ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 28/06/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


من الرئيس التوافقي الى الوزراء التوافقيين

معن بشور

   هل تدرك الاطراف المعنية بإستمرار أزمة تأليف الحكومة أي ضرر يلحقه استمرار هذه الأزمة بالوطن على كل المستويات.

   قد لا يخرجنا تشكيل الحكومة من الأزمة المصيرية التي تعصف بالبلاد منذ سنوات، ولكن كل تأخير في تشكيلها من شأنه ان يصب الزيت على نار هذه الأزمة ويزيدها اشتعالاً على نحو يهدد مصير البلاد والعباد.

   فعلى المستوى السياسي يشّكل العجز عن تسوية حكومية اعلاناً مدوياً عن عجز الساسة اللبنانيين جميعاً عن حلّ مشكلات بلدهم بأنفسهم، وأن أي حل يحتاج الى وسيط من الخارج، او وصي، او متنفذ، بكل ما يعنيه ذلك من أثر سلبي على المجتمع والدولة، وعلى الوطن والكيان، خصوصاً أنه في كل الازمات السابقة كان كل طرف لبناني يضع المسؤولية على هذه الجهة الخارجية او تلك.

   وعلى المستوى الاقتصادي فبعد ان تفاءل اللبنانيون بصيف مثمر على صعيد السياحة والاصطياف، وعلى صعيد جذب الاستثمارات ، فإن كل تأخير في تشكيل الحكومة يعطي اشارات سلبية لكل من حزم حقائبه للسفر الى لبنان، او من أعدّ مشاريعه للاستثمار فيه.

   وعلى الصعيد الامني فإن الخلاف المستحكم على صعيد الازمة الحكومية يجعل الاستقرار في البلد هشاً، ويقرأ فيه العديد  من اللبنانيين اعلاناً بان اتفاق الدوحة لم يكن أكثر من هدنة مؤقتة، كما يرى فيه المستفيدون من العبث بأمن لبنان واستقراره فرصة لتحقيق أغراضهم.

   وعلى الصعيد الاجتماعي، تتحول الهواجس المتبادلة الى حواجز نفسية ومتاريس سياسية تنطلق من خلفها العصبيات المريضة، والغرائز المتفلتة، والاحقاد الدفينة، والمصالح اللعينة.

 هل يمكن للبناني أن يصدق أن حقيبة من هنا (أياً كانت اهميتها)، او وزيراً من هناك (أياً كان اسمه او موقعه)، يمكن ان يكون سبباً في دخول العهد الجديد شهره الثاني دون حكومة.

   وهل يمكن لأي لبناني، أن يقبل بأن تتحكم المكابرة من هنا، او العناد من هناك، في ابقاء بلده اسير الفوضى والاهتزاز.

   قد يحاول البعض تفسير ما يجري بأنه وليد ازمة طبقة سياسية متحكمة في البلاد، او وليد نظام بات عاجزاً عن حل مشاكل الدولة، او حتى وليد أزمة كيان بات أعجز من مواجهة المشكلات الضاغطة على شعبه. لكن بالاضافة الى كل هذا، لا بد ايضاً، من التذكير بأن هناك ازمة ثقافية عميقة عنوانها "ضعف ثقافة التسوية"، او حتى غيابها عن الساسة القيمين على أمور بلد إشتهر بأن التسوية كانت دائماً علّة وجوده، وسبب استمراره، وآليته المعتمدة لاجتراح الحلول.

فمرجعية ثقافة التسوية في بلد كلبنان تكمن في الروح الميثاقية التي ولدت مع استقلال لبنان عام 1943، بل ولد استقلال لبنان معها، والتي ولدت مع السلم الاهلي عشية اتفاق الطائف عام 1989، وولد معها هذا السلم وذاك الاتفاق، كما ولدت مؤخراً مع اتفاق الدوحة الذي ما كان ممكناً ان يقوم لولا تمسك اللبنانيين بالروح الميثاقية ومعهم الاشقاء العرب.

 وفي كل هذه الحالات بقي الاستقلال منقوصاً لأن دولته العادلة لم تقم، ولأن السلم الاهلي بقي ناقصاً وعاجزاً عن فتح ذراعيه لكل اللبنانيين، بل بقي طيلة العقدين الماضيين اسير قوى الحرب والمال والتحالف بينها.

ولعل من المفارقات اللافتة أن غياب "ثقافة التسوية" مع الشريك في الداخل وبين ابناء الوطن الواحد كان يرافقها ترويج لثقافة التسوية في الخارج مع أعداء طامعين بالوطن لم يتورعوا، ولن يتورعوا، عن مواصلة الاحتلال والعدوان والقتل الجماعي بحق أطفال شعبنا وشيوخه والمدنيين فيه رغم الوعود البراقة التي تغدقها علينا الادارة الامريكية بقصد الايقاع بين اللبنانيين، ولعل وعد رايس الاخير يندرج في هذا الاطار، خصوصاً ان اللبنانيين يدركون أن أدارة عاجزة عن وقف بؤرة استيطانية صهيونية في القدس لن تكون قادرة على إجبار تل ابيب على الانسحاب من مزارع شبعا، وهو الانسحاب الذي لا يتم إلاّ من خلال المقاومة بكل أشكالها.

فثقافة التسوية هي أن تجيد التنازل لشريكك في الداخل حين تكون قادراً، وأن تدرك أن هذا التنازل شجاعة وشرف ومنعة وحصانة لك من أن تتنازل للخارج.

ثقافة التسوية أن تفهم معاناة البيئة الاخرى وهواجسها وأن تسعى الى نقلها الى أبناء بيئتك، ولو أدى الأمر إلى خسارة لموقعك في البداية فهي  خسارة تبقى أقل بكثير من الخسارة الناجمة عن تحريض بيئتك على البيئات الاخرى وعلى مجاملة أبناء خطك السياسي على غير حق، وعلى المزايدة لكسب ودهم وربما "دعمهم" أو أصواتهم.

ثقافة التسوية هي ثقافة تشذيب العصبيات لا اطلاقها على مداها، وثقافة تهذيب لغة التخاطب لا السقوط في "التشاتم"، وهي ثقافة تصويب الاتجاه لا الاندفاع في اتون الهاوية، ثقافة نقد الذات قبل نقد الاخرين.

ثقافة التسوية هي ثقافة الدفاع عن حق من تختلف معه في الرأي في وجه كل من يحاول قمعه او منعه، بل هي ثقافة القدرة على اقناع الآخر والاستعداد للاقتناع منه.

ثقافة التسوية هي ثقافة المشاركة والتراحم في آن، لا الوقوع في شرك المحاصصة والتقاسم، فالاولى سمو وتكامل، والثانية دنو نفس وانحطاط خلقي وسياسي.

ثقافة التسوية، تبدأ بالخروج من المنطق "البوشي" – نسبة الى جورج بوش- الذي يعتبر أن من ليس معه فهو ضده، وهو منطق ليس بعيداً عن واقعنا اللبناني والعربي، بحيث لا ندري من أخذه عن الآخر، نحن أم جماعة "المحافظين الجدد" الذين باسم "الليبرالية الجديدة" أقاموا أكبر ديكتاتورية دموية في العالم.

ثقافة التسوية هي الوجه الحقيقي لثقافة المقاومة – بالمعنى الواسع والشامل – لأنها تحصنها من شرور الانزلاق في زواريب الداخل ومتاهاته، ولا غرو هنا أن نتذكر أن من ركائز الميثاقية الوطنية اللبنانية التي حملها البيان الوزاري الاستقلالي لحكومة رياض الصلح هو القول الشهير "لبنان لن يكون للاستعمار مقراً أو ممراً" فالتسوية في الداخل هي ضمانة للصلابة بوجه الأعداء في الخارج، اما الانقسام والاحتراب فهما وقوع في مخطط الأعداء، بل انهما اقصر الطرق الى التفريط بالثوابت.

   فهل يتحلى  اليوم كل القيمين على شؤون البلاد بقليل من ثقافة التسوية ليعالجوا الازمة الحكومية وكل الازمات اللاحقة؟

 وكما نجح اللبنانيون  في الإتيان برئيس توافقي فلماذا لا ينجحون بتشكيل حكومة توافقية، بل بحكومة كل وزير فيها هو وزير توافقي.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ