ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
هوية
الأكثرية السنّية في سورية: بين
الانتماء، والحيرة، والانسلاخ! (جواب..
على سؤال مطروح!) سامي
رشيد * هوية الأكثرية
السنّية، هي الانتماء، تحديداً!
فيكفي أن يكون المرء منتمياً
إلى السنّة، كي يكون سنّياً..
ويظلّ كذلك، في نظر الناس، حتى
يعلن انخلاعَه، بشخصه، من
سنّيته.. وانتماءه إلى مذهب آخر! * الانتماء قد يبنى
عليه ولاء: * الولاء يمكن أن يكون
ذا طابع ديني واجتماعي، أو يكون
محصوراً في أحد الجانبين: ـ
أيْ: أن يكون التزاماً دينياً،
بمقتضيات المصطلح.. إضافة إلى
الانتماء الاجتماعي إلى
الأسرة، أو القبيلة.. المنتمية
إلى السنّة! ـ أو التزاما دينياً
بالمذهب، دون أن يكون للمرء
أصول اجتماعية فيه: كأن يعتنق
المذهبَ، وحده، دون أحد من
أسرته أو قبيلته.. أو أن يكون من
دولة أخرى، ليست له أصول
اجتماعية، في البلاد التي يعيش
فيها! فإذا اعتنق المذهب، صار
جزءاً من التكوين الاجتماعي
المعتنِق للمذهب! ـ أو التزاماً
اجتماعياً، فقط.. من خلال
الأسرة، أو القبيلة، أو المجتمع
الذي يعيش فيه، دون أن يكون ثمّة
التزام بالمقتضيات الشرعية
للمذهب! بل، ربّما كان المرء
ملحداً، لا يؤمن بالله، أصلاً..
وبالتالي، لا دين له! ومن باب
أولى، ألاّ يكون له مذهب! ومع
ذلك، يظلّ محسوباً ـ اجتماعياً
ـ على السنّة، إذا كان يعيش بين
أهل وعشيرة ينتمون إلى السنّة!
وهذا الانتماء الاجتماعي، يصعب
أن ينفكّ المرء منه؛ لأنه
كالانتماء القبَـلي، والعرقي،
والوطني! فتقول: فلان طائيّ، أو
تَميميّ.. كما تقول: فلان عربي،
أو كردي.. كما تقول: فلان سوري،
أو مصري..! إلاّ إذا أسقط المرء
انتماءه الاجتماعي إلى السنّة،
عن عمد وإصرار.. كما يسقِط
انتماءه إلى دولته، بحصوله على
جنسية دولة أخرى، وتخلّيه عن
جنسيته الأولى! مع التذكير بأن
السنّة ليست طائفة؛ بل هي
الهيكل الاجتماعي العامّ، الذي
يحتضن سائر موافقات المجتمع
ومفارقاته، في الإطار الوطني
العامّ! ولولا هذا الهيكل،
وانفتاحه على سائر مكوّنات
الوطن، في الأزمنة المتتابعة،
دون إقصاء لأي مكوّن، أو تهميش
له، أو خوف منه، أو تعالٍ عليه..
لكان حال سورية، كحال لبنان،
منذ استقلاله.. وكحال العراق،
اليوم! ـ التفرقة بين العرب
السنّة، والكرد السنّة، لا معنى
لها في سورية! لأن الكرد،
بأكثريتهم الساحقة، سنّة!
وكثيرون منهم متديّنون،
ملتزمون بأحكام دينهم! والذين
انسلخوا من دينهم، هم قلّة
قليلة، من أتباع الأحزاب
القومية العلمانية، واليسارية،
وغيرها! (وما نحسبهم يَعدّون
الإشارة إلى هذا الانسلاخ،
مَثـلبةً لهم؛ ماداموا يجاهرون
به.. ويفاخرون!) وظلّت جمهرة
الكرد، منتمية إلى السنّة، ولا
تجد ما يفرّقها عن السنّة
العرب، في عقيدتها، أو مذهبها!
وهي موزّعة في سائر المحافظات
السورية! ـ الحديث عن تفكّك
السنّة، في سورية، لا يلغي ما
ذكرناه، من عنصرَي الانتماء
والولاء، لدى الأكثرية
الساحقة، من المحسوبين على
السنّة! سواء أكان هذان
العنصران، اجتماعيّينِ، فحسب،
أم اجتماعيين دينيّين! طبعاً،
باستثناء الذين أعلنوا
انخلاعهم من السنّة، على
المستويَين معاً، الديني
والاجتماعي.. ولم يعودوا يبالون
بدينهم إذا ضاع، ولا بأهلهم
السنّيين إذا هلكوا، أو
تخطّفتهم الطير! انطلاقاً من
فلسفة؛ أن العقيدة الدينية، هي
نوع من (الميثولوجيا!) لا مكان
لها في عالم (الأيديولوجيا!)،
وأن أتباع الميثولوجيا، قوم
همَج، لا يستحقّون الحياة.. فلا
يبالي بهم أبناؤهم (المتنوّرون!)،
في أيّ واد هلكوا.. أو بسكّين أيّ
جزّار ذبِحوا! بل ربّما تمنّى
الأبناء (المتنوّرون) لأهلهم،
ألاّ ينهضوا من تحت سكاكين
الجزّارين، مخافة أن يكون
بينهم، من يفكّر بحكم بلاده، من
خلال (الميثولوجيا!) لأن مسلسل
الذبح اليومي، الذي هم فيه
الآن، أولى بهم وأجدر، وأكثر
أماناً، على الأيديولوجيا
وأصحابها، حاضراً ومستقبلاً! * الإحساس الوطني،
لدى أهل السنّة، أبرز منه، لدى
أيّة طائفة أخرى في البلاد! وقد
ظلّ هذا هو الأساس، في الشعب
السوري، منذ الاستقلال! وبَرز
قبل الاستقلال، حين كانت فرنسا
تحتلّ سورية! فلو قيست نسبة
الذين تعاونوا مع المحتلّ، من
أهل السنّة، إلى غيرهم، من
الطوائف الأخرى.. لظهرت قليلة
جداً، وفقاً للنسبة العددية،
لكل طائفة في البلاد! وليس
المقصود، هنا، اتّهام الآخرين
بوطنيتهم؛ فقد ظهرت بطولات
مميّزة، لدى سائر الطوائف، في
الدفاع عن الوطن، أيام مقاومة
الاستعمار الفرنسي! ومعلوم أن
كل تجمّع بشري، يضم الحسن
والسيّء، من الناس! * حلم المواطنة
المطلقة، الذي ظلّ يحلم به بعض
اليساريين، عقوداً طويلة..
والذي يرمي إلى تهديم البنى
الاجتماعية القديمة، والوحدات
الاجتماعية السائدة، من دين، أو
مذهب، أو طائفة، أو قبيلة.. ليصل
الناس فيه، إلى أن يكونوا
أفراداً، آحاداً.. منبتّين عن
أيّة جذور قبلية، أو عرقية، أو
دينية، أو مذهبية.. لتسهل
السيطرة عليهم، من خلال
المؤسّسات الحزبية، وجعلهم
أرقاماً في الحزب، يوظّفهم كما
يشاء، دون أن يجدوا من يرشدهم
إلى الصواب.. من أهل، أو عشيرة،
أو مربّين، أو علماء.. هذا الحلم
البائس، برغم عدم تمكّن الرفاق
البعثيين من تحقيقه كاملاً،
أعطاهم فرصة ثمينة، لتدمير قسم
كبير من البنى التقليدية
القائمة! ومكّنهم من جعل
الكثيرين، من أبناء المجتمع،
يتجسّسون على آبائهم
وأمّهاتهم، وإخوتهم وأخواتهم..
لمصلحة الحزب، وبالتالي،
لمصلحة الرفيق الأعلى، قائد
المسيرة المظفّرة الميمونة! ومن
فضائل الرفاق البعثيين، التي
ركّزوا عليها طويلاً، إلغاء
المذاهب والمذهبية، في
البطاقات الشخصية.. لتمييع
الإحساس، لدى أهل السنّة،
تحديداً، بأنهم ينتمون إلى
مذهب، هو دين أغلبية المواطنين!
أمّا الطوائف الأخرى، التي
تشكّل أقليّات، فتعرف، جيداً،
كيف تحافظ على ترابطها الطائفي،
وكيف توظّف كل حركة سياسية، أو
اجتماعية.. لخدمة الطائفة، إلاّ
في القليل النادر! وصار مجرّد
الإشارة، إلى أن ثمّة زحفاً،
للهيمنة على الجيش، أو
المخابرات، أو البعثات
الدراسية.. من قبل طائفة معيّنة؛
مجرّد الإشارة إلى هذا، يعدّ
تخريباً، وتآمراً على الوحدة
الوطنية! وماذا
كانت النتيجة!؟ هي ذي النتيجة، أمام
شعب سورية كله، بل أمام العالم..
يراها الغبيّ قبل الذكيّ،
والأمّي قبل المتعلم، والأحمق
قبل العاقل الحصيف! * السنّة هم المجتمع،
في سورية، على المستوى العددي..
وهم البلاد، على مستوى
المحافظات، والمناطق،
والمساحات، والثروات.. وهم
الوطن، على مستوى الحماية
والصيانة، والدفاع عن الحمى ـ
دون الغضّ من شأن الآخرين، أو
التقليل من أهميّتهم، أو من
نزعتهم الوطنية ـ بصرف النظر عن
الملحد منهم والمؤمن، وعن
الفاسق منهم والتقيّ، وعن
القومي منهم واليساري،
والليبرالي والإسلامي! فمن رغب بالانسلاخ،
عقَدياً، عن السنّة، فله ذاك!
ومن رغب بالانسلاخ، اجتماعياً،
فله ذاك! أمّا من رغب بسلخ
السنّة، نفسِها، عن نفسِها..
فعليه أن يفكّر، ملياً، قبل أن
يلقي عيدان ثقابه، هنا أو هناك!
فيكفي شعب سورية، ما يعانيه،
على أيدي الزمرة الحاكمة، التي
سعت إلى تفكيكه، قبل أن تحكمه،
ليسهل عليها حكمه! ثمّ سعت إلى
مزيد من تفكيكه، لتظلّ محتفظة
بسلطتها عليه، التي تذبحه بها،
بسائر أنواع الذبح! وليس بحاجة
إلى مناضلين معارضين، يكملون
لها ما عجزت عن فعله حتى الآن..
إرضاءً لها، لعلّها تخفّف من
غلوائها الطائفية، أو تخفّف من
خوفها من الطوائف الأخرى! فما
يدفعها إلى التشبّث بالسلطة،
حتى الموت، هو الطمع، وحبّ
التسلّط.. لا الخوف من انتقام
الآخرين، المتوهَّم، فيما لو
تخلّت الزمرة الحاكمة، عن كراسي
الحكم! وما
نحسب ميشيل كيلو، وعارف دليلة..
ينتميان إلى الأكثرية السنّية
في البلاد! ولو
تخلى أهل السنّة عن دينهم،
كلّه، وعن كلّ قيمة خلقية، أو
إنسانية.. ما زاد هذا، زمرةَ
الحكم، إلاّ شهوة في التسلّط، و
حرصاً على التجبّر والطغيان!
ونحسب ما عاناه أهل السنّة، على
أيدي آل أسد وعصاباتهم، في
عشرات السنين.. من حبس وذبح،
واستباحة للمدن والشوارع،
واقتحام للبيوت، وترويع
للآمنين، وتجويع وتركيع،
وإذلال وإهانة.. نحسب هذا كله،
كافياً ليجعل أيّ عاقل، يتساءل
عن الفرق، بين ما فعلته هذه
الزمرة، وما تفعله كل يوم.. وبين
ما فعله تتار الأمس، وتتار
اليوم، في بغداد الأمس، وبغداد
اليوم.. وما تفعله العصابات
الصهيونية، ضدّ الشعب
الفلسطيني، منذ احتلالها
فلسطينَ، إلى اليوم! فهل يحتاج أهل
السنّة، اليوم، إلى مزيد من
التفتيت، والتفكيك، والتذويب..
على أيدي أناس من المحسوبين
عليهم، إرضاء لزمرة الفساد
والاستبداد، الجاثمة على
صدورهم!؟ * هي ذي تركيبة
المجتمع السوري، ماثلة للعيان،
أمام أبنائه جميعاً، بأكثريتها
وأقلياتها..! فمن أحبّ العيش
المشترك في المجتمع، على ما هو
عليه، فبها ونعمتْ! ومن أصرّ على
تجزئة الأكثرية، إلى فئات
وشراذم، ليستطيع الهيمنة
عليها، أو العيش معها.. مستهيناً
بكل حسّ وطني وإنساني وخلقي،
وبكل آصرة قربى، أو مودّة، بينه
وبين أبناء وطنه وشعبه.. فقد حكم
على نفسه، بالبوار، قبل أن يحكم
على الآخرين..! فللشعوب قدرات
وطاقات، على الاستمرار
والتوالد، والاستيعاب والتجاوز..
لا يملكها الشاذّون عنها، من
المحسوبين عليها! * وأخيراً، بمناسبة
السؤال علن هويّة السنّة في
سورية، ومع اختلاف البيئات
والعقائد وأنظمة الحكم، بين
سورية وغيرها، من دول العالم،
تطرح الأسئلة التالية: ما هويّة
البروتستانت في بريطانيا!؟ وما
هويّة الكاثوليك في فرنسا!؟ وما
هويّة الأرثوذوكس في روسيا؟ و..
و.. ثمّ أيّ مذهب من هذه المذاهب،
التي تشكّل أكثريات، في دولها
الديموقراطية المتحضّرة، يقبل
أن تحكمه زمرة، باسم أقليّة، من
مذهب آخر! ثمّ يقبل أن يفتّت،
وتنزع منه هويّته الدينية
والاجتماعية والثقافية.. لكي
يرضي أقليّة في بلاده، أو لكي لا
يثير مخاوفها؛ بأنه قد يحكمها
بأكثريّة نوابه، في انتخابات
ديموقراطية حرّة نزيهة!؟ ومعلوم
أن الهويّة الوطنية، في هذه
الدول المتحضّرة، قد هيمنت على
سائر الهويّات المندرجة في
إطارها، من مذهبية، وعرقية،
وغيرها! وختاماً: هذه كلمات
قلناها، لأنها ينبغي أن تقال،
من قبل فرد من أهل السنّة، أو
فرد من غيرهم، من ذوي اللبّ
والإنصاف! وقد يرى بعضهم قولَها
نافلة، ويراه آخرون من فروض
الكفاية! لكن قولها، فيه تذكرة
وتبصرة، أو.. هذا هو المأمول منه!
وهي أقلّ بكثير، ممّا يجب أن
يقال.. قياساً إلى ما فعِل،
ويـُفعل، بأهل السنّة.. من قِبل
غيرها، ومن بعض المحسوبين عليها! وحسبنا الله ونعم
الوكيل. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |