ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 30/03/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


 

القرضاوي: المسلمون يعلنون ثقافة التسامح

وينشرونها أكثر من غيرهم

منير أديب

التعصب من أشد الأمور خطرا علي الأمة، والتي تهدد المجتمعات بالتمزق والتعادي، بل قد تفضي إلى اشتعال الحروب بين المجتمعات بعضها وبعض، بل بين أبناء المجتمع والوطن الواحد.

بهذه الكلمات بدأ العلامة الدكتور يوسف القرضاوي بحثه القيم والذي جاء تحت عنوان " ثقافة التسامح عند المسلمين ".

وضح الدكتور القرضاوي في بحثه أن بعض المسلمين يربطون بين الإيمان الديني ويعتبرونه ملازم للتعصب ولا يفارقه، وفي ذلك يعتقد هؤلاء أنهم علي الحق  وما عاداهم على الباطل، وأن إيمانه هو سبيل النجاة، ومن لم يتمسك بعروته الوثقى لم يهتد إلى طريق الخلاص.

 ولفت النظر إلي أن الإسلام عالج كثير من التصورات النظرية الخاطئة، والمشكلات العملية، من خلال ثقافة أصلية واضحة أسسها وأرساها، وعلمها لأبنائه، وهي ثقافة تؤسس: التسامح لا التعصب، والتعارف لا التناكر، والحب لا الكراهية، والحوار لا الصدام، والرفق لا العنف، والرحمة لا القسوة، والسلام لا الحرب.

المصادر

وقال إن مصادر ثقافة التسامح لدي المسلم كثيرة وأصيلة. وأعظمها بلا ريب هو: القرآن الكريم؛ الذي أسس أصول التسامح، ورسخها في سوره المكية والمدنية، بأساليبه البيانية المعجزة، التي تخاطب الكيان الإنساني كله، فتقنع العقل، وتمتع العاطفة، وتحرك الإرادة. وسيرى القارئ الكريم أن الدعائم الشرعية والمنطقية التي سنعتمد عليها في الدعوة إلى التسامح وإشاعته وتثبيته: مستمدة من القرآن أساساً.

ولفت النظر إلي ضرورة الاستئناس بأقوال أئمة الأمة وفقهائها وعلمائها الراسخين الذين هم ورثة النبوة، بعد القرآن والسنة الشارحة، وحملة علمها، ينفون عنه تحريف الغاليين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.

وذكر ومن مصادر ثقافة التسامح لدى المسلم: الواقع التاريخي لأن الإسلام، بهذا التاريخ قام على التسامح مع المخالفين، لم يخالف في ذلك خليفة أو سلطان، أو قائد، أو وزير في المشرق والمغرب، في خلافة بني أمية، أو بني، أو بني العباس، أو بني عثمان. ولقد شهد بذلك مؤرخون منصفون من الغربيين وغيرهم، ونقلنا ذلك عنهم في أكثر من كتاب لنا، منهم تومس أرنولد، وغستاف لوبون، وغيرهما.

الخصائص

وأشار أن لثقافة التسامح الإسلامي خصائص متعددة، بيد أن هناك خصيصة مهمة، وهي: أن صبغتها الدينية، ومصدرها الرباني، وانبثاقها أصلا من الأوامر الإلهية، والتوجهات النبوية: تجعل لها سلطة على المسلمين، نابعة من قلوبهم وضمائرهم، يذعنون لها، ويحرصون على تنفيذ أحكامها، بدافع من إيمانهم، وخشية لربهم.

وفرق بين سلطة القوانين الوضعية التي يحاول كثير من الأفراد التحلل منها، والتحايل على أحكامها، وبين الأحكام الإلهية، التي بشر المؤمنون بها: أنهم باحترامها وإتباعها، يكسبون رضوان  الله تعالى، ومثوبته في الآخرة، وسكينة النفس، وراحة الضمير في الدنيا، كما قال تعالى:{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (النحل:97).

الركائز العقدية والفكرية

وفي ذلك قال الدكتور القرضاوي أنها مبنية علي إقرار التعددية والاختلاف واليقين أن حساب المختلفين  مرهون بالحساب يوم القيامة واعتبار البشرية كلها أسرة واحدة

وفي ذلك قال القرضاوي  أن رسول الإسلام أعلن هذه الحقيقة  - وحدة الأسرة البشرية- أمام الجموع الحاشدة في حجة الوداع، قائلا: "يا أيها الناس إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، كلكم لآدم، وآدم من تراب، لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى إن أكرمكم عند الله أتقاكم"[1]. وهو تقرير وتأكيد لما جاء في الآية الكريمة من سورة الحجرات{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات:13).

 فالمراد بالذكر – حسب ما قاله الدكتور القرضاوي - الأنثى كما دل علي ذلك القرآن الكريم والسنة النبوية.

وأضاف أن القرآن أثبت ذلك وأكد أن هناك أخوة دينية بين أهل الإيمان أو أهل الدين الواحد، كمــا قال تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْـــوَةٌ}(الحجرات: من الآية10)، { فَأَصْبَحْتُــــمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً}(آل عمران: من الآية103). كما أثبت أن هناك أخوة قومية ووطنية، كالتي أثبتها بين الرسل وأقوامهم المكذبين لهم {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً }(لأعراف: من الآية65)، {إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً}(النمل: من الآية45). والأخوة هنا قطعا ليست دينية، وإنما هي أخوة قومية، ولهذا كان يبدأ كل رسول من هؤلاء نداءه بقوله: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ }(لأعراف: من الآية59). فلا غرو أن يكون هناك أخوة إنسانية آدمية بحكم الانتساب إلى آدم أبي البشر، ومن هنا نودوا جميعا بقوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ َ} في القرآن خمس مرات.

تكريم الإنسان لإنسانيته

حول هذا العنوان وضح الدكتور القرضاوي أن الإسلام أعتني بتكريم الإنسان من حيث هو إنسان، بغض النظر عن لون بشرته أو لون عينيه، أو صبغة شعره، أو شكل أنفه أو وجهه، أو بالنظر إلى لغته أو إقليمه الذي يعيش فيه، أو عرقه الذي ينتمي إليه، أو طبقته الاجتماعية التي ينتسب – أو ينسبه الناس-  إليها، أو حتى دينه الذي يعتنقه ويؤمن به.

مضيفا أن الآدمية هي أساس التكريم في نظر القرآن، كما قال تعالى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (الإسراء:70). وقال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} (التين:4).وقال سبحانه: {الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الإنسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} (الرحمن:1-4). وقال في أول ما نزل من القرآن:{اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} (العلق: 3-5). وقال عز وجل {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}(البقرة:30).

وأشار أن القرآن عقد مسابقة بين آدم والملائكة، ظهر فيها فضل آدم أبي البشر على الملائكة الكرام. ومن ثم أمر الإسلام باحترام الإنسان، فلا يجوز أن يؤذى في حضرته، أو يهان في غيبته، حتى بكلمة يكرهها لو سمعها، ولو كانت حقيقة في نفسها، ولكنها تؤذيه، وحتى بعد موته لا يذكر إلا بخير، ولا يجوز أن تمتهن حرمة جسده حيا أو ميتا، حتى جاء في الحديث: "كسر عظم الميت ككسر عظم الحي".

ويستطرد ومن الأحاديث الصحيحة التي لها دلالة: ما رواه الشيخان أن النبي صلى الله عليه وسلم مروا عليه بجنازة، فقام لها واقفا، إكراما للميت، فقال له الصحابة: يا رسول الله؛ إنها جنازة يهودي! (يريدون أنها ليهودي أي أنها ليست جنازة مسلم) فقال عليه صلى الله عليه وسلم- وما أروع ما قال- : "أليست نفسا؟!".

البر والقسط للمسالمين من غير المسلمين

ويضيف والإسلام يضع عدد من الركائز خاصة بالتعامل بالبر والقسط مع المسالمين من غير المسلمين، وهو ما سجلتُه في أول كتاب لي دخلت به ميدان التأليف العلمي، وهو كتاب (الحلال والحرام في الإسلام) منذ ما يقرب من نصف قرن من الزمان. ويضيف ذكرت في فصل (علاقة المسلم بغير المسلم) ما يلي: إذا أردنا أن نجمل تعليمات الإسلام في معاملة المخالفين له - في ضوء ما يحل وما يحرم- فحسبنا آيتان من كتاب الله، جديرتان أن تكونا دستورا جامعا في هذا الشأن. وهما قوله تعالى: { لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ* إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ } سورة الممتحنة:8،9.

العداوات بين الناس ليست أمرا دائما

وفي ذلك يضيف الدكتور القرضاوي أن الإسلام أرسي هذه العقيدة لدي المسلمين وعلّمهم إياها، وغرسها في عقولهم وضمائرهم وهي أن الناس قد يعادي بعضهم بعضا، لأسباب مختلفة، دينية أو دنيوية، ولكن هذه العداوات – على حق كان أو على باطل- لا تدوم أبد الدهر، فالقلوب تتغير، والأحوال تتبدل، وعدو الأمس قد يصبح صديق اليوم، وبعيد اليوم قد يصبح قريب الغد، وهذه قاعدة مهمة في علاقات الناس بعضهم ببعض، فلا ينبغي أن يسرفوا في العداوة، حتى لا يبقوا للصلح موضعا، وهذا ما نبه إليه القرآن بوضوح بعد نهيه عن موالاة أعداء الله وأعداء المسلمين في أول سورة الممتحنة، وضرب مثلا بصلابة إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم: {إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ }(الممتحنة:4). بعد هذا قال تعالى: {عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(الممتحنة:7).

الدعوة إلى الحوار بالتي هي أحسن

ويقول الدكتور القرضاوي أن الإسلام دعا إلي حوار المخالفين بالحسنى، وذلك في قوله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }(النحل:125)، فالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة – غالبا- مع الموافقين، والجدال بالتي هي أحسن – غالبا - مع المخالفين. فالمسلمون مأمورون من ربهم أن يجادلوا مخالفهم، بالطريقة التي هي أحسن الطرق، أمثلها وأقرب إلى القبول من المخالف.

وفي ذلك يأتي الجدال بالتي هي أحسن، مضيفا أن الحوار الذي ندعو إليه مع المخالفين لنا، هو الذي لا يسعى إلى إيغار الصدور، أو المباعدة بين القلوب، وإثارة ما يشعل الفتنة، أو يورث الضغينة، بل يعمل على تقريب القلوب بعضها من بعض، كما قال تعالى في مجادلة أهل الكتاب: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ}(العنكبوت:46). فالآية تركز على الجوامع المشتركة التي يؤمن بها الفريقان، لا على نقاط التمايز والاختلاف، وهذا من أصول الحوار بالحسنى. وبهذا يرى الإسلام ضرورة الحوار بين المتخالفين، ولا يرى حتمية الصراع بينهم، كما ادعى الكاتب الاستراتيجي الأمريكي (صمويل هانتجتون).

ويشير إلي أن الحوار الإسلامي المسيحي بدأ منذ حوالي أربعين سنة، ولم يزل مستمرا إلى عهد قريب، وقد شاركت في أكثر من مؤتمر لهذا الحوار، منها: مؤتمر القمة الإسلامية المسيحية في روما (أكتوبر2001) التي دعت إليها جمعية (سانت جديو) وقد شار فيه كبار الكرادلة، وكبار علماء المسلمين. والقمة الإسلامية المسيحية في برشلونة (2003م) ومؤتمر الحوار الإسلامي المسيحي مع الكنائس الشرقية خاصة في القاهرة. ولكن بعد كلمات بابا الفاتيكان (بندكت السادس عشر) في محاضرته بألمانيا (12سبتمبر 2006) التي أساء إلى الإسلام ونبيه وعقيدته وشريعته وحضارته: توقف الحوار بيننا وبين القوم؛ حتى يظهر موقف آخر يمحو الأذى السابق.

أعلى درجات التسامح عند المسلمين وحدهم

ويري الدكتور القرضاوي أن المسلمين يتمتعون بأعلى درجات التسامح مع غيرهم وبخاصة التسامح الديني والفكري والذي له درجات ومراتب

فالدرجة الدنيا من التسامح أن تدع لمخالفك حرية دينه وعقيدته، ولا تجبره بالقوة على اعتناق دينك أو مذهبك، بحيث إذا أبى حكمت عليه بالموت أو العذاب أو المصادرة أو النفي أو غير ذلك من ألوان العقوبات والاضطهادات التي يقوم بها المتعصبون ضد مخالفيهم في عقائدهم.. فتدع له حرية الاعتقاد، ولكن لا تمكنه من ممارسة واجباته الدينية التي تفرضها عليه عقيدته، والامتناع مما يعتقد تحريمه عليه.

والدرجة الوسطى من التسامح: أن تدع له حق الاعتقاد بما يراه من ديانة ومذهب ثم لا تضيق عليه بترك أمر يعتقد وجوبه أو فعل أمر يعتقد حرمته. فإذا كان اليهودي يعتقد حرمة العمل يوم السبت فلا يجوز أن يكلف بعمل في هذا اليوم. لأنه لا يفعله إلا وهو يشعر بمخالفة دينه. وإذا كان النصراني يعتقد بوجوب الذهاب إلى الكنيسة يوم الأحد فلا يجوز أن يمنع من ذلك في هذا اليوم.

والدرجة التي تعلو هذه في التسامح: ألا نضيق على المخالفين فيما يعتقدون حله في دينهم أو مذهبهم. وإن كنت تعتقد أنه حرام في دينك أو مذهبك. وهذا ما كان عليه المسلمون مع المخالفين من أهل الذمة. إذ ارتفعوا إلى الدرجة العليا من التسامح. فقد التزموا كل ما يعتقده غير المسلم أنه حلال في دينه، ووسعوا له في ذلك، ولم يضيقوا عليه بالمنع والتحريم. وكان يمكنهم أن يحرموا ذلك مراعاة لشريعة الدولة ودينها ولا يتهموا بكثير من التعصب أو قليل، ذلك لأن الشيء الذي يحله دين من الأديان ليس فرضًا على أتباعه أن يفعلوه.

فإذا كان دين المجوسي يبيح له الزواج من أمه أو أخته فيمكنه أن يتزوج من غيرهما ولا حرج. وإذا كان دين النصراني يحل له أكل الخنزير، فإنه يستطيع أن يعيش عمره دون أن يأكل الخنزير، وفي لحوم البقر والغنم والطير متسع له. ومثل ذلك الخمر، فإذا كانت بعض الكتب المسيحية قد جاءت بإباحتها أو إباحة القليل منها لإصلاح المعدة، فليس من فرائض المسيحية أن يشرب المسيحي الخمر.

فلو أن الإسلام قال للذميين: دعوا زواج المحارم، وشرب الخمر، وأكل الخنازير، مراعاة لشعور إخوانكم المسلمين، لم يكن عليهم في ذلك أيُّ حرج ديني، لأنهم إذا تركوا هذه الأشياء لم يرتكبوا في دينهم منكرًا، ولا أخلوا بواجب مقدس.

ومع هذا لم يقل الإسلام ذلك، ولم يشأ أن يضيق على غير المسلمين في أمر يعتقدون حله، وقال للمسلمين: اتركوهم وما يدينون.

روح التسامح عند المسلمين

 تحت هذا العنوان أنهي الدكتور يوسف القرضاوي بحثه موضحا أن المسلمين أكثر الذين أخذوا ب (روح السماحة) التي تبدو في حُسن المعاشرة، ولطف المعاملة، ورعاية الجوار، وسعة المشاعر الإنسانية من البر والرحمة والإحسان. وهي الأمور التي تحتاج إليها الحياة اليومية، ولا يغني فيها قانون ولا قضاء. وهذه الروح لا تكاد توجد في غير المجتمع الإسلامي.تتجلى هذه السماحة في مثل قول القرآن في شأن الوالدين المشركين اللذين يحاولان إخراج ابنهما من التوحيد إلى الشرك: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً}(لقمان: 15).

 -------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ