ـ

ـ

ـ

الثلاثاء 15/04/2008

خمس سنوات من الغزو... وأعوام من النضال التحرري!

ناصر السهلي

سنوات مرت وهذا هو العراق كالعنقاء يخرج من بين الرماد.. كبوة هنا وكبوة هناك.. لا فرق، ففلسطين عاشت وتعيش لحظات من كبوات وكبوات.. إنقسام وحصار وتأمر وتمرد واحتلال احلالي يقتل ليتخلص من وجود شعبها وليستورد "مواطنيه من كل أصقاع الدنيا بينما يجري بيع حقوق عودة شعبها في سوق سياسة المتاجرة..

العراق الذي أُريد له أن يبدو "جنة في جهنم المنطقة" وفق خطاب تبين أنه مُعد بعناية في تحالف بين خونة وامبرياليين لا يعيرون انتباها لا لحجم المعاناة ولا لسيل الدماء والدمار.. كم حذرنا من ذلك الخطاب وقلنا لا تصدقوا يا ناس أنهم آتون "للتحرير".. كم صرخ الشرفاء وهم يكشفون حجم المؤامرة.. لكن حين يرضب الجهل أطنابه متحالف مع انتهازية الدين والسياسة ما كان للعقل أن يستوعب ..

هاهو المشهد.. كم هو محزن أن يخسر العراق كل هؤلاء الذين خسرهم من عقول لم تكن في أي بلد من بلاد الاقليم المحيطة به.. كم هو محزن أن ترى نصف شعب العراق مشردين هائمين على وجوههم بعد أن نخرت جسده في سنوات خمس الارتدادات الطائفية والمذهبية .. وكم هو مخجل أن يُصر هؤلاء الذين أتى بهم الاحتلال على السير وفق منهج الكذب وعدم التراجع عما اقترفوه بحق هذا البلد الشامخ منذ فجر التاريخ..

ها هو المشهد المأساوي يدفع البسطاء ثمنه.. يقيمون داخل أوتاد خيم نصبتها لهم تلك الحرية المزعومة.. وكم مؤلم هذا الحشد العراقي من الموت المتسلل ليخطف مئات الالاف من الاحباء ومصلهم خلف قضبان لا تختلف عن أبو غريب كثيرا.. كم هو مأساوي أن تكون ثروة أغنى بلد في المنطقة بيد حفنة من النصابين والمشعوذين.. وكم هو مؤلم خطاب الانسلاخ الذي يتحكم به عقل حاقد ليثبت وجهة نظره على الهوية..

هذا هو المشهد إذن.. قالها مجرم حرب من على حاملة طائرات في عنترية وعنجهية فارغة لإمبراطورية الكذب "المهمة انتهت" قبل أن يكتشف أنه لا مهمة في الاصل غير احتلال هذا البلد وتحويله الى قاعدة متقدمة ابشع من كل قواعده عند حكام المنطقة..

لقد شوهوا كل ما هو جميل فيه.. امتدت يد العبثية لتعبث وتحطم بمعاول الاصرار على الخطيئة كل ما راكمه مهد الحضارة البشرية.. بينما الكهنوتيين يفرحون بالزحف نحو شهيد لم يكن ليقبل أن يستسلم أو يفر فما بالنا نرى هؤلاء الكهنوت يمتطون عاطفة ويجيشونها في اتجاهات لا تمت لمعنى العزة والكرامة ورفض المذلة.. مأساة هي تلك التي تبكي رجال العراق.. تبكيهم على ضياع وطن تحت كذبة التحرير واعادة البناء.. مأساة أن يستمر هؤلاء في بث أكاذيبهم التي تقدم العراق وكأنه كان عبارة عن كهوف وتخلف ليأتي مجرمون عبروا المحيطات ليعيدوا "إعماره".. فماذا عمروا ؟

داخل الوطن الواحد صار يحتاج العراقي لألف وسيلة ليصل ويعيش في جغرافيته الواسعة من الشمال الى الجنوب وكأنك أمام دول مختلفة ومتناحرة.. عداك عن دموع هؤلاء الذين وجدوا أنفسهم لاجئون في وطنهم بالملايين ومثلهم من يستجدي بوابات عربية وغربية.. وماهذا هو العراق الذي كان يفتح قلبه وعقله لكل الاجناس والناس...

وبالرغم من ذلك.. تباشير الفجر واضحة حتى لو حاول أن يغطيها هؤلاء المصرون على السير في ركب الاحتلال.. تباشير الفجر تصنعها ذاكرة شعب كنس احتلالات في أكثر من زمن.. وذاكرة شعب أنتجت مفخرة الاسهام في كل أرض عربية.. وفلسطين التي يعشق شعبها ذلك العراق شاهدة على رجولة هؤلاء الذين قضوا على أرضها الطاهرة..

في هذا الطريق المعبد بالاحزان والالام والتضحيات لاشيئ سيكون أقوى من صيرورة التاريخ الذي علم الانسان أن كل احتلال زائل.. لكن ريثما يزول كم يحتاج العراق وشعبه لاستجماع قوته وتلاحمه بوجه هؤلاء الذين يعلنون أنهم جاؤوا اليه ليبقوا فيه.. وكم هم بحاجة ليفهموا الفرق بين النظام الرسمي العربي الذي تآمر عليه مع الغزاة وبين الشعب العربي الذي يعيش كل لحظات حياته مع نبض مقاومة شعب العراق العظيم..

في الذكرى الخامسة للغزو لا شيئ يمكن أن يُقال للثكالى والارامل والايتام والاسرى واللاجئين.. فكل الكلام لا يفيد بقدر ما تكون المقاومة ودحر الاحتلال العزاء الوحيد لشعب سيعرف الطريق لوحدته وإعادة الجمال الذي تمتع به قبل أن يصوره المحتل واعوانه كخرابة تعيش في القرون الوسطى..

وكما يحتاج العراق الى تعزيز وحدته المقاومة تحتاج فلسطين أن تقي نفسها من لعبة الخبث التي تمرس عليها العقل الصهيوني الذي يُلهي شعبها بجزئيات الحصار والمعابر والاغتيالات بدل التركيز على الاحتلال والقضايا الكبرى الجامعة..

للعراق بشعبه الصابر من شماله الى جنوبه.. للعراق المقاوم إنحناءة وأمل بأن يندحر هذا المحتل جارا الخزي والعار معه من العملاء والمتآمرين.. صبرا.. صبرا يا عراق الحضارة والرجولة والمقاومة.. صبرا يا أيها المشردون إن الزمن الاخر تصنعه سواعد سمراء وماجدات صامدات لا يمكن أن يشوههن أبو رغال العصر المتخفي في المنطقة الخضراء هو وربعه من الخونة..

 -------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ