ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 17/06/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


موقف القانون الدولي من

احتلال إسرائيل للقدس الشرقية "وضمها" إليها عام 1967

المحامي د. خلدون أبو السعود

في أعقاب حرب عام 1967 احتلت إسرائيل الضفة الغربية , وما تبقى من أراضي القدس الشرقية التي كانت آن ذاك تحت سيطرة وسلطة الأردن وباقي الأراضي العربية ، حيث أصبحت إسرائيل وفقا للقوانين والأعراف الدولية محتلة لتلك الأراضي العربية, وهي ملزمة بجميع تصرفاتها بأحكام القانون الدولي بشكل عام وأحكام قانون الإحلال الحربي بشكل خاص , ولقد استطاعت إسرائيل بعد ذلك العدوان " ضم " وتوحيد المدينة المقدسة واعتبارها عاصمة لها دون الاكتراث للمواقف الدولية ولا للقرارات الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة وذلك, من خلال خطة مدروسة ومخطط لها وهي لا تزال حتى تاريخ كتابة هذه السطور تسعى إلى عزل المدينة عن باقي الأراضي المحتلة, من خلال إكمال الجدار العازل العنصري وبناء المستوطنات وتهويد الأرض وطرد السكان بشتى الأساليب.

ولم تستعمل إسرائيل كلمة الضم للقدس العربية (القدس الشرقية ) من خلال قرارها المتمثل بالقوانين والمراسيم الصادرة عنها , حيث اتخذت الحكومة الإسرائيلية قرارها القاضي بسريان القانون الإسرائيلي على المدينة المقدسة ، وتعديل قانون الأنظمة للسلطة والقضاء لسنة 1948 وإضافة المادة 11/ب، والتي تنص على سريان قانون الدولة وقضاءها وإدارتها على كل مساحة من أرض إسرائيل حددتها الحكومة في مرسوم . حيث أصبحت القدس المحتلة خاضعة للقضاء وللإدارة الإسرائيلية ، وبذلك أكملت عملية " الضم " لتصبح القدس المحتلة خاضعة للحكم المحلي (البلدي) أي تابعة لبلدية القدس الغربية , وقد حرصت كل من حكومة إسرائيل وبلدية القدس من خلال توسيع نطاق حدود بلدية القدس الجديدة ، على شمول المناطق التي ضمت إلى بلدية القدس أقل عدد ممكن من السكان العرب ، وهي سياسة لا تزال متبعة حتى هذا التاريخ . كما أصدر الكنيست الإسرائيلي قانون معدل لمرسوم الهيئات البلدية وهو القانون الذي أقره الكنيست في ذات اليوم 27/يونيو/1967، فقد طال "قانون البلديات لسنة 1934"البريطاني الأخير والذي بموجبه أصبح لوزير الداخلية ودون القيام بأي تحقيق إجراء أي إلحاق لأي منطقة بمنطقة أخرى بالنسبة لأية مساحة، ثم ضمها لدولة إسرائيل . وإعمالا لهذا التعديل قرر وزير الداخلية في 28/يونيو/1967 توسيع حدود بلدية القدس لتشمل المساحة التي ضمتها الحكومة لدولة إسرائيل . كما اقر الكنيست الإسرائيلي في 28/يونيو/1967 قانون المحافظة على الأماكن المقدسة لسنة 1967، وذلك للحفاظ على حائط (البراق) ،وقانون حماية الأماكن المقدسة . ،أما الخطوة الحاسمة التي اتخذتها إسرائيل لإزالة أدنى شك في قصدها من وراء سريان قانونها وإدارتها وقضائها على القدس العربية المحتلة ، فكان سن قانون أساسي القدس عاصمة إسرائيل في العام 1980 والذي تنص المادة الأولى منه على ان :"القدس الكاملة والموحدة عاصمة إسرائيل "" و اعتبار مدينة القدس بشطريها عاصمة موحدة لإسرائيل ومقرا لرئاسة الحكومة والكنيست والمحكمة العليا . والذي تم تعديله في نهاية العام الماضي من خلال مشروع القانون الذي يحظر التنازل عن أي جزء من القدس المحتلة في إطار أي اتفاق سلام يمكن إبرامه مع الفلسطينيين , و على ضرورة الحصول على موافقة ثلثي أعضاء البرلمان الإسرائيلي في حال طلب تعديل ذلك القانون .

و نعرض فيما يلي لمدى شرعية "الضم" وفقا لأحكام القانون الدولي من خلال بيان الموقف الإسرائيلي من الضم ، والحجج الإسرائيلية التي استندت عليها الحكومات الإسرائيلية ومناقشة الفقه القانوني لهذه الخطوات ، ومدى انسجام تلك الحجج وأحكام القانون الدولي.

 

أولا : موقف إسرائيل من ضم القدس

لقد كان موقف الحكومة الإسرائيلية فور عملية الضم مترددا , في حين وعندما أخذت أصوات الاستنكار الدولية ترتفع ضد هذا القرار ، سارع وزير الخارجية آنذاك أباإيبان إلى تفسير الضم على انه عمل بريء ليس له صيغة سياسية , وأن الإجراءات التي اتخذت إنما تتعلق بتوحيد القدس في المجالات الإدارية والبلدية ، وأن القصد من ذلك إنما لزيادة كفاءة الإدارة البلدية مثل مرافق الإضاءة والمجاري في القدس , حيث كان رد المجتمع الدولي متسقا وقويا وقد أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورة طارئة عن انزعاجها العميق من الوضع السائد في القدس , نتيجة الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل لتغيير وضع المدينة داعية إياها إلى إلغاء التدابير المتخذة لتغيير وضع القدس وطلبت من إسرائيل الامتناع الفوري من إتيان أي عمل من شأنه تغيير مركز المدينة المقدسة ( القرارين 2253 , 2254 الدورة الاستثنائية, حيث كان التصويت دون اعتراض أحد من الأعضاء), وفي 22 تشرين الثاني 1967 أصدر مجلس الأمن القرار (242) الشهير والذي نوه إلى عدم جواز امتلاك الأراضي بالحرب وأن إقرار السلام يقتضي تطبيق المبدأين:- الأول بانسحاب قوات إسرائيل المسلحة من الأراضي المحتلة ،والثاني إنهاء كل المطالبات أو حالات الحرب, واحترام سيادة كل دولة في المنطقة والاعتراف بها, وكذلك القرار الصادر عن مجلس الأمن. (252) الذي اعتبر جميع الإجراءات الإدارية والتشريعية من قبل إسرائيل بحق الأراضي المحتلة بما فيها مصادرة الأراضي والأملاك التي من شأنها أن تؤدي إلى تغيير في الوضع القانوني للقدس هي إجراءات باطلة ولا يمكن أن تغير من وضع القدس وكذلك القرار الصادر في مجلس الأمن رقم 267والذي يشجب بشدة جميع الإجراءات المتخذة لتغيير وضع مدينة القدس .

ولكن بعد ذلك أعلنت إسرائيل موقفها الحقيقي من أن مسألة ضم القدس غير خاضعة للمفاوضات ،و أن قرارها لا رجوع فيه , وقد أكد ذلك البرلمان الإسرائيلي في 9/10/1990 حيث أكد بان "تعود الكنيست وتقرر أن القدس الكاملة عاصمة إسرائيل وليست ولن تكون موضوعا للمفاوضات ، والكنيست يطالب الحكومة بان يحافظ خلال البحث في مبادرتها للسلام .... على إظهار وتوقيع مقصد إسرائيل ببقاء سيادتها على القدس دون تحفظ . كما عزز من تلك المواقف تصريحات كافة رؤساء الأحزاب السياسية الإسرائيلية والحكومات المتعاقبة والتي كان آخرها تصريح رئيس وزراء إسرائيل أيهود أولمرت بأن القدس ستبقى عاصمة أبدية لإسرائيل وتحت سيادتها ولن يتم التفاوض أو الحديث عنها .

 

ثانيا : موقف القانون والمجتمع الدولي من ضم إسرائيل للقدس الشرقية

يظل للدول الأعضاء للجماعة الدولية دورا كبيرا في إقرار الأوضاع الإقليمية الجديدة ، الناتجة عن استخدام القوة ضد دولة في المجتمع الدولي , حيث درج العمل الدولي منذ القرن التاسع عشر مؤيدا في ذلك بكتابات الفقهاء باعتبار ضم الإقليم المحتل في وقت الحرب عملا سابقا لأوانه ولا يتفق والحدود التي رسمها القانون الدولي العام لسلطات وإدارة الاحتلال, مادامت الحرب لم تنته بعد , ولا يجوز الضم إلا بعد أن تنتهي الحرب وإن كان الضم مبكرا ، وتأكد هذا العمل الدولي برفض الدول الأخرى غير المحاربة الاعتراف بطريقة أو بأخرى بمثل هذا الضم , حيث تضمنت توصية المؤتمر الأمريكي الأول المنعقدة عام 1890 إعلان بطلان ضم الأقاليم نتيجة لاستخدام القوة . وفي أعقاب غزو اليابان لمنشوريا عام 1932 ظهر مبدأ ستمسون الأمريكي الذي يقضي بعدم الاعتراف بالأوضاع الإقليمية الجديدة, إذا كان في إنشائها مخالفة الالتزامات الدولية العامة أو الخاصة. وهو المبدأ القائم على أساس عدم الاعتراف بالتغيرات الإقليمية التي تنشأ بالقوة ، ، وعدم الاعتراف بأي اكتساب يتم بالتالي عن طريق القوة, وقد أعادت الدول الأمريكية تأكيد هذا المبدأ في تصريح ليما سنة 1938, القائل بأن الإحلال أو اكتساب الإقليم أو أي تعديل آخر للأوضاع الإقليمية والحدود تتخذ عن طريق الغزو بالقوة أو بغير الوسائل السلمية غير صحيحة ولا تولد آثارا قانونية.

ومن خلال استعراض آراء فقهاء وكتاب القانون الدولي المعاصر ، نجد أن هناك إجماعا على رفض اكتساب ملكية الإقليم عن طريق القوة ، وأنه لا يجوز نقل السيادة وضم الإقليم المحتل إلى الدول الغازية المحتلة استنادا للقوة ، وقد تأكد ذلك المبدأ بعد صدور ميثاق الأمم المتحدة الذي حرم استخدام القوة في العلاقات الدولية إلا في حالات محددة ، ويرى الفقيه أوبنهايم أنه بصدور عهد عصبة الأمم ودخوله حيز التنفيذ والمعاهدة العامة تم نبذ الحرب وهي معاهدة باريس وميثاق هيئة الأمم المتحدة ، حيث أصبح اللجوء إلى استخدام القوة في العلاقات الدولية مخالفا للالتزامات الدولية وغير سارية المفعول , وقد رأى بعض الفقهاء على أنه إذا ما حدث وأن قامت دولة ، بغزو إقليم دولة أخرى، والاستيلاء على أراضيه وضمها بالقوة ، فإنه يتعين على الدول عدم الاعتراف بمثل هذا الاستيلاء والضم ، وقد أطلق على هذا المبدأ "عدم الاعتراف بالأوضاع الإقليمية غير المشروعة وأنه مبدأ سياسي وليس مبدأ قانوني .

 

ثالثا : موقف المواثيق والمعاهدات الدولية من الضم غير المشروع

وباستعراض المواثيق والاتفاقيات الدولية جميعها نجد أن هناك إجماعا دوليا على تحريم الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة , ومن الأمثلة على ذلك : إعلان اتفاقية لاهاي 1907 في مادتها 43 من الأنظمة الملحقة بها حظر إجراء أية تغييرات إقليمية أو اتخاذ أيه إجراءات تشريعيه أو إداريه , يترتب عليها حدوث أي تغيير في السيادة على الأقاليم المحتلة , بما يؤدي إلى انتقال هذه السيادة من تلك الأقاليم إلى دولة الاحتلال , وبالنتيجة بطلان الضم المترتب على استخدام القوة

كما ان الضم الذي تدعيه إسرائيل للقدس الشرقية يعني حرمان سكّانها من الحماية التي توفرها لهم معاهدة جنيف الرابعة، بصورة مناقضة للمادة 47. وقد ازدادت المشكلة سوءاً عندما أضيف إلى حدود المدينة الموسّعة مناطق كبيرة من ضواحي المدينة، وبذلك تم حرمان سكّان هذه المناطق من مزايا المعاهدة حيث تم فعلياً دمج المناطق والمستوطنات داخلها في إسرائيل.

أما عصبة الأمم فقد اعتبرت الضم يتنافى مع الأهداف التي قامت عليها الأمم المتحدة ، والمنصوص عليها في المادة الأولى والثانية من الميثاق ، وذلك في الفصل السادس منه ،الذي يحتم اللجوء إلى الوسائل السلمية في فض المنازعات الدولية ،و يحرم استخدام القوة أو التهديد بها في العلاقات الدولية بما يهدد سلامة الأراضي والاستقلال السياسي لأي دولة, أو على أي وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة ,لا فرق في ذلك بين الغزو وبين آثاره الفعلية من احتلال أو ضم , ولقد أصدرت هيئة الأمم المتحدة العديد من القرارات التي أدانت العدوان , وحرمت الاستيلاء على أراضي الغير وضمها بالقوة , ومن تلك القرارات : القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي 3256-أ في 2 نوفمبر 1956 ، والقرار 3257-أ في 4نوفمبر 1956 المؤكدان على انسحاب جميع القوات الأجنبية من الأراضي المصرية , وكذلك القرار 242 الصادر في 22نوفمبر 1967 والذي بموجبة لم يتم الاعتراف بضم الأراضي التي تم الاستيلاء عليها عن طريق الحرب , أما القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة, حول هذا الموضوع القرار رقم 2253 بتاريخ 4 يوليو 1967, والذي يدعو فيه إسرائيل إلى إلغاء جميع الإجراءات التي اتخذت , والإمتاع عن اتخاذ أي عمل من شأنه تغيير وضع القدس . بالإضافة إلى عدة قرارات أصدرتها الجمعية العامة والتي تؤكد على مبدأ تحريم الاستيلاء على أراضي الغير وضمها بالقوة , والتنديد بما قامت به إسرائيل من إجراءات تستهدف الاستيلاء على الأراضي العربية وضمها بالقوة . ومن هذه القرارات , القرار رقم , 2799في 13-12-1971, والقرار رقم 2851 في 20-12-1971, , وكلها تدعو إسرائيل إلى الامتناع عن ضم القدس وغيرها من الأراضي المحتلة , و التي تؤكد على عدم شرعية الاستيلاء على تلك الأراضي وضمها بالقوة. ومن ثم بات من المسلمات القول بأن المبادئ الأساسية في القانون الدولي تقتضي عدم الاعتراف بصحة الأوضاع الاقليمبة غير المشروعة ، واعتبر ذلك من القواعد القانونية الدولية الآمرة التي لا يجوز الإنفاق على مخالفتها، حيث لا يجوز للمعتدي أن يجني ثمار عدوانه، كما تم رفض قبول الضم في وقت الحرب , ويترتب على جميع ما تقدم أن إعلان الدولة ضم أجزاء من أقاليم دولة أخرى ، أو قيامها بعقد معاهدة صلح معها لتصبح حيازتها الإقليمية غير مشروعة بالصيغة القانونية, مخالفة بذلك أحكام المواثيق والمعاهدات الدولية, وهو عمل باطل من تلقاء نفسه ويحظى بالبطلان أيضا الإكتسابات الإقليمية التي قد تحصل عليها الدولة نتيجة الأعمال العدوانية . ومن ثم فإذا وقع الضم كان باطلاُ بطلاناُ مطلقاُ وهو بطلان بقوة القانون ولمصلحة الجماعة الدولية كلها ،وذلك لتعلقه بقاعدة أساسية من قواعد القانون الدولي العام , وهي قاعدة تحريم الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة التي يترتب على مخالفتها انهيار بنيان المجتمع الدولي نفسه وعليه يصبح تصرف إسرائيل بضم الأراضي العربية المحتلة بما فيها القدس المحتلة، مخالفة لمبدأ رفض ضم الإقليم المحتل بالإرادة المنفردة في وقت الحرب ،ولو بعقد الهدنة لا مجرد إيقاف القتال .

ونخلص مما تقدم بأن عدم الاعتراف بضم الإقليم يتأسس ببساطة على فكرة أن الاستخدام غير المشروع للقوة لا يمكن أن يخل بالحقوق الثابتة ، وأن ميثاق الأمم المتحدة أوجب على المجتمع الدولي ممثلا في هيئة الأمم المتحدة إعماله وتطبيقه ، وهذا ما حدث فعلا بصدد احتلال إسرائيل للأراضي العربية وإعلان ضمها بالقوة بما فيها القدس الشرقية عام 1967 , حيث كان رد الفعل الدولي داعيا إلى بطلان ضم إسرائيل للأراضي العربية وعليه فان احتلال إسرائيل للقدس وضمها أمر مرفوض من قبل المجتمع الدولي ومخالف للمبادئ القانونية التي استقر عليها فقه القانون الدولي والمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي لا تعترف لإسرائيل بضمها للقدس المحتلة, باعتبار أن هذا الاحتلال لا يمكن أن ينفي السيادة القانونية والشرعية للفلسطينيين على عاصمة الدولة الفلسطينية المستقلة .

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ