ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 17/08/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


دمشق - طهران: محاولة للترميم أم بحث عن انفصال؟!

بقلم: محمد فتوح*

من المعروف في العلاقات الدولية أن كثرة الزيارات بين مسؤولي أي دولتين لا يمثل بالضرورة دليلاً على "حميمية" العلاقات بينهما، إذ يمكن أن يعبر أيضاً عن مساع حثيثة لإزالة خلافات معينة قد يؤدي استمرارها إلى شرخ كبير في علاقاتهما.

ومن هذا المنظور يمكن التعامل مع زيارة الرئيس السوري الأخيرة إلى طهران، وقبلها تبادل الزيارات بين وزيري الخارجية ووزراء آخرين في كل من سورية وإيران، إلى جانب الزيارات على مستوى المسؤولين الأمنيين، السرية منها والمعلنة. كل هذا يهدف إلى محاولة الحفاظ على الحد الادنى من التفاهم بين النظامين السوري والإيراني اللذين لا يريدان أن يفقد أي منهما الآخر في ظل سعي كل جانب لتسوية قضاياه مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وفي هذا السياق أيضاً يأتي الاهتمام "الزائد" لوسائل الإعلام السورية الحكومية بالحديث عن عمق العلاقات ورسوخها مع إيران. وفي الحقيقة أن "الحملة الإعلانية" هذه للترويج لـ"متانة" التحالف السوري الإيراني يعزز الاعتقاد بوجود مشكلات تضرب بأواصر هذا التحالف وتهدد بجعله جزءاً من الماضي بدلاً من أن تنفيها. فالمنطق يقول إن المُثبت لا يحتاج إلى تثبيت، أما البيت القابل للاهتزاز فيحتاج إلى تدعيم وصيانة مستمرين.

فإذا كان الإيرانيون يخشون من أن يكون السلام السوري الإسرائيلي سبباً لفك عرى العلاقات بين دمشق وطهران، مع ما يعنيه ذلك بالنسبة للإيرانيين من فقدان ساحة باتت منذ سنوات ورقة (أو ملعباً) أكثر منه حليفاً، فإن السوريين من جانبهم لا بد أنهم تساورهم الشكوك من أن سعي إيران للإبقاء على مشاريعها القومية أو الإقليمية (بينها مشروعها النووي) "حية" قد يدفعها للتضحية ببعض أوراقها (ومنها الورقة السورية بالطبع).

ونعنى بتخلي الإيرانيين عن ورقتهم السورية أن يُبدوا استعدادهم (تلميحاً أو في إطار صفقة) للوقوف على الحياد وعدم تقديم أي دعم للسوريين في حال تعرضهم للمزيد من المشكلات مع الغرب. وهذا – بالطبع – سيعطي الولايات المتحدة مجالاً للتعامل مع السوريين كطرف وحيد بدلاً من الحاجة لإدارة مشكلاتها مع السوريين والإيرانيين وربما حزب الله وحماس كسلة واحدة. لكن ماذا سيستفيد الإيرانيون في هذه الحالة؟ ربما يكسبون أمرين: الأول أن الإيرانيين قد يتمكنون من صرف الضغوط الأمريكية عن كاهلهم - في حال تصاعدها – باتجاه الساحة السورية، ولو مؤقتاً، حيث ستبدو الساحة السورية وكأنها الخاصرة الأضعف في هذه الحالة.

أما الأمر الثاني، فهو أن الإيرانيين لديهم مشروع كبير لتثبيت أقدامهم في العراق بشكل حاسم، هذا إضافة إلى مشروعهم النووي، وبالتالي هم قد يكونون مستعدين لعملية "مقايضة" تتيح لها الاحتفاظ ببعض مصالحهم مقابل بعض التنازلات. وهنا أيضاً لا يُستبعد أن تكون سورية هي الحلقة الأضعف في هذه السلسلة.

وإذا كان السوريون والإيرانيون حريصين في هذه اللحظة على إظهار تماسك صفهم، فإن هذا يعود إلى سعيهم إلى إرسال رسائل قوة إلى المعسكر المقابل، لكن دون أن يعني ذلك مطلقاً توافقاً في المصالح بينهم (السوريين والإيرانيين). ذلك أن تغيراً في ظروف الطرفين ستقود حتماً إلى افتراق بينهما. وليس بالضرورة أن يكون هذا الافتراق كاملاً أو معلناً في هذه المرحلة.

ولعلنا نتذكر في هذا السياق كيف خرج مسؤولون إيرانيون للتحذير من مخاطر المحادثات السورية الإسرائيلية على علاقات دمشق بطهران. وهذا يشي بنوع من الاستياء الإيراني من السلوك السوري بما ينطوي عليه من مخاوف إيرانيه من احتمال خروج السوريين مما يسمى بـ"محور الممانعة".

الإيرانيون لا يبدو أنهم سينتظرون حتى اللحظة الأخيرة بالنسبة للخط التفاوضي السوري الإسرائيلي، وإنما سيسعون على الأرجح إلى تخفيف حدة نزاعهم مع الغرب. والمرجح أن التشدد الإيراني "الظاهر" في تعاملهم مع الأمريكيين والأوروبيين بشأن الملف النووي الإيراني إنما يندرج في إطار سياسة السعي للحل قبيل الوصول إلى "النقطة الحرجة"، أي تماماً مثلما حصل مع الكوريين الشماليين. ولذلك، فإننا نعتقد أن اتخاذ الإيرانيين مواقف متصلبة إنما قد يكون مقدمة لتسوية ما، بمعنى صفقة، أي أن هناك ثمناً ما سيدفع مقابل ثمن سيُقبض، لا سيما أن الإيرانيين بدأوا يشعرون بحجم الضغط الاقتصادي الذي يواجهونه رغم أن بلادهم من الدول الأولى في تصدير النفط. وهذا يعني أن الحكومة الإيرانية ستتعرض لضغوط داخلية لتحويل أنظارها نحو الوضع الاقتصادي الداخلي بدلاً من الاستمرار في مشروعات مثل البرنامج النووي ودعم تنظيمات كحزب الله، وهي سياسة، ناهيك عن أنها تجلب المزيد من المصاعب مع المجتمع الدولي، تستهلك جزءاً كبيراً من دخل المواطن الإيراني العادي.

ولا يختلف الوضع كثيراً في سورية، بل هو أكثر صعوبة. لقد وجد السوريون أنفسهم (أو بالأصح النظام السوري) معزولين عن العالم الخارجي ما انعكس على مجالات داخلية، بينها الجانب الاقتصادي الذي عانى الكثير بفعل العقوبات الأمريكية بشكل أساسي. ووجد النظام السوري أن المفتاح للخروج من هذا المأزق هو إعادة إحياء المفاوضات مع إسرائيل لأنها ستكون المدخل إلى التحول في السياسة الأمريكية.

ولكن إلى مدى يمكن للسوريين الاستمرار في سياسة اللعب على الحبال (بين إسرائيل وإيران وحزب الله وحماس.. الخ)؟!

من الواضح أن هناك امتعاضاً في صفوف حلفاء دمشق، لكن بعضهم تحدث عن ذلك صراحة (مثل الإيرانيين)، والبعض الآخر (مثل حماس) حاول التقليل من شأن المفاوضات السورية الإسرائيلية عبر الإشارة إلى أن إسرائيل لن تعيد الجولان المحتل إلى وطنه الأم. وفي ذلك نوع من الإشارة للسوريين بأنه لا جود من مفاوضاتكم مع الإسرائيليين، وهي في نفس الوقت "تمنية" للنفس بأن السوريين لن يغادروا مواقعهم التحالفية الحالية.

وعلى أية حال، ليس بمقدور أي من السوريين أو الإيرانيين الإعلان صراحة عن سوء التفاهم (أو ربما الوصول إلى حالة طلب الطلاق) فلذلك تكاليف سياسية لا يقوى أي منهم على دفعها حالياً.

ما نريد قوله هو أن أي تفكك في الصف السوري الإيراني لن يكون بالضرورة معلناً بشكل مباشر، بل يكفي أن نلاحظ مستوى النشاط الدبلوماسي والحركة بين دمشق وطهران لنتعرف على المدى الذي وصلته العلاقات بينهما.

والواقع أن سعي السوريين لإدخال الأتراك على خط تحالفهم مع إيران يأتي في سياق الشعور بأن مقومات التحالف مع الإيرانيين قد تغيرت، وبات من الضروري – بالنسبة للسوريين – الإيحاء بأن تركيا تمثل عنصراً لحفظ التوازن في المنطقة باعتبارها بوابة للولوج منها إلى الخط الإسرائيلي في المقام الأول. كما أن تركيا بوصفها حليفاً للغرب تمثل للسوريين عاملاً لرسم صورة تفيد بأنهم ليسوا فقط مهتمين بتحالفات مع قوى "محور الشر" (وفق التعبير الأمريكي)، بل هم أيضاً غير ممانعين في فتح خطوط مع "قوى الاعتدال" مع ما يمثله ذلك من إشارات بشأن مواقفهم الجديدة التي تضع السلام مع إسرائيل في رأس أولوياتها.

الإيرانيون على ما يبدو التقطوا الإشارات السورية تجاه تركيا، وانخرطوا في مسعى لبناء تحالف جديد هللت له دمشق مباشرة باعتباره "صمام أمان للمنطقة".

كل هذا يعني أن نمط التحالف السوري الإيراني قد يدخل طوراً جديداً؛ يتضمن في جانب منه محاولة للبعد عن المظهر الطائفي لهذا التحالف، لكنه في جانبه الآخر يعبر عن أبعاد جديدة في العلاقات السورية الإيرانية قد تؤدي إلى تفكك أو ربما إعادة بناء، ولكن بشكل جديد على الأرجح.

__________

*باحث ومحرر في معهد الشرق العربي في لندن

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ