ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
قراءة
في تقرير مكتب الحسابات
الأمريكية تجاه العراق الكاتب
عماد الدين الجبوري* رغم السطوة الإعلامية الهائلة التي
تمارسها إدارة الرئيس الأمريكي
جورج بوش داخلياً وخارجياً في
التستر على عوراتها في العراق،
إلا أن هذا لم يمنع من افتضاح
أمرها بين الفينة والأخرى سواء
على يد من كانوا أقطاباً بهذه
الإدارة أو بتقرير صحفي أمريكي
أو غربي أو بتصوير مسجل لإحدى
العمليات البطولية للمقاومة
العراقية. وأخيراً ما جاء في
تقرير "مكتب الحسابات
الأمريكية" الذي تم تقديمه
إلى مجلس النواب الأمريكي. حيث
كشف عن حقائق مغايرة تماماً عما
تعلنه إدارة بوش لاسيما في
المجالين الميداني والخدمي.
ويمكننا أن نستعرض هنا بعض
مقتطفات هذا التقرير. الجانب الميداني أشارت هيئة التقرير إلى أن مستوى عمليات
المقاومة العراقية ضد القوات
الأمريكية المحتلة في الشهور
الثلاثة من آذار ونيسان وأيار
2008 تجاوزت 3850 عملية. وأن نسبة 80%
من الهجمات كانت موجهة ضد
القوات الأمريكية. وأن نسبة 12%
ضد جنود قوات الأمن والجيش
العراقي. ونسبة 8% كانت ضد
المدنيين العراقيين. علماً أن
المقاومة العراقية تؤكد أن
غالبية جرائم القتل العشوائي ضد
المدنيين تقوم بها الشركات
الأمنية الخاصة مثل "بلاك
ووترز" وغيرها من الميليشيات
الطائفية أو قوات الداخلية
العراقية كما أفادت تقارير
أمريكية سابقة. ونص التقرير
أيضاً على أن معدل العمليات
المعادية يومياً بين 70 إلى 80
عملية خلال تلك الشهور
المذكورة. وهكذا يكشف هذا التقرير عدم صحة البيانات
السابقة والصادرة من وزارة
الدفاع الأمريكية عن أن مستوى
عمليات المقاومة في تلك الفترة
كان الأدنى منذ عام 2004. فضلاً عن
كشفه إلى تدهور الأوضاع الأمنية
منذ شهر شباط/فبراير وحتى شهر
نيسان/أبريل 2008. هذا ولقد فند مكتب الحسابات في تقريره ما
تروج له الإدارة الأمريكية عن
جهوزية "القوات
العراقية"وتحسن إمكانياتها
في الحلول مكان القوات
الأمريكية التي لا يزال عديدها
يقارب 152 ألف جندي في شهر
حزيران/يونيو 2008. وأكد التقرير
بشكل خاص إلى استمرارية تبعية
القوات العراقية تجاه القوات
الأمريكية على الأرض. فرغم
ارتفاع عدديها من 323 ألف عنصر
إلى 478 ألفاً، إلا أن عشرة
بالمئة فقط قادرة على القيام
بعمليات بدون مساعدة أمريكية.
هذا حسب المعلومات التي حصل
عليها مكتب الحسابات من وزارة
الدفاع الأمريكية في شهر
آذار/مارس الماضي. ويشير
التقرير إلى هذا العجز الأمني
رغم أن الإدارة الأمريكية خصصت
20 مليار دولار لتطوير القوات
المحلية، وتضاف هذه الأموال إلى
المخصصات المحددة من طرف حكومة
المالكي. الجانب الخدمي تناول التقرير دراسة جميع المراحل التي
مرت بها جهود القوات الأمريكية
وإدارتها في العراق من أجل
الاستقرار. وذكر أنه تم أتباع
مخططات مختلفة وعلى مراحل عدة
انتهت كلها بالفشل. وما يتعلق بجهود أعمار العراق، أشار
التقرير إلى أن ميزانية حكومة
المالكي بلغت 26796 مليون دولار
لسنوات 2005-2007. بيد أن النفقات لم
تتجاوز 6482 مليون دولار.
وبالنسبة إلى الإنتاج النفطي
ورغم إنفاق واشنطن 2700 مليون
دولار خلال فترة خمس سنوات لم
يمكن رفع الإنتاج إلا خلال
فترات قصيرة ولم يصل الإنتاج
إلا إلى 3 ملايين برميل يومياً
والقدرة التصديرية إلى 2.2 مليون
برميل. أي أقل مما كان عليه قبل
الغزو عام 2003. وأفاد الرسم
البياني المرفق بالتقرير أن
الصادرات في شهر أيار/مايو كانت
أقل من مليوني برميل يومياً. أما الخدمات الأساسية فقد أقر التقرير
إلى عجز الاحتلال الأمريكي
وحكوماته المتعاقبة في هذا
المجال. ففي جانب التزويد
بالكهرباء لم يتجاوز الإنتاج 100
ألف ميغاواط منذ العام 2004.
وأعترف المكتب في تقريره أن
العراق لم ينجح في تحقيق العديد
من الأهداف التي حددتها إدارة
بوش قبل أكثر من عام. وحث وزارتي
الدفاع والخارجية في الولايات
المتحدة على وضع إستراتيجية
جديدة تتضمن تعريف الأهداف
الأمريكية القصيرة منها
والطويلة الأمد. نقاط الخلل بالتقرير رغم أهمية تقرير مكتب الحسابات الأمريكية
في الكشف عن الحقائق الميدانية
والخدمية من جهة. وفضح أحابيل
البيت الأبيض وحكومات الاحتلال
في بغداد من جهة أخرى. إلا أن
التقرير لا يخلو من نقاط الخلل
التي يمكننا أن نضعها وفق
الترتيب التالي: أولاً: كرر التقرير المقولة المتبعة
رسمياً بأن المقاومة في العراق
هي من فعل القاعدة ومعها
ميليشيات طهران، وأن غالبية
العراقيين لا يعادون قوات
التحالف. فلو كان ذلك كذلك لما
أخفق بوش في حربه بالعراق على
مدى السنوات الخمس الماضية.
ولما كتبت هيئة المكتب تقريرها
هذا عن أوضاع العراق المتردية
في كل الحقول والمضامير. هذا إن
لم نشير إلى الكثير من التقارير
الأمنية والبحوث والدراسات
العسكرية الأمريكية بالذات،
ومنها وكالة المخابرات
المركزية التي تؤكد بأن ثقل
القاعدة بالعراق لا يزيد عن 3% من
مجموع فصائل المقاومة العراقية.
كما وأن هذه النسبة المئوية
كانت تمثل أوج ذروة تواجد عناصر
القاعدة ما بين 2004-2007. أن هذا
التجاهل المتعمد من قبل هيئة
التقرير يعتبر انتقاصاً في
موضوعيتهم وإقلالاً في مستوى
دراستهم. ثانياً: أشار التقرير إلى الطاقة
الكهربائية التي تعاني من نقص
التزويد منذ عام 2004. ولكنه لم
يقارن هذه الطاقة مع وضع العراق
قبل الاحتلال، حيث كانت تصل إلى
300 ألف ميغاواط. أي ثلاثة أضعاف
على ما هي عليه الآن. وهذا
التغافل لا يلغي حقيقة الواقع
المرير الذي يعيشه الشعب
العراقي بشكل عام تحت ظل
الاحتلال الأمريكي. ثالثاً: انقاد التقرير بشكل أعمى إلى
رتابة وآلية الأرقام المعلنة عن
عدد اللاجئين العراقيين وفق ما
جاء في الدوائر الشبه رسمية. بل
وسار خلف الديباجة المتبعة
بإلقاء اللوم على العنف
الطائفي. وكان الأجدر به أن يبحث
في حقيقة 8 ملايين عراقي لاجئ
بالداخل وبالخارج. لأن هذه
المشكلة الاجتماعية العويصة لم
تكن موجودة أصلاً بالعراق قبل
الغزو الأمريكي. رابعاً: رغم أهمية التعليم والكادر
الأكاديمي، فأن التقرير لم
يتناول مشكلة التدهور التعليمي
بالعراق ولا قتل العلماء أو
تهجير العقول العراقية. معنى
هذا أن التقرير بقصد أو بدون قصد
قد أوصل معلومات ناقصة لمجلس
النواب الأمريكي. خامساً: أوشكت البطالة أن تصل إلى ثلثي
الشعب العراقي، وملايين من
الأيتام والأرامل، وانتشار
الفقر بدرجة واسعة في بلد غني
بموارده الطبيعية والزراعية.
إلا أن التقرير لم يشير شيئاً
حيال ذلك!! سادساً: لم يتعمق التقرير بدراسة الفساد
الإداري المنتشر بالعراق سواء
ضمن قوات التحالف أو من جانب
حكومات الاحتلال في بغداد. رغم
أن استفحال هذا الوضع دفع ببعض
الجهات الإعلامية المرموقة
للتحقيق فيه. من بينها هيئة
الإذاعة البريطانية بي بي سي في
تقريرها يوم 10-7-2008. حيث أكدت أن
نحو 23 مليار دولار تمت سرقتها من
العراق بطرق متنوعة. وهناك بعض
التقارير تشير إلى ضعف هذا
الرقم. سابعاً: أعتمد التقرير على ما جاء في
الدستور والقوانين والانتخابات
العراقية كحقائق. بينما القانون
الدولي والعرف التقليدي يعتبر
إن كل ما نفذ أو أتخذ من قرارات
في ظل الاحتلال تعتبر باطلة.
وهذا ليس جهلاً من قبل لجنة
التقرير بل تجاهلاً منها.
وبالتالي يقلل من شأن صدقها
وحيادها. موقف إدارة بوش حالما تم نشر نصوصاً من التقرير لهيئة
مكتب الحسابات الأمريكية التي
تشرف على عمل الحكومة. جاء رد
الفعل من البيت الأبيض بشكل
سلبي، حيث أعلنت المتحدثة دانا
بيرينو أنه "لا يتطابق مع
الأنباء التي اطلعت عليها
والواردة من العراق. وهو لا
يتطابق بالتأكيد مع المعلومات
المتوافرة لدينا هنا". وأضافت
أن "التقدم أكيد في العراق"
ولا يقتصر فقط على المجالين
الأمني والسياسي لكنه ينسحب
أيضاً على الصعيد الاقتصادي.
بيد أنها اعترفت بضرورة القيام
بمزيد من الخطوات. أما وزارة الدفاع الأمريكية فقد أصدرت
تقريراً فصلياً بعنوان
"تدبير الاستقرار والأمن في
العراق" في نفس اليوم الذي
صدر فيه تقرير "مكتب الحسابات
لأمريكية" كتوقيت للرد عليه.
جاء فيه أن "الاتجاهات على
المستويات الأمنية والسياسية
والاقتصادية في العراق تبقى
ايجابية". وأضاف "تشير جميع
مؤشرات العنف إلى انخفاض يتراوح
بين 40 إلى 80% مع المستويات قبل
إرسال التعزيزات" لنحو 30 ألف
جندي أمريكي في مطلع عام 2007. وأكد تقرير الوزارة إلى أن "عدد
الإجمالي للحوادث وصل إلى حده
الأدنى منذ أكثر من أربع
سنوات". ومع ذلك فقد حذر بأن
"الأحداث الأخيرة في البصرة
ومدينة الثورة وفي الموصل
تذكرنا بأن المكاسب في المجال
الأمني يمكن أن تكون هشة وقابلة
للتبدل إن لم تترافق مع تقدم نحو
المصالحة الوطنية والتنمية
الاقتصادية". كما وأشاد
التقرير إلى ما يسميه
"النجاحات" التي حققتها
قوات الأمن العراقية التي خاضت
معارك في هذه المدن ضد
الميليشيات بدعم أمريكي. تضارب المواقف أن تضارب المواقف بين إدارة بوش وبين
الدراسة التي جاء بها تقرير
مكتب الحسابات قد عززت اتهامات
الكثير من السياسيين والمشرعين
داخل وخارج الولايات المتحدة عن
أن هناك عملية مرتبة للوي
الحقائق وتضليل الرأي العام.
كما وأن تقرير وزارة الدفاع قد
اغضب الكثير في واشنطن الذين
ذكًروا الوزارة بتقاريرها
السابقة عن هزيمة قوات المالكي
في مواجهات البصرة وفرار آلاف
الجنود وانضمام مئات آخرين إلى
"المتمردين" مما دفع حكومة
المنطقة الخضراء إلى إصدار قرار
بطرد هؤلاء من الخدمة بالإضافة
إلى آلاف آخرين. وفي يوم الثلاثاء المصادف 24-6-2008 نقلت
وكالة رويترز الأمريكية عن ضابط
أمريكي رفيع المستوى طلب عدم
ذكر أسمه تكذيباً لتقرير وزارة
الدفاع الأمريكية. حيث قال:
"أن العراق لن يكون لديه قوة
حديثة قادرة على الدفاع عن
أراضيه قبل عشرة سنوات".
وتابع قائلاً: أن العراق يأمل أن
يكون لديه قوة أصغر حجماً
لمكافحة المسلحين بحلول عام 2012
وأنه سيحتاج لمساعدات مستمرة من
جانب القوات الأمريكية لتحقيق
الهدفين. أن التضارب المتناقض بين ما ذهب إليه
تقرير مكتب الحسابات وأركان
إدارة بوش هو في كل الأحوال
كشفاً جديداً آخراً لمرحلة
حالكة قاربت من نهايتها؛ ولم
يبقى لديها من شيء غير
الاستمرار في الغي بلوي الحقائق
حتى لحظة تسليم بوش لمقاليد
الرئاسة في 20-1-2009. وإذا أصاب
التقرير في بعض النقاط وتعمد
التقصير في نقاط أخرى. فأن
المقاومة العراقية سائرة بثبات
نحو هدف التحرير من ناحية.
وبترسيخ وجودها الميداني الذي
أفشلت فيه كل مخططات الاحتلال
الأمريكي من ناحية ثانية. مما
سيجبر إدارة الرئيس القادم على
إنهاء هذه الحرب الخاسرة
والفاشلة والتي كلفت الولايات
المتحدة الشيء الكثير بشرياً
ومالياً وسياسياً ومعنوياً.
صحيح أن سياسة الولايات المتحدة
سوف لن تتغير بتلك السهولة
وتسحب جميع قواتها من العراق.
إلا أنه من الصحيح أيضاً أن
المقاومة العراقية لا ولن تقبل
ببقاء جندي أمريكي واحد على
أراضيها. والفيصل الحاسم هنا هو
الشعوب، فالشعب العراقي مساند
للمقاومة الوطنية والشعب
الأمريكي رافض لاستمرار الحرب.
وحقائق التاريخ تثبت أبداً زوال
الاحتلال ومهما طال الزمن. ـــــــــــــــ *مركز صقر – لندن- قسم
الدراسات الإستراتيجية ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |