ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
مجزرة
تدمر في الوعي والذاكرة بقلم:
وليد سفور* يقول أحد معتقلي تدمر
في شهادة له أمام منظمة العفو
الدولية بسجن تدمر في عام 2001
قبيل إغلاق القسم السياسي من
سجن تدمر: "الحياة في تدمر
أشبه بالسير في حقل ألغام: فقد
يفاجئك الموت في أية لحظة، إما
بسبب التعذيب أو وحشية السجانين
أو المرض أو الإعدام".. وتقول
المنظمة في تقريرها المعنون بـ"تعذيب
ويأس وتجريد من الإنسانية في
سجن تدمر: يوصف عادة سجن تدمر في
سوريا بأنه مكان "الداخل إليه
مفقود والخارج منه مولود" وقد
اكتسب السجن هذه السمعة السيئة
بسبب الأنباء المتواصلة على مدى
سنوات عديدة حول ممارسة التعذيب
وسوء المعاملة بصورة منهجية فيه.
وفي سوريا كانت تدمر لحضارة
قديمة، ومثالاً على إنجاز
وإبداع إنساني عظيم- وما زال
آلاف السياح يتوافدون عليها كل
عام. واليوم أصبح سجن تدمر
بالنسبة للعديد من السوريين
مرادفاً للوحشية واليأس
والتجريد من الإنسانية. ويقاسي
السجناء في سجن تدمر مستوى
مروعاً من الوحشية، ومن الصعب
التصديق بأن ضروب التعذيب
والمعاملة السيئة التي يصفها
التقرير ما زالت تحدث في أيامنا
هذه". ولذلك فالقتل
والتعذيب حتى الموت سمة رئيسة
من سمات أجهزة النظام السوري
تحت أمرة الرئيس الأسد الأب ومن
بعده الأسد الابن... والتصفية
الدموية رافقته من أول يوم
استولى فيها على السلطة...
وحرمان الناس من حيواتهم وإزهاق
أرواحهم سياسته المستمرة في
تصفية خصوماته مع معارضيه هذا التوصيف ليس
كلاماً إنشائياً، ولا خطبة
عاطفية، ولا تنفيساً عن النفس،
ولا حديث معارض يود استقطاب
جمهور إلى صفه ... هذا التوصيف هو
مقررات قديمة وحديثة مثبتة في
ملفات جمعيات ومنظمات حقوق
الإنسان الإقليمية والعالمية
التي تقف على نفس المسافة من
النظام وضحاياه، راقبت هذه
المنظمات الأحداث ودونت
خلاصاتها وفقاً للمعايير
الأممية كما نص على ذلك الإعلان
العالمي لحقوق الإنسان الصادر
بتاريخ العاشر من كانون الأول/ديسمبر
عام 1948... والذي صادقت عليه سورية
وأصبحت أنظمتها وحكوماتها
اللاحقة ملزمة بتنفيذه. لكن واقع النظام
وأجهزة مخابراته ينقض كل
المعاهدات والمواثيق، وممارسات
الحكم في سورية تفصح عن حقيقة
تصفية مئات الألوف بصورة دموية
لم تعرف سورية مثيلاً لها في
تاريخها القديم والحديث مجزرة سجن تدمر
الصحراوي في صبيحة السابع
والعشرين من شهر حزيران عام 1980
مجزرة رهيبة ومرعبة، لونت
رسوماتها بلون النجيع المتفجر
من ألف ضحية أو يزيدون، منفذوها
سرايا دفاع النظام... لكن هذه
المجزرة ليست سوى حلقة من سلسلة
المجازر المستمرة التي شهدها
هذا السجن الرهيب، الذي وصفه
المعتقل بحقل الألغام حيث الموت
المتربص في كل ركن من أركانه. أشارت إفادات
المعتقلين الذين قدر لهم النجاة
من وحوش النظام الآدمية وخرجوا
من سجن تدمر على مراحل وأزمان
متباعدة إلى آلاف الضحايا الذين
دخلوا السجن ولم يخرجوا منه
أحياء، بل اندثرت وغيبت أخبارهم
عن ذويهم وعن العالم في جوف
المعتقل الصحراوي المخيف ...
الاحصائيات المتقاطعة تقول أن
عدد المفقودين في تدمر وسواه قد
يبلغ عشرين ألف ضحية. وبعد ربع قرن على
وقوع مجزرة تدمر الشهيرة
واستمرار المجازر في السجن أقر
أحد أركان النظام العماد مصطفى
طلاس وزير دفاع النظام السابق
ونائب رئيس مجلس الوزراء في
حديث لمجلة دير شبيجل الألمانية
في شباط/ فبراير وفي العدد 8/2005
أجرته الصحفية سوزانة كوليبيل
أنه كان يوقع في أوائل
الثمانينيات على 150 حكماً
بالإعدام أسبوعياً على
المعارضين السياسيين
الإسلاميين ، وإضافة إلى ذلك
فقد اعترف لها بأن يده وقعت على
أحكام إعدام بلغت الألوف، هؤلاء
كلهم لم يتم التعامل مدنياً مع
حالاتهم، ولم يبلغ ذووهم عن
وفاتهم. كان طلاس نائب الحاكم
العرفي بموجب حالة الطوارئ
المفروضة على البلاد من أول
لحظة استولى فيها النظام الحالي
على السلطة في سورية وفقاً
للقرار رقم 2 في 8 آذار/مارس 1963،
وكانت تحال إليه نتائج المحاكم
الميدانية في تدمر وفيما سواه
من مراكز الاعتقال والتحقيق،
للتوقيع عليها بعد تنفيذ
الإعدام غالباً بحق مواطنين
أبرياء لم يقترفوا ذنباً ولم
يخالفوا قانوناً إنسانياً. لقد حاولت السلطات
الحاكمة في سورية أن تسدل
ستاراً من الكتمان الكثيف على
مجزرة سجن تدمر المروعة، على
الرغم من تسرب أخبار قليلة
عنها، لكن سرعان ما انكشف ذلك
الستار عندما اعتقل جهاز الأمن
الأردني مجموعة من العناصر
المسلحة في 31/1/1981 الذين أرسلتهم
السلطات السورية لاغتيال رئيس
وزراء الأردن الأسبق مضر بدران،
وتبين أثناء التحقيق معهم أن
عنصرين منهم شاركا فعلاً في
مجزرة سجن تدمر، واعترفا
بتفاصيل المذبحة، التي تابعها
الشعب السوري والعالم عبر
التلفزيون الأردني، ونشرتها
صحف الأردن وضمت إلى وثائقه
الرسمية. (راجع الوثائق
الأردنية لعام 1981، الوثيقة
بعنوان: تفاصيل مؤامرة النظام
الطائفي الفئوي السوري
للاعتداء على حياة السيد مضر
بدران: رئيس الوزراء بتاريخ 25شباط
1981، الصادرة عن وزارة الإعلام) يقال أن الرئيس حافظ
الأسد تعرض لمحاولة اغتيال
فاشلة يوم السادس والعشرين من
شهر تموز/يونيو 1980 من قبل أحد
عناصر حرسه الجمهوري الخاص،
فحمل المسئولية مباشرة لجماعة
الإخوان المسلمين ، وبأمر صريح
من رفعت الأسد شقيق حافظ ورئيس
سرايا الدفاع جرى رد فعل
انتقامي استهدف نزلاء سجن تدمر،
الذين اعتقلتهم السلطات
الأمنية في سورية من كل المدن
والمناطق السورية. وأحالتهم إلى
سجن تدمر الصحراوي في بادية
الشام شرقي سورية. كان جميع
السجناء من أعضاء جماعة الإخوان
المسلمين ومن أنصار التيار
الإسلامي الذي أبدى معارضته
للسياسة القمعية والديكتاتورية
والفئوية لنظام الحكم في سورية.
وفي فجر اليوم التالي السابع
والعشرين من شهر تموز/يونيو 1980
قامت وحدات من سرايا الدفاع
التابعة مباشرة لرفعت الأسد
بالانتقال بالطائرات المروحية
من مناطق تمركزهم قرب دمشق إلى
تدمر، حيث كانت الأوضاع في
السجن ترتب على قدم وساق منذ
أسابيع بواسطة مدير السجن فيصل
الغانم لارتكاب المجزرة
الرهيبة، ولم تكن دعوى محاولة
الاغتيال إلا مبرراً غير مقنع
إذ لم يرشح عنها للعالم شيئاً.
وحتى لو حدثت فعلاً محاولة
فاشلة فالمفروض أن تكشف للشعب
السوري تفاصيلها ويقدم
المنفذون للمحاكمة العادلة
التي توضح حيثيات وظروف
المحاولة ومن الذي أمر بها ومن
يتحمل مسؤوليتها، لأنه لا تزر
وازرة وزر أخرى في منطق القضاء،
لا أن يفتحو النار على السجناء
العزل ويقتلوهم عن آخرهم - وهم
في عهدة الدولة وأمانة عندها
مسؤولة عنهم- وهم في زنازينهم ،
غير مدركين لما يدبر لهم. المجزرة ببعض
تفاصيلها حسب رواية بعض من شارك
في ارتكابها... في تمام الساعة
الثالثة والنصف من صباح يوم
27/6/1980 دُعيت مجموعتان من سرايا
الدفاع للاجتماع بلباس الميدان
الكامل، المجموعة الأولى من
اللواء (40)، الذي يقوده الرائد
معين ناصيف (صهر رفعت أسد)،
والمجموعة الثانية من اللواء
(138) الذي يقوده المقدم علي ديب،
وكل مجموعة يزيد عداد عناصرها
على مائة عنصر. اجتمعت مجموعة
اللواء (40) في سينما اللواء، حيث
ألقى فيهم معين ناصيف كلمة، قال
فيها: (راح تقوموا بهجوم على
أكبر وكر للإخوان المسلمين، وهو
سجن تدمر .. مين ما بدو يقاتل؟)،
وبالطبع، فلم يرفع أحد منهم
يده، ثم انتقلت المجموعة
الموجودة إلى مطار المزة
القديم، وهناك التقت
المجموعتان، حيث كان في
انتظارهم عشر طائرات
هيلوكوبتر، وكل طيارة تتسع لـ 24
راكب. كان قائد العملية
المقدم سليمان مصطفى، وهو قائد
أركان اللواء (138)، وكان من جملة
الضباط المشاركين: الملازم أول
ياسر باكير، والملازم أول منير
درويش، والملازم أول رئيف عبد
الله. أقلعت طائرات
الهيلوكبتر حوالي الساعة
الخامسة صباحاً، ووصلت إلى مطار
تدمر حوالي الساعة السادسة،
وعقد اجتماع لضباط العملية، تمّ
فيه توزيع المهمات وتقسيم
المجموعات، ثم أعطي العناصر
استراحة لمدة ثلاثة أرباع
الساعة. في هذه الأثناء كان
سجن (تدمر) هادئاً، وقد اتخذت
ترتيبات مُعينة؛ مثل: إجراء
تفقد للمعتقلين وتسهيل مهمة
مجموعات سرايا الدفاع، فلم تكن
هناك عراقيل أو اعتراض، بل كانت
الشرطة العسكرية المكلفة
بالحراسة مستعدة على الباب
الخارجي، كما كان رئيس الحرس
وشرطته العسكرية مجتمعين في
ساحة السجن. ثمّ دُعي عناصر سرايا
الدفاع إلى الاجتماع؛ حيث تمّ
تقسيمهم إلى ثلاث مجموعات: ـ المجموعة الأولى:
وهي مكوّنة من (80) عنصراً، وكلفت
بدخول السجن، وسُميت "مجموعة
الاقتحام". ـ المجموعة الثانية:
وهي مكونة من (20) عنصراً،
وكُلّفت بحماية طائرات
الهيلوكبتر. ـ المجموعة الثالثة:
وهي مكونة من بقية العناصر، وقد
بقيت في المطار للاحتياط. ركبت مجموعة
الاقتحام سيارات (دوج تراك)،
وحين وصلت إلى السجن؛ انقسمت
المجموعات الموجودة إلى
مجموعات صغيرة، كل منها بإمرة
أحد الضباط، وقد سلّم مدير
السجن النقيب فيصل الغانم
مفاتيح المهاجع إلى ضباط سرايا
الدفاع، كما زودهم بمرشدين لغرف
السجن وباحاته. كان في سجن تدمر
العسكري (34) مهجعاً، في كل منها
(20-70) معتقلاً؛ تبعاً لحجم
المهجع، وقد تم تنظيم العملية
بقتل المعتقلين على دفعتين:
الدفعة الأولى تشمل الغرف
المطلّة على الباحات (1 و2 و3)،
والدفعة الثانية تشمل الغرف
المُطلّة على الباحات (4 و5 و6)؛
وبسبب انخفاض المهاجع وعتمتها
في غرف الباحات (1 و2 و3)؛ تقرر
إخراج المعتقلين إلى الباحات
لتنفيذ الإعدام فيهم. وتوزّعت مجموعات
سرايا الدفاع على المهاجع
والباحات، وفُتحت الأبواب،
وبموجب نظام السجن؛ وقف
المعتقلون عند فتح أبواب
المهاجع مغمضي العيون ووجوههم
إلى السقف، وقدم رئيس كل مهجع
الصف (ويكون أحد السجناء،
ويُطلب منه ترتيب السجناء
وتنظيمهم، ويكون له نصيب أكبر
من العذاب، انظر كتاب شاهد
ومشهود). ـ في الباحة رقم (1) تم
إخراج نزلاء المهجعين (5 و6)،
ونزلاء المهجع (4)، وجُمعوا في
زاوية الباحة الشمالية الشرقية.
ـ في الباحة رقم (2)
تمّ إخراج نزلاء المهاجع
الثلاثة (8 و9 و10)، وجُمعوا في آخر
الباحة الجنوبية الغربية،
مقابل المهجع (8) ذي الشرفة
الواسعة من الأمام. ـ في الباحة رقم (3)
تمّ جمع المعتقلين من المهاجع (12
و13 و16 و17)، في الزاوية الشرقية
الجنوبية من الباحة أمام المهجع
(12). وهكذا تمّ تجميع
المعتقلين مع أغراضهم بشكل يجعل
عملية القتل والإبادة تبدأ في
الباحات الثلاثة في وقت واحد. والجدير بالذكر أن
المعتقلين جميعاً خضعوا في
اليوم السابق لأنواع من التعذيب
الشديد الذي لم يسبق له مثيل،
فقد اندفعت عناصر الشرطة
العسكرية تطوف بالمهاجع، وتضرب
المعتقلين بالسياط والعصي، كما
أخرجوا نزلاء بعض المهاجع إلى
الباحات بالتسلسل، وانهالوا
عليهم ضرباً بالعصي والسياط،
فأصيب الكثيرون من المعتقلين
بكسور وجروح مختلفة. بدء المجزرة الوحشية:
بعد ذلك أعطيت إشارة
البدء لعناصر سرايا الدفاع،
فانطلقت الآلات النارية تصبّ
وابل الحمم على المعتقلين العزل
الأبرياء، وألقيت عدة قنابل ـ
لا سيما في الباحة رقم (2)،
واستخدمت بعض قاذفات اللهب مع
إطلاق النار الكثيف في كل من
الباحات الثلاث، على حين تعالت
أصوات المعتقلين بهتافات: الله
أكبر. وخلال دقائق قليلة
انتهى الأمر، لكن بعض المعتقلين
في الباحة رقم (1)؛ تمكنوا من
الهروب، وتمكنوا من دخول المهجع
الكبير المزدوج (4 و5)، فتواروا
فيه، فلحق بهم بعض عناصر سرايا
الدفاع، فقتلوهم ومثّلوا بهم. حين انتهت العملية في
الساحات الثلاث، تجمع القتلة
وانطلقوا إلى الباحات الثلاث
الأخرى، ولكيلا تتكرر عملية هرب
بعض الضحايا إلى المهاجع؛ قرر
الضباط دخول المهاجع على
المعتقلين، وقتلهم فيها. اندفعت ست مجموعات من
القتلة إلى الباحة رقم (4)، وفيها
ثلاثة مهاجع مليئة بالمعتقلين،
فتوجهت كل مجموعتين إلى مهجع،
وفتح الباب، وقدم رئيس كل مهجع
الصف، فدخلوا عليهم، وأمروهم
بالابتعاد عن الباب، ثم ألقوا
على المهجع قنبلتين دفاعيتين،
ثم دخلوا عليهم، وأخذوا يُطلقون
رصاصهم رشاً على الضحايا الذين
ارتمى معظمهم على الأرض بين
قتيل وجريح، واستمروا في ذلك
إلى أن أتمّوا قتل من في المهجع. ثم انطلقت المجموعات
إلى الباحات رقم (5 و6)، حيث
توزّعت على المهاجع الخمسة
الباقية، وتم فتح الأبواب
عليهم، وبُدئ بإطلاق النار على
المعتقلين العُزّل. وفي أحد مهاجع الباحة
رقم (5) اختبأ أحد المعتقلين في
دورة المياه بالقرب من الباب،
وحين دخلت العناصر المسلحة،
وبدأت بإطلاق النار على
المعتقلين العُزّل، انقضّ هذا
المعتقل من دورة المياه، وتمكّن
من انتزاع السلاح من أحد عناصر
سرايا الدفاع، وهو الرقيب
اسكندر أحمد، وأطلق عدة طلقات
أدت إلى مقتل هذا الرقيب وجرح
إثنين آخرين ، لكن بقية العناصر
المسلحة بادرت إلى إطلاق النار
على المعتقل حتى قتلوه. قام بعض الضباط
والعناصر بتقليب جُثث الضحايا،
والتأكد من مقتلها أو الإجهاز
على من فيه بقية رمق؛ حتى تلطّخت
أيديهم وثيابهم وصدورهم
بالدماء، مثل الملازم: رئيف عبد
الله، والملازم منير درويش،
والرقيب علي محمد موسى. بقي دم الضحايا يغمر
أرض السجن؛ وتجمد في كثير من
الأماكن من الباحات والمهاجع،
فتم تنظيف الساحات، وتم طلاء
جدران السجن بسرعة لإخفاء معالم
الجريمة، أما منفذو العملية فقد
عادوا إلى مطار المزة في الساعة
12.30 ظهراً، وانصرفت مجموعة
اللواء 138 إلى لوائها، كما
انصرفت مجموعة اللواء 40 إلى
لوائها، وكان بانتظارهم الرائد
معين ناصيف، حيث اجتمع بهم في
السينما، وشكرهم على جهودهم،
وعزاهم بوفاة الرقيب اسكندر،
وقال لهم: أنتم قمتم بعمل بطولي،
بعمل رجولي، ثم أمرهم بكتمان
العملية، وقال لهم: ما لازم تطلع
هالعملية خارج منا، يعني لازم
تظل مكتومة وسرية. وفي اليوم التالي
وزعت السلطة مبلغ 200 ليرة سورية
على كل عنصر من العناصر الذين
اشتركوا في هذه الجريمة. هذه التفاصيل جاءت
ضمن اعترافات الرقيب المجرم
عيسى إبراهيم فياض، والعريف
المجرم أكرم علي جميل بيشاني،
وكلاهما من سرايا الدفاع،
اشتركا في محاولة فاشلة لاغتيال
رئيس الوزراء الأردني السابق
مضر بدران، وأدليا
باعترافاتهما كاملة على شاشة
التلفزيون الأردني، ونشرت في
كتاب الوثائق الأردنية – 1981،
والذي طبعته وزارة الإعلام
الأردنية بتاريخ 25/2/1981.
هذا وقد اطلعت لجنة
حقوق الإنسان التابعة لمنظمة
الأمم المتحدة، التي انعقدت في
جنيف في دورتها السابعة
والثلاثين على وقائع مجزرة
تدمر، خلال مناقشتها للبند 13 من
جدول الأعمال الخاص بانتهاكات
حقوق الإنسان في العالم، ووزعت
على اللجنة الوثيقة رقم (E/CN/4/1469)
تاريخ 4/3/1981، والتي تضمّنت
إفادات المشاركين في مجزرة
تدمر، (عيسى إبراهيم الفياض
وأكرم بيشاني). وناقشت اللجنة
بجلستها رقم 1632 تاريخ 9/3/1981
مضمون المذكرة وشارك في النقاش
مندوبو الأردن والعراق وسورية. هذا توصيف للمجزرة
المدبرة التي لم تقع وليدة
الصدفة نتيجة مصادمات بين
السجناء والسجانين مثلاً، او
عصيان أو وقوع حريق أو غير ذلك،
أو حتى كما زعم أنها رد على
محاولة اغتيال فاشلة تعرض لها
حافظ الأسد... وإنما حدثت في
ساعات الصباح والسجناء يستعدون
لاستقبال يوم آخر من التعذيب
الجهنمي الوحشي على أيدي زبانية
نظام القتل والتعذيب الوحشي
والذين يحملون الأحقاد
والكراهية ضد أبناء الوطن
وشركائهم فيه. كانت المجزرة مدبرة
لأن عملية الفصل بين المعتقلين
الإسلاميين وغيرهم من نزلاء سجن
تدمر بدأت قبل ذلك بأسبوعين كما
أفاد بعض المعتقلين البعثيين
المناوئين لحكم الأسد الذين
اعتقلوا في تدمر. وأفكار القتل
والاستئصال ومعسكرات الاعتقال
في الصحراء وما سمي بالتطهير
الوطني والتعصب للحزب ومعتقلات
تخضير الصحراء والتصفية
الجسدية وضرب الأمثلة عن ستالين
الذي قتل مليوناً من الشعوب
الروسية كانت مادة مداخلة رفعت
الأسد شقيق الرئيس وخليله ومنفذ
سياساته وحامي قصوره الرئاسية
وقائد سرايا الدفاع عن انقلابه
في المؤتمر السابع لحزب البعث
المنعقد في أواخر 12/ 1979 وأوائل 1/
1980 صدرت الأوامر قبل
المجزرة بحوالي أسبوعين بنقل
المعتقلين الإسلاميين
الموجودين في فروع التحقيق
والمخابرات والأمن إلى سجن
تدمر، حتى الرهائن وأولئك الذين
لم ينته التحقيق معهم بصورة
كاملة مما يوحي بأن هناك خطة
تنتظرهم في ذلك المعتقل
الصحراوي. قال غازي كنعان رئيس
المخابرات العسكرية في حمص عام
1980 لآباء بعض الشبان المعتقلين
أثناء مراجعة جماعية له في أيار/مايو
عام 1980، وسمعت ذلك مباشرة من عدد
منهم: إن أولادكم أصبحوا في تدمر...
سنزرع في صحرائها أشواكاً
ووروداً... ابحثوا عن أولادكم
هناك. أسرع حافظ الأسد بعد
المجزرة بسن قانون يشرعن
التصفية الجسدية، فبعد الحادثة
بعشرة أيام فقط صدر القانون
القاتل49 في 7/7/1980 الذين يدين أي
علاقة بالإخوان المسلمين
ويعاقب عليها بالموت... وقام
حافظ الأسد في اليوم التالي
8/7/1980 خلافاً لكل الأعراف
والقوانين المعمول بها في تاريخ
سورية بالتوقيع عليه ليصبح
قانوناً نافذاً بأثر رجعي بحيث
قضت المادة الخامسة من القانون
أنه لا يستفيد من اعتقل قبل هذا
التاريخ من أي فرصة خلافاً
للمادة الثانية مناقضة بذلك
الدستور السوري وكل القوانين
السورية المعمول بها. ولذلك فما أشيع عن
تعرض حافظ الأسد لمحاولة اغتيال
فاشلة لم تكن إلا للتغطية على
هذه المجزرة المدبرة التي
استهدفت شريحة من علماء سورية
وشيوخها، وأطبائها ومهندسيها،
وجامعييها وطلابها، وأدبائها
وقانونيها، وعمالها وفلاحيها
بلغ عددهم حسب مصادر هيومان
رايتس ووتش 1182، بينما قالت
مصادر أخرى بأن عددهم 914 وتحدثت
مصادر أخرى عن عدد يناهز الألف.
بينما تصر السلطات السورية على
الصمت وعدم التحدث أو الاعتراف
بما جرى، كما أنها رفضت
الاستجابة لنداءات الألوف من
المواطنين الذين اختفى أحباؤهم
للكشف عن مصائرهم وأماكن دفنهم،
ولم تجب عن أسئلة منظمات حقوق
الإنسان بخصوص هذه المجزرة ونعتقد وفقاً للمنطق
القانوني والقضائي أن هذا الحق
لا يضيع بالتقادم، ومجزرة تدمر
والمجازر الأخرى التي ارتكبت في
هذا السجن وسواه وعلى ساحة
الوطن الكبير لا بد من التحقيق
فيها، وتشكيل لجان محايدة للنظر
فيما جرى وتحديد المسؤولين عنها
قادة وآمرين ومنفذين وايقاع
العقوبة العادلة فيهم...
والتعويض على ذوي الضحايا الذين
عانوا أشد المعاناة النفسية
والمادية... وإعادة الاعتبار لمن
قضى في سجن تدمر وسواه. أما مجزرة تدمر فيمكن
توصيفها قانونياً كجريمة ضد
البشرية لأنها استهدفت شريحة
بذاتها من الشعب السوري وحاولت
إفناءها ولا تزال، وشرع النظام
في تصفيتها من خلال مجزرة سجن
تدمر والمجازر اللاحقة فيه…
وبالتالي فيجب أن يعاقب
مرتكبوها وفق البنود والتوصيف
الوارد في هذه المعاهدة الأممية...
ونعتقد أن النظام
السوري سيدفع ثمناً باهظاً
عندما يحين وقت فتح هذا الملف
الذي يتواطأ الكثير على إخفائه
حالياً ،،، ولذلك ننصح العقلاء
القادرون أن يتداركوا الأمر قبل
فوات أوانه. لن ننسى ضحايا
مجازرسجن تدمر والسجون الأخرى...
ولن ننسى المجازر التي ارتكبت
في طول البلاد وعرضها،
ولن نسامح القتلة والجلادين
والآمرين وقادة المجازر... ولن
يموت حق وراءه مطالب. لن ننتقم
لكن سنلجأ إلى العدالة والقضاء
النزيه والمحايد لانتزاع حقوق
الضحايا والمظلومين.
ـــــــــــ *ناشط
حقوقي سوري ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |