ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
أليست
مجزرة تدمر وأخواتها .. أولى
بالتنديد من انتهاكاتٍ
مزعومةٍ في دارفور؟ الطاهر
إبراهيم* لايُنكَر
على من وقع عليه الحيف أن يسعى
إلى جلب من ظلمه إلى ساحة القضاء
ليقتص له منه ويشفي صدره. وبذلك
يصبح المعتدي عبرة لغيره، فلا
يجرؤ بعدها أحد أن يستطيل في
دماء الآخرين وأعراضهم
وأموالهم. على أنه قد يكون أقرب
إلى العدل أن تكون الحكومة التي
يدين لها الضحية والمجرم هي
التي تنصف المظلوم وتأخذ على يد
الظالم. بعض
الأحيان حيث لا تستطيع الحكومة
أولا تريد الأخذ على يد الجاني،
ربما يكون مبررا لمن وقع عليه
الحيف والظلم والعدوان، أن
يباشر الانتقام لنفسه بنفسه.
ولكن
إذا كان المعتدي هي الحكومة
التي فرضت سلطانها على الناس،
فتجاوزت وظيفتها، التي هي إقامة
النظام والعدل، إلى شريعة
الغاب، فسجنت وقتلت وشردت،
عندها قد تصبح هذه السلطة أو
الحكومة بمجملها خارجة على
القانون، ويصبح مطلوبا جلب
الذين استحلوا دم الأبرياء إلى
ساحة القضاء، حتى لو كان قضاء
دولياً، للقصاص منهم ولو اقتضى
الأمر أن تقام المحكمة في بلد
غير بلد الذين وقع عليهم
العدوان، إذ أن محاكم الحكومة
أصبحت جزءا من السلطة التي سوغت
ما يقع من ظلم وجور على
المواطنين الأبرياء. وإذا
كنا لا نسعى إلى تبرئة أي نظام
من أنظمة العالم القمعية مما
يقال بأنه يسمح/أو يباشر بنفسه/
بما يقع على أرضه من انتهاكات
لحقوق الإنسان بشتى صور تلك
الانتهاكات، فإننا –وبنفس
العزم والتصميم- لا نسلم، من دون
تمحيص، بصحة ما يذاع أو ينشر بأن
دولة بعينها –كما هو حال
الاتهام الموجه للرئيس البشير-
تنتهك حقوق الإنسان أو تسمح
بقيام إبادة جماعية لمجموعة من
البشر، إذ لا بد من التأكد قبل
اعتبار الاتهامات حقيقة. جرعة
الشك عندنا في صحة المزاعم
تزيد، عندما نعلم أن واشنطن هي
التي تروج لمزاعم الإبادة
الجماعية في دار فور وقد سكتت
زمنا طويلا على مذابح تمت بحق
الإنسان في عدة دول.بل إنها عملت
على أن يخيم الصمت المطبق على
تلك الجرائم. ليس هذا فحسب، فهي
تمارس بنفسها أبشع أنواع
الجرائم والانتهاكات بحق الشعب
العراقي، وتسكت وتمد بالسلاح
والمال إسرائيل التي تقوم
بمجازر يومية للفلسطينيين في
قطاع غزة والضفة الغربية. فعلى
سبيل المثال لا الحصر، فقد سكتت
واشنطن زمنا طويلا عما كان يحدث
في سورية ولبنان خلال العقود
الثلاثة الأخيرة للقرن العشرين.
وما حدث لم يكن بالأمر القليل،
وليس حدثا عابرا معزولا يمكن أن
تتغاضى عنه الدول التي تتباكى
على حقوق الإنسان في "دار
فور" اليوم. فقد اعتقل في
سورية عشرات الألوف مرورا
بمجزرة تدمر الكبرى ومجازر
حماة، ثم إقامة محاكم ميدانية
صورية في سجن تدمر، أعدم فيها
عشرات آلاف المعتقلين. ولأن ما
كان ما يجري في سورية يصب
في مصلحة أمريكا ومصلحة
إسرائيل من تغييب للإسلاميين عن
الساحة في سورية، وأن ما جرى في
لبنان، خلال تلك الفترة، تم
بتفويض للنظام في سورية فقد
سكتت واشنطن، مع أنه كان لها ألف
أذن، لكنها لم تحرك ساكنا، ولم
تنشر خبرا صغيرا عما جرى من
أحداث في تدمر وحماة وتل الزعتر
وأخواتهن. وحتى ما حصل في سجن
صيدنايا، مر إعلام واشنطن به
مرور اللئام، وكأنه لا يسمع ولا
يرى. وحتى
عندما ساءت العلاقات بين واشنطن
ودمشق بعد احتلال العراق، وشنت
هجوما عنيفا على نظام الحكم
السوري، فلم يكن ذلك انتصارا
لحقوق الإنسان المهدورة، إنما
لتتهم دمشق بأنها لا تفعل ما
يكفي لمنع المقاومين من الدخول
إلى العراق لمحاربة جيش
الاحتلال. إن
القول بأن ما جرى في سورية طواه
الزمن وأن الرئيس "حافظ
أسد" مضى إلى ربه،وإن الرئيس
بشار أسد لم يكن مشاركا في
الإبادة الجماعية في كل من تدمر
وحماة، وليس على واشنطن من جناح
إذا ما سكتت عن تلك الأحداث وهي
تهاجم النظام السوري، ولا تجد
ذنبا له إلا التدخل في شئون
لبنان والتقصير في منع
المقاومين من دخول العراق، فتلك
الأقوال مردودة على واشنطن
وأوروبا. فما يزال رموز
انتهاكات حقوق الإنسان وأبطال
المجازر والإبادات الجماعية في
سورية أحياء يرزقون، وعلى رأسهم
"رفعت أسد" ("فارس البعث
وباعث الفرسان" كما كان يتغنى
بذلك في الإذاعة والتلفزيون،
وبطل مجزرة تدمر في ليلة 26-27
حزيران عام1980، حيث حصدت أرواح
قرابة ألف معتقل، وهم نيام ،وهو
واحد من الأبطال الذين دمروا
أحياء كاملة من مدينة حماة) يجوب
مدنا كثيرة في أوروبا، تحت
سمعها وبصرها، وينفق من
المليارات المنهوبة من الشعب
السوري. يبقى أن
نقول إن جلب الذين قاموا
بالتطهير العرقي في "البوسنة
والهرسك" إلى القضاء في
"لاهاي"، لا يعطي "صك"
براءة لأمريكا وأوروبا. إذ أن
ذلك لم يحصل إلا بعدما تم السماح
للصرب بالاستيلاء على مدن
بوسنية كثيرة كانت أغلبية
سكانها مسلمين. *كاتب
سوري ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |