ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 20/07/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


عندما تحكم الأقليّة

بقلم: محمد علي شاهين

سعي محموم لشراء الأراضي والمزارع والعقارات، وتمليك مجاني بالجملة لأراضي أملاك الدولة، وأراضي الإصلاح الزراعي، وحرق للغابات، الهدف منه زيادة رقعة الاستيطان، والاستئثار بمنابع النفط وشواطئ الأنهار والبحار.

سعي محموم لحكم الأكثريّة الصامتة بسوط الاستبداد تحت غطاء حزبي شعارتي علماني لدول قطريّة من إنتاج الإستعمارين البريطاني والفرنسي.

سعي محموم لتكديس الأموال ونهب الثروات، وتوزيع لغنائم الحكم (مناصب، وقروض، ومقاولات، وخصخصة، وشقق، ومنح دراسيّة.. الخ) على الأتباع، لأن امتلاك الأقليّة لرأس المال يحول دون منافسة الشعب لها.

سعي محموم للأقليّة للحصول على إمكانيات السيطرة من خلال أجهزة الدولة وإمكانياتها الماديّة، والمحافظة على تفوقها في مواجهة قوى الأكثريّة بالاعتماد على تنظيماتها الخاصّة.

حملات إعلاميّة لتحديد نسل الأكثريّة تستخدم فيها كافّة الأبواق الدعائيّة، توزّع فيها حبوب منع الحمل مجّاناً، ودعوة للتكاثر والزواج المبكّر في محافل الأقليّة ومنابرها.

كل طائفة تحلم بمشروعها الوطني حتى ولو كان بحجم الفاتيكان، وليس في ذلك غضاضة، ولكن ليس على حساب المسلمين وبلادهم، كما حدث في فلسطين.

يتحدث الآغا خان الثالث في الصفحة 419 من مذكّراته: عن طلبه من الهند السماح له بإقامة دولة للإسماعيلية فيقول : "وحقيقة الأمر أنّ الإسماعيليين شعروا من زمن أنّه من المستحسن أن يكون لهم وطن _ لا دولة قوية، بل شيء على مثال طنجة أو الفاتيكان _ خاص بهم يمكنهم أن يمارسوا فيه عاداتهم وتقاليدهم، ويبنوا مركزهم المالي الخاص بهم، بمصارفه وشركاته ومشاريع تأمينه وأنظمة إنعاشه، وقد راجعت حكومة الهند في ذلك ؛ لكن  ولأسباب لا شك في أنها عادلة، لم تستطع حكومة الهند الموافقة على هذا الاقتراح.

الجميع يرى ويسمع ويصمت، لأنّ الحديث في هكذا موضوع حسّاس ومؤلم ومثير ومحزن، وما يجري في الساحة العربيّة يدعو للقلق والدهشة.

ففي العراق نقل الأكراد مشروعهم القومي العلماني من الخيال إلى الواقع، كرد فعل للمشروع القومي العربي (البعثي والناصري) الذي أخفق في صهر الأقليّات القوميّة في بوتقة الدولة القطريّة، وتعسّف في استعماله القوانين الاستثنائيّة، وبلغت الحماقة ببعض الأنظمة القوميّة إلى تهجير المواطنين من ديارهم (الأكراد) تحت دعوى التعريب، ليس حباً في العروبة ولكن طمعاً في أراضيهم الخصبة، وإحلال عناصر موالية مكانهم.

وعندما أصبحت الظروف ملائمة لإخراج هذا المشروع النظري إلى الواقع العملي، وأصبح للقومي الأولويّة على الديني، تخلّى بعض الأكراد عن إخوانهم في العقيدة والمذهب تاركين رؤوسهم تثقب بالمثاقيب في ظل الاحتلال الأمريكي.

وعاش الآشوريون منذ فجر التاريخ وما زالوا يناطحون من أجل المحافظة على وجودهم القومي وعلى تراثهم وثقافتهم، وتسابقوا على تأسيس الأندية الاجتماعية والثقافية حيثما حلّوا، وأصدروا المجلات الفكرية والقومية لاستنهاض الهمم وزرع الأمل بين أبناء أمّتهم المُشتتة وزيادة الروابط الفكريّة والقوميّة المشتركة بينهم، وفي أعقاب توقيع العراق على معاهدة 1930 مع بريطانيا عارضوا استقلال العراق قبل تحقيق هدفهم المعلن وهو إقامة وطن لهم مفتوح لجميع الآشوريين، في منطقة دهوك، إلاّ أنّ حلمهم تبدّد أمام حملات التأديب.

واستقبلت سوريّا في العهد العثماني نحو مائة ألف مهاجر أرمني، فلمّا جاء العهد الفرنسي فتح لهم الاستعمار باب الهجرة فبلغ عدد المهاجرين مائة وثمانين ألف مهاجر أرمني، ومنحوهم الجنسيّة السوريّة .

وكان الأرمن قد قاموا في الشمال الشرقي من الأناضول بثورة مسلّحة للانفصال عن الدولة العثمانيّة، تصديقاً للوعود الأوروبيّة لهم بإقامة وطن قومي مستقل للأمة الأرمنية (أرمينيا الكبرى) إلاّ أنّ عنف المقاومة التركيّة لهذا المشروع تسبّب في وقوع مجازر دمويّة سقط ضحيّتها أعداد لا تحصى من أبناء الدولة العثمانيّة، ولم يسلم من ويلاتها الأرمن الذين فضّلوا الهجرة إلى كيليكيا لإقامة (أرمينيا الصغرى) بدعم بريطاني على حساب وحدة الدولة، والقيام بانتفاضة أضنة في 16/4/1909 التي ذهب ضحيتها نحو ثلاثين ألفاً من الأرمن .

والغريب أنّ أكثر مؤسّسي الأحزاب القوميّة والحركات اليساريّة والشيوعيّة في العالم العربي من الأقليّات: أنطون سعادة مؤسّس الحزب السوري القومي الاجتماعي، ميشيل عفلق مؤسّس حزب البعث، جورج حبش مؤسّس حركة القوميين العرب، والجبهة الشعبيّة، وكان أنطون بشارة (أبو عزمي) أحد مؤسسي وقادة الحزب الشيوعي الإسرائيلي والفلسطيني، ويؤكّد الباحث إسماعيل الكيلاني أنّ مؤسسي وقادة الأحزاب الشيوعية في الوطن العربي كانوا من اليهود: ففي مصر مثلاً كان هناك أربعة تنظيمات شيوعية، رؤساؤها كلهم يهود: «هنري كورييل»، «إيلي شوارتز»، «أوديت» وزوجها «سلامون سدني»، «يوسف درويش» و«ريمون دويك». كذلك فإن السكرتير العام للجنة المركزية للحزب الشيوعي اللبناني  السوري «جاكوب تيبر» يهودي جاء من فلسطين ليترأس الحزب، وعندما تشكلت قيادة جديدة برئاسة خالد بكداش ثم اختيار فرج الله الحلو حيث أرسل إلى تل أبيب للتنسيق، كما تم استقدام «نخمان ليفنسكي» اليهودي ليكون مستشاراً للقيادة الجديدة.. (صفحات مجهولة).. الخ.

ويحلم بعض الانعزاليين الأقباط في مصر والمهجر بفصل أجزاء غالية من مصر لإقامة دولة قبطيّة، فيحدّدون حدودها ويرسمون علمها، ويصفون مصر بأنّها دولة احتلّها العرب المسلمون، ويسعى بعضهم لإحياء اللغة القبطيّة والعادات والتقاليد القبطيّة، ويتحدث عن أمّة قبطيّة، ويرفع شعار الإنجيل دستورنا، في مواجهة القرآن دستورنا، ويشعر المواطن المصري بأنّ الكنيسة القبطيّة قد شكلت دولة موازية عبر الخدمات التي تقدمها إلى أتباعها، إضافة إلى استقوائها بالخارج في عدد من الأزمات بين مسلمين وأقباط، وأنّ على 90% من شعب مصر أن يتخلى عن الحكم بالشريعة الإسلاميّة من أجل عيون الأقليّة.

وكانت فرنسا قد قسّمت البلاد السوريّة إلى خمس دويلات على طريقة فرّق تسد: ومنها دولة العلويين، ودولة الدروز، وحشدت الأقليّات في المنطقة الشماليّة  لا الشرقيّة لإقامة كيان خاص لهم، وجعلت من الأقليّات جيش الشرق الفرنسي الذي حارب نيابة عن فرنسا نزعة الاستقلال، ونزعة التقدّم بعد الاستقلال.

وحتى لا تختلط الأمور على القارئ الكريم فيؤخذ ببعض أقوال المغرضين الجهلة الذين يتهمون أهل السنة بالتعصّب، نقول معتمدين على الوثائق بأنّ الفتن الطائفيّة في المجتمع العربي كانت تقع بين الأقليّات نفسها، لا مع المسلمين.

ففي سوريّة كانت متاعب اليهود مع المسيحيين خلال عهد إبراهيم باشا كبيرة، إذ اتهموهم بخطف المسيحيين لقتلهم، وخلط دمهم بالفطير بدلاً من دم خاروف الفصح، واتهم يهود دمشق بقتل الأب توما الكبوشي في 25/2/1840 واعترف الحاخام موسى أبو العافية بذبح الأب توما ليصنع من دمه فطيراً أرسل قسماً منه إلى بغداد.

وبعد قيام إسرائيل كان المتعصّبون اليهود يفتعلون الأحداث الدامية، ويشعلون النار في الكنس ليهاجر من بقي من اليهود السوريين إلى فلسطين، كما كانوا يفجّرون القنابل في الحي اليهودي ببغداد ليهاجر من تلكّأ عن الهجرة إلى الأرض المحتلّة ثم يتهموا المسلمين بالتطرّف والإرهاب.

وكانت (حرب الستين) 1860 بين الدروز والموارنة في لبنان، واندلعت الحرب الطائفيّة في لبنان في عام 1975 فكان وقودها 150 ألف شخص، ومئات الآلاف من المصابين، بينما لا يزال مصير آلاف المفقودين مجهولا حتى الآن، وبقى الانقسام الطائفي في لبنان بعد مؤتمر الطائف 1990 هو الأخطر لأنّ الصراع لم يعد حول مشاريع سياسية بل اتخذ طابعا طائفياً.

وتحدّث المؤرخ محمد كرد علي في خططه عن الفتنة التي نشبت بين النصيريّة والإسماعيليّة في نيسان 1919 فقال: أغار النصيريّة على الإسماعيليّة في جبل الكلبيّة من قرى عقر زيتي، وخربة الفرس، وجمعة شبه، وغيرها من قرى الإسماعيليّة، وفي نواحي الخوابي والقدموس وسكانها من الإسماعيليّة، فنهبت القدموس عن بكرة أبيها، وخربت بعض بيوتها، وكانت المعركة دامية بين الطائفتين، قدّر بعضهم قتلاها بمائتين، وزاد آخرون إلى أكثر من ذلك.

وكانت صفة تعالي الأقليات على بعضها هي السائدة، فقد كان اليزيديّون السوريّون يرفضون تصنيفهم كأكراد، لأنّهم يعتبرون أنفسهم متميّزون بثقافتهم وديانتهم وعاداتهم وتاريخهم عن الأكراد .

ولا نغالي إذا قلنا بأنّ النجاح المؤقّت الذي حققه اليهود في فلسطين العربيّة والاعتراف بهم قد شجّع الأقليّات على تحقيق الأحلام بإقامة كيانات مستقلّة على غرار إسرائيل.

ولا ندّعي أنّ الأقليات لا تعاني من الاضطهاد والقمع على أيدي الحكومات العربيّة، لأنّ ظاهرة الاضطهاد والقمع تنسحب على جميع المواطنين وليست مخصوصة بالأقليّات والاثنيّات.

ولا نملك حقداً قديماً على الآشوريين كاليهود، ولا على غيرهم من الطوائف والأقليات،  وليس في قرآننا ما يحضّ على الكراهية، وليس عندنا مزامير تقول إحدى آياتها: (إذا رأيت الطفل الآشوري فاضربه بحجر).

ولكن يخطئ من يعتقد أنّ المسلمين السنّة أقليّة كبرى، أو طائفة، أو مشروع تبشيري، وأنّ ديارهم قابلة للبيع والتأجير والتنازل ومشاريع لكيانات مستقلّة، وليعلموا أنّ الوطن الإسلامي غير قابل للقسمة، مهما تجرّأت عليهم الأقليات واستطالت عليهم قوى الشر.

ويخطئ أشدّ الخطأ من يعتقد أنّ المسلمين السنّة لقمة سائغة، لأنّهم انتصروا في عين جالوت وحطين، وتوحّدوا تحت راية صلاح الدين بعد فرقة، وحرّروا القدس بعد مئة عام، وأنّ منهم الشهداء والصالحون.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ