ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
ثقافة
السوق الاجتماعي : الإصلاح
الثقافي لؤي
حسين لا خلاف
على أنه من مهام الدولة الحديثة
ومن واجباتها النهوض بالواقع
الثقافي. لكن الخلاف يمكن أن
يثار على طبيعة الآليات
والوسائل التي يمكن للدولة
اعتمادها للقيام بهذه المهمة،
إضافة لوجود الخلاف على معنى
هذا الدور وكيفياته. فالدولة
السورية، مثلا، لم يفتها منذ
عقود محاولة القيام بهذه
المهمة، إلا أن السلطات
الثقافية والسياسية عبر هذه
الفترة اعتبرت أن هذا الدور
يتمثل في مركزة الثقافة أو
توحيدها، أو بتعبير أدق إنتاج
ثقافة وحدانية. وكل ثقافة عداها
هي ثقافة حضيضية أو غير سورية.
وكان نهجها المعتمد لتحقيق ذلك
منذ حين وحتى سنة "دمشق عاصمة
الثقافة العربية" هو احتكار
الثقافة، بعد تأميمها أسوة
بتأميم واحتكار قطاعات أخرى
كالرياضة والصناعة والإعلام.
لتصير غاية فاعلية الدولة
الثقافية ليس إنتاج ثقافة ترضي
التنوع المجتمعي السوري بل
تحقيقا لمبدأ أن واجب الدولة
النهوض بالواقع الثقافي. لهذا
نجد أن مقياس هذه الفاعلية،
كشبيهاتها من الصناعة والرياضة
والإعلام، هو الكم الإنتاجي
الكاسد، إن لم نقل الفاسد،
وتأمين ضجيج إعلامي للمباهاة
به، وهذا طبعا يقتضي التباهي
بالكم المالي المصروف، أو
المهدور، لإنجاز مثل هذا
الإنتاج. وكما
رأينا عندما سُمح بكشف الغطاء
عن واقع القطاع العام الصناعي،
أو الاقتصادي عموما، وتبين
مقدار الخسارة وهدر المال العام
والأعباء التي تتحملها الدولة
في الإبقاء على هذا القطاع.
حينها، وحتى الآن، دارت نقاشات
كثيرة تبحث عن الحلول الأنجع
لهذا الواقع المزري، تراوحت بين
الخصخصة وبين الاستمرار
والاستمتاع بالمناقشات. إلا أن
الكثير من هذه النقاشات وضع
مسألة الربحية في آخر سلم
اهتماماته. هذه الربحية التي
يجب أن تكون على رأس أي بحث أو
نقاش في أي موضوع اقتصادي، أو
تحديدا صناعي، ليس لها نفس
المكانة في القطاع الثقافي،
لكنها بنفس الوقت لا يجب أن تغيب
عن مقاييسه. فمن غير الصحيح
اقتصاديا وثقافيا أيضا أن يكون
القطاع الثقافي مستهلكا للمال
العام وهادرا له، بل يجب أن يكون
أحد روافده، بشكل مباشر أو أقل
مباشرية. وهذا
الأمر لم يغب كثيرا، أو دوما، عن
تفكير السلطة الثقافية وجهازها
التنفيذي (وزارة الثقافة)،
لكنها لم تتناوله أو تتبناه من
هذه الزاوية، بل اكتفت أن تقتصر
مداخيلها المالية على الآليات
الريعية، من خلال اقتصاص مبالغ
مالية من القطاع الخاص الثقافي
مستفيدة من موقعها الاحتكاري
ومن موقعها السلطوي الذي يخولها
منع قيام أي ثقافة أو نشاط ثقافي
لا يرضي سلطويتها، أو لا يُكرِم
بعض مسؤوليها التنفيذيين
(الوزاريين). وهذا الجانب يشابه
مرة أخرى حال الاقتصاد السوري
عندما كان تحت الغطاء، وعندما
كانت السلطات الاقتصادية لا
تقبل بوجود قطاع اقتصادي خاص،
قبل أن تبدأ بالاعتراف بدوره
الوطني فبدأت بتحليله (جعله
حلالا) بدءا بقانون الاستثمار
وانتهاء بإقرار اقتصاد السوق
الاجتماعي. فالثقافة أيضا بحاجة
لهذا التحليل والاعتراف بأن جزء
منها على الأقل هو إنتاج مجتمعي
أهلي خاص، وأنه لا يوجد ثقافة
واحدة ولا واحدية، بل الثقافة
الوطنية، أي السورية في حالتنا،
هي مجموع ثقافات متنوعة بتنوع
البنى المجتمعية والاجتماعية
وبتعدد الأصول التاريخية
للجماعات المكوِّنة للنسيج
الاجتماعي. وليس تنوعها حسب
تنوع القيّمين السلطويين أو
التنفيذيين عليها، الذي لم
يغيِّر في النظر إلى التنوع
الثقافي السوري بقدر ما كانت
الغاية منه تكريس وزارة الثقافة
كسلطة ثقافية مسيطرة ومهيمنة
على الثقافات الأخرى وليست
مديرة لنشاطاتها وإنتاجاتها. لهذا
أعتقد بضرورة القيام بإصلاح
ثقافي مواز للإصلاح الاقتصادي
ومتشابكا معه، ومستعيرا بعض
مفرداته وآلياته وأهدافه.
كالاعتراف بوجود قطاع خاص ثقافي
لا يقل وطنية عن القطاع العام
الثقافي، والقبول بضرورة تحرير
هذا القطاع والاعتراف بدوره
البنّاء، ودعمه وتأمين كل
التسهيلات التي تمكّنه من لعب
دوره الطبيعي، خاصة الدعم
المالي والاقتراضي وإجازات
العمل. وتمكينه أيضا من إقامة
بنى تحتية أسوة بالقطاع الخاص
الصناعي. وقبل كل هذا إنهاء
احتكار الدولة لهذا القطاع
والاكتفاء بدورها الإداري
والتوجيهي له. إلا أني
أعتقد أن كلاما كهذا لا يجد
الممانعة فقط من جهة السلطة
الثقافية أو مسؤوليها
التنفيذيين المتعيشين ثقافيا
وماليا على احتكار الثقافة،
وعلى تكريس الاعتقاد باستحالة
ربط الإنتاج الثقافي مع الدخل
المالي الرابح والحديث عنهما
كشأن واحد، بل إن الذهنية
الثقافية السورية بوجه عام
تعتبر أن المال يدنّس الثقافة،
وأن الثقافة الحقّة لا يمكن لها
أن تبتغي المال والربح. وأن
المشروع الثقافي هو على النقيض
والضد من أي حسابات عائدات
مالية ربحية، وإلا لتحول إلى
مشروع تجاري. فالثقافة يجب أن
تبقى على طهارتها وعفتها من أي
دنس مادي. هذه
الاعتقادات جميعها يجب إعادة
النظر فيها. فهي التي أنتجت لنا
أطنانا من الكتب الكاسدة في
مستودعات وزارة الثقافة، وهي
التي أتلفت لنا أطنانا من
الإصدارات الدورية الزهيدة
الثمن التي تزداد دوما مع كل
وزير جديد، وهي التي جعلتنا
ندفع من مالنا العام خمسة أضعاف
ثمن أي منتوج ثقافي وزاري
لتمنّنا الوزارة بتقديمه لنا
"مجانا" من خلال
مهرجاناتها المزدادة مع كل دورة
وزارية، وهي التي أفسدت مسرحنا،
أو تمسرحنا، عبر تقسيمه بين
"ملتزم" و"تجاري"،
وجعلت دور السينما تنتقل إلى
حقبة من الترميم الدائم، وهذه
الاعتقادات هي المسؤولة عن وجود
آلاف من الموظفين الثقافيين
الوزاريين لا ينتجون ثقافة، بل
الأنكى من ذلك أنهم لا
يستهلكوها. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |