ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 28/04/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


عن الأزمة الراهنة للفكر الإسلامي

بقلم يسري عبد الغني عبد الله*

إذا أردنا إصلاح حال أمتنا الإسلامية فلتكن البداية البحث عن مقومات الفكر الإسلامي وخصائصه ، فتلك هي البداية الحقيقية لأي محاولة تهدف لعلاج الوضع المتدني الذي تشهده الأمة الإسلامية في أيامنا الراهنة ، وبطبيعة الحال فإن هذه المقومات تنبني أساساً على الأصول الإسلامية دون أدنى انغلاق علىالذات ، أو انعزال عن الآخرين ، فالحفاظ على الهوية الحضارية لا يعني بأي حال من الأحوال رفض الآخر أو إغلاق باب الحوار معه أو رفض التعايش   معه ، أو رفض المشاركة في إرساء دعائم الأمن والسلام في عالمنا .

وكما نعلم فإن الأصل الذي اشتق منه لفظ إسلام هو نفس الأصل الذي اشتق منه لفظ سلام ، فالإسلام إذن هو دين التسامح والعدل والمساواة والمحبة والسلام للبشرية جمعاء .

ولكن الكشف عن هذه المقومات الأصيلة للفكر الإسلامي ، لا يجعلنا أن نتجاهل الواقع المعاش أو نغض البصر عما يمر به عالمنا الإسلامي من أزمات عديدة .

ومن هنا كان لابد على أهل الرأي و الفكر الاتجاه بعد ذلك إلى بحث الأزمة الراهنة للفكر الإسلامي  ، وبيان أبعاد هذه الأزمة بوضوح وصراحة وشفافية دون أدنى إخفاء للحقائق  ، فالأزمة التي يعانيها الفكر الإسلامي ماثلة للعيان ، وتجاهل هذه الأزمة هو نفسه مظهر من مظاهر هذه الأزمة عينها .

ولكن الأمة الإسلامية لم تقف أبداً أمام أزماتها دون جرأة ، بل كان هناك رواد ومجددون على مدى تاريخ هذه الأمة يبعثهم الله سبحانه وتعالى على رأس كل مائة سنة ليجددوا لهذه الأمة أمر دينها ، ويصححوا لها مسار فكرها ، ومن هنا كان لابد لنا أن ننطلق إلى بحث ودراسة محاولات التجديد ، وبالطبع يجب  ألا يفوتنا وضع محاولات التجديد هذه في إطارها الصحيح ، بوصفها محاولات بشرية قد تخطئ ، وقد تصيب .

إن محاولات التجديد كانت قائمة منذ قرون ، وستظل كذلك أبد الآبدين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، فهي علامة صحية على درجة وعي الأمة بما يحيط بها من أزمات ، وما يكتنفها من ظروف داخلية وخارجية ، كما أنها محاولة واعية للبحث عن طريق الخلاص المنتظر .

ومن خلال ما طرحناه آنفاً تتضح الصورة داخل المجتمع الإسلامي بواقعها الإيجابي والسلبي ، وبأبعادها المضيئة والمظلمة .

والعقل الإسلامي ـ انطلاقاً من جوهر دينه ـ لا يميل إلى اليأس ، ولا يركن إلى الدعة والخمول والإحباط والتواكل والتبعية ، ولكنه يتسلح دوماً بالأمل انطلاقاً من ثقته التامة بنصر الله وفتحه ، وكما يقال : إنه لولا الأمل ما أرضعت أم ولداً ، ولا غرس غارس شجرة .

كما أن القرآن الكريم قد أكد على أنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ، ومن خلال كشف الحساب الذي سوف يتضح لنا عبر الدرس الواعي المتأني لمقومات الفكر الإسلامي وخصائصه ، وبحث الأزمة الراهنة للفكر الإسلامي مع سبر غور أبعاد هذه الأزمة ، والتعمق في قراءة محاولات التجديد في الفكر الإسلامي مع وضع هذه المحاولات في إطارها السليم من ناحية الزمان والمكان ، وبوصفها محاولات قام بها بشر مثلنا يمكن لهم الخطأ والصواب ، وتلك طبيعة الاجتهادات البشرية عبر مراحل التاريخ الإنساني .

نقول : إنه من خلال دراسة الأمور التي أسلفناها ، سوف يتبين لنا بجلاء أنه لا يزال لدينا الكثير والكثير مما يمكن أن نقدمه للآخرين ، وللحياة    المعاصرة ، مشاركة منا نحن أهل الإسلام في النهوض بالفكر الإسلامي بصفة خاصة ، والفكر الإنساني بصفة عامة .

ولا ريب في أن الفكر الإنساني بوجه عام يعاني هو الآخر من أزمة طاحنة تتجلى في الفكر المادي الذي يسيطر عليه ، وبمعنى آخر فإن هذا الفكر الممعن في المادية هو لب أزمة الفكر الإنساني .

نضيف إلى ذلك التناقضات الحادة الصارخة بين القول والفعل ، مع كيل الأمور بمكيالين ، ومن هنا لم يعد الضمير العالمي يهتم بقضايا الإنسان كإنسان ، والواقع الذي نشهده يوضح لنا أن العالم المتحضر الذي يتبنى الدعوة إلى صيانة وحماية حقوق الإنسان في العالم ، قد أصيبت بالصمم والعمى إذ كان الأمر يتعلق بحقوق الإنسان المسلم في عالمنا ، وقد جهل أو تجاهل أن الإنسان المسلم الذي هو أيضاً إنسان ، وأقرب أمثلة على ذلك ما يحدث في فلسطين والعراق وأفغانستان   والشيشان ، وما حدث من قبل في البوسنة ، وغير ذلك مما يعرفه الناس جميعاً .

ودون أن تجرفنا العواطف نعود معاً إلى أمر أخير ومهم ، ألا وهو الذي يتعلق بالعطاء الذي يمكن أن يقدمه الفكر الإسلامي للحياة المعاصرة ، ونطرح ذلك في سؤال : هل نحن حقاً نريد أن نقدم بالفعل شيئاً له قيمة للفكر الإنساني إسهاماً منا نحن أهل الإسلام بوصفنا جزءاً من الأسرة الإنسانية ؟.

أعتقد أننا جميعاً نريد ذلك بصدق ، ولكي نحقق ذلك فعلينا الالتزام بأن نعمل على أن نكون جديرين بتقديم هذا العطاء الفكري للإنسانية جمعاء ، وذلك بأن نكون نموذجاً تتجسد فيه كل تلك المعاني التي نريد تقديمها للآخرين ، فلا يتناقض قولنا مع فعلنا ، وقد حذرنا القرآن الكريم من ذلك عندما قال : { يا أيها الذين آمنوا لما تقولون ما لا تفعلون ؟ ، كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون } [الصف : 2 ـ 3 ] .

والمعنى : إنه ليس شيئاً أبغض إلى الله من أن يتصف أهل الإيمان بذلك الوصف ، ألا وهو أن يقولوا ما لا يفعلون .

والواقع أن مسألة الكلام عن الفكر الإسلامي وإسهاماته في الحياة المعاصرة يحتاج إلى دراسة معمقة ووقت طويل ، وهذا أمر جدير بأن تفرد له الدراسات والأبحاث والمؤلفات بالإضافة إلى الملتقيات والمنتديات والمؤتمرات ، وذلك بغية دراسة هذا المجال ومسائله وقضاياه بعمقأكثر ، وتفصيل أشمل ، وحوارات أوسع ، وليتنا نفعل ذلك من خلال منهجٌ علمي للبحث بعيداً عن العشوائية وعدم التخصص وخلط الأوراق ، كما أتمنى أن نأخذ التوصيات والاقتراحات التي يخرج بها أهل الفكر والرأي مأخذ      الجدية ، ولا نتركها في الأدراج أو الأرفف طعاماً سائغاً يسر القوارض  .

والأمل يحدونا جميعاً في أن يسعى أهل الفكر والرأي والبحث من أجل تقديم الزاد الفكري المحرك للعقول والأفهام ، الداعي إلى المزيد منالتفكير و التأمل من أجل دفع مسيرة الفكر الإسلامي إلى طريقها الصحيح للنهوض بهذه الأمة كي تحتل مكانها اللائق بها تحت شمس الحضارة الحقيقية التي تجعل من الإنسان الذي هو أعظم مخلوقات رب العالمين ، إنساناً بمعنى الكلمة ، لا عبداً أسيراً لماديات هذه الحياة بشهواتها وملذاتها ، التي تغيب     العقل ، وتذهب به ، في نفس الوقت الذي تعطل فيه قدرات الإنسان الخلاقة ، والتي يجب أن يوظفها للعمل والابتكار والإبداع والمعرفة ، من أجل حياة أفضل له ولمن حوله .

إن هذا يقتضي أن يأخذ العقل مكانه الصحيح في المجتمع الإسلامي فهو أسمى ما منحه الخالق الأعظم للإنسان ، فبالعقل كان الإنسان إنساناً ، ومن هنا يجعل القرآن الكريم عدم استخدام وسائل الإدراك المعرفية ، وعلى رأسها     العقل ، تنازلاً من الإنسان عن إنسانيته التي كرمه الله جل شأنه بها ، إن تخلي الإنسان عن عقله سوف يؤدي به إلى انتكاسة سوف توصله إلى درجة أدنى من مرتبة الحيوان الأعجم .

ومن هنا يقول الله العلي القدير : {ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن     والإنس ، لهم قلوبٌ لا يفقهون بها ، ولهم أعين لا يبصرون بها ، ولهم آذان لا يسمعون بها ، أولئك كالأنعام ، بل هم أضل ، أولئك هم الغافلون .} [الأعراف : 179 ] .

والمعنى : إن الله تعالى خلق لجهنم كثيراً من الجن والإنس وهم الذين لهم قلوبٌ لا يكلفونها مؤنة معرفة الحق ، والنظر في دلائله ، ولهم أعين لا ينظرون بها إلى ما خلق الله نظر التدبر والاعتبار ، ولهم آذانٌ لا يصغون بها للآيات والمواعظ إصغاء المتأمل الذي يبغي الفهم الصحيح ، أولئك كالبهائم في عدم الإدراك والفهم والمعرفة بل هم أضل ، أولئك هم الغافلون .

إن الإسلام دين العقل والعلم والتأمل والمعرفة يريد للمسلمين ألا ينزلوا إلى هذا الحضيض ، بل يجب عليهم أن يحافظوا على إنسانيتهم وكرامتهم ويستخدموا قواهم العقلية والفكرية في التعمير والبناء ، تعمير الإنسان من الداخل بالإيمان والفكر الصحيح ، وتعمير الحياة بالحضارة والقيم الإنسانية ، ووسائل البناء المادية ، بعيداً عن الصدام أو الصراع .

*باحث ومحاضر في الدراسات العربية والإسلامية

Ayusri_a@hotmail.com

 -------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ