ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
الجنرال
... من المتاهة إلى المنفى عريب
الرنتاوي لم يتقدم الجنرال
الباكستاني نحو استقالته، إلا
بعد أن تأكد له بأن أمامه خيارين
لا ثالث لهما: إما أن يستقيل أو
أن يقال، آثر الأولى على
الثانية، على أمل أن يترجل عن
كرسي الرئاسة الذي جاءه على ظهر
دبابة قبل تسع سنوات، بقليل من
ماء الوجه والكرامة. والحقيقة أن "الجنرال
الموغل في متاهته"، لم يخضع
حين قرر الاستقالة، لحسابات
العملية الديمقراطية، ولم
يُؤخَذْ بتوجه البرلمان وقرار
الحكومة وميل المعارضة ومشيئة
الشعب بأغلبيته العظمى، فهذه
"المفردات" لا تثير قلق
العسكر ولا تلفت انتباههم،
فهم جاءوا إلى الحكم بادئ ذي
بدء، في مواجهة الديمقراطية
ولتصفية الحساب معها، وبالصدام
مع الشعب وبالضد من إرادته
الحرة. الجنرال برويز مشرف
الذي قامر ببذته العسكرية نظير
احتفاظه بكرسيه الرئاسي، وجد
نفسه اليوم أمام تطورين
حاسمين: الأول، تخلي
الولايات المتحدة عن "رجلها
القوي في الباكستان"،
وإعلانها بالفم الملآن، أن
مسألة إطاحته وعزله، هي شأن
باكستاني داخلي، لا رأي لها
فيها ولا موقف، وأنها ستدعم
خيارات الباكستانيين الحرة
والطوعية، وهي المرة الثانية
التي تخذل فيها واشنطن حليفها
الموثوق، المرة الأولى كانت قبل
أقل من عام، عندما دعمت مطالب
المعارضة الضاغطة على مشرف
للتخلي عن موقع قائد الجيش. والثاني: تخلي
المؤسسة العسكرية الباكستانية
عن قائدها السابق، ولمّا تمض
بضعة أشهر على خلعه بزتها المزركشة
بالنياشين والنجوم والسيوف
والياقات من كل الألوان،
فالمؤسسة التي حرص مشرف على
إبقائها تحت جناحيه، حتى وهو
يغادرها ويخلع زيّها، خلعت
مشرّف، وطلّقته بالثلاث، عند
أول اختبار، فخلفاء مشرف شبّوا
عن الطوق، وهو يتحضرون بدورهم
لاختبار حظوظهم، وطالما أن
تاريخ الباكستان الحديث هو
تاريخ التناوب بين العسكر والمدنيين،
وحيث أن متوسط عمر الدورة
الواحدة للحكم المدني أو
العسكري لا يبلغ العقد الواحد
من الزمان، فلا بأن أن يحظى
المدنيون بفرصتهم اليوم، ولا
بأس أن يستعد العسكريون لانتزاع
فرصتهم الكامنة غدا، وإن بعد
سنوات تطول أو تقصر. لهذين السببين،
ولهما فقط، يعود جنوح "الجنرال"
إلى الاستقالة، فالرجل لم يأبه
لا بالأحزاب السياسية ولا بنتائج
الانتخابات، وكان مستعدا لحل
البرلمان، وهو حارب القضاء
واستعدى الإعلام واستنفر في
وجهه بكل المدارس الدينية،
ونقل باكستان من موقع إلى موقع،
وحولها إلى حديقة خلفية
للبنتاغون الأمريكي، وأهدر
سيادتها وكرامتها الوطنيتين،
وحد من تطورها الديمقراطي
والاقتصادي والاجتماعي، فيما
كانت جاراتها التوائم، تواصل
صعودها على مدارج التنمية
والديمقراطية والعالمية. في الباكستان يقدم
مشرف نموذجا محزنا للمصائر
الصعبة التي تلقي واشنطن
بحلفائها إليها، وفي توقيت متزامن،
وجدنا أنموذجا آخر، لا يقل بؤسا
في تبليسي حيث تخلت واشنطن عن
رجلها المغامر هناك: سكاشفيلي،
وفي كلتا التجربتين
المتزامنتين، ثمة دروس يتعين
حفظها عن ظهر قلب، من قبل زعماء
عرب كثر، ما عادوا يرون العالم
إلا من ثقب إبرة واشنطن. لقد أسعد الجنرال
الباكستاني الولايات المتحدة،
وقدم لها ما لم تحلم به من
مساعدات وتسهيلات، ونسي الجنرال
أن البقاء على رأس هرم السلطة
أصعب من الوصول إليها، وان شرط
البقاء هو إسعاد الشعب بمكوناته
المختلفة، وهو ما أخفق في
إنجازه الجنرال أيما إخفاق،
فخسر شعبه وفقد ثقة الحليف
الأمريكي ورعايته، وتخلى عنه زملاؤه
من الجنرالات، وسوف يكون "رجلنا"
محظوظا" إن هو وجد ملاذا آمنا
في السعودية أو الإمارات أو
تركيا، شأن الزعماء
الباكستانيين المدنيين الذين
شرّدهم في شتى بقاع الأرض، بعد
أن أطاح بملكهم المُؤَسس على
صناديق الاقتراع، ومن دون أن
يرف له جفن. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |