ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 09/07/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


كلمات في القرآن (4)

يسألونك

الدكتور عثمان قدري مكانسي

وصف أمير المؤمنين عمرُ بن الخطاب عبد َالله بن عباسٍ رضي الله عنهم جميعاً بكلمة ذهبت في الأجيال مثلاً ، قال : " إنه فتى الكهول ، له لسان سؤول ، وقلب عقول " . ولم يبلغ ابن عباس مرتبة الصدارة في العلم لولا السؤال .

والسؤال له بالإضافة إلى الاستعلام والاستفهام فوائد كثيرة نذكر بعضها – من القرآن الكريم - على سبيل المثال لا الحصر

أ‌-    التأكد من المعلومة : فهذا يوسف عليه السلام حين أرسل إليه الملك ساقيه ليخرج من السجن وقد عفا الملك عنه ، رغب يوسف عليه السلام أن يخرج بريئاً من التهمة الشنيعة ، ليكون قدوة في الطهر والشرف ، أما العفو فللمذنبين ، ويوسف بريء مما اتهموه به ، فرد المراسل قائلاً له : " ارجع إلى ربك فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن ؟ إن ربي بكيدهنّ عليم  " قبل أن تظهر براءته " قال الملك ائتوني به " وبعد البراءه ارتفعت مكانته إذ " .. قال الملك ائتوني به استخلصه لنفسي  " وحين كلمه عظُم في عينه فـ " قال له : إنك اليوم لدينا مكين أمين " .

ب‌-  طرح الشك  :  لقد أذن الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم  أن يسأل الأنبياء قبله حين التقاهم في مسجد بيت المقدس وصلى بهم قبل أن يصعد للسماء ليطمئن قلبه – إن خالجه شك ، وحاشاه أن يشك ، فهو صاحب الدعوة – ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم المؤمنين وأكثرهم يقيناً بالله ، ولكن السؤال مشروع لكل من يشك في أمر ما " فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك ، لقد جاءك الحق من ربك ..."  وفي تفسير قوله تعالى في سورة الزخرف الآية الخامسة والأربعين " واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يُعبدون ؟ " يقول القرطبي رحمه الله تعالى فيما يرويه عن ابن عباس رضي الله عنهما : لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسجِد الأقصى - وَهُوَ مَسْجِد بَيْت الْمَقْدِس - بَعَثَ اللَّه لَهُ آدَم والمرسلين جميعاً , وَجِبْرِيل مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ;فأذّن جِبْرِيل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَقَامَ الصلاة , ثُمَّ قَالَ : يَا مُحَمَّد تَقَدَّمْ فَصَلِّ بِهِمْ ; فَلَمَّا فَرَغَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; قَالَ لَهُ جِبْرِيل صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ سَلْ يَا مُحَمَّد مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلك مِنْ رُسُلنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُون الرَّحْمَن آلِهَة يُعْبَدُونَ ] . فَقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : [ لا أَسْأَل قَدْ اِكْتَفَيْت ] . قَالَ اِبْن عَبَّاس : وَكَانُوا سَبْعِينَ نَبِيًّا مِنْهُمْ إِبْرَاهِيم وَمُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمْ السلام ; فَلَمْ يَسْأَلهُمْ لأنه كَانَ أَعْلَم بِاَللَّهِ مِنْهُمْ .

ت‌-  تقوية الموقف بالدليل : كان يعقوب عليه السلام – لِما رأى من أبنائه الكذب – لا يصدقهم ، فلما حصل مع أخيهم بنيامين ما حصل من سرقة ، وهم لا يدرون أن أخاهم يوسف خطط للاحتفاظ بأخيه اعتذروا لعودتهم دون أخيهم – وقد وعدوا أباهم أن يعودوا به إلا أن يُحاط بهم ، فطلبوا إلى أبيهم أن يسأل المسافرين معهم الذين حضروا الواقعة " .. ارجعوا إلى أبيكم ، فقولوا يا أبانا ؛ إن ابنك سرق ، وما شهدنا إلا بما علمنا ، وما كنا للغيب حافظين ، واسأل القرية التي كنا فيها والعير التي أقبلنا فيها ، وإنا لصادقون "

ث‌-  التحدّي   فهذا سيدنا إبراهيم يكسر الأصنام الصغيرة حين خرج قومه إلى احتفال كبير مبتعدين عن المعبد الوثني ، وترك كبير الأصنام فلم يكسره ، إنما علق عليه آلة الكسر ، ليبين لقومه سفاهة معتقدهم . فلما عادوا ، ورأوا أصنامهم مكسورة محطمة علموا أن الفتى إبراهيم هو وحده الذي يجرؤ على فعل ذلك . فلما سألوه أنكر ما فعل وأشار إلى كبير الآلهة المزعومة يتهمه على سبيل التحدى " بل فعله كبيرهم هذا ، فاسألوهم ، إن كانوا ينطقون " ولن تنطق الأصنام ، ولو كانت تنطق ابتداءً لدافعت عن نفسها !  والقصة معروفة فقد تحرك باعث الخير في أنفسهم ثم نكسوا على رؤوسهم . فقد عشعش إبليس في عقولهم وأفئدتهم ، وسكن الضلال في صدورهم ، وثبت الفساد في كيانهم ... عرفوا الحق ، ورضوا بالانتكاس فحاولوا إحراقه لكن الله تعالى نجّاه . وحين تطاول الكفار على الداعية الأول صلى الله عليه وسلم فقالوا : لا جنة ولا نار ، ولا حياة بعد الموت ، ولئن كانت حياة فنحن في الجنة لا النار !! جاء التحدي والتسفيه لأقوالهم  في الآية الحادية والأربعين من سورة القلم " سلهم أيهم بذلك زعيم ؟! " وليس هناك من ضامن ولا كفيل ، إن هم إلا يخرصون .

ج‌-   التقريع والتوبيخ : يريد بنو إسرائيل من النبي صلى الله عليه وسلم معجزات تدل على نبوّته  وحركوا كفار مكة أن يطلبوا ذلك ، فجاء القرآن يوبخهم لأنهم أساءوا إلى نبيهم موسى عليه السلام وقد جاءهم بكثير من الآيات ، وما طلبهم هذا إلا التمادي في الكفر والضلال " سل بني إسرائيل : كم آتيناهم من آية بينة " لقد شاهد بنو إسرائيل مَعَ مُوسَى آيات بينات واضحات  وحججاً  قَاطِعَة بِصِدْقِهِ فِيمَا جَاءَهُمْ بِهِ من آيات كعَصَاهُ التي انقلبت حية ، وَفَلْقه الْبَحْر وَضَرْبه الْحَجَر وَمَا كَانَ مِنْ تَظلِيل الْغَمَام علَيهِم فِي شِدّة الْحَرّ وَمِنْ إِنزَال الْمَنّ وَالسَّلوَى وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الآيات الدالّة عَلَى وُجُود الْفَاعِل وَصِدْق مَنْ جَرَتْ هَذِهِ الْخَوَارِق عَلَى يَدَيْهِ ، ومع هَذا أَعْرَضَ كَثِير مِنهُم عَنهَا وبدَّلُوا نِعْمَة اللَّه كفرًا .

 أما إن كان في الأسئلة – أياً كانت - إلحاف وخروج عن المألوف فإن الأمر ينقلب إلى ضده ، ويصبح عبئاً لا لزوم له ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه أبو هريرة " لا يحب الله إضاعة المال ولا كثرة السؤال ولا قيل وقال " ، هذا إذا فهمنا أن السؤال غير طلب العطاء  .

سئل النبي صلى الله عليه وسلم – كما روى أبو موسى الأشعري  رضي الله عنه - عن أشياء كرهها ، فلما أكثروا عليه غضب ، ثم قال للناس"  : سلوني عما شئتم ". قال رجل : من أبي ؟ قال"  : أبوك حذافة " . فقام آخر فقال : من أبي يا رسول الله ؟ فقال : " أبوك سالم مولى شيبة" . فلما رأى عمر ما في وجهه قال : يا رسول الله ، إنا نتوب إلى الله عز وجل . ولعل هذا سبب نزول الآية الكريمة الواحدة بعد المئة في سورة المائدة " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تُبد لكم تَسُؤكم ، وإن تسألوا عنه حين يُنزّل القرآن تُبدَ لكم ، عفا الله عنها والله غفور حليم " .

أما " يسألونك " وهي بيت القصيد فقد ذكرت في القرآن خمس عشرة مرة تدل على أن السؤال مفتاح العلم والسبيل إلى الوضوح والحياة الأمثل . فماذا نفهم من يسألونك ؟

1- الفعل جاء في صيغة المضارع الذي يفيد الاستمرار ، فلا بد من السؤال الموصل إلى الجواب ، وأعتقد أنه يستحسن طرح السؤال على العالم كي يتحدث في مواضيع يحتاجها الناس ، وهذا أفضل – في ظني - من موضوعات يختارها العلماء والمحاضرون قد تكون مفيدة ، وقد يكون غيرها أولى منها وأكثر فائدة . والسؤال دليل على أن صاحبه يود معرفة الحقيقة ليلتزمها ، ويعمل بها ، وهذه إيجابية لو كثرتً في الأمة فهي بخير .

2- والمسؤول " ك ( الكاف ) تنبيه إلى أنّ على السائل أن يسأل العالم البصير ، لا الرجل الغرير ، فذلك البصير الحاذق يدله على الخير ، ويوضح له المسألة ويأخذ بيده إلى موطن النجاة  ومسلك الصواب . كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو سيد العلماء . وعليهم – من بعده – أن يسلوا من يسير على خطاه ، ويهتدي بهديه . أما الجاهل فيَضل ويُضِل .

3- ولا بد من تحديد السؤال ليكون الجواب محدداً " يسألونك ( عن  الشهر الحرام ، قتال فيه ، عن الخمر والميسر ، عن اليتامى ، عن المحيض ، عن الساعة ، عن الأنفال ، عن الروح ، عن ذي القرنين ، عن الجبال ، ماذا ينفقون ) ولو كان السؤال عاماً فلن يشبع المتلقي ، وستكون الفائدة أقل مما ينبغي  وما يسأل الإنسان إلا عن شيء يشغل باله ، فإذا سمعه تلقفه فلم ينسَه .

4- فإذا سئل العالم أمراً وهو يعرفه وقت السؤال أو بعد الدراسة والتمحيص فلا بد أن يجيب عنه ، إن ذلك أمانة في عنقه يحاسب عنها يوم القيامة ، ويشكر عليها في الدنيا والآخرة . لذا جاء الأمر الإلهي : " قل " فالساكت عن الحق شيطان أخرس ضيع الأمانة وترك السائل في ضلال ، " والمسلم أخو المسلم " . والأمر بالإجابة " قل " جاء في كل الآيات غير الغيبية المبذولة للتعلـّم أو التي لا تتحملها العقول ، كقوله تعالى في بعض الإجابات " قل : الأنفال لله والرسول " ، وحين سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخمر والميسر قيل له  " قل فيهما إثم كبير ، ومنافع للناس " وحين سئل على الحل أجاب " قل أُحل لكم الطيبات ... " وحين سئل عن القتال في الشهر الحرام كان الجواب " قل : قتال فيه كبير ، وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام  وإخراج أهله منه أكبر عند الله ، والفتنة أكبر من القتل ...... "  أما في السؤال عن الغيب " يسألونك عن الساعة " فمرة نجد الإجابة دون " قل " يسألونك عن الساعة أيان مرساها ، فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها ، إنما أنت منذر من يخشاها ، كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إل عشية أوضحاها " فكان الجواب من الله تعالى مباشرة ، ومرة ذكر الفعل " قل " قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ... "  فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن علمها عند الله سبحانه . وأما السؤال فيما لا تتحمله عقول الناس على عهده صلى الله عليه وسلم وتـُرك للزمن اكتشافه  فكان الجواب بأسلوب الحكيم  وهذا الغرض البلاغي يفيد أن عليكم أن تعرفوا الفائدة من الأهلـّة " قل هي مواقيت للناس والحج " وتصور معي أخي القارئ لو أجابهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يجيب العلم عن كروية الأرض ودورانها حول الشمس،  ودوران القمر حول الأرض ، وما ينتج من حجب الأرض لضوء الشمس عن القمر حين تتوسط بينهما ..لقد كان الجواب الحكيم ذكر الفائدة من القمر فقط . ولا ننسَ أن الأجوبة كانت شافية ودقيقة . تفي بالغرض من طرح الأسئلة ، ولا ننس كذلك أن الجواب حين يكون قاصراً يضطر السائل أن يعيد طرحه مرة أخرى على علماء آخرين حتى يجد بغيته ، فينبغي على العالم أن يكون جوابه شافياً مريحاً يفهمه المتلقي ويستوعبه .

5- ثم نجد بعد الجواب الشافي تنبيهاً إلى التقوى والطاعة في قوله تعالى بعد الإجابة عن الأنفال " فاتقوا الله ، وأصلحوا ذات بينكم  وأطيعوا  الله ورسوله إن كنتم مؤمنين " ، ونجد بعد السؤال عن الشهر الحرام التوضيح الهام الذي يؤكد أن أعداء الله لن يقر لهم قرار حتى  يؤذوا المسلمين ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً " ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ..... " ونجد بعد السؤال عن المحيض والإجابة عنه أمراً بالتوبة والتطهّر لإرضاء الله تعالى ونيل حبه سبحانه " إن الله يحب التوابين ، ويحب المتطهرين ... "

ولو عدت أخي القارئ إلى أواخر هذه الآيات التي نتحدث عنها لوجدت التربية القرآنية تتجلى في تزكية النفس وبناء المجتمع المسلم الطاهر الذي يحبه الله تعالى ويرضاه ، فاحرص على العودة إليها والتخلق بأخلاقها . نسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا وأن ينفعنا بما علـّمنا ، فهو ولينا ومولانا ، ونعم المولى ونعم النصير .

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ