ـ |
ـ |
|
|
||||||||||||||||||||
ببطء
ولكن بثبات: الدب
الروسي يتقدم لإلغاء القطبية
الواحدة بقلم
: زياد ابوشاويش عندما
دشن السيد غورباتشوف رئيس
الاتحاد السوفيتي السابق
سياسته الجديدة البريسترويكا
كان عمادها الرئيسي بناء
العلاقات الدولية على أساس
المصالح وليس المبادىء أو
الايدولوجيا. كانت النتيجة
الحتمية لتلك السياسة سقوط
التجربة الاشتراكية بنموذجها
السوفيتي وانتصار الرأسمالية
المتوحشة بقيادة الولايات
المتحدة الأمريكية وسيطرتها
شبه المطلقة على الشئون الدولية
وانفرادها بإدارة الأزمات ووضع
الحلول المناسبة لمصالحها
ومصالح حلفائها الأوروبيين. صحيح أن
انفراط عقد الاتحاد السوفيتي لم
يكن وليد سياسة تغليب المصالح
والبريسترويكا "إعادة
البناء " والجلاسنوست"
الشفافية " فقط وإنما لأسباب
ومعطيات متنوعة كانفراط عقد
الحزب بين محافظين ومجددين،
وانتهاء دوره في حياة المجتمع
بعد أن فقد قوة المثال والقدوة،
واتساع نطاق الفساد في مؤسسات
الدولة، والبلبلة الفكرية
وأزمته المستفحلة بعد اتضاح
نتائج السياسة الجديدة
وهزالتها، إلى آخر الأسباب التي
نعرفها، لكن سبباً جوهرياً في
اضمحلال دوره ودور وريثه الشرعي
الاتحاد الروسي يعود في الدرجة
الأولى إلى تلك السياسة التي
تركت ظهر التجربة مكشوفاً حين
قبلت الدخول في مباراة أو
منافسة يملك فيها العدو كل
الأسلحة والأدوات المؤدية
لانتصاره وهزيمة الاتحاد
السوفيتي وهكذا كان حين بدأت
المسألة القومية وتداعيات
الهجوم الإعلامي الأمريكي على
وجه الخصوص تفعل فعلها حيث بدأ
تساقط الجمهوريات السوفييتية
واحدة وراء الأخرى كأحجار
الدومينو. النتيجة
المباشرة لهذا الانهيار كان
مدمراً وشديد الوطأة على
السياسة الدولية التي كانت لا
تزال تحظى ببعض التوازن المطلوب
لعالم مستقر وغير مضطرب ليبدأ
السنوات العجاف التي سيطر فيها
الغرب وطليعته المسيطرة أمريكا
على مقاليد ومفاصل كل الأزمات
الدولية، والمؤسسات الدولية
أيضاً وبدأت في افتعال المشاكل
وتأزيمها حتى كان تطورها النوعي
بعد 11 سبتمبر " أيلول " حين
قام باستفزازها صنيعتها القديم
تنظيم القاعدة بعملية هزت أركان
الإدارة الأمريكية الجديدة
ودفعتها لاجتياح دول وأماكن
ومواقع ، بخلاف القصف والمطاردة
والاختطاف وكل ما أتيح لها سواء
بغطاء قانوني شرعي أو بدونه
لإثبات سيطرتها ولرد بعض ما
بددته تلك الهجمات الساحقة التي
ضربت فكرة الإمبراطورية
الأمريكية في العمق. كان
الدب الروسي يراقب بصمت في أغلب
الأحيان، وحتى في غزو العراق
الدولة الحليفة والمدينة
عسكريا له بالمليارات لم ينجح
في وقف العدوان الأمريكي عليه
ومثل ذلك في أفغانستان القريبة
جداً من حدوده وصاحبة النظام
الشيوعي الشبيه في زمان سابق لم
يمر عليه أكثر من خمسة عشر سنة.
لقد تمادت الولايات المتحدة
الأمريكية في توغلها باتجاه
الحدود الروسية رغم كل
التحذيرات، كما تمادت أكثر في
سياستها الإعلامية التحريضية
متهمة روسيا بخرق قواعد العدالة
وحقوق الإنسان، ولم تكتف بذلك
فعمدت إلى نشر منظومة صواريخها
المضادة للصواريخ ومعها محطات
المراقبة المتطورة ليصبح الدب
الروسي محاصراً من الزاوية
العسكرية ومهدداً في أمنه
القومي، وهنا بدأ الروس على ما
يبدو في الاستيقاظ، وفي الأثناء
كانت نداءات الأحزاب الروسية
على مختلف تصنيفاتها وخصوصاً
الحزب الشيوعي المنافس لحزب
بوتين الحاكم يدقون الجرس من
أجل عودة القطب الروسي إلى سابق
عهده أيام الاتحاد السوفيتي حتى
لو استخدم في ذلك قوته العسكرية
ومنظومة صواريخه المتطورة. لقد
أتاح الغرور الأمريكي والموقف
الصيني المبدأي تجاه التمدد
الأمريكي ورفضه سياسة الاحتواء
والسيطرة الإمبريالية والتذرع
بمحاربة الإرهاب لاحتلال مواقع
وتسجيل نقاط تفوق جديدة وانفراط
عقد التحالف الدولي الداعم
للولايات المتحدة الأمريكية
بعد اتضاح أكاذيب إدارتها
المحافظة وتساقط أقطاب هذه
السياسة المبنية على العدوان
تحت عنوان الهجوم الوقائي، كل
ذلك أتاح لروسيا فرصة التقدم
لإعادة تموضع جديد على خارطة
السياسة الدولية ساعد في ذلك
حماقة السيد سكاشفيلي رئيس
جمهورية جورجيا وهجومه
واحتلاله لأوسيتيا الجنوبية
وقتل مئات المواطنين المدنيين
وبضع عشرات من الجنود الروس في
الحامية الروسية باوسيتيا. لقد
تحدثت الأنباء عن قصف روسي
لقواعد جورجية حول مطار العاصمة
الجورجية تبليسي وسيطرة روسية
كاملة على أراضي اوسيتيا
الجنوبية وتحذير جورجيا من مغبة
الاستمرار في العدوان على أراضي
بلدان حليفة لروسيا كأبخازيا
وغيرها، وفي نفس الوقت وقف
مندوب روسيا في الأمم المتحدة
ليرفض بشكل مطلق الاتهامات
الغربية له بالعدوان وقام
بتعطيل أي قرار لا يتيح لروسيا
الفرصة الكاملة في أداء دورها
كدولة محورية ليس في المنطقة
موضع النزاع فقط بل وفي العالم
كله، بعد أن وجهت روسيا من خلال
رئيسها مدفييف ورئيس وزرائها
السيد بوتين العديد من
الملاحظات القاسية للسياسة
الأمريكية الخاطئة والعدائية
تجاه روسيا والدول القريبة
منها، حتى يكاد المرء يستمع من
رموز الإدارة الأمريكية
لاتهامات دولة كبرى كروسيا بدعم
الإرهاب. لقد
سلكت روسيا ولسنوات طويلة
مسلكاً متعاوناً مع أمريكا في
جملة قضايا هامة منها ما هو
سياسي ومنها ما يتعلق بتسهيلات
عسكرية حتى ليظن المراقب أن
إدارة الاتحاد الروسي في ظل
بوتين قد تخلت عن سياستها
المستقلة والمختلفة والنقيضة
أحياناً للسياسة الأمريكية،
لكن جملة التطورات التي أشرنا
لها واتضاح سياسة العداء
الأمريكية لروسيا وتطويقها
عسكرياً جعل الحكومة الروسية
تأخذ طريقاً جديدة خصوصاً على
صعيد السياسة الخارجية. لعل
امكانات روسيا على الصعيد
الاقتصادي أو الثقافي أو
التجاري أو حتى التكنولوجي لا
تؤهلها لمنافسة الولايات
المتحدة على مكانتها الدولية
كقطب وحيد، لكنها تملك تاريخاً
ورموزاً عالمية وتراثاً
حافلاً، كما أن قوتها العسكرية
المتطورة للغاية وقدرتها على
ابادة الغرب تجعلها قادرة مع
بعض العلاقات الدولية المرنة
والوطيدة على إلغاء القطبية
الواحدة نسبياً وتحجيم دور
الولايات المتحدة وإعادة
التوازن إلى سابق عهده إبان
الحرب الباردة رويداً رويداً.
إن سقوط الاتحاد السوفيتي قد
دفع عدداً كبيراً من الدول
الصغيرة للالتحاق بالسياسة
الأمريكية بعد أن رفع عنها غطاء
الحماية، لكن عودة الروح
لعلاقات روسيا وريث الاتحاد
السوفيتي مع بعض هذه الدول أعاد
للسياسة الروسية بعض ما فقدته
في السنوات العشر الأخيرة. لعل
علاقة روسيا بإيران ودعمها
الكبير لامتلاك تكنولوجيا
الطاقة النووية السلمية، كما
دعمها العسكري لمنظومة الدفاع
السورية وبعض الدول العربية بمن
فيها دول الخليج العربي
والسعودية، وعلاقات الروس
الطيبة مع الاتحاد الأوروبي
والصين قد عزز مكانتها الدولية.
ومع ارتباك وهزائم متلاحقة
للأمريكيين في العراق
وأفغانستان ولبنان وفلسطين
وغيرها من مواقع الأزمات وبؤر
التوتر وفشل التدخل الأمريكي
العدائي لطموحات شعوب هذه الدول
وتراجع سياسة الهجوم الوقائي
الفاشلة فقد تقدم الدب الروسي
بحذر لكن بشكل مضطرد ومتماسك
ليعيد احتلال ذات المكانة التي
حازها الاتحاد السوفيتي. وأخيراً
فإننا نلفت إلى أن معظم
المحللين يجمعون على أن روسيا
الاتحادية ستتمكن خلال فترة
قصيرة من استعادة موقعها كقطب
مواز للولايات المتحدة
الأمريكية في السياسة الكونية. ------------------------- المشاركات
المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها
|
ـ |
ـ |
من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ |