ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
حوكم
صدام عن الدجيل وأعدم .. فمتى
يحاكم عهد حافظ أسد عن تدمر
وأخواتها؟ سالم أحمد* عندما يُذكر الرئيس العراقي الراحل "صدام
حسين"، يتبادر إلى الذهن
الرئيس السوري الراحل "حافظ
أسد". فكلاهما كان بعثيا.
وكلاهما كان حاكما مستبدا قمعيا.
وكلاهما لم ينتخبه الشعب، بل
جاء إلى الحكم بانقلاب وبموافقة
من واشنطن. فهل من فوارق بينهما؟
وإن كانت فما هي؟ وعلى كل حال فإن خصوم "صدام حسين"
عددوا مافيه الكفاية من سيئات
حكم الرئيس العراقي الراحل "صدام
حسين". وإذا كنت لا أوافقهم
على كثير مما اتهموه به، غير أني
أقول: لولم يكن في حكمه إلا
الاستبداد لكفى. على أن اجتياحه
دولةَ الكويت لم يكن له فيه أي
مبرر وقد وقفت إلى جانبه في حربه
ضد إيران. ولعله من العدل أن
نذكّر بحسنات الرجل بعد أن صار
إلى دار الحق. فقد وقف دائما إلى
جانب القضية الفلسطينية وقدم
لها كل العون، الذي لم يبخل به
العراق حتى قبل عهد صدام في حرب
1948 ، كما في هزيمة حزيران عام 1967
: ( بعد تدمير الطائرات الإسرائيلية
لمدرجات المطارات في مصر- اتصلت
قيادة العمليات بالسوريين فكان
جوابهم أنهم بوغتوا بالأحداث.
قمنا بطلبات متكررة لالتحاق
طائرات الجيش السوري بطائرات الأردن فطلبوا إمهالهم ساعة
فساعة. في الساعة الحادية عشرة
أقلعت الطائرات
العراقية من
قواعدها لتنضم إلى سلاحنا الجوي
وتساهم بالمهمة المشتركة
ويمكنني أن أوضح
أن تأخر الطيران السوري في
التدخل فوّت علينا فرصة ذهبية
كان يمكن أن ننتهزها لقلب الموقف لصالح العرب) ( شهادة الملك
حسين عن دور سورية في حرب حزيران).
وفي حرب عام أما حافظ أسد الذي كان قمعيا واستبداديا
في حكمه مثلما هو الحال في حكم
صدام حسين، إلا أنه اختلف نهجه
عن نهج صدام حسين نحو القضايا
العربية. وإذا سلمنا بأن "حافظ
أسد" لم يرد أن يشارك في
مغامرة صدام حسين في حربه ضد
إيران عام 1981، فلا أقل من أن يقف
على الحياد! فقد دعم حافظ أسد
إيران ضد العراق وقدم لها
معونات مستترة ما يزال معظمها
مجهولا. ومع أن دول الخليج
العربي قدمت لسورية الدعم
المادي في حرب 1973 وفي إعادة بناء
ما دمرته آلة الحرب
الإسرائيلية، إلا أن حافظ أسد
رفض دائما أن يدين احتلال إيران
للجزر الإماراتية الثلاث: طمب
الكبرى وطمب
الصغرى وأبي موسى. وإذا كان صدام حسين رفض أن يسير في المخطط
الأمريكي للمنطقة إلى آخر
المشوار -وقد شجعت حربه لإيران-
فإن "حافظ أسد" سار في مخطط
واشنطن حتى النهاية. أدخل قواته
إلى لبنان ليقمع الفلسطينيين،
ثم لتتحول قواته إلى آلة قمع لكل
اللبنانيين. ومع أنه كان بردا
وسلاما على إسرائيل في جبهة
الجولان من يوم أن وقع معاهدة فك
الارتباط، برعاية "هنري
كيسنجر" عام 1974 وحتى الآن،
إلا أنه سلك مع اللبنانيين
سياسة "فرق تسد"، ما جعلهم
شيعا وأحزابا، يقاتل الأخ أخاه
والجار جاره، وليكون حافظ أسد
فوق الجميع، وضد كل اللبنانيين. أما في سورية فقد فعل حافظ أسد في
السوريين ما لم تفعله فرنسا
أثناء احتلاها لسورية. انقلب
على "صلاح جديد" بعدما كانا
يدا واحدة في قمع الشعب السوري.
تابع النهج الطائفي الذي بدأه
مع جديد، فقرب الوصوليين من
العلويين. ومع أن بعض عقلاء
الطائفة العلوية أدركوا عواقب
سياسته الطائفية، فقد انحاز
إليه آخرون منهم فحولوا الجيش
قلعةً علوية. وخلقوا فتنة
مذهبية، ربما يمضي وقت طويل حتى
يبرأ نسيج الشعب السوري من آفات
تلك الفتنة. البعض يزعم أن واشنطن تتحمل قسطا كبيرا
مما حدث في سورية، إذ دعمت "حافظ
أسد" ضد رفاقه في انقلاب
نوفمبر 1970، وأعطته الضوء الأخضر
ليشيط في دماء الشعب السوري في
الأحداث المؤلمة الدامية في
أعوام 79–1982، إلا أننا نعتقد أن
حافظ أسد يتحمل وزر تلك الأحداث
ولا يقلل ذلك من وزر أعوانه. فهو
أعطى الأوامر لأخيه قائد سرايا
الدفاع "رفعت أسد"، ولقائد
الوحدات الخاصة "علي حيدر"،
ولمدير إدارة المخابرات
العسكرية "علي دوبا"، و"شفيق
فياض" قائد الفرقة الثالثة،
فعاث يمينا وعاث شمالا، وفتش
المدينتين حلب وإدلب بيتا بيتا
بعد تطويقهما في عام 1980. (ضربت
صفحا عن ذكر أعوان آخرين لضيق
المجال). إن حافظ أسد يتحمل وزر
كل المجازر. أما من ذكرت من
الأعوان فكانوا شركاء له
مضاربين يأخذون المال منه ثمنا
لما أراقوا من دماء بريئة،
وهتكوا من حرمات مصونة في سورية.
نضرب مثالين فقط على جرائم "حافظ
أسد": ففي ليلة 26-27 حزيران من عام 1980 هجم
المغاوير من قوات سرايا الدفاع
يقودهم "رفعت أسد" وقوات
الوحدات الخاصة يقودها "علي
حيدر" على سجن تدمر الصحراوي،
وفتحوا نيران رشاشاتهم على
المعتقلين، وكانوا نياما، "وقتّلوهم
ركعا وسجدا". وكانت الحصيلة
إزهاق أرواح ما يقرب من ألف
معتقل. وقيل في سبب هذه الجريمة
–ولايبررها سبب- أن "الطليعة
المقاتلة" هاجمت موكب حافظ
أسد قبل يومين. ومع أنه نجا من
المحاولة، فقد أمر بمجزرة سجن
تدمر كما ذكرنا آنفا. ويظهر أن
ما قام به رفعت في سجن تدمر لم
يكن كافيا، فقد أصدر قانونا لم
يصدر مثله هولاكو ولا هتلر ولا
ستالين ولا جورج بوش في
غوانتنامو، وهو القانون 49 لعام
1980 الذي يقضي بالإعدام على مجرد
الانتماء لجماعة الإخوان
المسلمين. وقد أعدم بموجب
قانون الذبح هذا أكثر من عشرين
ألف معتقل، حيث حوكموا صوريا في
سجون حافظ أسد. وفي3 شباط عام 1982 قامت قوات "رفعت أسد"
و"علي حيدر" بتطويق مدينة
حماة، على مدى شهر كامل أويزيد،
قصفت فيه المدينة المحاصرة
براجمات الصواريخ وبمدافع
الميدان، لم تَدعْ مسجدا إلا
دمرت قبته ومآذنه، أو كنيسة إلا
قصفتها. وقد دخل جنود "رفعت
أسد"و"علي حيدر" في
حارات المدينة وفتشوها بيتا
بيتا. فقتلوا الشباب واعتقلوا
الشيوخ والنساء. وكانت الحصيلة
-كما ذكرت منظمات حقوق
الإنسان- أكثر من عشرين ألف
قتيل، وشُرّد عشرات الألوف من
سكان المدينة في المدن والقرى
المجاورة. وقد استطاع الصحفي
البريطاني المعروف "روبرت
فيسك" -كان يومها مراسلا
لصحيفة "التايمز" اللندنية-
أن يدخل المدينة أثناء حصارها
معرضا نفسه للقتل، وأرسل
تقاريره من داخل حماة عما يجري
فيها إلى صحيفة "التايمز"
التي كذبت ما زعمته الإذاعة
السورية من أن "فيسك" لم
يدخل حماة أثناء حصارها. اقتصرت على المثالين السابقين- وإلا
فجرائم النظام أكثر من ذلك
بكثير- لأؤكد أن كلا منهما كافٍ
لأن يوقف عهد الرئيس الراحل
حافظ أسد داخل قفص الاتهام
ومحاكمته عن كل الجرائم التي
اقترفت بحق الشعب السوري. وإذ
يستحيل محاكمة شخص الرئيس لأنه
قد مات، فليحاكم عهد الرئيس إذن.
وإذا كان صدام
حوكم وأعدم بزعم أنه أعدم 148
شخصا من الذين تآمروا على قتله،
فما بالك بعشرات الألوف من
السوريين الذين أعدمهم الرئيس
"حافظ أسد"؟ وإذا كان فات
أوان محاكمة حافظ أسد فلا أقل من
أن يحاكم عهده ويعرى على الملأ. محبو صدام حسين يقولون إنه أقل سوءا من
حافظ أسد بكثير، مع ذلك أعدمته
واشنطن وأبقت حافظ أسد بل ورّثت
ابنه الحكم من بعده. ونحن نقول
لهذا السبب أعدم "صدام"
وكوفئ "حافظ". نزولا عند
رغبة محبي "صدام"
بالمقارنة بين الرجلين نقول:
أما حافظ أسد فلم أجد في تاريخه
الطويل حسنة تحسب له، بينما
سجله مثقل بالخطايا. وأما صدام
حسين فلم أكن من المعجبين بنظام
حكمه. لكن النظرة إليه تبدلت
عندما احتلت واشنطن بغداد ثم
اعتقلته وسلمته إلى حكام بغداد الجدد الذين عاشوا من قبل في فنادق
واشنطن وقبضوا دولاراتها. على كل حال، فإن
صدام استأثر بالحكم هو وقلة من
أتباعه وأبعد معظم العراقيين
فلم يكن لهم أي دور أو رأي مسموع
في سياسة العراق، إلا للنخبة من
أعوانه. كما اعتبر الرئيس
العراقي الراحل -ككل الحكام
المستبدين في العالم العربي-
نفسه "سوبر مان" يحق له أن
يفعل ما يشاء ،ليس لأحد أن يعترض.
وربما كان الاعتراض سببا في
اعتقال من تسول له نفسه أن يعترض
،حتى لو كان من أعوانه
البعثيين، الذين قد تكون
عقوبتهم أشد من غيرهم وأنكى. ورغم كل ما قدمت فقد رفضْتُ رفضا قاطعا
المحاكمة التي أجريت لصدام
حسين، عن جرائم نسبت إليه، لأن
المحاكمة تمت تحت سلطة المحتل
الأمريكي، والقاضي الذي نظر
القضية كان مسكونا بتنفيذ إرادة
المحتل الأمريكي. بل إني أحسب أن
صدام –والله حسيبه- قتل شهيدا
لأنه قتل بيد الأمريكي، وأمره
إلى الله في دماء من قتلهم من
العراقيين. لا يفوتني أن أشيد بمواقف بعض أعوان صدام
حسين الذين لم يخذلوه، حتى وهو
داخل القفص الأمريكي. أخص هنا
بالذكر "طارق عزيز" نائب
رئيس الوزراء العراقي الأسبق،
الذي رأيناه في قفص المحكمة –وهو
يرتدي البيجاما- مدافعا عن
سياسات صدام حسين في إعدام من
حاول اغتياله في قرية "الدجيل".
أما "محمد سعيد الصحاف" فقد
رفض بشدة المقولة بأن صدام كان
طائفيا، وأردف قائلا: بأنه هو –الصحاف-
كان شيعيا. ولعلني لا أنسى أن أشير إلى أن كثيرين من
الصحفيين العرب انساقوا وراء
الإعلام الأمريكي عند اعتقال
صدام. فصوروه بصورة الأرنب
المذعور وهو يعتقل من الحفرة.
كما زعموا بأنه استسلم للأمريكي
-زعم بأنه طبيب- وهو يفحص أسنانه
وشعره، حتى كتب "حازم صاغية"
في "الحياة" بأنه كان يبحث
عن "القمل" في شعر صدام.
وإذا كانت الخديعة الأمريكية قد
انطلت عليهم ثم تبين أن صدام
حسين كان مخدرا، فلا أقل من أن
يصححوا، فيشيدون برباطة جأشه
وهو يساق إلى المقصلة، وهو
الموقف الذي ينهار فيه كثير من
الجبابرة عندما يعاينون الموت. كتبت عن أخطاء ومحاسن صدام. وكتبت عن
خطايا حافظ أسد ولم أجد له حسنة
يمكن ذكرها. لذا فإني أدع المجال
لغيري لعله يجد له الحسنات.
فربما وجد أن عيني كانت عينَ
الرضا مع صدام حسين، أما مع حافظ
أسد فربما كانت عينَ السخط التي
تبدي المساويا. *كاتب سوري ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |