ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 02/03/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

أزمة هويّة.. ومسؤوليّة!

صبحي غندور*

في الأمّة العربية مزيج مركّب من هويات "قانونية" (الوطنية) و"ثقافية" (العروبة) و"حضارية" (الدين). وهذا واقع حال ملزم لكل أبناء البلدان العربية حتى لو رفضوا فكرياً الانتماء لكلّ هذه الهويات أو بعضها.

لكن معظم المنطقة العربية يعيش الآن مخاطر التهديد للوحدة الوطنية كمحصّلة لمفاهيم أو ممارسات خاطئة لكلٍّ من الوطنية والعروبة والدين. وقد عانى العديد من الأوطان العربية، وما يزال، من أزمات تمييز بين المواطنين، أو نتيجة ضعف بناء الدولة الوطنية ممّا أضعف الولاء الوطني لدى الناس وجعلهم يبحثون عن أطر فئوية بديلة لمفهوم المواطنة الواحدة المشتركة.

وقد اعتقد بعض العرب، خاصّةً ممّن هم في مواقع الحكم، أنّ إضعاف الهوية الثقافية العربية أو الانتماء للعروبة بشكل عام، سيؤدّي إلى تعزيز الولاء الوطني، لكنّ ذلك كان كمن أراد إضعاف التيارات السياسية الدينية من خلال الابتعاد عن الدين نفسه، عوضاً عن الطرح السليم للعروبة والدين، وبإفساح المجال أيضاً لحرّية التعبير السياسي والفكري للتيّارات كلّها.

وهاهي المنطقة العربية الآن تشهد تحدّيات على بلدانها وأرضها وثرواتها ووحدة مجتمعاتها، دون أي سياج فكري يحصّن الأوطان أو يساهم في دفع الأوضاع نحو مستقبل أفضل.

حتى الأطر السياسية لحركات المقاومة القائمة الآن في المنطقة العربية هي أطر محكومة بمواصفات فئوية مهما كانت قيمة أعمالها وشمولية إنجازاتها.

وهذه الأطر السياسية الحاملة لمشعل "المقاومة" هي قائمة في ظلّ بيئات موبوءة بأوضاع طائفية ومذهبية تحاصر الإنجازات وتشوّه أحياناً صورة العمل المقاوم نفسه.

إنّ الفهم الصحيح والممارسة السليمة لكلٍّ من (الوطنية والعروبة والدين) يتطلّب أصلاً نبذاً لأسلوب العنف بين أبناء المجتمع الواحد مهما كانت الظروف والأسباب، وما يستدعيه ذلك من توفّر أجواء سليمة للحوار الوطني الداخلي، والتضامن المنشود بين الدول العربية.

إنّ أساس الخلل الراهن في جسم الأمَّة العربية هو في عقول العديد من المفكرين والسياسيين وعلماء الدين الذين فشلوا عملياً في الحفاظ على الظاهرة الصحية بالتعدّد الطائفي والمذهبي والإثني في مجتمعاتهم، حيث أصبحت الأفكار والممارسات تصبّ كلّها في أطر فئوية موجّهة كالسهام ضدّ الآخر في ربوع الوطن الواحد.

فالتعدّدية كانت قائمة في البلاد العربية خلال الخمسينات والستينات، لكنّها لم تكن حاجزاً بين الشعوب ولا مانعاً دون خوض مشترك لمعارك التحرّر والاستقلال الوطني، بل كانت مفخرة معارك التحرّر آنذاك أنّها تميّزت بطابع وطني عام صبغ القائمين بها، فكانت فعلاً مجسّدة لتسمية "حركة تحرّر وطني".

اليوم، نتعايش مع إعلام عربي وطروحات فكرية وسياسية لا تخجل من توزيع العرب على طوائف ومذاهب وأقليات بحيث أصبحت الهوية الوطنية الواحدة غايةً منشودة بعدما جرى التخلّي المخزي عن الهوية العربية المشتركة.

هو انحطاط وانقسام حاصل الآن بعدما استباحت القوى الأجنبية (الدولية والإقليمية)، وبعض الأطراف العربية، استخدام السلاح الطائفي والمذهبي والإثني في حروبها وصراعاتها المتعدّدة الأمكنة والأزمنة خلال العقود الثلاثة الماضية. وهاهي الأمَّة العربية الآن تعيش تحوّلات سياسية خطيرة هي نتاج طبيعي لتراكم ما حدث من تفاعلات ومتغيّرات في الثلاثين سنة الماضية، كان "الخارج" و"الداخل" فيها مسؤوليْن عن عصارة السلبيات التي تنخر الآن في جسد الأمَّة.

المشكلة الآن في الواقع العربي الرّاهن هي أنّ معظم " الجيل القديم " يحمل أفكاراً مليئة بالشوائب والحالات المرضيّة الذهنيّة الموروثة التي كانت مسؤولة في السابق عن تدهور أوضاع المجتمعات العربيّة وتراكم التخلّف السياسي والاجتماعي والثقافي في مؤسّساتها المختلفة.

فالمفاهيم المتداولة حالياً في المجتمعات العربيّة هي الّتي تصنع فكر الجيل الجديد وهي الّتي ترشد حركته. لذلك نرى الشّباب العربي يتمزّق بين تطرّف في السّلبيّة واللامبالاة، وبين تطرّف في أطر فئويّة بأشكال طائفيّة بعضها استباح العنف بأقصى معانيه وأشكاله.

إنّ المفاهيم التي تحرّك الجيل العربي الجديد الآن، هي مفاهيم تضع اللّوم على "الآخر" في كل أسباب المشاكل والسلبيّات، ولا تحمل أي "أجندة عمل" سوى محاربة "الآخر". وهي بذلك مفاهيم تهدم ولا تبني، تفرّق ولا توحّد، وتجعل القريب غريباً والصّديق عدوّاً!.. فيصبح الهمّ الأوّل للجيل العربي الجديد هو كيفيّة التمايز عن "الآخر" لا البحث معه عن كلمة سواء.

الشّباب العربي المعاصر لم يعش حقبات زمنيّة عاشها من سبقه من أجيال أخرى معاصرة، كانت الأمّة العربيّة فيها موحّدة في مشاعرها وأهدافها وحركتها رغم انقسامها السياسي على مستوى الحكومات. مراحل زمنيّة كان الفرز فيها بالمجتمع يقوم على اتجاهات فكريّة وسياسيّة، لا على أسس طائفيّة أو مذهبيّة أو حتّى إقليميّة. لكن سوء الممارسات في بعض التجارب الماضية، والعطب في البناء السياسي الداخلي، إضافة إلى التدخّل والتآمر الخارجي، أدّى كلّه للإساءة إلى المفاهيم نفسها، فاستُبدِل الانتماء القومي والوطني بالهويّات الطائفيّة والمذهبيّة والمناطقيّة، وأضحى العرب في كل وادٍ تقسيميٍّ يهيمون، ويقولون ما لا يفعلون!.

جيل الشباب المعاصر يفتقد حالياً ما كان في الأمّة من إيجابيّات رغم سوء الممارسات أحياناً أو نواقص الفكر أحياناً أخرى. فالمشكلة اليوم هي في الفكر والأساليب معاً. في الحكومات والمعارضات، في الواقع وفي البدائل المطروحة له. لكنّها أيضاً هي فرصة هامّة، بل هي مسؤوليّة واجبة، للجيل العربي الجديد المعاصر الآن، أن يدرس ماضي أوطانه وأمته بموضوعيّة وتجرّد، وأن يستخلص الدروس والعبر لبناء مستقبل جديد أفضل له وللجيل القادم.

وفي كل عمليّة تغيير هناك ركائز ثلاث متلازمة من المهم تحديدها أولاً: المنطلق، الأسلوب، والغاية. فلا يمكن لأي غاية أو هدف أن يتحقّقا بمعزل عن هذا التّلازم بين الركائز الثلاث. أي أنّ الغاية الوطنيّة أو القوميّة لا تتحقّق إذا كان المنطلق لها، أو الأسلوب المعتمد من أجلها، هو طائفي أو مذهبي أو مناطقي.

ولعلّ في تحديد (المنطلقات والغايات والأساليب) يكون المدخل السليم لدور أكثر إيجابيّة وفعاليّة للشباب العربي اليوم.

 فعسى أن نشهد قريباً ولادة جيل عربي جديد يحرص على هويّته الثقافيّة العربيّة ومضمونها الحضاري، وينطلق من أرضيّة عربيّة ووطنيّة مشتركة تعتمد مفهوم المواطنة لا الانتماء الطائفي أو المذهبي أو الأصول العرقيّة، وتستهدف الوصول - بأساليب ديمقراطيّة لا عنفيّة - إلى " اتحاد عربي ديمقراطي" حرّ من التدخّل الأجنبي، وتتساوى فيه حقوق الأوطان وواجباتها كما تتساوى في كلٍّ منها حقوق المواطنين.

إنَّ الصراع على "الهُويّة" في المنطقة العربية هو جوهر الصراعات السائدة الآن، وهو صراع دولي/إقليمي في إطاره العام الجاري حالياً، ويريد البعض تحويله إلى صراعات طائفية ومذهبية في أكثر من مكان. لكن صمّام الأمان لوحدة الأوطان والمجتمعات العربية يكون في التأكيد على الطبيعة السياسية للصراع وفي ملء الفراغ الكامن عربياً من حيث انعدام المرجعية العربية الفاعلة والمشروع العربي الواحد لمستقبل الأمَّة وأوطانها. وهذا المشروع لن تقوم له قائمة ما لم تكن حاضرة فيه، ومعاً، ركائزه الثلاث: الديمقراطية والتحرّر الوطني والهويّة العربية.

إنّ اليأس من أيّ عمل يعني الجمود والفراغ، وهذه مبرّرات كافية لانبثاق حركات تحاول ملء الفراغ ولو بمضمون خاطئ.

إنّ نقد الواقع ورفض سلبياته هو مدخل صحيح لبناء وضع أفضل، لكن حين لا تحضر بمخيّلة الإنسان العربي صورة أفضل بديلة لواقعه، فإنّ النتيجة الحتمية هي تسليمه بالواقع تحت أعذار اليأس والإحباط.

وكذلك هي مشكلة كبرى حين يوجد عمل لكن في اتجاه غير صحيح.

إنّ البلاد العربية هي أحوج ما تكون الآن إلى بناء حركة عروبية ديمقراطية تحرّرية تستند إلى توازن سليم في الفكر والممارسة بين شعارات الديمقراطية والتحرّر الوطني والهوية العربية، حركة فكرية وثقافية وسياسية تجمع ولا تفرّق داخل الوطن الواحد، وبين جميع أبناء الأمَّة العربية.. وإذا ما توفّرت الأداة السليمة يصبح من السهل تنفيذ الشعارات ..

إنّ إعفاء النّفس العربيّة من المسؤوليّة هو مغالطة كبيرة تساهم في خدمة الطّامعين بهذه الأمّة والعاملين على شرذمتها، فعدم الاعتراف بالمسؤوليّة العربيّة المباشرة فيه تثبيت لعناصر الخلل والضعف وللمفاهيم التي تغذّي الصّراعات والانقسامات.

* مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن

alhewar@alhewar.com

 -------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ