاغ البنا بقوله: نحن نرى أننا أدينا واجبنا وانتهت مهمتنا بدخول السجون، ولم نعد نستطيع عمل شيء، فمن أراد أن يعمل غيرنا فليعمل.

13. الشبان الطائشون هم الذين يندفعون فيدمرون ما تخطط له القيادة (ولم تعد لمجموعة الشباب الباقين في الليمان أية قيادة عاقلة مجربة. ووقع بين ذلك الضابط وبين هؤلاء الشبان تماسك بالأيدي فعلا. ثم انتهت المسألة بوضع عدد من الإخوان في التأديب).

14. الثبات على الحق في السجون مبدأ أصيل عند سيد، فهذه المرافعة كلها ووصل الماضي بالحاضر والثناء على الإخوان،  واعتبار القضاء عليهم مؤامرة صليبية صهيونية وتنفيذ لمخططات أجنبية انتهى بإعدامه، لا يملكه إلا الأبطال العظام في التاريخ (.. وفي ظل ذلك الخط المتسلسل من الحوادث يدل بوضوح على أنها خطة مذبحة متصلة وراءها يد مدبرة، لا يهمني الآن تعيينها بقدر ما يهمني ما تركته هذه السلسلة من شعور في نفسي عميق بأن حركة الإخوان المسلمين مقصود بالذات القضاء عليها لصالح جهات أجنبية . وأن شتى التدبيرات تتخذ وشتى الوسائل لتدمير أشخاصها بالتعذيب أو تذبيحهم أو تخريب بيوتهم للقضاء في النهاية على الاتجاه من أساسه) لماذا أعدموني ؟ / ص 26.

*باحث إسلامي سوري

 -------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ