ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
كلمات
في القرآن (7) العَرْض الدكتور
عثمان قدري مكانسي عـَرَض الأمر عليه :
أظهره وأبداه له ، كما في
القاموس المحيط . وللعرض
ومشتقاته معان كثيرة جداً ،
لا نقصدها في حديثنا هذا ،
ونحن إذ نتوقف عند المعنى الذي
أردناه نرجو أن نثبت في أنفسنا
بعض المعاني الإيمانية ، ونسأل
الله أن يهدينا سواء السبيل . -
عرض الله
تعالى الأمانة على السموات
والأرض والجبال قبل أن يعرضها
على آدم عليه السلام ، والأمانة
المعروضة كما قال العلماء :
العبادة والطاعة لله تعالى
والقيام بالفروض وأداء
الواجبات ، فإن التزمنـَها
وأدّينها فقد نجحن ، وإن لم
يفعلن ذلك فقد فشلن وعوقبن ،
فأبين ذلك وعلِمْنَ أن حمل
الأمانة ثقيل لا يستطعن أداءه ،
ثم عُرضت الأمانة على آدم ، وقيل
له : إن أحسنت أُثبت ، وإن أسأت
عوقِبْت َ ، فرضي حملها ، ولم
يلبث قليلاً حتى أخلّ بها . وظلم
نفسه يقول
تعالى في الآية 72 من سورة
الأحزاب " إنا
عرضنا الأمانة على السماوات
والأرض والجبال ، فأبين أن
يحملنها ، وأشفقن منها ، وحملها
الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً "
فظلم الإنسان نفسه حين حمّلها
الأمانة ، ثم لم يَرْعها حق
رعايتها ، ومن سأل الله المعونة
أعانه ، ولكنّ الغالبية الغالبة
والكثرة الكاثرة من البشر
ضيّعوا هذه الأمانة. -
من العرض
الدال على مكانة آدم عليه
السلام عند ربه سبحانه أنه
سبحانه " ... علم
آدم الأسماء كلها ، ثم عرضهم على
الملائكة " وذلك حين
استنكروا أن يخلق الله في الأرض
من يفسدها ويسفك الدماء . فسألهم
الله تعالى أن يخبروه بأسماء
المسمّيات التي علمها آدم ،
فاعترفوا بعجزهم ، وهنا أظهر
الله تعالى مكانة آدم إذ أمره أن
يعلمهم بعض ما علمه الله عز وجل .
" قال يا آدم
أنبئهم بأسمائهم " ففعل
ذلك . -
يقف الناس
يوم العرض – وكلهم يرون ويسمعون
ما يجري إلا
ما شاء الله تعالى أن يستره –
فيستر الله تعالى المؤمنين حين
تُعرض عليهم أفعالهم ، ويفضح
الكافرين والمنافقين فيحاسبهم
على رؤوس الخلائق . يقول ابن
كثير رحمه الله في تفسير الآية
الكريمة الثامنة عشرة من سورة
هود " ومن أظلم
ممن افترى على الله كذباً ،
أولئك يـُعرضون على ربهم ،
ويقول الأشهاد : هؤلاء الذين
كذبوا على ربهم ، ألا لعنة الله
على الظالمين الذين يصدون عن
سبيل الله ، ويبغونها عوجاً ،
وهم بالآخرة هم كافرون "
يُبَيِّن تَعَالَى حَال
الْمُفترِينَ عَلَيْهِ
وَفَضِيحَتهمْ فِي الدَّار
الآخرة عَلَى رُءُوس الخلائق من
الملائكة وَالرُّسُل والأنبياء
وَسَائِر البشر والجانّ . ويقول
صلى الله عليه وسلم
فِي النَّجْوَى يَوْم
الْقِيَامَة " إِنَّ اللَّه
عَزَّ وَجَلَّ يُدْنِي المؤمن
فَيَضَع عَلَيْهِ كَنَفه
وَيَسْتُرهُ مِنْ النَّاس
ويقرره بذنوبه وَيَقُول لَهُ
أتعرف ذنب كذا ؟ أتعرف ذنب كذا ؟
أتعرف ذنب كذا ؟ حَتَّى إِذَا
قَرَّرَهُ بذنوبه وَرَأَى فِي
نَفْسه أنه قَدْ هَلَكَ قَالَ
فإني قَدْ سَتَرْتهَا عَلَيك
فِي الدنيا وَإِنِّي أغفرها لَك
اليَوم ثُمَّ يُعْطَى كِتَابَ
حَسَنَاته . وَأَمَّا الكفار
والمنافقون فَيَقُول " الأشهاد
هؤلاء الَّذِينَ كَذَبُوا
عَلَى رَبّهمْ ألالَعْنَة
اللَّه عَلَى الظالمين ".
أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ
وَمُسْلِم فِي الصَّحِيحَيْنِ
مِنْ حَدِيث قَتَادَة .
هكذا عَرْضُ عمل المؤمن
عليه وهكذا حسابُ الكافر
والمنافق يفضحهم الله أمام
الخلائق جميعاً . -
وقد يكون
عرض العذاب بعد الموت وقبل يوم
القيامة ، أي في البرزخ كما في
قصة فرعون وجنده " في
سورة غافر الآية 46 في قوله تعالى
" النار
يُعرضون عليها غدوّاً وعشيـّا ،
ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل
فرعون أشد العذاب "
فَإِنَّ أَرْوَاحَهُمْ تـُعرض
عَلَى النَّار صَبَاحًا
وَمَسَاء إِلَى قِيَام
السَّاعَة فَإِذَا كَانَ يَوْم
القيامة اجتمعت أَرْوَاحهم
وَأَجْسَادهم فِي النَّار . لأن
عذاب الروح والجسد أشدّه
أَلَمًا وَأَعظَمه نكالاً .
وهذه الآية أَصل كَبِير فِي
استدلال أَهل السـّنة عَلَى
عذاب البرزخ فِي القبور . -
والعرض في
الآيات القرآنية الشريفة دنوّ
من الشيء ، لا دخول فيه ، وهذا
الدنوّ تعذيب للكافر قبل أن
يُعذب ، وقد قيل : "
التخويف من الضرب والعقاب
والتلويح بهما أجدى -في التربية
- من استعمالهما " . وقد
خوّف الله الناس من عقابه في
الدنيا ، فإذا جاء اليوم الآخر
كان لا بد من العقاب جزاء وفاقاً
لمن كفر . ومن هنا نفهم الآيات
القرآنية التي وردت في عرض
العذاب على الكافرين وتيئيسهم
من النجاة بعد موتهم كافرين :
فالمراد في قوله تعالى
- والله أعلم - " وعُرضوا
على ربك صفاً : لقد جئتمونا كما
خلقناكم أول مرة ، بل زعمتم ن لن
نجعل لكم موعداً "
أَنَّ جَمِيع الخلائق
يقومون بين يدي اللَّه صفاً
واحدًا كَمَا قَالَ تَعَالَى
" يوم يَقوم
الرُّوح وَالملائكة صفاً لا
يتكلمون إلا مَن أَذِنَ لَهُ
الرَّحمن وَقَالَ صَوَابًا "
وَيَحْتَمِل أنهم يَقومونَ
صفوفًا كَمَا قَالَ " وَجَاءَ
رَبّك وَالْمَلَك صَفا صَفا
" وقوله " لَقَدْ
جِئتمونا كَمَا خلَقناكم أَوّل
مَرَّة " هَذَا تقريع
للمنكرين للمعاد وَتَوبِيخ
لَهُم عَلَى رُءُوس الأشهاد .
وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى
مُخَاطِبًا إياهم :
مَا كَانَ ظنكم أَنَّ ههذا
وَاقِع بكم ولا أَنَّ هذا كَائن
. وهل يستطيع أحد أن يكذب على
الله أو يخفي عنه شيئاً وهو
سبحانه يعلم السر وأخفى ، ويعلم
خائنة الأعين وما تخفي الصدور ؟
لالا، فالله تعالى هو العليم
بكل شيء، الخبير
بكل ما خلقه . اقرأ معي بتمعن
قوله تعالى الآية 18 من سورة
الحاقّة " يومئذ
تُعرضون ، لا تَخفى منكم خافية
" فالخافية لا تخفى على الله ،
أليس هو سبحانه الذي يقول في
سورة الأنعام " الآية التاسعة
والخمسين : " وعنده
مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ،
ويعلم ما في البر والبحر ، وما
تسقط من ورقة إلا يعلمها ، ولا
حبة في ظلمات الأرض ، ولا رطب
ولا يابس إلا في كتاب مبين "
؟ سبحانه من إله عظيم لا تخفى
عليه خافية ، ولا يضيع منه شيء . -
وانظر معي
إلى الموقف الرهيب في ظهور
النار لهم قبل أن يدخلوها ، وهم
خائفون أن يُلقـَوا فيها –
وسيُلقـَون فيها – فترتعد
فرائصهم ويخافون النظر إليها ،
وهم يعلمون أنهم وقودها –
والعياذ بالله أن نكون من أهلها
– وينظرون
إليها بطرف أعينهم يستفظعون
المصير الذي لا بد أن يصيروا
إليه ، في الآية 45 من سورة
الشورى " وتراهم
يُعرضون عليها خاشعين من الذل ،
ينظرون من طرْف خفيّ
" نار تلظّى ، ترسل لهيبها
نحوهم ، وتُسمعهم زفيرها ،
وتتراءى لهم متشفـّية متوعّدة ،
وهم لا يجرؤون على النظر إليها ،
ويخافون أن يُلقوا فيها بين
لحظة وأخرى .. لحظات عصيبة تقطع
الأنفاس وتحرق المشاعر . واقرأ
الآية المئة من سورة الكهف " وعرضنا
جهنم يومئذ للكافرين عرضاً "
فجاء المصدر المؤكد يبرز جهنم
رأي العين كما قال ابن كثير :
لِيَرَوا مَا فِيهَا مِن
العَذَاب وَالنَّكَال قَبل
دخولها ليكون ذلك أبلغَ فِي
تعجِيل الهَمّ وَالحَزَن لَهم .
وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود
قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه
صَلَّى اللَّه عَلَيهِ
وَسَلَّمَ " يُؤتى
بجهَنّم تُقاد يَوم
الْقِيَامَة بِسَبْعِينَ أَلْف
زِمَام ، مَعَ كُلّ زِمَام
سَبْعُونَ أَلْف مَلَك "
ثُمَّ قَالَ مُخْبِرًا
عَنْهُمْ : " الَّذِينَ
كَانَتْ أَعْيُنهمْ فِي غِطَاء
عَنْ ذِكْرِي "
فتغافَلوا وَتعَامَوا
وَتَصَامَمُوا عَنْ قَبُول
الهدى واتباع الحق . -
وفي سورة
الأحقاف آيتان تبدءان بدية
واحدة بجملة واحدة " ويوم
يُعرض الذين كفروا على النار ..."
وكانت الثانية نتيجة وتتويجاً
للأولى ففي
الأولى الآية العشرين يقول
تعالى موبخاً
الكافرين الذين رضوا بالحياة
الدنيا على الآخرة ، واستكبروا
على الإيمان وأهله ففجروا
وفسقوا ! " ...
أذهبتم طيباتكم في حياتكم
الدنيا واستمتعتم بها ،
فاليوم تُجزَون عذاب الهون بما
كنتم تستكبرون في الأرض بغير
الحق ، وبما كنتم تفسقون ."
فما عذاب الهون يا رب ؟ وإلى أين
مصير هؤلاء المستكبرين الذي
فضلوا الدنيا على الآخرة ؟
يأتي التوبيخ أولاً فقد
كفروا بالحق الذي جاءهم به
الأنبياء والدعاة . ويقرون
بخطئهم ، ويندمون ، ولات ساعة
مندم . ويقرون بالحقيقة التي
كانت تنفعهم في الدنيا لو
أقرّوها ، أما حين يعاينون
الأمر ويرونه رأي العين وهم بين
يدي الله تعالى فلا فائدة ، لقد
أضاعوا الفرصة الذهبية التي لا
يمكن أن تُعوّض . ثم يأتي العذاب
الأليم جزاء وفاقاًفي الآية
الرابعة والثلاثين " ...
أليس هذا بالحق ؟ قالوا بلى
وربنا . قال : فذوقوا العذاب بما
كنتم تكفرون " . -
أما قوله
تعالى في سورة ( ص) الآية 31 " إذ
عرض عليه بالعشي الصافنات
الجياد "
في معرض قصة سيدنا سليمان
فقد أفسدت الروايات
الإسرائيلية معناها الجهادي
الرائع ، وأساءوا إلى سليمان
كما أساءوا إلى أبيه داوود
عليهما السلام – وهما عند
اليهود ملِكان وليسا نبيين –
فتفسير القصة كما يلي : إنه مجاهد في سبيل
الله تعالى يحب كل ما يعينه على
القتال في سبيله وإعلاء رايته .
ومن ذلك أنه يحب الخيول الأصيلة
– سلاح الفرسان ، وهي القوة
الضاربة في قتال العدو ، فأمر أن
تعرض عليه الخيول ليستمتع بها
ويطمئن إليها ، فعرضت أمامه وهو
يتابعها شغوفاً بها حتى غابت
عنه " حتى توارت
بالحجاب " فلم يبرد شوقه
لها ، فأمر أن يعيدوها إليه ، ثم
نزل إلى ساحة العرض يتلمّس
الخيول ويمسح أعناقها وسوقها ،
ويتحبب إليها ، والمقصود بقوله
تعالى " إني
أحببت حب الخير عن ذكر ربي "
أن حبه للخيل
صادر عن أمر الله تعالى .
وهذا هو المعنى الحقيقي لهذه
الآية .أما الرواية الإسرائيلية
فتدليس واستخفاف بعقول الناس
لأسباب عدة هي :
أ- إن التأويل
عادة يتبع الكلام الذي بين
أيدينا ، فما التي توارت
بالحجاب ؟ إنها الخيول التي
غابت عن ناظريه إذ مرت أمامه وهو
يستعرضها حتى غابت عن عينيه ، لا
الشمس التي تعسفتها التأويلات
الإسرائيلية ، إذ قالوا : أنه
انشغل بالخيول حتى عابت الشمس
ففاتته صلاة العصر .
ب – إن سليمان
عليه السلام شعر أنه لم يفِ
الخيول حقها بالاستعراض السريع
، فأمر أن يردوها إليه ليلمسها
بيديه ويكرمها بالتربيت على
أعناقها وسوقها ، لأنه لو جاز أن
يكون الضمير في " توارت
بالحجاب " عائداً على
الشمس لوجب أن يكون الضمير في
" ردوها علي "
عائداً على الشمس نفسها ، أما
القفز هنا وهناك للوصول إلى
الشمس فلا يليق بنص رزين ، ناهيك
عن كتاب الله الكريم .
ج – وهل تتصور عاقلاً
كان يَعُد ماله ، فانشغل به حتى
ضيع صلاته ، فأحرق المال يعاقب
بذلك نفسه؟! فإذا كان ما يفعله
سفهاً وطيشاً فالنبي سليمان
منزه عن قطع أعناق الخيول
وسـُوقها لأنها – على زعم
الإسرائيليات – شغلته عن
الصلاة !! ما ذنب الخيول
المسكينة لتذبح وتقتل ، والخطأ
ليس خطأَها ؟! - روت السيدة عائشة
رضي الله عنها قالت : سمعت رسول
الله - صلى الله عليه وسلم - يقول
في بعض صلاته : اللهم ! حاسبني
حسابا يسيرا
، قلت : يا نبي الله ! ما الحساب
اليسير ؟ ! قال : أن ينظر في كتابه
،
فيتجاوز عنه ؛ إنه من نوقش الحاسب - يومئذ
- يا عائشة
! هلك . اللهم ؛ إن تَعرض
علينا أعمالنا فارفق بنا وتجاوز
عن سيئاتنا ، وارحمنا يوم العرض
عليك يا أرحم الراحمين ويا أكرم
الكرماء . ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |