ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
كيف
نجا حزب العدالة والتنمية من
الإعدام ؟! محمود
العمر يقول أحد علماء السياسة :( لا فرق بين حكم
إعدام الأشخاص وحكم إغلاق
الأحزاب ) .. قبل أربعة أشهر ونصف -14.03.2008- تقدم مدعي
الجمهورية العام بدعوى يطلب
فيها إغلاق حزب العدالة
والتنمية لأنه أصبح مركزا - بؤرة
- يهدد
العلمانية والنظام العلماني في
تركيا . هذه الدعوى كانت رقمها
الخامس والعشرين في تاريخ
الجمهورية التركية فقد أغلق من
قبل أربعة وعشرون حزبا سياسيا
ولم يكتب لحزب النجاة من تلك
المقصلة إلا حزب العدالة
والتنمية بزعامة رجب طيب
أردوغان .! ترى ما الذي وقى حزب
العدالة والتنمية عاقبة سالفيه
؟. بداية لابد من الإشارة إلى أن دعوى إغلاق
حزب العدالة والتنمية هي دعوى
سياسية بامتياز , فهناك شبه
إجماع بأن الأدلة التي ساقها
المدعي العام لا ترقى لمستوى
إغلاق جمعية خيرية بسيطة فضلا
عن إغلاق حزب سياسي حاكم حاز على
ثقة نصف الشعب التركي قبل
ثمانية أشهر فقط .لذلك كانت
مذكرة الدفاع المقدمة من طرف
الحزب ذات طابع سياسي أكثر مما
هو قانوني ,وكلمة رئيس المحكمة
الدستورية اليوم قبل النطق
بالحكم كانت سياسية أيضا , فقد
نوه إلى أن قضاة المحكمة يعيشون
في هذا البلد ويعايشون هموم
المواطن ويتفهمون الأوضاع
الاقتصادية والاجتماعية التي
كان لها دور في تشكيل قناعاتهم ..كما
أن اختيار اليوم –الأربعاء- وسط
الأسبوع كان إشارة على عدم
إغلاق الحزب , لأن القرارات
السلبية تتخذ عادة مساء الجمعة
بعد إقفال البورصة والمؤسسات
المالية . من اللافت للانتباه ارتفاع أسهم البورصة
اليوم بنسبة 2.71 % ,وأعجب من ذلك
تقارير المؤسسات الاقتصادية
الغربية المتفائلة.. منها مثلا
تقرير صادر عن JP MORGAN تنبأ
بأن القرار الصادر عن المحكمة
الدستورية سيكون بعدم إغلاق
الحزب بنسبة ثمانين بالمائة
وأوصى بشراء أسهم بورصة
استانبول .. كذلك Commerzbank
وغيره من المؤسسات
الأجنبية وتبعتها المؤسسات
والبنوك التركية بالتفاؤل أن
يكون القرار ايجابيا !. وقد كتب
بلال جاتين في صحيفة وطن –
الأكثر علمانية – قائلا :( إن
قرار المحكمة الدستورية هام على
الصعيد المحلي لكن يبدو أنه
أكثر أهمية على الصعيد الدولي ) ,
ونقل عن السفير الأمريكي السابق
قوله بتاريخ 15/
7: ( يبدو أن هناك بوادر حل
بالمقارنة مع الشهر الماضي ) ..
أي أن السفير الأمريكي السابق
المراقب عن كثب للشؤون التركية
يرى أن الشروط قد تغيرت وأن حلا
وسطا يبدو ممكنا الآن ..! ما الذي
تغير إذن ؟ ولماذا عدل أصحاب
القرار عن رأيهم في إغلاق حزب
العدالة والتنمية ؟ أولا : على الصعيد الدولي : أبدى الأوربيون معارضة شديدة منذ اليوم
الأول لتقديم الدعوى , وهدد قادة
الاتحاد الأوربي بوقف
المذاكرات الخاصة بانضمام
تركيا للاتحاد , فيما اتسم
الموقف الأمريكي بشيء من التردد
ومحاولة إمساك العصا من المنتصف
,فقد عارض الأمريكان فكرة إغلاق
الأحزاب لكنهم شددوا على ضرورة
المحافظة على العلمانية
ومكتسباتها , ربما يكون ذلك
إشارة تحذيرية للحزب الذي لم
يجز للقوات البرية الأمريكية
العبور من الأراضي التركية إلى
العراق عام 2003 , لكن هذا الموقف
طرأ عليه شيء من التغيير في
الآونة الأخيرة لأسباب سياسية
أهمها النجاح الذي حققه حزب
العدالة والتنمية في ترتيب
المفاوضات بين سوريا وإسرائيل
والمشاركة في قوات اليونيفيل في
لبنان , وهناك أسباب اقتصادية
أيضا منها وجود ما يزيد على
مائتي مليار دولار كرأسمال
أجنبي في تركيا , وعلى سبيل
المثال إن 70 % من بورصة استانبول
ملك للأجانب , ففي حالة إغلاق
الحزب الحاكم سيؤدي ذلك دون شك
إلى حدوث زلزال اقتصادي سينعكس
سلبا على استثماراتهم . يؤيد ذلك
الدعم الغربي – الأمريكي
والأوربي - القوي لحكومة
العدالة والتنمية والقضاء
التركي في الحملة الأخيرة ضد
التشكيلات والجيوب ذات الطابع
المافيوي من بقايا الحرب
الباردة , والتي خضعت لحملة
تنظيف وتصفية في أوربا في
الثمانينات ومطلع التسعينات
مثل منظمة الجلاديو والمافيا
الايطالية وشبيهاتها , ويبدو أن
حملة التصفية والتنظيف هذه جاءت
على تركيا فأعطي الضوء الأخضر
لتصفية منظمة أرجنكون التي تمتد
جذورها كالإخطبوط , حيث لها نفوذ
في معظم المؤسسات الرسمية
والمدنية , مثل الجيش والأمن
والأحزاب السياسية ورجال
الأعمال وكبار الصحفيين
ومنظمات المجتمع المدني , وقد
كشف من خلال التحقيقات ارتباطها
وميولها نحو روسيا , ومعاداتها
لأمريكا .! فتم تقديم الدعم
المعلوماتي الاستخباراتي ,
وإقناع القوى النافذة بعدم
عرقلة حملة التصفية هذه .!ولولا
هذا الدعم لما استطاع المدعي
العام توقيف واستجواب جنرالين
متقاعدين وشخصيات كبيرة بهذا
الوزن .! ثانيا : على الصعيد الداخلي : يبدو أن القوى التي دفعت المدعي العام
لطلب إغلاق الحزب الحاكم لم
تحسب حسابها جيدا هذه المرة ,
فعلى الصعيد الدولي لم تلق من
يصفق لانتصار العلمانية على
حساب الرجعية , بل إنها تلقت
صفعة قوية من الغرب كما أسلفنا .
ثم إن هناك فرق شاسع بين أحزاب
أربكان وحزب العدالة والتنمية ,
أبرزها التأييد الشعبي الواسع
لهذا الحزب بفضل النجاحات
الملموسة على أكثر من صعيد , ثم
ثبات مواقفه التي من أبرزها رده
القوي الواضح على مذكرة الجيش
في السابع والعشرين من نيسان –ابريل-
من العام الماضي . وهنا يجب أن لا
ننسى دور شخصية زعيم الحزب رجب
طيب أردوغان الكاريزمية التي
فرضت احترامها على القريب
والبعيد كشخصية قيادية فذة .. إن تماسك الحزب بهذه القوة والصرامة يدل
دلالة واضحة على انعدام البديل
السياسي لهذا الحزب , إذ لا تعدم
الحياة السياسية ممن يتطلعون
إلى مراكز أفضل من تلك التي
يتبوؤها حاليا , وربما هذا الذي
دفع عبد اللطيف شنر أحد مؤسسي
حزب العدالة والتنمية ونائب
رئيس الوزراء السابق إلى
الانفصال عن الحزب لأنه كان
يطمح –أو أنه أوعز إليه من بعض
الجهات من خارج الحزب - ليكون
رئيسا للجمهورية بدل عبد الله
جول حسب بعض المصادر .لكن الحزب
لا زال متماسكا عصيا ضد محاولات
التقسيم والانشقاق .. ثم إن غالبية الشعب التركي قد سئمت حالات
الانقسام والتشرذم السياسي
التي خلفته الحكومات
الائتلافية , وذاقت طعم
الاستقرار السياسي الناتج عن
حكم الحزب الواحد , وبات مرفوضا
وبشكل قطعي فكرة الانقلابات
العسكرية حتى داخل الجيش نفسه
بسبب النضوج السياسي , والتقارب
مع أوربا . كذلك استطاع حزب
العدالة والتنمية النهوض
بالاقتصاد رغم المشاكل
والأزمات العالمية الخانقة ,
مثل مشكلة العراق كدولة جارة
تعيش ويلات الحرب التي تتطاير
شظاياها إلى دول الجوار , وقد
خسرت تركيا مليارات الدولارات
جراء تلك الحرب , وارتفاع أسعار
البترول وغيرها .. هذا النجاح
على الصعيد الاقتصادي أدى إلى
كسب تأييد قطاع واسع من رجال
الأعمال الذين لا غنى عنهم في
تمويل الانقلابات حال حدوثها .إضافة
إلى نجاحه في مداراة الجيش
وتحييده سياسيا على الأقل . وهناك من يقول بأن حملة تصفية منظمة
أرجنكون كان لها دور فعال ردع
بعض القوى عن مهاجمة الحزب
وإغلاقه, لارتباط شخصيات مرموقة
بهذه المنظمة الإرهابية , فقد
وردت أسماء كثير من الشخصيات
النافذة في الدولة في مذكرة
الدعوى التي قدمها المدعي العام
والتي تجاوزت 2500 صفحة , ومن جملة
التهم الموجهة محاولة تدبير
انقلاب يطيح بالحكومة التركية
الرسمية , ولائحة طويلة من
الاغتيالات ومحالات إشاعة
الفوضى وجر البلد لحرب أهلية
على أساس عرقي ومذهبي .. والأهم من كل هذا – بتقديري - هو نجاح
الحزب في إيجاد قوة إعلامية
ضخمة وقفت ندا لتلك التي شكلت
دوما منبرا لخصومه , ومراكز
متقدمة لشن أي هجوم عليه ,
وأدوات إقناع لأي حملة ضده .. فما تقوم به الميديا –وسائل الإعلام - هذه
الأيام تنوء عن القيام به
الجيوش الجرارة .! نعم صدر قرار المحكمة الدستورية على
الشكل التالي : مجموع أعضاء المحكمة أحد عشر عضوا . ينص الدستور التركي –المعدل- على اشتراط
الأكثرية المطلقة في التصويت
على إغلاق الأحزاب وهي بهذه
الحالة سبعة إلى أربعة كحد أدنى
. نتيجة التصويت : ستة أعضاء صوتوا لصالح إغلاق الحزب . أربعة أعضاء صوتوا لعدم إغلاق الحزب
لكنهم طلبوا حرمانه من نصف حصته
من مستحقاته من دعم خزينة
الدولة . شخص واحد عارض إغلاق الحزب هو رئيس
المحكمة . نتيجة القرار : لن يغلق حزب العدالة والتنمية لكنه سيحرم
من نصف مستحقاته من دعم الخزينة
. معنى هذا القرار: هو ثبوت ارتكاب الجريمة
لكن مع تخفيف العقوبة .! أخيرا .. هل جاء قرار المحكمة في صالح الحزب ؟ أم أن
إغلاق الحزب كان أفضل له سياسيا
؟ ما هي إستراتيجية الحزب في المرحلة
المقبلة خاصة وأن سيف المحكمة
لا زال مسلطا فوق رأسه ؟ هذا ما سنحاول الإجابة عليه لاحقا بإذن
الله .. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |