ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 01/06/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


سوريا .. المستقبل الدامي !!

بقلم باهوز مراد

.. ما أن يسمع أو يقرأ احدنا (من خلال وسائل الاعلام المختلفة)، تنديداً أو تقريعاً من جانب الاتحاد الاوربي أو الولايات المتحدة الامريكية ، متناولاً الوضع السوري ومعارضاً ضمناً، العبثية البعثية فيما يخص الداخل أو الخارج السوري، حتى ينشدّ تلقائياً نحو الخبر بكل جوارحه ، متهيئاً له في الوقت ذاته ، ظهور بوادر الانقلاب الخارجي على النظام ، أو بأن سقوط الطاغوت بات قاب قوسين أو ادنى .

.. قد يكون هذا الشعور طبيعياً نتيجة مظالم متأتية كنتائج لسياسة نظام شمولي ،صلبَ الحريات العامة والحقوق الانسانية الطبيعية والسياسية على مذبح الطوارئ و الاحكام العرفية لأكثر من اربعين سنة.. إلا أن هذا الشعور ، في حقيقة الامر لا ينفي انه مرتبط عند الكثيرين بالقناعة في أن التغيير لا يأتي من الداخل بل من الخارج ، ولا يكاد هذا الشعور أو الاطار الفكري يخرج عن حقيقة تشكله عبر مواقف وقراءة وقائع ، حيث يُعزى لهذه القراءة النظر إلى المعارضة على أنها خروج على السلطة (الدولة)،أو هو فعل انتحار من قبل البعض ، بالاضافة إلى النظر إليها بصورة سلبية ووضعها موضع الشك والتساؤل فيما هي قادرة على انجاز التغيير،كما أن هناك عامل التوجّس من القيادات التي تقود الحراك ،و بالنتيجة فإن هذا التفكير يثبت بطريقة واضحة ، نجاح النظام في القضاء على أية ثقافة مدنية سياسية لطيف ٍ واسع من الشعب .. و بالتالي فإن هذا التصور يخفي ما يذهب لقوله د. برهان غليون بأنه : " انحطاط الحياة السياسية في موازاة انحسار الرابطة الوطنية والاستقالة العميقة النظرية والسياسية و الاخلاقية معاً للرأي العام ،سواء أجاء ذلك بسبب اليأس والاحباط من القدرة على التأثير أم بسبب الاقتناع المتنامي بالاستلاب للقوى الكبرى والحاكمة معاً. لكن النتيجة واحدة ، وهي النظر إلى التغيير على أنه ليس فعل إرادةٍ ذاتية للشعوب ، ولكنه ثمرة تضافر عوامل خارجية وداخلية خارجة عن إرادة الناس و قدراتهم ".

.. عطفاً على ما سبق سوف نناقش مسألة التعويل على الخارج، وبعيداً عن تُرهات التخوين والعصبية و التي لطالما كانت موضع نقاشٍ تارة ً، واحترابٍ تارة ً أخرى فيما بين الفصائل السياسية على اختلاف توجهاتها ، وفيما بين شخصيات فكرية وثقافية وسياسية في داخل الوطن وخارجه ، بل سنناقشها لما لها من أهمية بالغة تتوضح في رسم الاستراتيجيات البعيدة الامد للقوى السياسية ولتجنيبها التأثر في علاقاتها الجدلية مع الواقع بالمنظور السياسي الآني أو الظرفي و تقلباتهما ، كما أنها قراءة مغايرة لمن يرى في الهروب إلى الامام ،حلاً سحرياً ناجعاً لمعضلة الوضع في سوريا .. ومن ثم سنتطرق إلى مسائل أخرى مرتبطة إلى حدّ بعيد بالمعارضة السورية والداخل السوري ،متخذين من النتائج المترتبة عن النقاش ، بوصلة ً لتحديد الطريق الذي سوف يسلكه التغيير في سوريا.

 

ــ الولايات المتحدة واسرائيل وأفق التغيير في سوريا ــ

"الحقيقة هي ما يثبت أمام امتحان التجربة "   ـ ألبرت آينشتاين ـ

 

.. بعد سقوط بغداد ،ارادت اسرائيل ومن خلفها اللوبي الاسرائيلي في الولايات المتحدة الامريكية (و التي تتميز بقوة تأثيرها في معظم سياسات امريكا في الشرق الاوسط،لنفاذها في الكونغرس ،وتأثيرها على الرأي العام الامريكي حول قضايا تخص اسرائيل ووجودها بما فيها بقاء جسور الدعم المادي لها مفتوحاً )،أن تدفع إدارة بوش ـ كما فعلت في الحرب على العراق ـ لوضع عدسة التصويب على سوريا.. فقد قام شارون و وزير دفاعة شاؤول موفاز ـمثلاًـ في 16 نيسان 2003 ،بمقابلات عالية المستوى في الصحف الاسرائيلية،الغرض منها تحويل الانظار إلى سوريا،كما اشتغلت ماكينة الاعلام الامريكي من خلال (لوس انجلوس تايمز ،واشنطن بوست والنيويورك....)،بضخ الفكرة إلى الرأي العام ،حتى أن عضو الكونغرس (إليون إنجل) قام بإعادة تقديم محاسبة سوريا وقانون استعادة سيادة لبنان في 12 نيسان من العام نفسه، واشار الكونغرس إلى فرض عقوبات ،داعياً سوريا ولبنان أخيراً لاتخاذ خطواتٍ ملموسة ٍ لصنع السلام مع اسرائيل.

إلا أن إدارة بوش كانت لها رأي آخر ولم ترغب بوضع سوريا على لائحة الضرب الامريكية لاعتبارات كثيرة منها:أن سوريا قامت بتزيد الولايات المتحدة بمعلومات استخباراتية هامة حول القاعدة منذ 9|11 ، كما حذرت واشنطن حيال هجمة ارهابية مخططة في الخليج ، كذلك فقد منحت محققي (سي.آي.إيه) حرية الكلام مع (محمد الزمار) المشتبه به على أنه قام بتجنيد بعض من مرتكبي 9|11 ، ثم ان سوريا لم تكن على علاقات سيئة مع واشنطن قبل حرب العراق حتى أنها صوتت لقرار الامم المتحدة رقم1441 ،ولم تشكل أي تهديد للولايات المتحدة.

وبالتوازي مع رأي ادارة بوش ،في أن استهداف نظام الاسد سيعرّض هذه الصلات الثمينة للخطر،وسيقوّض بالتالي الحرب الاوسع على الارهاب ،فقد عبّر بعض قادة الصهاينة على اختلاف توجهاتهم عن مطالبتهم بعصر النظام السوري وابتزازه حتى النهاية، مؤكدين في الوقت ذاته تمسكهم بهذا النظام وحرصهم عليه !!..كما أن سوريا لا تشكل تهديد وجود لدولة اسرائيل على عكس ايران التي تهدد اسرائيل علناً بمحوها من على خارطة العالم، (على أن هذه الشعارات التي تطلقها ايران قد تكون بمثابة ذر الرماد في العيون ،وهي تضم تحت ثوبها الفضفاض اتفاقيات سرية ، فلا يخفى صدى ما جاء في موقع القوة العسكرية في واشنطن في تموز 2006 ، حيث نشر الموقع خارطة جديدة للشرق الاوسط تحت مقال معنون بـ : خارطة الدم ، والمعدّة على اساس وقائع ديموغرافية ـ الدين القومية والمذهبية ـ) ، و حلم ايران في امتلاك ترسانة نووية تأخذ من اسرائيل كل مأخذ ،وتقضّ مضاجع شعبها قبل قاداتها.. لذلك كان توجيه عدسة التصويب نحو ايران هو البديل .

وما حالة الطلاق الاستراتيجي أو الهجران المؤقت بين الولايات المتحدة و سوريا إلا محض افتراء ولعبة سياسية على نطاق دولي ،تستتر خلفها الكثير من التأويلات..فالمحادثات السرية بين سوريا واسرائيل لم تقم إلا بمباركة امريكا، وإلا كيف نفسر تحركات رجل الاعمال الامريكي من أصل سوري (ابراهيم سليمان) الواسعة،والذي زار مراراً القدس ونقل رسائل إلى قادتها منها ما اشار إلى رغبة سوريا في التوصل إلى اتفاق مع اسرائيل .

.. و زيارة عرّاب اتفاقية السلام بين مصر واسرائيل ، الرئيس الامريكي الاسبق (جيمي كارتر) إلى دمشق ،بهدف تحريك المفاوضات المتعثرة بين اسرائيل وسوريا منذ العام 2000 ، حيث اشار إلى ما وصفه بابرام صفقة متكاملة تشمل عدة ملفات إقليمية منها المسألة العراقية والازمة السياسية في لبنان والقضية الفلسطينية ،ومراجعة دور دمشق في تشجيع ودعم الفصائل الراديكالية،وبحث إمكانية تقليص تحالفها الاستراتيجي مع طهران أيضاً .

.. فضلاً عن التسريبات التي نشرتها صحف اسرائيلية من بينها صحيفة (هآرتس )، التي اشارت إلى أن الخطة التي جرى التباحث بشأنها مع سوريا تقضي بأن يجري تحويل جزء كبير من هضبة الجولان لصالح كل من اسرائيل وسوريا على حدّ سواء ،فيما يتم اخلاء الحدود من الجانبين من الجيش ،والخلافات الوحيدة هي طلب المفاوض السوري أن يتم الانسحاب على مدى خمس سنوات فيما طلب الاسرائيليون أن يستغرق ذلك خمس عشرة سنة على الأقل..

والمعلوم بأن الجانبان السوري والاسرائيلي قد توصلا خلال شهر آب 2005 ،إلى ما يمكن وصفه بالنسخة النهائية للوثيقة التي تُعدّ اساساً لبدء التفاوض بينهما،وأما الاجتماع الاخير فقد عُقد في خضمّ حرب حزيران 2006 في لبنان.

..وفي حوار مع صحيفة (يديعوت احرونوت )،قال رئيس الوزراء إيهود أولمرت: إن السوريين يعرفون ما تريده اسرائيل منهم،كما أن الاسرائيليين يعرفون ماتريدة سوريا من اسرائيل ، مضيفاً ومؤكداً أن الاسرائيليين ليسوا مهددين بخطر نووي سوري .. ! وتعقيباً على تصريحات اولمرت بشأن سوريا ،وصف (إيلي نيسان )، الصحافي والمحلل السياسي الاسرائيلي لـ "راديو سوا" ،البيانات الصادرة عن قادة اسرائيل وسوريا تارةً بشأن السلام وتارة ً أخرى بشأن التوتر القائم عند الحدود بـ ( الروتينية )!!.

.. كما أن تصريحات كارتر بأن طريق السلام لا بدّ أن يمرّ عبر دمشق !! لم تكن إلا اشارة إلى الدهاء الذي يتمتع به النظام السوري ، ليتُرجم لاحقاً في قضية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري ،وامكانية مقايضة المحكمة الدولية بعقد المزيد من الاتفاقيات السرية ،وما اُوحي به من أن مجموعة من المافيا وراء اغتيال رفيق الحريري..

وهذا هو الجواب لمن يعتقد بضعف ووهن نظام الاسد ،وبأن التغيير بات في متناول اليد ،كما يوحي إليه بعض الفرقاء في المعارضة السورية .

..على أن هذه المغازلة بين الدولتين الاسرائيلية والسورية ستُترجم على الارض بشكل ٍمختلف ،وعلى مدى وقتٍ طويل ،فعامل الوقت هو أهم الصّيغ التي يتعامل معها الطرفان ،فاسرائيل تحتاج إلى تمديد الوقت للحصول على المزيد من التنازلات من الجانب الفلسطيني ولاعتبارات أخرى عديدة ،أما النظام السوري فإن تمديد الوقت يبدو بالنسبة له أهم انجاز في المرحلة المقبلة بما يخص الداخل ،فواقع السلام سيُلغي بالضرورة قانون الطوارئ وتبعاتها ،لأنه لن يكون هناك أي مبرر يمكن أن يختلقه النظام في إبقائه، وبالتالي ستكون السلطة في مواجهة استحقاقات المرحلة التالية من نشر الاصلاحات والديمقراطية وتقليص مشترياتها للاسلحة المختلفة والتي انفقت في الاعوام الثلاثة الاخيرة ما يزيد عن 3 مليارات دولار في صفقات شراء الاسلحة ،ورفع مستوى المعيشة ...إلخ.

.. إن الوقائع والاحداث الحالية تثبت قطعاً ما ينفي أية رغبة من أية جهة دولية في اسقاط النظام السوري ،خصوصاً في ظل عدم معرفة البديل ،و ضعف المعارضة وعدم وجود أي جذور شعبية لها في أوساط الشارع السوري (حسب ما جاء في التقرير الأول من بين التقارير الاربعة التي نشرتها معهد السلام الامريكي على موقعه ، بعنوان سوريا والتغيير السياسي )، فضلاً عن التخوف من وصول الاصولية الاسلامية إلى سدّة الحكم وتغذية الحقد والكراهية نحو الغرب و مؤازرة القوى الاصولية الصاعدة في المنطقة .

 

ــ في مواجهة النظام .. وآمال التغيير ــ

" هل كان علينا أن نسقط من عُلُوّ شاهق، ونرى دمنا على أيدينا... لنُدْرك أننا لسنا ملائكة.. كما كنا نظن؟ "   ــ محمود درويش ــ

 

.. رغم الجهود الكثيفة التي أبدتها القوى السياسية المعارضة والشخصيات الوطنية والمثقفين ،وانضوائهم تحت مظلة ما عُرف باعلان دمشق ، إلا أن الجهود الخيرة والمشكورة، والنية الطيبة لم تستطع أن تجعل الرؤى و آفاق التفكير أكثر سطوعاً وتحرراً من الضباب الذي غطى استراتيجيته، و عجزه عن بلورة رؤيةٍ عملية ٍ للتحرك في سياقات إقليمية ودولية جديدة تتطلب التنازل عن الآيديولجيات التي لا تتناسب إلا مع حزب سياسي ،كما لم تتمكن أن تنفذ إلى الواقع اليومي للمواطنين ،وبدت بالتالي علامات ان الاعلان يعاني من أزمة بنيوية وقراءة غير مناسبة للاحداث التي عصفت بالمنطقة، واضحة للعيان ، وبأن الخلل كان ناجماً عن عدم ايجاد ارضيةٍ صلبةٍ من التفاهمات وتعليق العديد من القضايا المتعلقة بالسياسة وبالقوى المتشاركة والتي من المفروض أنها قامت على مبدأ التوافق السياسي ،وبغياب الحوار حول الكثير من هذه المسائل تمّ تعليقها أو تأجيلها ،وبانعقاد المجلس الوطني التي اعتبرت قفزة نوعية ،لكنها جاءت على حساب التفاهمات وبناء الارضية التوافقية الصلبة، وبالتالي ظهر إلى السطح صراعات عدة كان من بينها محاولة تسويق بعض الآيديولوجيات ،و السيطرة على الاعلان..وبالنتيجة انقسم الاعلان على نفسه بين فريقين:

 

احدهما في الداخل ،حيث تراجع لحدود ما قبل اعلان دمشق ،لكنه محافظ على الاعلان نفسه كون انهياره او انقسامه أو ضعفه سيكون دليلاً بيّناً على عجز القوى السياسية المختلفة ،ولذلك يعُـتبر الحفاظ على الاعلان فيه مصلحة وطنية، لأن الاعلان بالاصل وفي احد جوانبه هو رد قوي لكل من كان يعتقد بعدم وجود معارضة بل معارضين في سوريا.

والفريق الاخر في الخارج و يقوم بالاتصال بالدول والشخصيات النافذة ،و بعقد الندوات والاجتماعات واللقاءات مع منظمات وجمعيات مختلفة التلاوين والمشارب والمشاركة في المظاهرات أو الاعتصامات التي تتم امام السفارات السورية في الدول الغربية، أي تدويل مآسي الداخل ، ومعوّلاً على المساعدة الخارجية في قلب الاوضاع في الداخل (وإن كان بشكل غير مباشر،وإنما بتجميد ارصدة المتنفذين في سوريا ـ مثلاً ـ وفرض حصار سياسي عليهم ...)، وبالطبع هذا الفريق يدعي بأنه ممثل للاعلان ، في حين أن فريق الداخل يشير بأن هؤلاء غير معنيين بالاعلان وما يقومون به لا تعبّر عن توجهات وسياسة الاعلان !!

.. لم يعُد بخافٍ على أحد بأن التغيير في سوريا ، لا يمكن أن يتم ،في ظل ما يعتري القوى السياسية المعارضة أو التي تتمنى التغيير !من هزات عنيفة سببها الضغوط الامنية واشتداد قبضتها عليها ، مع رجحان كفة عدم انتظار المساعدة من الخارج إلا على شكل بيانات وتنديدات خجولة لا تلقى من النظام آذاناً صاغية ،وأمام ما يعتري القوى والاحزاب السياسية العربية منها والكردية ،من خلافات داخلية و بينية حادة ،لا تؤهلها لاحداث أي تغيير يُرتجى ، ونكوص وعودة الشعور والرأي العام إلى ما قبل الاعلان عن إئتلاف القوى في " إعلان دمشق للتغيير الديمقراطي " ــ ( بغضّ النظر عمّا رفدت به الحراك السياسي من دروس وعبر) ــ ، وهذا الارتداد مترافق ومتزامن مع انهيار البنية الاقتصادية في سوريا والعجز الكبير في الناتج القومي ،وبلوغ قضايا البطالة وازدياد المشكلات الاجتماعية ،والفساد واستفحال البيروقراطية والطفيلية ،إلى الحد الذي بات معه التغيير ضرورة من أجل الوجود وليس من أجل تحسين واصلاح الاوضاع ! !

.. وأمام معوقات النهوض بعملية التغيير ، فإن القيامة الشعبية هي الفرصة الوحيدة لخض و رج الاوضاع القائمة على اختلافها ، الفكرية والسياسية والاخلاقية المرتبطة والمتأثرة في علاقاتها الجدلية مع الواقع بالمنظورالسياسي الظرفي أو الموقفي وتقلباتهما ،وبمفاهيم وافكار وعقائد آيديولوجية تتصل بخبرة أجيال لا تزال تنظر إلى العالم عبر منظار فترة الحرب الباردة والمد القومي العربي والشيوعي والالتباس الفظ في التعامل مع مفاهيم كالديمقراطية والليبرالية ــ حسب د. برهان غليون ــ وبذلك ستحرر القيامة الشعبية بالضرورة المخيلات العفنة من هذه المفاهيم وسيحرص على ولادة افكار ورموز جديدة ورؤى أخرى قابلة لأن تتفاعل مع التطورات الهائلة الحاصلة في كل المجالات .

..إذا كان لا بدّ لنا من وصف المعارضة وظروف نشأتها ووظيفتها في الدول الغربية ،فيمكن القول بأنها وليدة وابنة الحالة الديمقراطية، التي تمكّنها من مراقبة كافة السلطات، القضائية والتنفيذية والتشريعية في الدول المعنية، كوظيفة تحدد شرعيتها، وتحدّ بذلك من استغلال السلطة لحالات خارجة عن خدمة الجماهير العريضة ،وبدون أن تلقى الضغوط التي تؤثر في ادائها ..فإننا وبالمقابل لا يسعنا إلا أن نقول بأن ما نذهب إليه في سوريا ـ مثلاًـ باطلاق صفة المعارضة على حراكها السياسي ،هو نوع من التلاعب اللفظي الذي يبعث بالامل و التفاؤل في النفوس،وبخاصة فيما لو أخذنا الحالة الكردية في سوريا مثالاً،وبدون مواربة ،فهي لا تطمح اساساً إلى السلطة أو الاصلاح ،على عكس الاحزاب العربية السورية ،بل تسعى هذه الاحزاب إلى تثبيت قوميتها في الدستور والتأكيد على كونها تعيش على أرضها التاريخية،لكنها ترغب في ذلك ضمن حدود الوطن السوري ،مايجعلها حركة تحرر قومي وليست معارضة سياسية سورية بالدرجة الاولى.

..وبغض النظر عن حالة الاحزاب الكردية وصراعاتها التنظيمية والبينية،فإن بعض الاحزاب استطاعت أن تُمهّد الطريق أمام حراك جماهيري كردي ،تمثلت في الاعتصامات والمسيرات والمظاهرات في الداخل والخارج ،وبذلك كسرت طوق الخوف من البعبع السلطاني ،وهذه الحالة تميّز و تمايز الحراك الجماهيري الكردي عن شقيقه العربي في سوريا .

كما لا يُخفى على المتتبع الموضوعي لواقع الحال السوري ،بأن الكرد في سوريا ،هم الاكثر تضرراً وتهميشاً من باقي الاطياف الاخرى ،وما يزيد الحال سوءاً غياب خطط التنمية الاقتصادية في المنطقة،وبالتالي حرمانها من المعامل والمصانع الاستثمارات و .. .الامر الذي يجعل من المجاعة والفقر وحشاً كاسراً يفترس كل طموحاتهم وآمالهم ،ويُبعدهم إلى ملاجئ في احزمة المدن الكبرى وما يصاحب ذلك من اغتراب نفسي حاد.. كل ذلك مصحوباً بالدسائس والمؤامرات التي تقودها وتنفذها جهات معلومة ،بهدف عسكرة الشارع الكردي ،وهي تنفيذ لأجندة غاياتها الابادة المنظمة للثروة البشرية الكردية.. أمام هذا الواقع المرير فإن الاوضاع ستدفع الكرد في سوريا في المستقبل المنظور ،إلى تبني العنف في اثبات ذاتهم ،على شكل اعتصامات ومظاهرات طويلة الامد نسبياً ،وذلك لعدة عوامل ،أهمها :

ــ الحالة الاقتصادية المعيشية والاجتماعية والنفسية المزرية .

ــ انسداد أفق التغيير في الفضاء السياسي ،وبالتالي ضياع إمكانية اصلاح الاوضاع ،وعدم تصديق الوعود التي سيقطعها لهم النظام ، فيما إذا اضطر إلى ذلك .

ــ التأثير المعنوي الكبير لواقع أقليم كردستان العراق ، نظراً للاحتكاك والجوار ،وما يترتب عن ذلك من نشدان الحصول على الحرية والقيمة الانسانية التي باتت في الحضيض منذ الآن.

ــ صعود القضية الكردية في تركيا إلى السطح السياسي والخطاب المجتمعي وبقوة ،والمطالبات المحلية والدولية لوضع حل لها،سيُزيد من احساس الكرد في سوريا بالشعور بالغُبن .

..لا شك بأن أوسع شريحة ستشارك في هذه التغييرات ستكون من الطلبة الكرد .. كونهم من أكثر من يحتكون بأنماط الثقافة الخارجية والداخلية ،وتأثرهم الكبير بمفاهيم الديمقراطية والحريات ،والمقارنة المستمرة لواقع حالهم مع اوضاع باقي اصقاع العالم بخاصة الجوار العراقي ... على أمل أن تنتشر هذه الاعمال في باقي أرجاء سوريا ، وبين الشعب العربي ،إلا أن الاحتمال الاخير ضعيف جداً ، لقوة السيطرة البعثية وامتداد آيديولوجيتها بشكل افقي وعامودي في الشارع العربي ،مما يوحي بوجود نسبة كبيرة فيهم ممن يقدم الولاء للحزب القائد .

..أمام هذه الاوضاع وبالاشتراك مع الرموز الجديدة و الاحزاب الكردية و بعض الاحزاب العربية والشخصيات الثقافية والوطنية والجمعيات والمنظمات الداخلية والخارجية وبجهود جبارة من المغتربين السوريين ،سيكون بالامكان كسب تعاطف ورأي عالمي تجاه الوضع في سوريا بشكل غير مسبوق ،مما سيساهم في التحليل الاخير في فتح الملف السوري والكردي على مصراعيه.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ