ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الوطن
والمواطنة في صحيفة المدينة – 4 الدكتور
خالد الاحمد* تمهيد : يبدو لي أن مصطلحات (
وطن ، ومواطن ، ومواطنة ) جديدة
على كثير من الدعاة المسلمين ...
وكي نمر بسـلام في هذه الدنيا
إلى الآخرة دار القرار نحتاج
وطنـاً نعيش فيه ، وسيكون لنا
فيه جيران ، وشركاء ، وقد لايكون
في مقدورنا انتقاء هؤلاء
الجيـران وهؤلاء الشـركـاء ،
ننتقيهم كما نريد ونرغب ، بل
يفرض وجودهم فرضاً بطبيعة
الواقـع ، كما هو واقع المسلمين
منذ فجر التاريخ حتى هذه الساعة
، وفي كل مكان ، كنت تجد
المسلمين مع
( غير المسلمين ) يعيشون في وطن
واحد ... يقول الدكتور يوسف
القرضاوي يحفظه الله : قرر
فقهاء المذاهب المختلفة جميعاً
: أن غير المسلمين في المجتمع
الإسلامي، وهم الذين يعبَّر
عنهم في الاصطلاح الفقهي بـ (أهل
الذمة) يعدُّون من (أهل دار
الإسلام). فهم من (أهل الدار) وإن
لم يكونوا من (أهل الملَّة). وفي اجتهادي:
أن كلمة (أهل الدار) هذه تمثِّل
مفتاحا للمشكلة، مشكلة
المواطنة، لأن معنى أنهم (أهل
الدار) أنهم ليسوا غرباء ولا
أجانب، لأن حقيقة معناها: أنهم
أهل الوطن، وهل الوطن إلا الدار
أو الديار؟ بل أقول: إن الاشتراك
في الوطن يفرض نوعاً من الترابط
بين المواطنين بعضهم وبعض، يمكن
أن نسمِّيه (الأخوة الوطنية)
فكلُّ مواطن أخ لمواطنه، وهذه
الأخوة توجب له من حقوق
المعاونة والمناصرة والتكافل
ما يستلزمه معنى (الأخوة) أي
الانتماء إلى أسرة واحدة. والأخوة الوطنية
دليلها من القرآن الكريم ، عدة
آيات تصرح بالأخوة في الوطن،
منها قوله تعالى :{كَذَّبَتْ
قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ *
إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ
نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ} [الشعراء:106]،
وأمثالها كثير . انتهى كلام القرضاوي
. فقد قبل رسول الله r
اليهود مواطنين في المدينة
المنورة ، وعقد معهم عهداً عرف
باسم ( صحيفة المدينة ) تحدد
مالهم وماعليهم ، ولانـجد ميزات
للمسلمين على غير المسلمين ،
فحرية الدين للجميع ، ولكل
عبادته لله عزوجل – كما يعتقد –
والجميع يدافعون عن المدينة
المنورة ، إذا غـزاها العـدو . عمـر ويهودي في
المدينة : لاشك أن عمر بن
الخطاب رضي الله عنه الذي قال
عنه رسول الله صلى الله عليه
وسلم [ لوكان نبياً بعدي لكان
عمر ] ، لاشك أنه فهم صحيفة
المدينة ، وفهم ما أعطته هذه
الصفيحة لغير المسلمين من حقوق
، وسأعرض موقفاً لعمر رضي الله
عنه ، أجده في كتاب ( أخبار عمر
وأخبار عبدالله بن عمر ) تأليف
شيخنا علي الطنطاوي يرحمه الله
وأخيه ناجي ، يقول ص 110من الطبعة
الثالثة لدار الفكر (بيروت ) : (( ولما جعل عمر أرض
السواد من الأملاك العامة ،
وأقرها بأيدي أهلها، لم يتخذهم
أقناناً [ وكان نظام الأقنان ـ
وهم عبيد الأرض يباعون مع الأرض
ـ كان هذا النظام سائداً في
أوربا خلال العصور الوسطى ]، ولم
يثقلهم بالتكاليف ، بل وضع
عليهم من الجزية ( على الرجال
فقط وأعفى النساء والصبيان ) ،
والخراج ( على الأرض ) مقداراً
أقل مما كانوا يدفعونه للفرس
الحاكمين قبل الفتح .)). ((وكتب إلى ولاته
يأمرهم أن يمنعوا المسلمين من
ظلم أحد من أهل الذمة ، وأوصى
بأهل الذمة أن يوفى لهم عهدهم ،
ولايكلفون فوق طاقتهم )) . [ نقل الطنطاوي مامر
من كتاب الخراج ، ص 118] . ثم يتابع الطنطاوي
فيقول : (( ومر عمر بسائل شيخ
كبير[ في شوارع المدينة ] فقال
عمر : ما الذي ألجأك إلى السؤال ؟
قال الشيخ : السن والحاجة
والجزية . فقال عمر : من أي أهل
الكتاب أنت ؟ قال : يهودي . فأخذ
عمر كيسه وحمله عنه ، وقاده إلى
بيت المال : فقال للخازن : انظر
هذا وضرباءه ، فوالله ما
أنصفناه ، أكلنا شبيبته ، ثم
خذلناه عند الهرم ، فضع عنه
الجزية ، وعين له راتباً في بيت
المال . [ نقلها الطنطاوي من
الخراج ص 150، وزدت فيها على ضوء
مايوجد في كتاب الأموال وغيره ص
43 ] . وفي ص 113 يقول
الطنطاوي ماخلاصته: (( بعث عمر زياد بن
حدير الأسدي على عشور العراق
والشام ، فمر به رجل من تغلب من
نصارى العرب ومعه فرس ، فقوموها
بعشرين ألف درهم ، فدفع عليها
ألفاً ( نصف العشر ) ، وفي السنة
نفسها مـر النصراني مرة أخرى
راجعاً ، فطلب منه ألفاً أخرى ،
فرجع النصراني إلى عمر فوافاه
في مكة ، [ يجوز عند الحنفية دخول
الذمي الحرم ] ، فقص على عمر قصته
، فكتب عمر إلى واليه ( زياد بن
حدير ) أن لايأخذ منه مرة أخرى
حتى يمر حول كامل ، وسافر
النصراني ومر بزياد ـ وقد وطن
النصراني نفسه على دفع ألف أخرى
ـ ولكنه وجد كتاب عمر سبقه ،
فأخبره زياد بكتاب عمر ، فقال
النصراني : أشهد الله أني بريء
من النصرانية ، وإني على دين ذلك
الرجل الذي كتب لك الكتاب [
نقلها الطنطاوي عن خطط المقريزي
2/122والخراج لأبي يوسف 162] . [ تعليق الباحث : هذا عمر رضي الله عنه
: يخبرنا ويعلمنا أن ( غير المسلم
) الذي يعيش بين المسلمين
معاهداً له حق الحياة الكريمة ،
مثل أي مواطن يعيش بين المسلمين
، ويتكفل المسلمون ذلك ، فأعطاه
عمر من بيت مال المسلمين ... فما أحوجنا اليوم ـ
ونحن نخطط سوريا المستقبل ـ أن
يكون هذا واضحاً في أذهاننا ،
فلكل ( مواطن ) حق الحياة الكريمة
، وعلى المجتمع المسلم توفيرها
له ومساعدته على تحصيل الحياة
الكريمة ، لسبب واحد وهو أنه (
مواطن )] ... *باحث
في التربية السياسية ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |