ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
التبت
وفلسطين .. مفارقة كبرى سمير
جبور - كندا التغطية التي تحظي
بها احداث التبت من قبل الدول
الغربية واجهزتها الاعلامية،
انما هي نموذج صارخ علي الحضيض
الذي وصلت اليه العلاقات
الدولية، من رياء وازدواجية
المعايير. فقد انبري قادة هذه
الدول الي استنكار موقف الصين
من ثورة الرهبان البوذيين . مثلا، المانيا
وفرنسا ناشدتا السلطات الصينية
بالتحلي بالشفافية باعادة فتح
اقليم التبت امام الحضور
الاجنبي، ومنح هذه الاقليم
الاستقلال. ساركوزي الرئيس
الفرنسي وميركل مستشارة
المانيا لا يتحدثان ابدا عن حق
الفلسطينيين في الاستقلال
والتخلص من الاحتلال، بدلا من
ذلك، يتوجهان الي اسرائيل
للمشاركة في احتفالات اسرائيل
بمرور ستين سنة علي قيامها
مستفزّين مشاعر العرب اجمعين
وكذلك المرشحون للرئاسة
الامريكية فاعلون . ناهيك عن المسؤولين
الامريكيين الذين يقيمون
الدنيا علي الصين في حين ان (السي.
آي. أي) لها اليد الطولي في اشعال
انتفاضة سكان التبت. وبلغ
التحيز الامريكي لاسرائيل حدا
لم يسبق له مثيل. وبرز آخر
تجلياته في مشروع قرار امام
الكونغرس يقر بأن يهود الدول
العربية الذين هجرتهم الحركة
الصهيونية الي اسرائيل يجب ان
يتمتعوا بمكانة لاجئين في الوقت
الذي تتنكر فيه الادارات
الامريكية لحق اللاجئين
الفلسطينيين الحقيقيين في
العودة الي اوطانهم . اما عن الاعلام
الغربي، فحدث ولا حرج فهو يذرف
دموع التماسيح علي بضع عشرات من
الرهبان التبتيين الذي سقطوا او
جرحوا خلال المظاهرات العنيفة
ضد السلطات الصينية، في حين يقف
ضد المذبوحين في فلسطين ويبرئ
الجزّارين الصهيونيين يؤيد
المعتدي ويدين الضحية . وهكذا، اذا قارنا
موقف الدول الغربية وغيرها من
قضية التبت، وموقفها من القضية
الفلسطينية، تبرز امامنا صورة
واضحة عن التحيز الاعمي والتملق
المشين وعدم الانصاف المجحف.
وعلي الرغم من انه لا مجال
للمقارنة بين قضيتي التبت
وفلسطين، فان ثمة عاملا مشتركا
بينهما الا وهو النضال من اجل
الاستقلال ولكن الغرب المتملق
يؤيد استقلال سكان التبت
ويستنكر الاحتلال الصيني، في
حين يناصر الاحتلال الصهيوني ضد
اهل فلسطين الذين يتعرضون
لاحتلال وحشي وممارسات يومية
غير انسانية . وكل ذلك علي الرغم من
ان القضية الفلسطينية بجرحها
المفتوح تعرض السلم العالمي
للخطر وتستنزف الاقتصاد الدولي
لما تتمتع به فلسطين من موقع
استراتيجي هام وما يتمتع به
العرب من ثروات طبيعية، بينما
اقليم التبت يفتقر الي الاهمية
الاستراتيجية التي تتمتع بها
فلسطين خاصة والمنطقة العربية
عامة . التبت الاقليم ذو
الحكم الذاتي الذي يقع في آسيا
الوسطي النائية والذي تحده
بورما والهند والنيبال ومساحته
1،221،600 كيلومتر مربع ويقع علي
سفح جبال الهملايا، اعلي سلسلة
جبال في العالم والذي يطلق عليه
سقف العالم ، ليس له ذلك التأثير
علي مجريات الوضع العالمي ثم ان
التبت جزء لا يتجزأ من الصين،
والسيطرة الصينية علي اقليم
التبت لم تكلف العالم شيئا
وتبقي في اطار الشأن الداخلي في
حين ان قوي اتي بها الاستعمار
الغربي من وراء البحار لتحتل
فلسطين تلعب ادوارا خطيرة في
التحريض علي الحروب،
والاحتلالات، كما هو الحال في
العراق وافغانستان ولبنان
وفلسطين بالطبع . وتداعيات هذه
الاحتلالات ولا سيما الاحتلال
الاسرائيلي، انما هي بالغة
الخطورة. علاوة علي كلفتها
الاقتصادية والبشرية
الاستنزافية، فانها تعرض السلم
والاستقرار العالميين لخطر
داهم، وتدفع بالاقتصاد الدولي
الي حافة الانهيار. ورغم كل ذلك،
يتغاضي الغرب عن كل هذا، ويصب
جام غضبه علي الشعب الفلسطيني
الذي طرد من بلده ودمر مجتمعه
ولا يزال يدمر ولا ذنب له سوي
انه يقاوم الاحتلال ويسعي الي
الاستقلال . ولكن الموقف
الاسرائيلي فاق كل المواقف.
فاسرائيل الرسمية والكثير من
الاسرائيليين يقفون ضد
الاحتلال الصيني للتبت، ويدعون
انهم يؤيدون مسعي اهل التبت
لنيل الاستقلال ومن السخرية ان
اسرائيل التي تحتل الاراضي
العربية وتمارس ابشع صنوف القهر
والاجرام ضد الشعب الفلسطيني،
لا تجد حرجا في ادانة الصين،
علما بأن الصينيين لم يصادروا
اراضي اهل التبت ولم يقصفوهم
بالطائرات ولم يدمروا منازلهم
ولم يذبحوا اطفالهم ولم يحرموهم
من ابسط مقومات الحياة . وكما كتب الصحافي
الاسرائيلي ديفيد ليفي في صحيفة
هآرتس (13/4/2008) انه ليس
للاسرائيلين الحق الادبي في
الوقوف ضد الاحتلال الصيني في
التبت . ومن
السخرية أيضا ان رئيس ما يسمي
جمعية اصدقاء التبت في اسرائيل
وهو استاذ علم النفس ناحي آلون،
هو ضابط سابق في الجيش
الاسرائيلي كان متورطا في قتل
فلسطينيين في غزة سنة 1967. ويضيف جدعون ليفي ان
مواطني دولة تمارس في ساحتها
الخلفية اضطهادا عسكريا لا
نهاية له، ويكاد لا يجري فيها اي
احتجاج ضد هذا الاحتلال ـ
يفتقرون الي الشرعية عندما
يحتجون علي احتلال آخر . واصاب المحلل
الاسرائيلي كبد الحقيقة عندما
كتب انه ليس في العالم اليوم
اقليم محاصر ومسجون مثل غزة وما
هي النتيجة ؟ فبالنسبة
الي الصين، فان الدعوة العالمية
هي مقاطعة المحتل ـ وبالنسبة
للقضية الفلسطينية ثمة مشهد غير
معقول: انه امر لا يصدق، العالم
يقاطع الذين يقعون تحت الاحتلال
... وليس المحتل وهذا لا مثيل له
في التاريخ . ولكن من المسؤول عن
هذا التجنّي علي الشعب
الفلسطيني الذي يجرده الغرب من
حقه الطبيعي في الاستقلال وحق
العودة الي وطنه، وفي الوقت
الذي يدعي انه يؤيد استقلال اهل
التبت ؟ بالطبع العرب بانظمتهم
وحتي بشعوبهم هم المسؤولون عن
هذه المهزلة فلو تصدي العرب،
بما يتمتعون به من امكانات
هائلة، لمواقف الغرب، لأجبروه
علي تصحيح خطيئته الاساسية
وارغموه علي مناصرة الحق
ومقاومة الظلم. ولكن طالما بقي العرب
متقاعسين عن نصرة اخوانهم
الفلسطينيين، سيواصل هذا الغرب
استباحة الارض العربية احتلالا
واستغلالا وتجنيا، والتنكر
للحقوق الفلسطينية ونصرة
المعتدي والتآمر علي الضحية . متي سينتصر العرب
لكرامتهم ويستعيدون مكانتهم
بين الامم ؟ متي سيستيقظون
ويؤثرون في مجرى الاحداث ؟ ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |