ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 20/03/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

عندما يكون نظام الحكم: مِنْ برّا رخام ومِنْ جوّا سخّام!

سالم أحمد*

يوم أن حصل انقلاب 8 آذار في عام 1963وجاء بالناصريين وبالبعثيين إلى الحكم وانفرد بعد  ذلك البعثيون بالحكم، دخلت السلطة في سورية في طور جديد ما عرفه السوريون من قبل. وعندما أوغل القادة الانقلابيون في مخاضهم العسير: في كل شهر انقلاب، وفي كل يوم حكومة وفي كل سنة قيادة، حتى أصبح الوضع فوضى لا يضبطه ضابط ولا ينظمه منهج واضح. وقد استمر هذا الوضع على مدى ثماني سنوات ما كنت تعرف على الحقيقة: يدَ منْ فوق؟ فقد انطبق على الحكم المثل العامي القائل: "كل من قَويَ قام". وأصبحت السمة البارزة هي "الحكم من خلال دكاكين السلطة".

استمر الوضع على هذا الحال حتى استطاع "حافظ أسد" الإطاحة بالجميع، وإغلاق كل تلك الدكاكين، ليؤسس إمبراطوريته التي استمرت على مدى ثلاثة عقود، وليحكم من بعده ابنه بشار، حيث شارف عقده الأول على الاكتمال، هذا إذا قيض له أن يكتمل. ولكن كيف حكم الرئيس "حافظ أسد" إمبراطوريته خلال عقوده الثلاثة؟

أستعجل لأذكّر القارئ الكريم بما قاله الأستاذ "عبد الباري عطوان" رئيس تحرير صحيفة "القدس العربي" اللندنية في مقابلة على قناة الجزيرة القطرية، تعليقا على سكوت الحكومات العربية عما يحصل من تدمير في "غزة"، فهاجم القيادات العربية الحالية وأشاد بالقيادات التاريخية وذكر منهم الرئيسين جمال عبد الناصر وحافظ أسد، وأشاد بمواقفهما.

إذا كنت لا أريد أن أدخل في معركة كلامية –فات وقتها- مع بقايا الناصريين. وهم مثقفون قد نختلف معهم لكنا لا نتهمهم، ما يزالون يعيشون على أمجاد انتصارات يعتقدون أن جمال عبد الناصر خاضها خلال حكمه مصر –وسورية في عهد الوحدة- في خمسينات وستينات القرن العشرين. وقد طوى الموت أكثر هؤلاء المثقفين.

غير أني لن أدع مقولة الأستاذ "عطوان" تمر عندما امتدح عهد حافظ أسد الذي ما يزال في ذاكرة الشعب السوري -واللبناني على وجه الخصوص- بكل ما جره العهد من ويلات  على سورية ولبنان وما ألحقته سياساته بالقضية الفلسطينية من تقزيم وتشويه حتى أصبحت القضية عبارة عن "أوراق" يساوم حافظ أسد واشنطن عليها في بازار السياسة، مقابل تحقيق امتيازات شخصية له ولمن يخلفه في حكم سورية وفي وصايته على لبنان.

هناك من يزعم أن عهد حافظ أسد كان عهد استقرار لسورية. وهو زعْمٌ باطل أريدبه باطل .إلاإذا كان القهر الذي عاشه السوري تحت حكمه، والخوف الذي ملأ قلبه أن يصبح واحدا

من عشرات آلاف القتلى ومثلهم من المعتقلين ومئات آلاف المشردين، يعتبر استقراراً. نعم

لقد عاش السوري في رعب قاتل، وخوف يملأ أقطار نفسه من أن تندّ من لسانه كلمةٌ عفوَ الخاطر، ليجد نفسه في اليوم التالي في غياهب المعتقلات.

كل هذا الإرهاب من قهر وبطش وتنكيل عاشه السوريون في عهد حافظ أسد لم يمنع الذين يتغنون بحقوق الإنسان أن يصفوا عهده بالاستقرار. فيخرج علينا كتاب الأعمدة والمقالات "بمقولة باطلة أريد بها باطل"، وهي أن حافظ أسد وطد الأمن والاستقرار في سورية. نظر هؤلاء وأولئك إلى سورية من خارجها، وما دخلوا في حواريها وشوارعها الضيقة ليسمعوا زفرات الثكلى التي قتل حافظ أسد ابنها، وحسرة الأيم التي اعتقل زوجها ويرَوا دمعة طفل غُيّب أبوه في المعتقل. نظروا إلى سورية من خلال إعلامٍ منافق وشهادات حكومات غربية خدم عهد حافظ أسد مصالحها على حساب مصالح الشعب السوري. ولم ينظروا إليها من خلال التدمير الذي حل في كل بيت وشارع وقرية. حطم جلادو حافظ أسد كبرياء المواطن السوري فسكت عن خوف لا عن رضى. لذا فقد اعتبر كتاب الأعمدة –إذا أحسنا الظن بهم- سكوت الشعب السوري عن حكم حكامه الذين لا يرحمون أنه راض. وما علموا أن الخوف أسكتهم. كانت سورية براقة في المظهر لمن ينظر إليها من الخارج، كئيبة المخبر لمن عرفها عن قرب. طحنها إفقار أهلها من قبل جماعات النهب المنظم الذين تمكنوا من مفاصل السلطة. حتى غدت كما قال المثل: "من برا رخام ومن جوا سخامِ".

أما الشعب اللبناني فقد باعته واشنطن لحافظ أسد على أن يقوم بتحجيم معارضي نفوذها في كل من سورية ولبنان، وأن يكسر شوكة الفلسطينيين. ففوضت له أمر لبنان، يفعل فيه أسوأ مما فعله الفرنسيون أثناء الاحتلال، فجعل اللبنانيين شيعا وأحزابا يقتل بعضهم بعضا. وبعد اتفاق "الطائف" الذي نص على رحيل قوات الوصاية السورية عن لبنان، مددت له واشنطن نفوذه في لبنان. فكان "غازي كنعان" -من "مجدل عنجر"- الحاكم بأمره في لبنان كله. ولم تخرج قوات الوصاية إلا بعد أن تخلت واشنطن عن دعم النظام السوري.

فإذا قيل لك إن لبنان كان مستقراً في عهد ما بعد "الطائف"، فاعلم أنه استقرار فرض تحت حراب قوات الوصاية، وغطاء من واشنطن. لقد كانت القلوب ملآنة، لكن الألسن أخرسها الخوف من بطش "غازي كنعان" ومن بعده "رستم غزالي". وكما في سورية فقد كان لبنان في عهد الوصاية: "من برّا رخام ومن جوّا سخّام".

*كاتب سوري

 -------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ