ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
خطاب
مفتوح إلى
النائب في البرلمان الهولندي
خيرت فيلدرز أحمد
معاذ الخطيب* أتابع أخبارك منذ فترة طويلة، واعتقدت
أنك منزعج من بعض المسلمين في
هولندا، فاعتبرتها مسألة
محلية، ولكنني صدمت من تصريحاتك
حول القرآن والإسلام، ثم رفضك
مناقشة أفكارك، ورغم أن هذه
الفكرة عادلة ومناسبة للناس
المتحضرين، إلا أنك رفضتها
بإصرار لتنتج فيلماً رديئاً
جداً عن الإسلام. إن الفيلم الذي أخرجته هو عمل في غاية
الانحدار الأخلاقي والثقافي،
ليس بسبب اتهام المسلمين
بالوحشية والعنف، بل لأنك جزأت
الكلام وانتقيت منه ما تشاء. لا أستغرب مهاجمتك لبعض المسلمين، لأنهم
بالتأكيد ليسوا جميعاً من
الصالحين، وبعضهم يفكر بطريقة
بدائية ومتخلفة، وعندنا كثير من
القضايا بحاجة للمراجعة، ولكنك
هاجمت الإسلام والقرآن بطريقة
غير لائقة ومتحيزة وانتقائية،
وقمت بتشويه الإسلام بالجملة،
رغم أنه لم يبق إنسان عاقل في
هولندا إلا ونصحك بعدم إخراج ما
تسميه فيلما، وقد دهشت حقيقة من
الثقافة السطحية التي تحملها
ليس فقط عن الإسلام وحقائق
الحياة بل عن هولندا نفسها. أول موضوع سأذكرك به ياسيد فيلدرز هو جزء
من تاريخ العنف في هولندا والذي
لم يكن للمسلمين أي علاقة به
إطلاقاً، ولن أتعرض إلى
الصراعات المريرة مع الإسبان
والألمان والإنجليز والفرنسيين...
لأنها تحتاج إلى مجلدات ولكني
سأتوقف عند بعض النقاط
الأساسية، ومنها ما تعرضت له
هولندا من السلب والنهب في
القرن التاسع والعاشر من قبل
القراصنة الاسنكندنافيين،
والذين دمروا مستعمرة دورستاد
التجارية ثماني مرات. مابين القرن الحادي عشر وحتى الرابع عشر
تميز بانشقاقات كبيرة في السلطة
وحروب داخلية ومشاحنات بين كبار
مالكي الأراضي. أما في القرن السادس عشر فكانت تتم معاقبة
المنشقين بطرق قاسية جداً ومنها:
الإعدام، وقد تم خلال تلك
الفترة تخريب التماثيل وتدمير
الكنائس!، وكان هناك هيئة
للعقوبات سماها الناس مجلس الدم!
الذي كان يعاقب المنشقين
بوحشية، ونشبت حرب استمرت
ثمانين عاماً، من عام 1568 إلى عام
1648، وتم خلالها قتل وليم فان
أورانيا في دلفت عام 1584. تم في عام 1672 اغتيال مستشار الدولة يوهان
دي فت وأخيه وسحلا في الشارع في
دنهاخ [وثق تماماً أنه لم يكن
هناك أي أصولي صومالي! وقتها]
وكانا مناصرين للفيلسوف
اسبينوزا الذي اضطهد حتى كاد
يقتل، وحفل القرن الثامن عشر
بحقبة مضطربة وصراعات داخلية. حصلت في عام 1819 ردود فعل عنيفة على إدخال
اللغة الهولندية إلى المناطق
المتأثرة بالثقافة الفرنسية. شهد مابين عامي 1825-1830 ثورة ضد الاحتلال
الهولندي في إحدى المستعمرات في
أندنوسيا، وتم إخمادها بشكل
مخيف. أما التصفيات الدموية
التي جرت في إقليم آتشه المسلم
بين عامي 1873 وحتى عام 1914. شيء لن
يجرؤ التاريخ على ذكره بسبب
بشاعته ودمويته التي فاقت
الخيال. عام 1966 قامت اضطرابات في امستردام، وتم
إلقاء القنابل الدخانية أثناء
زواج ولية العهد. في آيار 2002 تم اغتيال عالم الاجتماع بم
فورتاون علي يد شخص هولندي غير
مسلم. كل تلك الأحداث تثبت بشكل
قطعي أن العنف ظاهرة بشرية لا
تختص بالمسلمين بحال، وفي آخر
عام 2004 تم أول احتكاك مؤسف بين
مسلم هولندي ومخرج سينمائي،
وأدى ذلك إلى توترات سارع
العقلاء من الطرفين إلى تطويق
آثارها وتجاوزها. لا أدري إن كنت تعلم أن (اسبينوزا) وهو من
أعظم فلاسفة أوربا قد درس
مؤلفات الفيلسوف الأندلسي موسى
بن ميمون، ومن خلاله تعرف على
مدرسة الإمام ابن رشد، الفيلسوف
المسلم الذي عرف أوربا على
فلسفة أرسطو، وباني المنهجية
العقلية الفريدة. وبينما فرَّ أجداد اسبينوزا من الاضطهاد
الديني في البرتغال فقد وفرت
الدولة العثمانية (الإسلامية)
الأمن لكل المضطهدين، وكانت
علاقات هولندا معها أقوى من
علاقتها مع أكثر الدول
الأوربية، وأول قنصلية هولندية
في سورية وجدت منذ أربعمائة سنة
ولم يخطر في بال أحد من ضيوفنا
الهولنديين أن ديننا يدعونا إلى
قتل أحد لأنه يخالفنا في
عقيدتنا، ثم تأتي ياسيد (فيلدرز)
لتطلق اتهامات شاملة وغير
صحيحة، وأنصحك بكل صدق بتذكر أن
من عنده بيت من الزجاج فعليه أن
لا يرمي الحجارة على الناس. إن القرآن الذي لا يعجبك وتظنه أحد أسباب
العنف هو الذي بنى السماحة
والإيمان والرحمة والعلاقة
الإنسانية، هو الذي يقول: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا
خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ
وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ
شُعُوبًا وَقَبَائِلَ
لِتَعَارَفُوا إِنَّ
أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ
أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ
عَلِيمٌ خَبِير ) (الحجرات:13). ولقد كانت بين المسلمين وغيرهم نزاعات
شديدة ومواقف صارمة، ولكنها
ليست قانوناً مطلقاً، والدين
الذي تظنه يحث على القتل
والعدوان هو الذي يقول لأتباعه: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ
لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي
الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ
مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ
تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا
إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ
يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة-
8). والقرآن يقرر حتى في حال الحرب: (وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ
لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى
اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ
السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(الأنفال:61) والقرآن يُحدِّد بشكل قطعي أخلاقيات
التعامل حتى مع الخصوم: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا
كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ
شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا
يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ
قَوْمٍ عَلَى أَلَّا
تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ
أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ
اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا
تَعْمَلُونَ) (المائدة:8). إنك يا حضرة النائب تتهم ديناً بكامله وهو
أمر مرفوض تماماً بحق أي دين،
وقد أختلف مع مجموعة أو شخص ما
وأعتبره سيئاً للغاية، ولكن
بالتأكيد فإنه لا يجرؤ مسلم على
اتهام أو إهانة المسيحية كدين،
حتى لو كانت الحروب
الصليبية اعتمدت على الدين
وباركتها الكنيسة، وبالرغم من
أن الذي استخدم السلاح النووي
في هيروشيما وناغازاكي ضد
المدنيين وأحرق الحياة في
فيتنام وكذب حول السلاح النووي
في العراق واحتل أفغانستان وقتل
ملايين الأطفال والنساء
والمدنيين في كل أنحاء العالم
هو مسيحي، إلا أن المسيحية شيء
آخر تماماً ولها كدين احترام في
قلب كل مسلم. كما أنني كمسلم لا يمكن لي أن أهين
اليهودية أو أقول أن كل يهودي
مذنب بسبب المشاكل بيننا وبين
الإسرائيليين في فلسطين، وقد
تأثرت حتى البكاء عندما قرأت
قصة الصبية اليهودية آنا أوتو
فرانك التي قتلها النازيون.
وتمنيت لو أن الأطفال في فلسطين
وجنوب لبنان والعراق
وأفغانستان وكل العالم، قد
كتبوا مذكراتهم، ليجعلوا
العالم كله يبكي من آثار الحروب
والنزاعات المسلحة والاحتلال. ليس هذا الكلام نوعاً من اللطف الشخصي،
ولكنه جزء من عقيدة المسلمين
التي أمرهم بها القرآن الكريم
الذي تجهله تماماً والذي يقول: (إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَالَّذِينَ
هَادُوا وَالصَّابِئُونَ
وَالنَّصَارَى مَنْ ءَامَنَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا
فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا
هُمْ يَحْزَنُونَ ) (المائدة- 69) إنك تخلق الكراهية والعنف بين الناس،
وتسبب الغربة النفسية والتفكك
في المجتمع، ولقد حاولتَ إيهام
الناس بأن العنف والقتل هو موقف
جميع المسلمين فمن أخبرك أننا
نوافق أو نرى الإسلام فيما
عرضته في فيلمك السيء. وإن حادثة
11 من سبتمبر (التي راح ضحيتها
الكثير من المسلمين الأمريكيين
أيضا) وتفجيرات لندن وإسبانية
هي أعمال همجية ومرفوضة شرعاً
وعقلاً، قد
أدانها معظم المسلمين في الأرض.
كما أن كثيراً من صور التخلف
التي عرضتها بانتقائية ماكرة هي
مرفوضة لدى الغالبية المطلقة من
المسلمين. بعض النصوص الدينية تكلَّمت عن حالات
تاريخية ومواقف معيَّنة، ولا
يمكن أن تقرأ إلا من خلال الصورة
الكاملة لجميع النصوص، والذي
يثبت ذلك أنها بقيت في الكتب
مئات السنين، ولم تؤد إلى
العنف، لأنها كانت تقرأ من خلال
المنطلق العام لأي دين سماوي،
والذي أساسه العدل والتوازن
والرحمة، وبقي المسلمون يعيشون
مع غيرهم بطريقة رائعة وانسجام
كامل. فقط في العقود الأخيرة برزت أيدولوجيات
عنف، وتدخلت أصابع حكومات
وجماعات سياسية، واستخدمت
النصوص بطريقة مجتزئة (تماماً
كما تفعل أنت) لتعكس اتجاه
الإسلام وتدمره من داخله، وهو
أمر مرفوض تماماً، وقد امتص
العالم الإسلامي الصدمة بل
التشويه الذي ألحقه التيار
العنفي بالإسلام، وهو يعيد بناء
التوازنات السليمة في حركته،
وبقي دور العالم الغربي بأن
يتعاطى مع الإسلام والمسلمين من
خلال التيار العام للإسلام، ولا
يجبر المسلمين على الانخراط في
العنف من خلال حصارهم وإغلاق
الأبواب عليهم. لا يمكن فهم العنف إلا من خلال استقصاء
أسبابه، وليس الدين هو الذي
يولد العنف بل الظلم
والاستعلاء، وتستطيع قراءة ذلك
بمنتهى السهولة من خلال تشوه
ثلاثة مفاهيم، وهي: الحرية
والديمقراطية، والعلمانية. إنَّ المركزية التي تتصرف بها بعض الدول،
وتستعلي بها على شعوب الأرض قد
أدت إلى نفور البعض من مفهوم
الحرية لأنه يطرح بشكل منافق،
وكطريق باتجاه واحد يخدم مصالح
القوى الاقتصادية والسياسية في
العالم، وأوضح مثال عن ذلك هو
النظام العالمي الجديد، الذي
يحاول الهيمنة على كل العالم (بما
فيه أوربا) تحت ذريعة الحرية،
وهو يريد فقط تحرير دول مثل
العراق وأفغانستان من أجل
مصالحه، ولكنه لا يتدخل أبداً
لصيانة الحرية عندما يذبح مليون
إنسان من قبائل التوتسي والهوتو
بالفؤوس والسيوف. أما الديمقراطية فقد انهارت تماماً
كمفهوم عند أكثر الشعوب بعد أن
رأت آثارها في دعم الدول
الغربية للحكومات الديكتاتورية
من أجل مصالحها، والسكوت الفاضح
عن حقوق الشعوب وحقوق الإنسان
وإلغاء الانتخابات ونهب
الموارد. وتبقى العلمانية التي لم ير الناس منها في
بلاد المسلمين إلا الإعدام
للمفكرين والاعتقال السياسي
والاضطهاد والإقصاء، وتدخل
الحكومات في كل شيء، وتقويض دور
الدين الإنساني في الحياة. إنني لا أوافق على ما سبق لأن الحرية قيمة
مطلقة، ويجب أن تحترم لأنها
أساس كرامة الإنسان، ولا يمكن
قيام مجتمع إنساني ولا حضارة من
دون حرية، والديمقراطية
عندما تكون غير متحيزة فإننا لا
نرفضها، بل هي طريقة لتحقيق
العدل الذي هو أساس استقرار
المجتمعات، وإذا كانت
العلمانية نظاماً لضبط
العلاقات بين الناس، وعدم
السماح لأحد بالعدوان أو
التجاوز على الآخرين فهي شيء
مناسب وضروري، ولكن المبادئ
تفقد قوتها عندما تصبح انتهازية
وباتجاه واحد، وعندها سيبحث
الناس عن الخلاص ويتجه البعض
إلى أسلوب مرفوض لأنه لم تبق لهم
طريقة سواه. حضرة النائب فيلدرز: لقد كان كلامك عن
الإسلام والقرآن مخجلاً وبشعاً
حقيقة، حيث قلت عن القرآن أنه
كتاب فاشي يحث على العنف
والكراهية، وطالبت بحظره
ومصادرته، وقلت عن الإسلام أنه
لا يستحق الاحترام بل تجب
محاربته بوصفه إيديولوجية
فاشية غير متسامحة، ولقد
ابتسمتُ عندما قرأت كلامك لأن
القرآن في عقيدتنا هو كلام الله
الباقي، ولا يستطيع أحد من
البشر مهما أنتج من الأفلام أن
يزور حقائقه التي لا تعرفها، أو
ينتزع قداسته من نفوسنا، ولكنني
حزنت أيضاً من أجل الشعب
الهولندي الذي تربطني مع
الكثيرين من أفراده علاقات
ممتازة، فماذا ستقول لمئات
الالآف من الهولنديين الذين لهم
علاقات طيبة مع المسلمين ولم
يروا إلا المعاملة الإنسانية
والأخلاق الفاضلة والقلوب
والبيوت المفتوحة للضيوف،
وماذا ستقول للطلاب والباحثين
والعلماء والأكاديميين وخبراء
النفط والماء والاقتصاد الذين
عاشوا ودرسوا واحتكوا
بالمسلمين فعلموا أن دينهم
وقرآنهم يحثهم على الإحسان إلى
الناس ومحبة البشر! كما أنني متعجب جداً من عدم قدرتك على
التفكير إلى الأمام، لأن ما
تطلبه في الحقيقة أمر طريف جداً
ومضحك، فماذا ستفعل بالأشخاص
الذين سيستمعون إلى آيات القرآن
التي لا تعجبك عن طريق الكاسيت
أو الأقراص الالكترونية (cd)، أو من خلال الفضائيات، وماذا عن مئات
آلاف الكتب التي تشرح القرآن
وتتحدث عن الإسلام! وماذا عن آلاف الباحثين الغربيين الذين
وجدوا في الإسلام إيجابيات
كثيرة، وهم يقومون بدور مهم في
تعريف الناس بالإسلام! وماذا
ستفعل بالأعداد المتزايدة من
الغربيين الذين يعتنقون
الإسلام عن وعي وإدراك. وماذا
ستفعل بالمسلمين الهولنديين
والأوربيين؟ هل ستحرقهم في
هولوكوست مرعب مشابه لهولوكوست
النازيين. هناك سر صغير! عليك أن تعرفه، وهو أن
القرآن ليس محفوظاً في الكتب
فقط، بل يوجد في العالم ملايين
الأشخاص الذين يحفظونه كاملاً
في قلوبهم! فهل ستطلب إعدامهم كي
لا يقرأوا القرآن للآخرين،
وماذا عن الجامعات والمراكز
الأكاديمية التي تقوم بدراسات
عن القرآن.. هل ستحاول تفجير
قنبلة نووية مثلاً لإبادة كل
الأشخاص والأماكن والمبادئ
التي لا تعجبك! إنه مجرد سؤال! حضرة النائب فيلدرز واضح تماماً أن لديك
نزعة عنصرية وتعصب شديد، وترى
الدنيا بلون واحد، وأنك لا تعلم
أن الحضارة تتشكل من آلاف
الألوان، والتمازج الثقافي ليس
شيئاً سلبياً، وفيليبس الثاني
(1527-1598) حكم هولندا ولم يكن يتحدث
الهولاندية. وآثار الفترة
الثقافية الفرنسية في جنوب
هولندا ما تزال موجودة حتى
الآن، وأنا المسلم مسرور جداً
لأن بلادي سورية هي حصيلة عشرة
آلاف سنة من الحضارة، ولها
عشرات الألوان الجميلة، ومنذ
مدة قريبة قال أحد كبار رجال
الدين المسيحي: أن الكنائس في
الشرق بقيت أكثر دفئاً لأنها
تعيش بين المسلمين. إنك ما دمت تعيش في هذا العالم فعليك أن
تعلم أن قوة البشر هي في تعددهم،
وليس في تطابقهم، فالألوان
الكثيرة هي التي تعطي هذا
العالم جماله الآخاذ، والتعدد
من نعم الله العظيمة كما يقول
القرآن الكريم: (وَمِنْ ءَايَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ
أَلْسِنَتِكُمْ
وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي
ذَلِكَ لَآيَاتٍ
لِلْعَالِمِينَ) (الروم:22). إن كل
ثقافة فيها إيجابيات لا يمكن
عدها وعلينا أن نختار الأفضل
ونتعاون من أجله، والمجتمع
الهولندي اليوم هو مجتمع فيه
إيجابيات لا يمكن عدها، ولقد
عرفتُ أن هولندا وخلال تاريخها
الطويل كانت وما تزال أرض
الحرية والملجأ للفارين من
الاضطهاد الديني أو السياسي أو
الاجتماعي.. وأن شعبها شعب يحب
الاستقلال والحياة ويعشق
الورود، فكن واثقاً تماماً أن
المسلمين يمكنهم أن يزرعوا في
هولاندا أجمل الأزهار، فلماذا
تحب أن تزرع أنت لكل هولندي
الكراهية والقطيعة والجهل بدل
الورود. هناك نقطة أساسية وهي حرية التعبير، ونحن
لسنا ضدها أبداً، بل نحن مع
الحرية لأنها أساس كرامة البشر،
ولكننا بصراحة نرفض تماماً حق
الإهانة، لأن الدنيا بعدها
ستصبح غابة للوحوش، وإنني سأكون
شديد الامتنان لك عندما ستقدم
دراسة حول السلبيات التي تظنني
أحملها كمسلم، وسأكون شاكراً لك
إذا وضحت لي كيف يؤدي نمط حياتي
الاجتماعي أو طريقة تفكيري إلى
ما تظنه التخلف أو العنف أو
الإساءة، ولكنني أقول لك بصراحة
تامة: لا يوجد مسلم ولا حتى
إنسان عاقل يرضى بإهانة الدين (أي
دين) كقيمة مطلقة ما زالت حتى
اليوم تلهم ملايين المؤمنين في
الأرض العمل الصالح، وتصل الأرض
بالسماء. أما فيما يتعلق بالمهاجرين المسلمين، فإن
كان الكثير منهم جهلة بدينهم
ويفهمون الإسلام بشكل تقليدي
ضيق، قد يخلط الأمور عندهم بين
الدين والعادات الاجتماعية،
إلا أنهم في النهاية بشر عاشوا
حياة مليئة بالآلام والخوف
والمعاناة مهما كان رأيك فيهم،
والآن عندما ظهرت فيهم بدايات
جيل مثقف وواع وبدؤوا
يصبحون منتجين ونشيطين في
الكثير من المجالات في المجتمع
الذي احتضنهم، الآن تريد أن
تدمر كل شيء في حياتهم، وتحصد كل
جهودهم التي بدأت تثمر. إن الجيل
الجديد من أبناء المسلمين في
هولندا يبشر بثمار طيبة، ولديه
العديد من الإيجابيات، ويستطيع
أن يقدم للمجتمع الهولندي
الكثير. لا يوجد أحد يلومك لأنك تحب بلدك، ولكنني
أقول لك بإخلاص وصراحة أن
قليلاً من الرعاية للمسلمين
والاقتراب منهم وفهمهم ستجعلهم
عاملاً إيجابياً جداً في
استقرار هولندا وزيادة الأشياء
الرائعة فيه، وأظن أن عقيدة
الإيمان بالله الواحد الذي
خلقنا جميعاً سيجعلهم يشاركونك
في معالجة الكثير من المشاكل
القائمة أو القادمة التي ينبغي
أن تكون لها الأولوية، مثل
تحسين الوضع الاجتماعي للمرأة،
ومشاكل الإدمان والرعاية
الصحية، ورفع مستوى التعليم،
والعناية بالبيئة والتخطيط
لإنقاذ الأراضي التي ستغرق عند
ارتفاع مياه البحار، كما يمكن
البحث عن حلول للسلوك الغير
اجتماعي الذي يزداد، والاهتمام
بمشاكل كبار السن، والتوترات
النفسية والقلق، وتفكك
العائلة، وزيادة معدلات السلوك
العنيف بين طلاب المدارس،
وتهريب وتجارة البشر، وإساءة
معاملة الأطفال، وزيادة معدلات
هجرة الشباب، وبناء التفاعل في
مجتمع متعدد الثقافات،
واستيعاب أي أزمة اقتصادية
قادمة... كل ذلك يجب أن يلقى
اهتمامك يا سيد فيلدرز بدل
انتاج فيلم استفزازي لن تجني
منه أية فائدة، بل سيزيد من
التوتر واستيقاظ الهوية بشكل
غير سليم، هذا إذا لم يكن سبباً
مباشراً في دفع الشباب إلى
العنف والانغلاق والعزلة
والتعصب الشديد. إنني أقول لكل السياسيين: اكسبوا
المسلمين في الغرب وهم عقلاء
قبل أن ينتصروا وهم مجانين. دعني أخيراً أتفق معك على أمرين: أن
لايكون هناك إكراه لأحد فيما
يعتقد (مهما كان اعتقاده)، وأن
يكون الحوار العاقل هو سبيل
التفاهم بيننا. وهذان أمران
يأمرني بهما القرآن كمسلم، حيث
يقول: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ
تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ
الْغَيِّ) (البقرة: 256) . ويقول: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ
بِالْحِكْمَةِ
وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ
أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ
أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ
سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ
بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل:125). أظن أن ما نطرحه كمسلمين مناسب جداً لأي
إنسان عاقل يحب بلده ويحرص
عليها. ورغم الطريقة غير اللائقة التي تتكلم بها
فإنني لن أبادلك بمثلها لأن
الشيء الأساسي في حياتي هو
الكلمة الطيبة، وأقول لك: إنني
شخصياً وكثيرون من العلماء في
العالم الإسلامي والهولنديين
المسلمين مستعدون للجلوس معك في
حوارات طويلة لنبني جسور
التفاهم، ويتعلم كل من الآخر ما
يجهله، ونبحث عن ساحة مشتركة
وخطط مستقبلية تحافظ على
المبادئ والخصوصيات وتحترم
جميع الثقافات، وتزيد التقارب
وتزيل الالتباسات والعوائق،
وإنني مستعد للحضور إلى هولندا (البلد
الذي أحبه وزرته مرات كثيرة) في
أي وقت من أجل ذلك. فإن قبلت ذلك
فإننا نمد إليك أيدينا، ونفتح
لك قلوبنا مع خالص التقدير
والشكر لك، أما إذا رفضت فاعلم
أنك لن تضر الله شيئاً، وقد تحصل
على بعض المكاسب السياسية
الضئيلة، ولكنك ستخسر الكثير،
ولكني كلي آمل أن يغلب العقل
عندك على الاندفاع والتهور، وأن
تنتصر الحكمة على النزق، وأن
تتخذ القرار النافع والرأي
الصحيح. *خطيب جامع بني أمية الكبير
سابقاً/دمشق. رئيس جمعية التمدن
الإسلامي - ملاحظة: خيرت فيلدرز ولد عام 1963 في فينلو شرق
هولندا وكان مسيحياً
كاثوليكياً ثم لم يعد كذلك
وبعد الدراسة الثانوية سافر
للعمل سنتين في (إسرائيل)! وزار
بلداناً أخرى في الشرق الأوسط
وأكمل الخدمة
العسكرية عام 1983، ثم عمل
في قطاع التأمين الصحي ،
وانتسب إلى
حزب vvdعام 1989 وأصبح مساعداً برلمانياً عام 1990 ،
وبعدها انتخب
عن حزبه لمحافظة أوترخت ،
وبعدها بسنة صار نائباً في
البرلمان ، وتزوج
عام 1992 من امرأة هنغارية ،
ووالده كان مديراً لشركة تصنيع
آلات طباعة. ترك حزبvvd ام 1994 ليؤسس مجموعة فيلدرز التي صار اسمها
حزب vvdأي حزب الحرية، وهو حزب يميني متطرف ومعاد
للأجانب. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |