ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 20/05/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


التقدم العلمي :

هل يكفي لمواجهة تحديات العصر ؟

بقلم  : يسري عبد الغني عبد الله*

ayusri_a@hotmail.com

ها نحن في العقد الأول من الألفية الثالثة ، نجد أنفسنا امام تحديات جديدة ، وذلك بعد أن نجحنا كشعوب عربية وإسلامية خلال القرن العشرين في انتزاع إستقلالنا ، وتحرير إرادتنا السياسية من أغلال وقيود المستعمرين .

ولعل أهم التحديات التي تواجه المجتمعات العربية والإسلامية في الألفية الثالثة هو محاولات التغلغل الحضاري الغربي في أوساطها ، واستغلاله الاقتصادي ـ المباشر أو غير المباشر ـ لخيراتها وثرواتها .

إن صفة التخلف التي التصقت بمجتمعاتنا وانعكاسها على حياتها تعد المشكلة الأم التي تنبثق منها جميع المشكلات الأخرى كتلكؤنا في تحقيق الوحدة الاقتصادية التي تمكننا من حل العديد من المشكلات الاقتصادية التي تجابهنا ، وكذلك إقامة نظم سياسية واقتصادية واجتماعية وافية بأغراض اليوم بشرط أن تكون نابعة من داخلنا ، وغير مفروضة علينا من الخارج تحت أي مسمى أو أي ادعاء ، أضف إلى ذلك تعثرنا في التغلب على أعدائنا ، واستعادة حقوقنا وأرضنا المسلوبة ، وكذلك تأخرنا في رفع مستوى جماهير شعوبنا الاقتصادي والاجتماعي والثقافي إلى الدرجة التي نطمح إليها.

*

إذا كانت مشكلة التخلف هي أهم المشكلات التي تواجه مجتمعاتنا العربية والإسلامية ، فمما لا ريب فيه أن هناك معياراً علمياً يمكننا من قياس درجة هذا التخلف ، وبالتالي معرفة ما يجب القيام به من أجل مواجهة هذه المشكلة .

نقول : لقد تعددت المقاييس واختلفت ، فالبعض يذهب إلى الأخذ بمجموع الإنتاج الاقتصادي ومعدل نموه ، والبعض الآخر يأخذ بتوافر وسائل الاستهلاك ومدى تطورها ، والبعض الثالث يأخذ بانتشار التعليم وبمدى مستوى الصحة العامة ، والبعض الرابع يأخذ بنوع الحكم والإدارة ، والبعض الخامس يأخذ بمدى وعي الرأي العام ... إلى غير ذلك من المؤشرات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية ، وإن كان المؤشر الأكثر شيوعاً في أيامنا هذه والذي تعتمد المنظمات الدولية وتقارير التنمية الصادرة عنها هو : محصل الإنتاجالاقتصادي ، وهذا هو معيار التنمية السليمة .

*

إن التخلف أو النمو يرتبط ارتباطاً وثيقاً بدرجة التقدم الاقتصادي ، وبمعنى آخر فإن النمو ونقيضه التخلف يرتبطان بالدرجة الأولى بدرجة التقدم الاقتصادي الذي هو جوهر عملية التنمية الشاملة المستدامة .

واواقع الأمر أن التخلف لا يرتبط بالإنتاج الاقتصادي وحده ، فنحن إذا نظرنا إلى هذا المعيار وجدنا أنه عند التحليل الأخير نتاج لما هو أشد أصالة وعمقاً ، فالقدرة الذاتية التي كونها المجتمع وامتلكها ، وأصبح قابضاً على ناصيتها ، وقائماً على توجيهها واستخدامها ، هذه القدرة مظهرها الإنتاج الاقتصادي ، ولكنه ليس المظهر الوحيد .

*

إن للقدرة الذاتية والفعلية لأي مجتمع عناصر ومظاهر ، من أهمها : قدرة العقل ، والمتمثلة في العلم والمعرفة ، وهذه القدرة تبدو في ميدانين هما : ـ

الميدان الأول : الطبيعة .

الميدان الثاني :الإنسان .

أما الميدان الأول فيتأتى من معرفة نواميس الطبيعة التي تحيط بنا ، ومن المشاركة في تطوير هذه المعرفة واستثمارها لاستخراج موارد  الأرض ، واستغلال ثرواتها على الوجه الأكمل ، بهدف رفع المستوى المعيشي للبشر جميعاً. 

وبالنسبة للميدان الثاني (ميدان الإنسان) فهذا الميدان يتولد من معرفة نواميس الحياة الإنسانية ، ومن استخدام هذه المعرفة في ترقية الفرد ، وتنظيم المجتمع ، وتعزيز نتاجهما .

وغني عن البيان أن الإسلام قد أمر البشر جميعاً بالسعي في مناكب الأرض ، والتأمل في ملكوت السماوات والأرض ، والعمل الجاد المثمر ، في نفس الوقت الذي طلب منا أن نحكم عقلنا في أمورنا الدنياوية التي نحن أدرى   بها ، كما أنه جعل العلم فرض على كل مسلم ومسلمة ، يطلب من أي مكان طالما كان فيه الخير والنفع لبني الإنسان .

*

نعود فنؤكد على أن ظاهر هذه القدرة هو التقدم التكنولوجي الذي يؤدي بدوره إلى التطور الاقتصادي ، والتفوق العسكري ، والاستقلال السياسي ، وبالتالي توافر الوسائل الضرورية لمكافحة الفقر والجهل والمرض وسواها من العلل التي تعوق حركة التقدم والنهوض .

على أن التقدم التكنولوجي يظل مرتبطاً ارتباطاً أوثق بالعلم ، إذ أن التكنولوجيا تعني تطبيق العلم على العمل في مختلف مجالات الصنع والانتاج .

أي أن مقياس القدرة الأصلية للمجتمع تقاس أو تقدر بمقدار الثروة العلمية التي يتمتع بها من حيث انتشار المعرفة وعلو مستواها ، وعدد المتعلمين تعليماً حقيقياً مفيداً للمجتمع ، وعدد أصحاب القدرة على الإبداع والابتكار والتطوير وحل المشكلات المعاشة ، وكذلك عدد المؤسسات العلمية والبحثية بما تؤديه من دور فاعل في تطوير البحث العلمي وحل مشكلات المجتمع والارتقاء به ، نضيف إلى ذلك المنهجية العقلية السائدة في المجتمع والتي نراها في تصرفات الأفراد والجماعات ، ومدى قدرتها على تشخيص المشكلات ومعالجتها معالجة علمية سليمة .

*

وإذا كانت القدرة العلمية والمعرفية التي يتمتع بها أي مجتمع هي التي تحدد بدرجة كبيرة ما يتمتع به من تقدم أو ما يعانيه من تخلف ، فقد نجد شعوباً فقيرةومتخلفة ، غير قوية ، تنتصر انتصاراً ساحقاً على غيرها من دول في غاية التقدم العلمي ، والقوة التكنولوجية .

ويعود قسط جليل من الفضل في ذلك إلى إيمانها العميق ، وبذلها ، وجهادها ، وتضامنها ، وما وفرت لنفسها من أسباب القوة ، والقوة التي نقصدها هنا القدرة الخُلقية والنفسية .

وغني عن التوضيح أن عدوان الشعوب بعضها على بعض ، وظلمها واستغلالها بعضها بعضاً ظواهر عريقة قديمة في التاريخ البشري ، ومردها إلى الفروق ، الفروق في القدرة بين الشعوب الغالبة ، والشعوب المغلوبة .

وجاءت تطورات العصر الحديث فوسعت هذه الفروق ومكنت الدول الكبرى من فرض هيمنتها السياسية والاقتصادية والثقافية على غيرها من الشعوب ، ليقول لنا لسان الحال : إن الضعيف وإن كان صاحب حق ليس له من أشياع ! .

*

إذن من اللازم اللازب أن نخرج من طرحنا السالف بأن الواقع المعاش يحتم علينا أن نسعى جادين مجتهدين كشعوب عربية وإسلامية ، لأن نعتصم بحبل الله جميعاً ولا نتفرق ، في نفس الوقت نُسلح أنفسنا ـ بقدر الطاقة والإمكان ـ بالقوة ، والقوة التي نقصدها هي قوة العلم والمعرفة والفكر ، والتي لا تقل بحال من الأحوال عن قوة المال والسلاح والجاه ، وفي رأينا أن الأيمان الحق هو خير وسيلة نستطيع أن نسعى بها إلى القوة ، لنكون بحق كما وصفنا المولى سبحانه خير أمة أخرجت للناس .

من المحتم علينا أن نمتلك مفاتيح التقدم العلمي من أجل أن نتمكن من مواجهة ما يهددنا من أخطار ، ويجابهنا من تحديات ، وبالطبع ليتنا نعي ذلك وندركه جيداً في إطار الحفاظ على أصالتنا وثوايتنا وهويتنا الإسلامية .

*

نحن نخطئ الخطأ البين إذا قصرنا معيار القدرة العلمية التي يتعين على المجتمعات العربية والإسلامية السعي إلى تحقيقها كسبيل أوحد يمكنها من مجابهة أخطار وتحديات القرن الواحد والعشرين ، فلا يصح الاقتصار على العلم فقط ، أو التقدم العلمي فقط ، كي نحدد التقدم المتزن المتكامل الذي يقوم على القدرة الذاتية بجمالها وتمامها ، فهناك قدرة النفس أي القدرة الخُلقية أو المعنوية الناتجة عن عمق الإيمان ، الإيمان الواعي الذي يجعلنا نسير في طريق العمل الجاد   المثمر ، ويجعلنا نسيطر على الشهوات والأطماع ، ويشجعناعلى : البذل ، والتضحية والتعاون ، وإنكار الذات ، والصدق مع النفس .

إن الإيمان الحق هو الذي يجعلنا نتضامن ونتشارك جميعاً في سبيل تحقيق المثل العليا والأهداف السامية التي تطمح مجتمعاتنا العربية والإسلامية إلىتحقيقها ، وهو الأمر الذي سيعمل بالقطع على الحفاظ على هويتها وأصالتها في ظل سعيها الدائم والضروري إلى امتلاك مفاتيح التقدم العلمي .

والله تعالى ولي التوفيق ،،،

*باحث ومحاضر  في الدراسات العربية والإسلامية

 -------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ