ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الراكعـون أ/
عدنان السمان قال محدثي: إن من يمعن
النظر في أحوال البلدان العربية
والإسلامية, ودول أمريكا
اللاتينيّة وإفريقيا, وكثير من
دول آسيا تذهله هذه الأوضاع
السياسية والاقتصادية التي
تسود تلك البلدان والدول
والأقطار.. وتُرعبه تلك النيران
التي يصطلي بلهيبها المواطن
العادي دون ذنب اقترفته يداه. لقد أطلق كثير من
السياسيين والمفكرين على تلك
الدول في الماضي مصطلح: "دول
العالم الثالث", وأسماها
بعضهم الآخر: "الدول
المتخلّفة"... وقالوا آنذاك
إنها في طريقها نحو التقدّم
والتطوّروالنهوض. ولكنّ ما حدث على
امتداد نصف القرن الماضي هو
نقيض ذلك تمامًا.. فالفقراء
ازدادوا فقرًا... والمضطهدون,
والمقموعون, والمشرّدون تزداد
أعدادهم في كل يوم... والنظام
السياسي في تلك الأقطار يشهد
انهيارات سريعة متتالية تنذر
بالكوارث والفواجع والنكبات
التي يدفع المواطن المقموع
ثمنها في نهاية المطاف.. والطامعون في تلك
الأقطار قد كشّروا عن أنيابهم,
وأسفروا عن وجوههم القبيحة..
وراحوا يستخدمون القوة
العسكرية... وعادوا بنا إلى عهود
الظلام والاحتلال والغزو
والعدوان والاجتياح والكوارث
التي دونها كوارث الطبيعة,
وزلازلها المدمرّة.. إنني لا أرى عالمًا
ثالثًا - كما كانوا يقولون - بل
رابعًا... ولا أرى إنسانًا
لاهثًا فحسب, بل راكعًا... لقد
تحدّثنا في الماضي عن الإنسان
اللاهث في بلدان العالم الثالث...
ولكننا اليوم نتحدّث - مع الأسف -
عن الإنسان الراكع في بلدان
العالم الرابع... ومن يدري,
فلعلّنا نتحدث لاحقًا عن
الإنسان العابس البائس في بلدان
العالم الخامس... واليائس
المشطوب في السادس المعطوب...
قلت: هوّن عليك يا عزيزي...
فالتناقضات والمشكلات والآلام
التي يعيشها معظم الناس في
أقطار العالم الثالث أو الرابع -
كما تسمّيه - هي كثيرة كثيرة...
فإذا بحثت عن السبب أو الأسباب
وجدتَ أن منها ما يعود إلى تجارب
الماضي السحيق, ومخلّفاته
وتراكماته.. ومنها ما يعود إلى
ضعف الموارد, وقلّة الإمكانات,
والعجز عن الفعل في ظلّ الأنظمة
والتوازنات الدولية الصارمة
التي غالبًا ما تقوم على حسابات
غاية في الدّقة والحسم... ووجدتَ
أن منها ما يعود إلى الخلافات,
والأطماع، والمشاحنات,
والمنازعات الحدودية, أو
الإقليمية, أو الطائفية الدينية
والسياسية الأمر الذي يدفع تلك
الأطراف المتخاصمة أو بعضها على
الأقل إلى محاولة "الاستفادة"
من الأقوياء, فتدفع مقابل ذلك -
في معظم الأحوال - كل شيء, وتخسر
كل شيء.. بوعي أو بغير وعي. على أن أبرز الأسباب
على الإطلاق يعود إلى فعل الدول
القوية, ومحاولاتها الرامية
باستمرار إلى السيطرة بشكل أو
بآخر على ما يمكن السيطرة عليه
من الأقطار متذرّعةً بأوهى
الذرائع والحجج لتحقيق أهدافها
ومطامعها... والشواهد على ذلك
كثيرة في التاريخ الحديث بدءًا
بالحرب العالمية الأولى التي
اقتسمت الدول المنتصرة في
أعقابها كل ممتلكات الدولة
العثمانية المهزومة... ولا أقول
انتهاءً بالعراق العربي, وما
يتعرّض له من غزو واحتلال
وتخريب وإرهاب ونهب... ومحاولات
يومية لضرب وحدة شعبه... ووحدة
أرضه... وصولاً إلى وضع سائر
الأقطار العربية وغير العربية
في هذه المنطقة من العالم في
قبضة الاحتلال, والوصاية
والتبعيّة المطلقة للأجنبي
الغاصب من جديد!! إنه وعلى الرغم
من الفوارق في الشكل والأسلوب
بين الاستعمار القديم الذي كان
يقوم على القوة العسكرية
والاحتلال العسكري - والاستعمار
الحديث الذي غالبًا ما يكون
سياسيًّا, واقتصاديًّا,
وثقافيًّا, وفكريًّا إلا أن
النتيجة في نهاية المطاف واحدة
هي نهب خيرات الشعوب, والسيطرة
على مقدّراتها, والتدخل بشكل أو
بآخر في أمورها الداخلية بهدف
الإبقاء عليها مستعمرات أو
مناطق نفوذ تسير في فلك "الدولة
المتنفّذة", وترتبط بعجلة
اقتصادها وسياستها ارتباطًا
كاملًا رغم ما "تمنحه"
لحكومات تلك الشعوب من بعض
مظاهر السيادة, والاستقلال
المنقوص, وحرية الحركة
والمناورة بهدف إعطاء الانطباع
أن تلك الحكومات هي حكومات حرّة
مستقلّة ذات سيادة, وصاحبة قرار
وطني حرّ مستقل... ذرًّا للرماد
في العيون.. ومحاولةً ساذجةً
مكشوفةً للإبقاء على شيءٍ من
ماء وجه تلك الحكومات أمام
شعوبها كلما كان الأمر ضروريًّا.
إن ما نودّ التركيز عليه هنا هو
ما تسبّبه "الدولة المتنفّذة"
للشعوب من مضايقات, وآلام,
ومشكلات على كافة المستويات:
فالمواطن العادي في معظم هذه
البلدان هو إنسان مُتعَب يركض
طوال نهاره بحثًا عن عمل دون
جدوى... يجري وراء لقمة عيشه, فلا
يجد إلى ذلك سبيلاً... يحاول
العثور على الغذاء والدواء
والكساء بعرق الجبين.. ولكن
هيهات... يفتّش عن بيت يأوي إليه,
فيجد الأبواب موصدة في وجهه
مفتوحة في وجه من يملك الثمن...
فالتحالف القائم بين "الدولة
المتنفّذة" والشراذم التي
تحمي مصالح هذه الدولة لا
يتأتّى إلا على حساب سواد الناس
الأعظم في أغلب الأحيان. ومن
الطبيعي أن يرفض الناس - بعامّة -
في تلك البلدان هذه الأوضاع..
ومن الطبيعي أن يرفضوا سيطرة
"الدولة المتنفّذة" على
أوطانهم, وتدخلها في سياسة
بلدانهم الداخلية والخارجية,
وعبثها بكافة أوجه الحياة
اليومية للمواطن... فتكثر السجون
والمعتقلات, وتصادر الحريات,
ويُصار إلى العمل بالأحكام
العرفية, والقوانين والأحكام
العسكرية التي تُحصي على
الإنسان سكناته وحركاته, وتعّد
عليه أنفاسه... في الوقت الذي
تفتح فيه "الدولة المتنفّذة"
أبوابها لاستقبال الكفاءات
والخبرات والمواهب من تلك
الأقطار... واستيعاب كل تلك
الطاقات والأدمغة في مؤسساتها,
ومصانعها, ومعاهدها, وجامعاتها,
ومختبراتها... فتحقق بذلك لنفسها
فوائد كثيرة.. وتحرم تلك الشعوب
من حقها في الاستفادة من خِبرات
أبنائها. إن الحديث عن معاناة
الناس, وما تسبّبه لهم تلك
الدولة من آلام ومصائب, حديث
يطول ويطول... وإن جماهير
اللاهثين خلف السراب في تلك
الأقطار تزداد يومًا بعد يوم...
وجيوش الفقراء والجياع تبحث في
كل مكان عن لقمة عيشها... وقد
بدأت تضيق ذرعًا بحياة المذلّة
والهوان والاستخفاف بحقها
المقدس في الحياة الآمنة
المستقرّة الكريمة... ويتساءل
الناس في تلك البلدان: إلى متى
سيستمر هذا العبث الذي يستهدف
الإنسان في كرامته, وحريّته,
ولقمة عيشه.. ويستهدف المجتمع في
صميم تكوينه ونسيجه الداخلي؟؟
قال: في العقود السابقة كثر
اللاهثون خلف السراب... واليوم
يكثر الراكعون والمتساقطون
والمنهارون... ويدمّرون
بانهيارهم كل شيء... ويقدّمون
خدمات مجانيّة لكل الأعداء
الطامعين في أوطانهم وإذلال
شعوبهم وتركيعها... فهل يستفيق
أولئك المخدوعون من أوهامهم..
وهل يدركون أن كل ما يفعلونه
ويقدّمونه للأسياد من خدمات لن
يعود عليهم بأدنى فائدة, بل ربما
كان سببًا كافيًا يضع معه
الأسيادُ حدًّا لوجودهم بعد أن
استنفدوا مسوّغات هذا الوجود
وأسبابه... فاذهبوا غير مأسوف
عليكم.. أضعتم البلاد.. وأهلكتم
العباد.. قاتلكم الله, وأراح
الشعوب من آثامكم وطغيانكم
وتخلّفكم. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |