ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
اللغة
سلوك .. واللغة السياسية سلوك
سياسي ! عبدالله
القحطاني •
الأفراد العقلاء العاديون ،
ينتقون مفردات لغتهم ، بما
يناسب مواقفهم ، وعلاقاتهم
بالناس ! فيتعاملون مع العدوّ ،
بلغة معادية ، ومع الصديق ، بلغة
فيها مودّة ولطف ! ومع الإنسان
العادي ، بلغة محايدة ، تعكس
أخلاق صاحبها وحكمته ، في
التعامل مع الغرباء ! •
الأفراد الحمقى ، ليس
للغتهم ضوابط أو مقاييس ! فقد
يتكلّم أحدهم مع صديقه ، بلغة
جارحة مؤذية ، دون سبب واضح ! وقد
يتحدّث عن شخص ، يعدّه من أقرب
الناس إليه .. في غيابه ، بلغة
سيّئة ، تحمل شحنة كبيرة من
العداوة .. دون سبب واضح ! كما أنه
قد يتحدّث ، عن أعدى أعدائه ،
بلغة تحمل مودّة ، أو لطفاً
زائداً ، دون سبب واضح ! مع أن
عدوّه يسنّ الخنجر لذبحه ، أو هو
مستمرّ ، فعلاً ، في ذبح أهله
وأقاربه وأصدقائه ! وقد تسأله ،
عن سبب إيذائه لصديقه في غيابه ،
بكلام جارح .. فلايجد لديه
جواباً واضحاً ! كما قد تسأله ،
عن سبب ذِكره لعدوّه ، بلغة
لطيفة ، تحمل مودّة ، فيجيبك ،
بابتسامة بليدة : بأنه لا يريد
فتح جبهة عداوة معه ! ناسياً أن
الجبهة مفتوحة على مصاريعها ،
وأن العدوّ يعدّ العدّة ،
للقضاء عليه .. مادياً ، أو
معنوياً ! •
اللغة السياسية سلوك سياسي
، لا تـُقبل فيه حماقات الأفراد
! لأن المتكلّم لايعبّر عن شخصه
، وأخلاقه الفردية .. بل عن سياسة
، يشترك فيها مع آخرين ! وحتّى لو
تكلّم باسمه الشخصي ، فإن سلوكه
اللغوي ، يعَدّ نافذه ، يَنظر من
خلالها الآخرون ، إلى مافي داخل
البيت السياسي ، من قيم وأخلاق ،
وتوجّهات ، وطموحات ، وسياسات ،
ونيّات مبيّتة ! لأن المتكلّم هو
لبنة ، في بنيان سياسي ، يضمّ
لبنات كثيرة ، يُتوقّع أن تكون
متقاربة ، في أفكارها ونيّاتها
، وطموحاتها وسياساتها .. التي
تعكسها لغة كل فرد من أفرادها !
وفي حال اختلاف اللغات ، بين
الأفراد .. يتوقّع الناس ، أن
ثمّة اختلافاً في السياسات ! وفي
حال تَعارض اللغات ، يتوقّع
العقلاء ، أن ثمّة تعارضاً في
السياسات ، لايسوّغه مبدأ (حرّية
الرأي !) ؛ لأن حرّية الرأي
الفردية ، الشاذّة عن سياسة
البنيان السياسي ، الذي ينتمي
إليه الفرد ، تفسّر ـ إذا سمعها
الناس ، أو قرأوها ـ على أنها
انشقاق ، أو توتّر.. داخل
البنيان ! •
اللغة داخل البنى التحالفية
، إذا مَسّت أساساً من أسس
البنيان التحالفي ، نظِر إليها
على أنها تَعارض بين الحلفاء ،
أو انشقاق ! حتّى لو سمّاها
صاحبها: (حرية رأي!). أمّا اللغة
التي تعبّر عن وجهة نظر خاصّة
بفريق معيّن ، ولا تَمسّ أسس
البنيان التحالفي.. فتظلّ في
الحدود التي وضَعها لها صاحبها
، دون أن تعكس خلافاً تحالفياً ! •
اللغة السياسية ، التي
تظهِر المودّة ، لعدوّ ظاهر
العداوة .. تفسّر على أنها سلوك
جديد ، طرأ على تفكير الفريق
السياسي ، ودفعَه إلى إعادة
النظر، في موقفه من عدوّه ! فإذا
كان الفريق ضمن تحالف ما ، أثارت
اللغة الجديدة ، ريبةَ الأطراف
الأخرى ، في التحالف ! وصار من
حقّها ، الاسيضاح ، عن سبب
الخطاب الجديد ، الذي يفترَض ـ
بحكم منطق السياسة ، المستقرّ
بين العقلاء ـ أنه يحمل موقفاً
جديداً، وأنه ليس مجرّد ألفاظ
عابرة ، عنّت لهذا الفرد ، أو
ذاك ، من أفراد الفريق السياسي ،
ليتظرّف بها ، أو يظهِر نفسَه
بمظهر المهذّب اللطيف ، الذي
يكنّ الودّ لخصمه الشرس ، الذي
يذبحه ! فالشاعر يقول :
إنّ الكلام من الفؤاد ،
وإنّما
جعِلَ اللسان على الفؤاد
دليلا
أمّا العدوّ ، نفسه ، فيصعب
عليه تفسير هذا اللطف ، تجاهه ،
إلاّ أنه نوع من التذاكي الفجّ ،
والمكر الساذج .. أو أنه نوع من
الغباء الشديد ! وهو لطف يَسرّه
، في كل الأحوال ! لأنه يوظّفه
توظيفات مختلفة ، في مصالحه
المختلفة ! وأهمّ هذه التوظيفات
، هو المتاجرة به ، أمام الناس
عامّة ، وأمام الجماهير
المؤيّدة لصاحب اللغة اللطيفة
خاصّة، أن:
انظروا .. هذه هي شهادة ساستِكم
بي ! ( ولابدّ من التأكيد ، في كل
الأحوال ، على أن الشتم والسبّ
والتجريح .. ليست من اللغة
السياسية في شيء ، وإن وضعَها
صاحبها في سياق سياسي ! فهي
لاتخرج عن كونها نوعاً من
السفَه السياسي ، أو .. بمعنى
أدقّ : هي نوع من السفَه الشخصي
المفسِد للسياسة ! ولابدّ من
التذكير، هنا ، بأن شتائم
الرئيس السوري بشار الأسد ،
للحكّام العرب ، بأنهم أنصاف
رجال ، وأشباه رجال .. قد دخلت
تاريخ السفَه الشخصي المدمّر
للسياسة ، من أوسع الأبواب .. كما
دخلت ، قبلها ، شتائم وزير
الدفاع السوري المزمن ، مصطفى
طلاس ، للرئيس الفلسطيني الراحل
، ياسر عرفات ! إلاّ أنّ هذه
الشتائم ، وأمثالها ، مختلفة
بشكل عامّ ، عن وصف العدوّ ، أو
الخصم اللدود .. بما فيه من أوصاف
حقيقية ، كالظلم ، والإجرام ،
والنزعة العدوانية ، والغدر،
والرشوة ، واللصوصية .. وغيرها ،
من أوصاف يجب أن يعرفها الناس ،
عن حقيقة هذا العدوّ ، أو الخصم
الشرس المتجبّر .. الذي يمثله
حكم بشار الأسد ، بامتياز، ضدّ
شعبه خاصّة ، وضدّ الأمّة التي
يزعم الانتماء إليها .. عامّة !
مع وجوب الحكمة والكياسة ، في
إيراد هذه الأوصاف ، ومراعاة
الحاجة الدافعة إلى استعمالها،
والدقّة في إيرادها ، ضمن
سياقاتها وظروفها !) . •
العدوّ المختلَف حول عداوته
، داخل البنيان السياسي الواحد
.. يستفيد كثيراً ، من اختلاف
اللغة حوله ، بين أعضاء هذا
الفريق .. ويوظّفها لمحصلحته ،
سياسياً ، واجتماعياً ،
وثقافياً ؛ إذا كان للعداوة
طابع ثقافي ! وقد ورد في القرأن
الكريم ، قول الله ، عزّ وجلّ : (فما
لَكم في المنافقين فئتينِ والله
أركسَهم بما كسَبوا ..) ! •
شتم حكومات بعض الدول
الكبرى ، لبعض عملائها ، من
حكّام الدول الصغرى .. وحضّ
هؤلاء الحكّام العملاء ، على
شتمها .. لمنح هؤلاء العملاء ،
شهاداتِ حسن سلوك مجّانية ،
يَخدعون بها شعوبهم ، حين
يَظهرون بمظهرالزعماء الكبار،
أصحاب السيادة والموقف الصلب ،
ورفض العمالة للاجنبي .. هذا ،
كله لا يغيّر شيئاً ، من صحّة
المبدأ ! بل صحّة المبدأ ـ
أساساً ـ هي التي تجعل
المغفّلين ، يصدّقون لعبة الدول
الكبرى ، مع عملائها الحكّام
الصغار، ومنحَهم شهادات
البطولة الزائفة ، وشهادات حسن
السلوك المجانية ، عبر الشتم
المتبادل ، بين التابع والمتبوع
، أو بين السيّد والعبد! وربما
كان هذا الخداع ، من أهمّ
العمليات التي يحتاجها صنع
الزعماء ، في
الدول البائسة ، في العصر
الحديث ! ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |