ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 28/08/2008


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الإصلاح والتغيير في فكر الإمام البنا

بقلم: د. جمال نصار

التغيير هو بذل الجهد البشري عبر عملية طويلة ومتدرّجة يتم خلالها بناء مجتمع متكامل؛ يبدأ بالفرد ثم الأسرة ثم المجتمع، وهذا التغيير له أهداف ومواصفات وخصائص ووسائل وأدوات، كلها تنبثق من عقيدة التوحيد ومن الإيمان بالله واليوم الآخر، وهذا التغيير يهدف إلى تغيير حياة الفرد ونقله من الضياع والخسران والهلاك إلى الاستقرار والأمن والأمان.

وحلقات التغيير ثلاث هي: (الفرد والأسرة والمجتمع)، فإذا صلح الفرد واستقام استقامت الأسرة وأفلحت، وإذا استقام الرجل والمرأة استقام المجتمع كله، وصلح حاله، واستقام الحاكم والمحكوم، والكبير والصغير، والغني والفقير، والمتعلم والجاهل.

ومن أهم خصائص التغيير الإسلامي أنه منسجمٌ مع الفطرة، لا يصطدم بالواقع، ولا يصادر الفطرة، بل يردُّها إلى الطريق الصحيح، كما أنه عالمي؛ فالإسلام يسعى لإخراج البشرية كلها من الظلمات إلى النور، ومن الضلالة والغواية إلى الرشد والهداية، كما أنه أيضًا إنسانيٌّ؛ فالمساواة بين البشر، وإقامة العدل، وتكريم الإنسان، بصرف النظر عن جنسه ولونه ودمه، من أهم خصائص التغيير الإسلامي.

وقد أحدث الإمام البنا رحمه الله تغييرًا فكريًّا في المجتمع الذي يعيش فيه؛ حيث تأمَّل حالَ المسلمين في زمانه بوجه عام، وحالَ قومه ووطنه بوجه خاص، فوجد أن هناك تعددًا في المفاهيم حتى كاد الناس يحسبونها من الثوابت التي لا تقبل التغيير ولا التبديل ولا إعمال العقل، حتى صارت كالعقائد عندهم، وإن كانت باطلة أصلاً، ومنها: أن التمسك بالدين نوعٌ من التعصب، بل وزاد البعض بأنه تجاهلٌ لغير المسلمين، وأن هذا الدين ناسب عصره وليس عامًّا للناس كافة، وأن التديُّن من الأعمال الشخصية الفردية؛ أي لا صلةَ له بالحياة بنواحيها السياسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها من نواحي الحياة.

 

مشروع الإمام البنا

الواقع أن الإمام البنا كان لديه مشروعٌ واضحٌ في ذهنه، راسخٌ في وجدانه، مستقرٌّ في أعماقه، اتضحت له أهدافه ووسائله ومناهجه، واتضحت له عقباته ومعوقاته، وجنَّد لتحقيقه عقله وقلبه، ولسانه وقلمه، ووقته وجهده، ونفسه وجماعته، فكان يعرف ماذا يريد؟ وكيف يصل إلى ما يريد؟ وبمن يصل إلى ما يريد؟

من هذا المنطلق حدَّد الإمام البنا عناصر الإصلاح؛ فبدأ بالفرد الذي هو النواة الأولى والأساسية في بناء الأسرة التي هي نواة المجتمع الصالح؛ فقال رحمه الله في رسالة (إلى الشباب): "إن منهاج الإخوان المسلمين محدود المراحل، واضح الخطوات، فنحن نعلم تمامًا ماذا نريد ونعرف الوسيلة إلى تحقيق هذه الإرادة:

نريد أولاً الرجل المسلم في تفكيره وعقيدته، وفي خلقه وعاطفته وفي عمله وتصرفه، فهذا هو تكويننا الفردي.

ونريد بعد ذلك البيت المسلم في تفكيره وعقيدته، وفي خلقه وعاطفته وفي عمله وتصرفه، ونحن لهذا نُعنَى بالمرأة عنايتنا بالرجل، ونُعنَى بالطفولة عنايتنا بالشباب، وهذا هو تكويننا الأسري.

ونريد بعد ذلك الشعب المسلم في ذلك كله أيضًا، ونحن لهذا نعمل على أن تصل دعوتنا إلى كل بيت، وأن يُسمَع صوتُنا في كل مكان، وأن تتيسَّر فكرتنا وتتغلغل في القرى والنجوع والمدن والمراكز والحواضر والأمصار، لا نألوا في ذلك جهدًا ولا نترك وسيلةً".

وحدَّد الإمام البنا في رسالة (التعاليم) صفات الفرد المسلم؛ الذي يريده بأن يكون قوي الجسم، متين الخلق، مثقف الفكر، قادرًا على الكسب، سليم العقيدة، صحيح العبادة، مجاهدًا لنفسه، حريصًا على وقته، منظمًا في شئونه، نافعًا لغيره.

 

الإصلاح في فكر الإمام البنا

وضع الإمام البنا الهيكل الأساسي لنظام الحكم؛ فهو يقوم على مسئولية الحاكم، ووحدة الأمة، واحترام إرادتها، ولا عبرة بعد ذلك بالأسماء والأشكال.

فالحاكم مسئولٌ بين يدي الله ثم بين الناس، وهو أَجيرٌ لهم وعامل لديهم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته"، وأبو بكر رضي الله عنه يقول: عندما ولي الأمر وصعد المنبر: "أيها الناس، كنت أحترف لعيالي فأكتسب قوتهم؛ فأنا الآن أحترف لكم، فافرضوا لي من بيت مالكم"، وهو بهذا قد فسَّر نظرية العقد الاجتماعي أفضل وأعدل تفسير، بل إنه وضع أساسه، فما هو إلا تعاقد بين الأمة والحاكم على رعاية المصالح العامة، فإذا أحسن فله أجره، وإن أساء فعليه عقابه.

والأمة الإسلامية واحدة؛ لأن الأخوَّة التي جمع الإسلام عليها القلوب أصلٌ من أصول الإيمان، لا يتم إلا بها، ولا يتحقق إلا بوجودها، ولا يمنع ذلك حرية الرأي وبذل النصح من الصغير إلى الكبير، ومن الكبير إلى الصغير، وذلك هو المعبَّر عنه في عرف الإسلام ببذل النصيحة والأمر المعروف والنهي عن المنكر؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة"، قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم" وقال: "إذا رأيت أمتي تهاب أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منها"، وفي رواية: "وبطن الأرض خير لهم من ظهرها"، وقال: "سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله".

ومن حق الأمة أن تراقب الحاكم أدقَّ مراقبة، وأن تُشير عليه بما ترى فيه الخير، وعليه أن يشاورها وأن يحترم إرادتها، وأن يأخذ بالصالح من آرائها، وقد أمر الله الحاكمين بذلك فقال: ﴿وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ﴾ (آل عمران: من الآية 159)، وأثنى به على المؤمنين خيرًا فقال: ﴿وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ﴾ (الشورى: من 38)، ونصت على ذاك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين المهديين من بعدهم؛ إذا جاءهم أمر جمعوا أهل الرأي من المسلمين واستشاروهم ونزلوا عند الصواب من آرائهم، بل إنهم ليندبونهم إلى ذلك ويحثُّونهم عليه؛ فيقول أبو بكر رضي الله عنه: "فإن رأيتموني على حق فأعينوني وإن رأيتموني على باطل فسدِّدوني أو قوِّموني"، ويقول عمر بن الخطاب: "من رأى فيَّ اعوجاجًا فليقوِّمه".

والنظام الإسلامي في هذا لا تعنيه الأشكال ولا الأسماء متى تحقَّقت هذه القواعد الأساسية، التي لا يكون الحكم صالحًا بدونها، ومتى طُبِّقت تطبيقًا يحفظ التوازن ولا يجعل بعضها يطغى على بعض، ولا يمكن أن يُحفظ هذا التوازن بغير الوجدان الحي والشعور الحقيقي بقدسية هذه التعاليم، وإن في المحافظة عليها وصيانتها الفوز في الدنيا والنجاة في الآخرة، وهو ما يعبرون عنه في الاصطلاح الحديث (بالوعي القومي) أو (النضج السياسي) أو (التربية الوطنية) أو نحو هذه الألفاظ، ومردُّها جميعًا إلى حقيقة واحدة هي اعتقاد صلاحية النظام، والشعور بفائدة المحافظة عليه؛ إذ إن النصوص وحدها لا تنهض بأمة كاملة، كما لا ينفع القانون إذا لم يطبِّقه قاضٍ عادل نزيه.

وقد حدَّد الإمام البنا في أكثر من موضع معالم الإصلاح السياسي والاقتصادي من خلال:

- وضع قائمة من الصفات التي يجب أن تتوافر في المرشحين، سواءٌ أكانوا ممثلين لهيئات أم لم يكونوا.

- وضع حدود للدعاية الانتخابية.

- الدعوة إلى إصلاح الجداول الانتخابية وطرق التصويت؛ لتكون في منأى عن التلاعب من ذوي المصالح الشخصية وعن التصويت الإجباري.

- فرض عقوبات رادعة على التزوير والرشوة في الانتخابات.

وفي ميدان الإصلاح الحكومي والجهاز الإداري، تحدث الإمام البنا عن ذلك في نقاط من خلال:

- نشر الروح الإسلامية في جميع المصالح الحكومية.

- مراقبة السلوك الشخصي للموظف حتى لا توجد ثلمة في سلوكه تميِّز بينه كموظف حكومي وكإنسان.

- إعادة تنظيم أوقات العمل لتسهيل أدائه، وحتى يمتنع العامل من السهر ليلاً.

- مراقبة جميع الأعمال الحكومية بحيث تتفق مع روح التعاليم الدينية.

- استخدام عدد أكبر من خرِّيجي الأزهر في الوظائف العسكرية والمدنية.

كانت هذه الإصلاحات السمة الغالبة في موقف الإمام البنا من مشكلة الإصلاح في عمومها، كما تعرض لما يمس الفرد في الوظيفة العامة، وتضمنت آراؤه في الإصلاح بالنسبة لهذه المشاكل الإجراءات التالية:

- اختيار الموظفين الحكوميين على أساس الكفاءة دون القرابة.

- استقرار ظروف العمل وتبسيط إجراءاته عن طريق تحديد المسئولية وإلغاء المركزية.

- تحسين أحوال صغار موظفي الدولة برفع رواتبهم وعلاواتهم؛ وذلك لسدِّ الهوَّة بينهم وبين كبار الموظفين، وإيجاد تأمين قانوني ومالي مضمون لهم لحماية المرؤوسين من عسف ونزعات الرؤساء.

- تقليل عدد الوظائف الحكومية وتوزيع العمل على من يبقى توزيعًا أعدل وأقوم.

- إلغاء ما هو جارٍ من استثناءات من القوانين التي يتمتع بها المقربون والأصدقاء والأقرباء.

 

أما عن قواعد النظام الاقتصادي فيتلخص في الآتي:

1- اعتبار المال الصالح قوام الحياة، ووجوب الحرص عليه، وحسن تدبيره وتثميره.

2- إيجاب العمل والكسب على قادر.

3- الكشف عن منابع الثروات الطبيعية، ووجوب الاستفادة من كل ما في الوجود من قوى ومواد.

4- تحريم موارد الكسب الخبيث.

5- تقريب الشقَّة بين مختلف الطبقات تقريبًا يقضي على الثراء الفاحش والفقر المدقع.

6- الضمان الاجتماعي لكل مواطن، وتأمين حياته، والعمل على راحته وإسعاده.

7- الحث على الإنفاق في وجوه الخير، وافتراض التكافل بين المواطنين، ووجوب التعاون على البر والتقوى.

8- تقرير حرمة المال، واحترام الملكية الخاصة ما لم تتعارض مع المصلحة العامة.

9- تنظيم المعاملات المالية؛ بتشريع عادل رحيم، والتدقيق في شئون النقد.

10- تقرير مسئولية الدولة في حماية هذا النظام الاقتصادي.

 

وقد وصف الكاتب الأمريكي "روبير جاكسون" برنامج الإمام البنا بقوله: "كان يريد أن يصل إلى الحل الأمثل، مهما طال طريقه، ولذلك رفض المساومة، وألغى من برنامجه أنصاف الحلول، وداوم في إلحاح القول بأنه لا تجزئةَ في الحق المقدَّس في الحرية والوطنية والسيادة"، وقال أيضًا: "كان مذهبه السياسي أن يرد مادة الأخلاق إلى صميم السياسة بعد أن نُزِعت منها، وبعد أن قيل: إن السياسة والأخلاق لا يجتمعان.

هذه بعض ملامح مشروع الإمام البنا للإصلاح والتقدم، وهي قليل من كثير، ومن يقرأ رسائل الإمام البنا يجد فيها تفاصيل مشروعه في الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وغيرها.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ