ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
التنوع
في العبادات من
مظاهر جمال الإسلام ويسره عبد
الرحيم طويل
من مظاهر جمال الإسلام
ويسره تنوع العبادات فيه ، مما
يعطي للنفس نشاطاً في القيام
بالعبادة ، ويدفع عنها السآمة ،
فلا تشعر بالمشقة ولا بالملل
كما لو أن العبادات كلها اندمجت
في نوع واحد كالصلاة مثلاً، أو
الصيام ، أو غير ذلك.
فالمطلوب من العبد المؤمن
أن يجعل وقته كله عبادة ، ويهب
حياته كلها لله تعالى خالقه ( قل
إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي
لله رب العالمين ، لا شريك له ،
وبذلك أمرت ، وأنا أول المسلمين
) ، ( وما خلقت الجن والإنس إلا
ليعبدون ) .
فإذا كانت حياة المؤمن –
وهي محسوبة عليه بالأنفاس - كلها
ينبغي أن تكون عبادة لله ، فعليه
أن يجتهد حتى يبلغ الغاية التي
خلق لأجلها فيرضي بذلك خالقه ..
ولكن إذا كانت هذه العبادة
متمثلة في نوع واحد من العبادات
كالصلاة ، ألا ترى أن فيها مشقة
بالغة ؟ أوَلا يقع المرء حينئذ
في العسر والعنت والحرج ؟.. ثم
ألم يقل الله تعالى : ( يريد الله
بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ) ..
أولم يقل أيضاً : ( لقد جاءكم
رسول من أنفسكم عزيز عليه
ماعنتم ، حريص عليكم ،
بالمؤمنين رؤوف رحيم ) ؟.. ولو
كانت العبادة كلها صياماً لنحلت
أجسادنا ، ولكانت أشق علينا من
الصلاة ، ولو كانت كلها زكاة
وصدقات لاستنفدت أموالنا فما
استقرت لنا معها حياة ولا طاب
لنا عيش ... وهكذا .
إلا أنَّ من رحمة الله تعالى
بنا أنه نوّع العبادة فجعلنا
ننتقل من عبادة إلى عبادة ، وقد
نمزج بين نوعين أو أكثر من
العبادات في الوقت ذاته ، فترى
أحدنا صائما ويصلي، أو صائماً
ويزكي أو يتصدق، وهو يذكر الله
تعالى ، ولا يتنافي هذا مع ذاك ،
بل يقويه ويبعث في صاحبه النشاط
.. كما أنه يستشعر المتعة واللذة
بالعبادة كما لو أنه تنقل بين
حدائق شتى، في كل واحدة منها نوع
من الزهر جميل المنظر، عبق
الرائحة ، يختلف عن غيره في شكله
ورائحته .. ومن هنا
يستطيع المرء أن يجعل حياته
كلها عبادة ، وذلك لعدة أسباب
أهمها : - سهولة
العبادات في الإسلام وقلة
المشقة فيها .. وعندما يضعف
المرء عن أدائها ، وتشق عليه على
وجه الحقيقة فإن الله تبارك
وتعالى خفف عنه ولم يكلفه إلا
بما يطيق دون حرج ( لايكلف الله
نفسًا إلا وسعها ). - تنوع
العبادات : وهذا ما يجعلها أكثر
يسرًا وسهولة مما لو كانت نوعاً
واحدًا من العبادة . - أن
العبادات بمعناها الاصطلاحي ،
سواء كانت واجبة أو نافلة ،
قليلة نسبيًا ، وغالب مايستغرق
وقتنا العادات والمباحات ؛
كالأكل والشرب والنوم وغير ذلك
.. إلا أن الله تبارك وتعالى فيما
أخبرنا به رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم ، قبل منا
أعمالاً مباحة من العادات ،
وأعطانا عليها أجراً عظيمًا إذا
قرنت بنية صالحة ، أو ببعض
الأذكار البسيطة الميسرة مع حسن
النية والإخلاص على كل حال ، حتى
تصبح كالعبادة تمامًا ، وربما
صارت عبادة عظيمة لا يدانيها
كثير من العبادات . فالأكل
والشرب والنوم عادات مستحكمة في
الإنسان لا يستطيع عنها حِوَلاً
، ففيها حياته ، وفيها راحته.
وقد علمنا حبيبنا المصطفى عليه
الصلاة والسلام أن من سمّى على
طعامه وشرابه فله بذلك أجر ، ومن
ذكر الله تعالى قبل نومه بأذكار
مخصوصة فله أجر عظيم ؛ فمن قرأ
آية الكرسي – مثلاً – قبل أن
ينام، قيض الله له ملكاً ينام
بين شعاره ودثاره ؛ يذكر الله
تعالى ويسجل ذلك في صحيفته ( أي
في صحيفة النائم ) وكتب في عداد
الذاكرين الله كثيرًا
والذاكرات .
فهذا النائم جعل ليله كله
ذكرًا وعبادة بقراءة آية واحدة
من القرآن الكريم ( آية الكرسي )؛
لاتستغرق قراءتها نصف دقيقة.
وذاك الآكل جعل طعامه عبادة
بمجرد ذكر اسم الله عليه .. وهكذا
دواليك . ثم إن من
جمال الإسلام أيضاً أن الله
تبارك وتعالى تكفل لنا بمضاعفة
الثواب على الأعمال عشرة أضعاف
، إلى سبعمائة ضعف ، إلى أضَعاف
كثيرة ، وذلك بحسب نوع العمل ،
وبمقدار الإخلاص فيه وحسن النية
المصاحبة له ، وبمقدار إتقانه
وإحسانه وأدائه كما أمر الله
تعالى وكما علمنا رسوله الكريم . فهناك
عبادات سهلة ويسيرة قد لا يأبه
لها المرء ، وأكثرنا من يهملها
أو ينساها أو لا يلتفت إليها ،
وهي عظيمة بكل المقاييس ، ولا
أدَلَّ على ذلك من قول رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم: (من صلى
الصبح في مسجد جماعة، ثم مكث حتى
يسبح سبحة الضحى، كان له كأجر
حاج، ومعتمر تام له حجته وعمرته....)
، وفي رواية ( من صلى الصبح في
جماعة ، ثم قعد يذكر الله حتى
تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كانت
له كأجر حجة وعمرة . قال - يعني
أنس بن مالك راوي الحديث - : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم :
تامة تامة تامة ) حديث صحيح /
الترغيب والترهيب ، وقوله : (من
صلى الصبح ثم قعد يذكر الله حتى
تطلع الشمس جعل الله بينه وبين
النار سترا.) فهذا الذي عمل هذا
العمل القليل أجر ذاك الأجر
الجزيل .. بل أكثر من ذلك بكثير
ما أخبرنا به الصادق المصدوق
رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم بقوله : (يا أبا ذر لأن تغدو
فتعَلَّم آية من كتاب الله خير
لك من أن تصلي مائة ركعة، ولأن
تغدو فتعَلّم بابا من العلم
عُمل به أو لم يُعمل خير لك من أن
تصلي ألف ركعة تطوعا ) . (أخرجه
ابن ماجه في المقدمة ، عن أبي ذر
رضي الله عنه. رقم 219 وقال
المنذري: إسناده حسن. ص) .
وذلك لأننا بالعلم نحسن
أداء حق الله علينا وحق العبيد
بما يوافق شرع الله عز وجل وبما
يرضيه .. وبالعلم يصلح الله لنا
ديننا الذي هو عصمة أمرنا ،
ويصلح لنا دنيانا التي فيها
معاشنا، ويصلح لنا آخرتنا التي
إليها معادنا.. فجعل العلم من
أجَلّ العبادات إن لم يكن
أجلّها على الإطلاق ، وأعطى على
غشيان مجالس العلم أضعاف ما
أعطى على القيام بعموم العبادات
، وسهل لطالب العلم طريقاً إلى
الجنة ، وأمر ملائكته أن تضع
أجنحتها له رضًا بما يصنع .. بل
صلى - جل جلاله - على معلمي الناس
الخير، وألهم ملائكته وأهل
السماوات والأرض؛ حتى النملة في
جحرها، والحوت في البحر أن
يصلوا عليه ويستغفروا له . ( في
المقطع السابق إشارة إلى عدة
أحاديث صحيحة وحسنة ) . ولعلي أضرب
مثالاً بسيطاً يوضح الأمر
ويجليه ، فلو أن إنساناً خدم
ملكاً ، فأراد الملك أن يكرمه
فقال له : اجلس وابسط حجرك ، فصب
له فيه عشرة آلاف ليرة ذهبية ،
فطار صوابه من الفرح بها ، فراح
يقلبها ويعدها فقرصته – إذ ذاك -
نملة كان قد أصابها في جلوسه ..
ترى هل يشعر بألم القرصة ، ويذهل
عن الذهب؟ أو أن عِظَم ما لاقاه
من الإكرام هو الذي سيذهله عن
القرصة ؟!.. فهل يصح
لعاقل – بعد هذا - أن يقول : إن
الإسلام دين فيه عسر ومشقة ..
تكثر فيه التكاليف التي ترهق
الإنسان حتى ينال رضوان الله
تعالى ؟.. وهل ينبغي لأحد أن يفرط
بالأضعاف المضاعفة من الحسنات؛
ينالها بجهد يسير فيكرمه الله
تعالى عليها أعظم الإكرام وهو
الذي أعانه عليها ويسره لها ؟..
حتى كان رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم يقول عند فطره من
الصيام : ( الحمد لله الذي أعانني
فصمت ، ورزقني فأفطرت ) .
أليس هذا كله من كمال الدين
وتمام النعمة ؟؟!!.. فهل شكرنا
الله تعالى على ذلك ؟؟..
الحق أننا نعجز أن نؤدي شكر
هذا الفضل من الله سبحانه
وتعالى ، ولا يسعنا إلا أن نقول :
( لك الحمد ياربنا كما ينبغي
لجلال وجهك وعظبم سلطانك ) .. لك
الحمد ياربنا على جزيل عطائك ..
لك الحمد على توفيقك .. لك الحمد
حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ..
لك الحمد في الأولى والآخرة ،
ولا حول ولا قوة إلا بك . ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |